هل يفوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا؟ .. الذكاء الاصطناعي يجيب    بالأرقام.. وزير الفلاحة يفند مزاعم "المعارضة" بشأن استنزاف الفلاحة السقوية للثروة المائية    "كان" الفتيان.. كوت ديفوار ثالثا    القنصل العام الفرنسي يزور مركز التقاء الشباب بحي القصبة بطنجة ويؤكد استعداده لدعم التعاون الثقافي والاجتماعي    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    مغربية الصحراء تكتسب زخما دوليا غير مسبوق    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تتحرك لإغلاق ملف الصحراء وإعادة العلاقات بين المغرب والجزائر    الشارقة تضيء سماء الرباط: احتفاء ثقافي إماراتي مغربي في معرض الكتاب الدولي 2025    المغرب يسير نحو طفرة عسكرية نوعية عبر اقتناء دبابات K2 الكورية    يتسع ل5000 طالب.. أشغال بناء المركب الجامعي بالحسيمة تصل مراحلها النهائية    جمارك بني انصار تحبط محاولة تهريب كمية من مخدر الشيرا    احتفالية "رمز الثقافة العربية ل2025" تكرم الشاعر بنيس والفنان الفخراني    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    هل يقود مغربي سفينة "الملكي"؟ أنس لغراري الرجل الخفي الذي قد يرأس ريال مدريد سنة 2029    مدرب شباب قسنطينة يشكر المغاربة على حسن الاستقبال قبل مواجهة بركان    الناصري ينفي التهم الموجهة إليه في قضية "إسكوبار الصحراء" ويكشف تفاصيل عن لطيفة رأفت وتاجر المخدرات "المالي"    احوال الطقس .. امطار وثلوج مرتقبة بمنطقة الريف    عمر مورو: مشاريع البنيات التحتية لكأس إفريقيا 2025 تسير بوتيرة متقدمة بمدن الشمال    وفد رفيع من سفارة رومانيا بالمغرب يزور ENCG طنجة ويوقع بروتوكول تعاون أكاديمي    حين تصبح معلوماتك سلعة .. من يحمي المغاربة من تسريبات البيانات؟    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا: إن موعدهم نونبر؟ -3-    عمر هلال: العودة إلى الصحراء المغربية مشروطة بالإحصاء الإسباني لعام 1974    الحوامض المغربية تلج السوق اليابانية    مقتل صحراويين في مخيمات تندوف : ائتلاف حقوقي يطالب بتحقيق دولي ضد الجيش الجزائري    شرطة البيضاء توقف مواطنا نرويجيا    حادثة سير مميتة تودي بحياة شخص بإقليم الدريوش    خلال 2024.. المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشمال وافق على مشاريع استثمارية بقيمة 85 مليار درهم قد تخلق حوالي 70 ألف فرصة شغل    ناصر بوريطة يواصل جولة دبلوماسية ناجحة لتعزيز دعم أوروبا لمغربية الصحراء    من الرباط.. السفير الصيني بالمغرب لي تشانغ لين : الصين تعتزم عقد مؤتمر عالمي جديد للمرأة خلال هذا العام    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    بيان توضيحي لولاية أمن أكادير بشأن ادعاءات واهية لمنظمة    مهرجان "جازابلانكا".. 26 حفلا موسيقيا يحييها 180 فنانا    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    "حماس" تدعو إلى إنهاء حصار غزة    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    واشنطن بوست تدق ناقوس الخطر: البوليساريو شريك لإرهاب إيران في إفريقيا    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب إفريقيا لم تدفن بعد أشباح ماضيها العنصري
بعد 22 عاما على سقوط نظام الأبارتايد
نشر في المساء يوم 12 - 02 - 2016

اشتعلت الشبكة العنكبوتية، منذ أسابيع، على وقع حرب شتائم بين مواطني جنوب إفريقيا، ساحتها مواقع التواصل الاجتماعي. وهكذا بينما يشبه البعض من الأقلية البيضاء السود بالقرود، يدعو في المقابل بعض السود إلى «تطهير» البلاد من البيض، بل وتطهيرها أيضا من المهاجرين الأفارقة المنتمين إلى بلدان الجوار. إنه الوجه الجديد والقبيح «للأمة القوس قزحية»، التي لم تتغير بعد رغم مرور 22 عاما على إنهاء العمل بنظام الفصل العنصري (الأباريتايد) وانتخاب نلسون مانديلا أول رئيس أسود في تاريخ جنوب إفريقيا. فالعنصرية بين البيض والسود، وكذا كراهية الأفارقة الأجانب مستمرة في تمزيق نسيج البلد الاجتماعي، في وقت تبدو المصالحة الوطنية مجرد أمنية بعيدة المنال. منذ سقوط نظام الفصل العنصري في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم، التصق نعت «الأمة القوس قزحية» بجنوب إفريقيا (Rainbow Nation). وارتبط هذا اللقب بمفهوم الأسقف الأسود ديسموند توتو، الذي لخص من خلاله حلمه برؤية بلده متعايشا وموحدا، بعد سقوط نظام الأبارتايد. ومعنى «الأمة القوس قرحية» أن مكوناتها الممثلة بالألوان، لا تنصهر بالضرورة مع بعضها. بل تتعايش إلى جانب بعضها البعض، مثلما تصطف ألوان قوس قزح في نظام دون أن تتداخل في بعضها. بيد أن الجيل الذي ولد في ظل جنوب إفريقيا الديمقراطية الجديدة، لا زال لم يشف بعد من جروح العنصرية. فقد انتقلت لوثتها إليه بدوره، تحت ثقل مخلفات جراح الماضي البائد في الواقع المعاش، وفي مقدمتها الميز الطبقي على أساس العِرق. فكيف تتشكل أبرز ملامح الواقع العنصري الجديد للمجتمع والدولة، في جنوب إفريقيا اليوم؟
الماضي العنصري يطل برأسه
قبل نحو شهر من اليوم، خلف آلاف السود من سكان جنوب إفريقيا على شاطئ احتفلوا فيه برأس السنة، كمية كبيرة من القمامة. لم يكن الأمر مستجدا ولا نادرا، لكن وكيلة عقارية بيضاء علقت على الحادث بغضب في صفحتها على «الفايسبوك»، بأن شبهت السود بالقرود الذي يقومون بالعمل نفسه (لا ينظفون بيئتهم من فضلاتهم). وبعدها بأيام، تعرض محلل اقتصادي للتوقيف من عمله بأحد الأبناك، بسبب تغريدة له على «تويتر» ندد فيها بتنامي الكراهية ضد الأقليات، وكان يقصد بالتلميح الأقلية البيضاء التي ينتمي إليها.لقد أحدث هذان التعليقان ضجة كبرى ومفاجئة، بعد أن وجدا طريقهما سريعا إلى صدر الصفحات الأولى للصحف الجنوب إفريقية. فأنعشا حملات المزايدة العنصرية التي تمزق البلد منذ عقود طويلة، بسبب الميز القائم ضد مكونات نسيجه الاجتماعي التي تتنوع بين البيض والسود والمهجنين والهنود. وتلاحقت ردود أفعال غاضبة من كل جانب على شبكات التواصل الاجتماعي، وتصاعدت نبرة التطرف وجرعته حتى بلغت درجة الخطر، عندما علق مواطن أسود يشتغل موظفا حكوميا مثلا، بالقول: «أريد تطهير هذا البلد من البيض. علينا أن نفعل بهم ما فعل هتلر باليهود».!
تجريم العنصرية لن يقضي عليها
وفي مسعى منها إلى قمع هذا المد العنصري الجديد، الذي افتتحت به جنوب إفريقيا سنتها الجديدة، نددت السلطات بما وصفته «التصريحات العنصرية الوحشية»، واتخذت إجراءات طرد عاجلة من العمل في حق بعض أصحابها. بينما أبدى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم منذ 1994، ترحيبه بالخطوات القانونية الرامية إلى تجريم الأفعال التي تمجد الميز العنصري، مشددا على أن العنصريين «يجب معاقبتهم بحزم، لأنهم يريدون إرجاع جنوب إفريقيا إلى الوراء». ويعترف مسؤولون بارزون في الحزب نفسه في هذا الإطار، بأن البلد «لم يسبق له أن شهد تقاطبا عرقيا بالدرجة التي بلغها اليوم». وتؤكد ذلك الأرقام الرسمية نفسها. وهكذا، وحسب نتائج بحث أنجزته مؤسسة الرئاسة الجنوب إفريقية منذ عامين، فقد انتقلت نسبة السكان المعتقدين في «تحسن العلاقات العرقية بين مكونات البلد» من 72% في العام 2000، إلى 39% في 2012. ومعنى ذلك أن المصالحة الوطنية المأمولة ما تزال هدفا صعب التحقق، رغم مرور أزيد من 22 عاما على انتخاب نيلسون مانديلا أول رئيس للبلد. وفي تفسير تلك الحصيلة المقلقة للنفوس، ترى مؤسسة نيلسون مانديلا في تقرير لها أن «تجريم العنصرية لن يقدم المفتاح السحري» للأزمة الحالية التي تجتازها جنوب إفريقيا. وينبغي بالتالي «استلهام حكمة نيلسون مانديلا التي تقول بأن المصالحة الوطنية هي صيرورة روحية تتطلب توفر أكثر من مجرد إطار قانوني، بل ينبغي أن تمس قلوب الناس وأرواحهم». بيد أن جيلا كاملا انقضى منذ اندحر رسميا نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، من دون أن يُقضى على العنصرية في «عقول وقلوب» الناس كما تنبأ نيلسون مانديلا. والمؤكد أن السبب في ذلك ليس قط عاطفيا.
لا وئام بدون عدالة اجتماعية
ولتفسير فشل سياسة «الوئام العرقي»، يدفع كثير من الخبراء الاجتماعيين والاقتصاديين بتفسير أقل فلسفة وأكثر واقعية. فلن يكون ثمة، بإجماع رأيهم، من وئام مجتمعي بين أعراق البلد المختلفة في ظل الوضع الراهن، المتسم بغياب العدالة الاجتماعية. ففي بلد يضم 52 مليون نسمة، تشير آخر الإحصائيات إلى أن %79 منهم سود، في مقابل %9 فقط من البيض، و%9 من المهجنين (ذوو أصول مختلطة) والهنود. وفي ظل هذه التركيبة الاجتماعية المتنوعة، يعاني 28% من السود من البطالة، في مقابل بطالة 10% من البيض. وفي بلد ظل يستلهم لعقود مقولة مانديلا الشهيرة «التربية هي أقوى سلاح لتغيير العالم»، يقدم قطاع التربية والتعليم في جنوب إفريقيا اليوم، أكبر المؤشرات على غياب العدالة الاجتماعية وانتفاء تساوي الفرص بين مكونات البلاد المختلفة. ففي حين استثمرت جنوب إفريقيا منذ 1996 ما بين 18% و22% من ميزانياتها في قطاع التربية، وهو ما مثل معدل 6% من ناتجها الداخلي الخام، فإن ترتيبها عالميا بخصوص تدريس المواد العلمية، يجعلها تتقدم بمرتبة واحدة فقط بلدا من أفقر بلدان العالم مثل اليمن، حسب معطيات المنتدى الاقتصادي العالمي. إن القطاع العمومي للتربية والتعليم بأكمله متدهور إلى درجة أن بعض ثانويات البلاد لا يجتاز فيها أي تلميذ بنجاح امتحان البكالوريا، خصوصا في المقاطعات القروية، حيث إن الحديث يجري عن نسبة 100% رسوب، بدل نسب النجاح المعتادة في أماكن أخرى من العالم. والسبب أن أغلب المؤسسات التعليمية ما زالت تعيش نفس الوضع الذي كانت عليه زمن النظام العنصري: بنايات متداعية للسقوط، غياب الخزانات وأدوات التدريس العلمية، عدم توفر المناهج التعليمية الجديدة، الخ. ومن أجل تجاوز هذا الوضع الكارثي، تلجأ الأسر التي تتوفر لديها إمكانيات مالية إلى تسجيل أطفالها في مؤسسات القطاع الخاص. وهي باهظة التكاليف، حيث تصل مصاريف التدريس ببعضها سنويا إلى 7000 دولار (حوالي 7 ملايين سنتيم مغربية). ما يعني بالضرورة حرمان السواد الأعظم من السكان من خدمات تعليمية في حدها الأدنى من الجودة، وفي مقدمتهم السود. وبالتالي، إعادة إنتاج نظام الميز الطبقي على أساس عنصري، في ظل دولة ديمقراطية سياسيا.
وإذا كانت الحكومة تبرر هذا الوضع المختل بصعوبة توظيف مدرسين في المناطق الفقيرة (القرى وضواحي المدن)، فإن هذا الوضع المختل ينتج عنه وصول 5 % فقط من السود إلى الجامعات، في مقابل 50% من البيض، بعد مرور 20 عاما كاملة على نهاية نظام الأبارتايد، وذلك وفق ما أشارت إليه خلاصات التقرير الرسمي الصادر عن المجلس الجنوب إفريقي للتعليم العالي في 2013. وينعكس ذلك طبعا بالسلب على حظوظ المواطنين السود في الحصول على مناصب شغل. وبالتالي، يسهم في إعادة إنتاج الفقر والغنى بين المكونات العِرقية للبلد وفق الترتيب القائم نفسه.
تمييز «إيجابي» في الجامعات
تضم مؤسسات التعليم العالي في جنوب إفريقيا نحو مليون طالب، يمثل السود بينهم نسبة 79%، مع تمثيلية في تصاعد للسود داخل دواليب الإدارة الجامعية. ولأنه إلى حدود العام 2005 كان 4 من السود فقط من بين 23 رئيسا لمؤسسات التعليم العالي العمومية في البلد، فإن السلطات الحكومية قررت محاربة هذا الواقع المجحف، باعتباره من مخلفات سنوات نظام الأبارتايد البائد. ولأجل ذلك تم اعتماد سياسة جديدة تقوم على نوع من «التمييز الإيجابي». وكانت البداية من جامعة الكاب العريقة، التي شرعت في قبول طلاب سود في صفوفها، على الرغم من حصولهم على نتائج دراسية أقل من الطلاب البيض. فكانت الحصيلة كارثية، إذ لا تستطيع الأعداد الهائلة من الطلاب السود المتخرجين من المدارس العمومية مواكبة مستوى التدريس بالجامعة، فينقطعون عن الدراسة في أعقاب السنة الأولى من الدراسة فيها. والغريب أنه رغم إقرار جامعة الكاب بفشل هذه السياسة، إلا أن مسؤوليها يدافعون عنها، حيث يعتبرون «التمييز الإيجابي» المطبق أفضل سبيل لتحقيق التقدم. لكن تلك السياسة المسماة «سياسة تحويل» تثير مع ذلك الجدل في جنوب إفريقيا. وبرأي خبراء، فإنه لا يكفي أن تفتح الجامعات أبوابها للطلاب السود رغم ضعف تحصيلهم، بل ينبغي العمل على الرفع من مستوى التعليم الابتدائي والتأهيلي، إذا ما كانت النية صادقة في محاربة الإقصاء في صفوف الشباب السود. ولذلك، فإن هذا التحدي يمثل رهانا حقيقيا. على أن غياب الانصاف في الجامعات لا ينحصر فقط بين الطلاب، بل يشمل الأساتذة أيضا. ففي بلد %79 من سكانه سود في مقابل %9 فقط من البيض، تختل المعادلة بحيث نجد 76% من أساتذة الجامعات من البيض. ومن بين 1405 أساتذة بجامعة الكاب الشهيرة، كان 48 منهم فقط من السود برسم العام الجامعي 2013. ويرد مسؤول برئاسة الجامعة نفسها عن تهمة «التمييز الهيكلي»، الذي يمارس فيها بالقول: «بما أن الحصول على درجة أستاذ بالجامعة يتطلب في المجموع 20 عاما من الدراسة، وبما أن طلاب الدكتوراه من السود في جنوب إفريقيا كانوا أقلية قبل 20 عاما، عند انتهاء النظام العنصري، فإنه بالتالي من المبرر أن يكون الأساتذة الجامعيون السود أقلية اليوم». لكن هذا النوع من المبررات يعتبر واهيا برأي باحثين جامعيين من السود. فحسبهم، لا يتوفر كثير من الأساتذة البيض على الكافي من التجربة العلمية التي تزيد أو تساوي ال 20 عاما من الدراسة، بل ولا يتوفرون فوق ذلك على شهادة الدكتوراه المطلوبة للتدريس في الجامعات.
وميز عنصري في الرياضة
لقد مثل ظفر منتخب جنوب إفريقيا للكرة المستطيلة بكأس العالم 1995 نصرا تاريخيا، وإعلانا عن ميلاد «أمة قوس قزح» الجديدة. فالفريق الوطني، الذي ظل لزمن طويل رمزا للأبارتايد، لعب النهاية ضد منتخب زيلاندا الجديدة، لأول مرة أمام رئيس أسود وبتشجيع حماسي منه. ثم تحولت صورة الرئيس مانديلا وهو يمد الكأس لعميد فريق بلده الأبيض، بعد انتهاء المقابلة، رمزا للمصالحة تجسد في الرياضة. ومنحت للعالم اعتقادا مطَمئنا إلى أن جنوب إفريقيا قد قطعت للأبد مع ماضيها العنصري البغيض. لكن اليوم، وبعد انصرام 21 عاما على ذلك الحدث المشهود، ما زالت الفيدرالية الجنوب إفريقية للكرة المستطيلة تفكر في تخصيص حصص (كوطا) للاعبين السود، في وقت يتشكل الفريق الوطني الحالي، الذي هو من أقوى منتخبات الكرة المستطيلة عالميا، في أغلبيته الساحقة من لاعبين بيض. وفي تقرير صدر عنها في سبتمبر 2014، دقت الفيدرالية ناقوس الخطر منبهة إلى كون الكرة المستطيلة سوف «تتعرض للخطر إذا ما تم تجاهل الحاجة إلى إصلاح جذري لهذه الرياضة». وسعيا منها إلى ربط القول بالفعل، فإنها اقترحت اعتماد فكرة التحصيص بحيث تتشكل الفرق ذات المستوى الوطني والجهوي مناصفة، على أساس أن يكون نصف لاعبيها من السود في أفق العام 2019. ورغم أن الفكرة تم اعتمادها، إلا أن تطبيقها على أرض الملاعب ما يزال متعثرا لصعوبات متعددة. والإحصائيات الرسمية تؤكد ذلك الخلل الذي رصده تقرير الفيدرالية. فعلى صعيد الفرق الجنوب إفريقية للكرة المستطيلة، لا تزيد نسبة اللاعبين السود عن 19%، أي بعكس حقيقة التركيبة العرقية للبلد، التي تقارب فيها نسبة السكان من السود 80%. ويشير التوزيع العرقي لانتشار الرياضات في «أمة قوس قزح» من جانب آخر، إلى أن الأطفال السود يبدؤون حياتهم بممارسة كرة القدم، في وقت يمارس مواطنوهم من الأطفال البيض لعبة الكريكيت والكرة المستطيلة (اللتان تعدان أكثر شعبية). وطبعا لا تتوفر المواهب في تلك الرياضيات الحظوظ نفسها من أجل الظهور والتألق، إذ يلعب لون البشرة دورا حاسما في توفرها من عدمه. والمثير أن الميز العنصري ضد السود في الرياضة أيضا لا ينحصر في صفوف اللاعبين فقط. فقد أشار تقرير الفيدرالية الجنوب إفريقية للكرة المستطيلة المشار إليه، إلى أن واقع الميز يطال المدربين والمسيرين أيضا، حيث كشف أن أغلبهم من البيض. ولأجل فرض بعض الإنصاف، أوصت الفيدرالية باعتماد تحصيص يفرض كحد أدنى نسبة السود بين مسيري الفرق في 40%، وفي صفوف المدربين بما لا يقل عن 50%.
الأجيال الجديدة تسقط رموز الماضي الاستعماري
لم تتوقف الجامعات الجنوب إفريقية، على مدى السنين القليلة الماضية، عن الاهتزاز على إيقاع احتجاج الطلاب السود. فالأجيال الجديدة منهم باتت أكثر وعيا وتصميما على فرض عدالة اجتماعية، تنهي واقع الميز العرقي الذي لا يزال مستمرا على مستويات متعددة. وتوجد في مقدمتها المطالبة بوقف التدريس بلغة الأفريكانز، وهي لغة مشتقة من الهولندية كان يتحدث بها في الأصل المعمرون القادمون من هولندا، ثم تحولت إلى لغة للأقلية البيضاء. ويطالبون بإقرار الإنجليزية التي يفهمها غالبية الجنوب إفريقيين لغة للتعليم، بدلا عن الأفريكانز. وقد التقط رئيس البلاد جاكوب زوما رسالة الطلاب وتعاطف معها، حيث شدد في خطاب له أمام رؤساء الجامعات منطلق العام الجامعي الجاري، على ضرورة أن «لا تستعمل لغة الأفريكانز [في التدريس] لإقصاء الطلاب السود [من حرم الجامعة].» وانضم جامعيون سود إلى معمعان النقاش حول الموضوع، فلم يتحفظوا في حديثهم إلى وسائل الإعلام ومنحوا أنفسهم حرية إطلاق أحكام قيمة عنصرية جديرة بزمن نظام الأبارتايد، حيث نددوا بما اعتبروه «هيمنة البيض على مدرجات الجامعة وفرضهم لرؤيتهم الأنجلو-ساكسونية للعالم على الطلاب». ولم تتوقف حرب الطلاب السود عند حدود الرموز غير المادية لماضي البلاد العنصري ممثلة في لغة الأفريكانز، بل تجاوزوها إلى الرموز المادية كذلك. وهكذا رمى طلاب سود من جامعة الكاب في أبريل الماضي بالبراز، تمثال سيسل رودس الذي ظل منصوبا في قلب حرم جامعتهم على مدى 60 عاما. ورودس هذا للتذكير، هو مغامر بريطاني قدم إلى جنوب إفريقيا في إطار زيارة عائلية عام 1874، قبل أن يتحول سريعا إلى منتج للقطن ومالك لمناجم الماس، ثم رجل سياسة عنصري طور رؤية إمبريالية حقيقية في إفريقيا.
وبينما برر الطلاب السود اعتداءهم على التمثال باعتباره يجسد أحد الرموز العنصرية والاستعمارية الكريهة، التي يثير استمرار وجودها في الفضاءات الجامعية اشمئزاز السود، ندد الطلاب البيض من جهتهم بالحادث واعتبروه إهانة لروح البحث عن توافق بين جميع مكونات جنوب إفريقيا التي طالما نادى بها نيلسون مانديلا. وفي أعقاب أسابيع من الجدل الطلابي المحتدم، قامت السلطات بتفكيك التمثال ونقلته من حرم جامعة الكاب إلى جهة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.