نهاية رجل شجاع توفي الزعيم نيلسون مانديلا مساء أول أمس الخميس في منزله بجوهانسبورغ عن عمر 95 عاما. وقال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما في كلمة عبر التلفزيون أن جثمان أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا سيشيع في جنازة رسمية وأن أعلام البلاد ستنكس. وقال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما إن الزعيم التاريخي والرئيس السابق للبلاد نيلسون توفي في هدوء بمنزله في جوهانسبرج مساء أول أمس الخميس بعد مرض طويل في الرئة. وأضاف زوما في كلمة عبر التلفزيون أن جثمان أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا سيشيع في جنازة رسمية. وقال زوما «مواطني في جنوب أفريقيا.. رحل حبيبنا نلسون مانديلا الرئيس المؤسس لبلدنا الديمقراطي.فاضت روحه إلي بارئها بسلام في منزله.» وكان الزعيم الذي دعا شعبه إلى التصالح بعد سقوط نظام الفصل العنصري يحظى باحترام دولي واسع. ولم يظهر مانديلا كثيرا في الحياة العامة منذ اعتزاله الحياة السياسية في عام 2004. من الصعب الإحاطة بشخصية رجل مثل نيلسون مانديلا الذي جمع المجد من أطرافه ليستحق لقب «أبو الأمة»، فهو رجل أكثر من مخضرم شهدت حياته تحولات كانت أحياناً جذرية ومفصلية نقلته من مقاتل شرس يؤمن بالسلاح وسيلة لتحرير بني قومه من ظلم العنصر الأبيض، إلى إنسان رحيم لا يجد مضاضة في احتساء الشاي مع زوجة ألد أعدائه من أجل أن يعمّ السلام وطنه. لعل نشأة روليهلالا داليبونغا مانديلا (أطلق عليه اسم نيلسون أستاذه في المدرسة)، المولود عام 1918، في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كانت عاملاً أساسياً في أن يبدأ حياته السياسية قومياً أفريقياً يعمل على توحيد فصائل السود المضطهدين ضد البيض الحاكمين في البلاد. لقد تشبّع ابن بلدة ترانسكي (جنوب شرق البلاد) بثقافات متنوعة، فلم يكن عقائديا بالمعنى المتحجر، ولا هو سار في سياق أيديولوجي يمنعه عن استخدام عقله والعمل بما هو ملائم لكل مرحلة، بل منذ وصوله إلى جوهانسبورغ (كبرى مدن جنوب أفريقيا)، في عام 1941 حين كان في الثانية والعشرين من عمره، كان يحلم بأن يلقي المستعمرين البيض في البحر، وانتهى به المطاف رئيساً للبلاد يدعو إلى التعايش بين الأعراق. لعلها ثلاثة منعطفات أساسية مرّ بها الرئيس الجنوب أفريقي السابق، الأول تلا مرحلة نشوء نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) عام 1948، فبدأ نضالاً سلمياً ثم ما لبث أن تحوّل إلى نضال مسلح. يومها لم يستسغ المناضل اقتصار حركة التحرير على السود، فدعا إلى اندماج كل من يرفض النظام العنصري من كافة الأعراق في جبهة واحدة تناضل بالطرق السلمية. دعوة أتت أُكلها في اتفاق حزبه (المؤتمر الوطني) مع المعارضين بكافة أطيافهم، وكان لهذا الاتفاق فعله في مانديلا الذي تأثر بالشيوعية آنذاك، ففي عام 1955 أقر الجميع ميثاق الحرية لجميع شعوب جنوب إفريقيا. ولم يكن نشاطه مقتصراً على النضال ضد العنصرية بالمواجهة، بل ناضل أيضا بالعلم والتثقيف فافتتح أول مؤسسة قانونية للسود في جوهانسبرغ في العام 1952 بمشاركة رفيقه الناشط اوليفر تامبو. لكن النضال المُسلح ولجوء الحفيد الأكبر لأحد زعماء قبيلة تمبو، إلى العمل السري، والذي كانت تصفه الدولة بالإرهابي، لم يكن سوى وسيلة أخرى اعتمدها بعد فشل النضال السلمي في مقاومة النظام، الذي حظر عام 1960 المؤتمر الوطني. لقد أطلق مانديلا النضال المسلح معتقداً أنه بذلك يحقق آمال شعبه بالتحرر من نير العبودية. وأصبح قائداً أعلى للجناح المسلح السري للمؤتمر الوطني الأفريقي في العام 1961، ثم خضع في العام التالي لتدريبات عسكرية في الجزائر وإثيوبيا. وبعد أكثر من عام من العمل السري، تم اعتقاله وحُكم عليه في العام 1964 بالسجن مدى الحياة خلال ما عرف ب«محاكمة ريفونيا»، حيث ألقى كلمة تحولت بياناً رسمياً لحركة مناهضة نظام الفصل العنصري. وكتب المناضل الأفريقي، الذي تولى رئاسة الجناح المسلح للمؤتمر الوطني، في مذكراته «طوال 50 عاماً اعتبر المؤتمر الوطني الأفريقي اللاعنف مبدأ رئيسياً له. من الآن وصاعداً سيكون المؤتمر الوطني منظمة ذات طابع مختلف. سننطلق في طريق جديدة وأكثر خطورة، طريق العنف المنظم.. هذه مُثل أنا مستعد للموت في سبيلها». مع زوجته ويني المفارقة أن هذا التحول أتى في الوقت الذي كان رئيس المؤتمر الوطني البرت لوثولي، يتسلم فيه جائزة نوبل للسلام لنضاله السلمي ضد نظام الفصل العنصري، بينما تلقى مانديلا الجائزة نفسها عندما توقف عن النضال المسلح. مما لا شك فيه أن مانديلا دفع أحد تكاليف الحرب الباردة من ذاته، حين أدرجته الولاياتالمتحدة على لائحة الإرهاب لسنوات طويلة، على خلفية مقارعته للسلطات في بريتوريا، أحد معاقل الغرب في مواجهة «الخطر الأحمرالسوفياتي آنذاك. أما المنعطف الآخر في حياته فكان اعتقاله عام 1962، حين كان يبرّر لجوءه إلى العمل العسكري أثناء محاكماته، بأنه مجرد رد فعل على عنف نظام الآبارتايد. وخلال مرافعة تلاها أمام المحكمة قال وهو الخطيب المفوه الذي صار محامياً «كافحت ضد سيطرة البيض وضد سيطرة السود. مثالي الأعلى الأهم هو رؤية مجتمع حر وديمقراطي يعيش فيه الجميع بتناغم ويتمتعون بفرص متساوية». حرّ في سجنه في السجن كان الرجل حراً أكثر من العديد من الطلقاء، فخلال 27 عاماً قضاها خلف القضبان، قرأ الكثير من الكتب بلغة جنوب أفريقيا (الافريكان) وأكمل تعليمه في الحقوق بنظام الدراسة عن بعد. وأهم ما قام به هناك فتح مفاوضات سرية مع سجانيه. وأمضى مانديلا 18 عاما في سجن على جزيرة «روبن آيلاند» قبل نقله في العام 1982 إلى سجن «بولزمور» في كيب تاون، ثم نقل إلى سجن «فيكتور فيرستر» في مدينة بارل المجاورة. في عام 1985 عُرض على مانديلا إطلاق السراح مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، إلا أنه رفض العرض. وبقي في السجن حتى 11 شباط 1990. بعد سقوط جدار برلين وخروجه من السجن سقطت كل الأطر الفكرية والأيديولوجية التي آمن بها الرجل، تمهيداً ليصبح مقبولاً من البيض والسود معاً وليصبح في العام 1994 «أبا الأمة» متولياً الرئاسة التي كانت محظورة على بني جنسه. يوم خروج مانديلا من سجنه عام 1990 لعل أجمل ما قيل في الرجل حين خروجه من السجن، جاء على لسان الأسقف الانغليكاني ديسموند توتو، الحائز أيضاً جائزة نوبل للسلام، قائلاً «لقد خرج من السجن شخصاً أعظم بكثير مما كان لدى دخوله... شخصا يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وكيف يكون أكثر سخاءً على الآخرين». في العام 1994 تولى مانديلا الرئاسة لدورة واحدة من خمس سنوات وتزامن ذلك مع رئاسته للمجلس الإفريقي من العام 1991 حتى العام 1997. وشهدت فترة رئاسته لجنوب أفريقيا نشاطاً لافتا، إذ أظهر التزاما في تحسين حياة الشبان وبناء المدارس، محاولا تعويض ما فقده من تواصل مع أولاده خلال فترة سجنه بدعم طموحات أبناء الوطن. أمة قوس قزح لقد أصبح السجين رئيسا يحمل خطة للمصالحة الوطنية في جنوب افريقيا. يومها ألقى كلمة قال فيها: «ندخل في عهد لبناء مجتمع يكون فيه جميع مواطني جنوب إفريقيا، السود والبيض على السواء، قادرين على السير برؤوس شامخة من دون أن يعتصر قلوبهم أي خوف، مطمئنين إلى حقهم الثابت بالكرامة الإنسانية.. أمة قوس قزح بسلام مع نفسها والعالم». لكن بعد انسحابه من المشهد السياسي عام 1999 كرّس وقته لمهام وساطة في نزاعات مختلفة خصوصاً في الحرب في بوروندي، وذلك على رغم تدهور حالته الصحية واصابته بمرض سرطان البروستات الذي عالجه بعملية جراحية. ورغم تقاعده عام 1999، تابع مانديلا تحركه مع الجمعيات والحركات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم. وتلقى عددا كبيرا من الميداليات والتكريمات من رؤساء وزعماء دول العالم (جائزة جواهر لال نهرو للسلام وجائزة القذافي لحقوق الإنسان). أما أبرز مواقفه فكان رفضه عام 1992 جائزة مصطفى كمال أتاتورك للسلام من تركيا احتجاجاً على الخروقات المسجلة لحقوق الإنسان آنذاك في هذا البلد، لكنه قبل الجائزة لاحقاً عام 1999. حفل أرشيف مانديلا بمواقف سياسية كانت مثيرة للجدل في الغرب، مثل آرائه المساندة للقضية الفلسطينية ومعارضته للسياسات الخارجية للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. لكن المفارقة أن الرئيس الأميركي المذكور هو من أقر قرار شطب اسم مانديلا من على لائحة الإرهاب في الولاياتالمتحدة في تموز عام 2008 في عيده التسعين. ولعل آخر ظهور له على الساحة الدولية كان في سعيه إلى حصول جنوب إفريقيا على حق استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، للمرة الأولى في القارة الإفريقية. وأسعد الجماهير في المباراة النهائية لدى ظهوره المفاجئ على مؤخر عربة للغولف. وعلى الصعيد العائلي برز تحول جديد في حياته عام 1998، وكان قد دخل الثمانين من عمره، وبعدما طلق زوجته ويني ماديكيزيلا، تزوج من غراكا ماشيل أرملة الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل. وفي أيار 2004، أعلن أنه سيخفف نشاطاته العامة ليتمتع «بحياة أكثر هدوءاً» مع عائلته وأصدقائه. ومن المحطات المهمة التي كرّست الرجل مناضلاً أممياً بامتياز، إعلان الأممالمتحدة يوم ميلاد مانديلا يوماً عالمياً، في العام 2009، وذلك في أول تكريم من نوعه لشخص. وكانت المنظمة الدولية نفسها قد اختارته سفيراً للنوايا الحسنة عام 2005. قد تكون من أكثر اللحظات التي سيخلّدها التاريخ في مسيرة من عُرف لدى محبيه باسم «ماديبا»، احتساؤه الشاي مع أرملة مهندس نظام الفصل العنصري هندريك فيرفورد. محطة مهمة في صفحات حياته المليئة بالتحولات. 5حقائق غير معروفة عن مانديلا اسمه الأصلي لم يكن نيلسون.. بل روليهلاهلا كان ضمن قائمة مراقبة الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008 نسي نظارته عندما أطلق سراحه من السجن.. واستعان بنظارة زوجته كان يرتدي زي سائق لتجنب الشرطة.. ولقب ب» بمبرنيل الأسود» شارك في تأسيس مكتب محاماة.. لكن الحصول على درجة في القانون استغرق أعواما طويلة *** حزب التقدم والاشتراكية يعزي في وفاة الزعيم نيسلسون مانديلا على إثر وفاة الزعيم نيلسون مانديلا رمز النضال من أجل التحرر والعدالة والمساواة، بعث حزب التقدم والاشتراكية برقية تعزية هذا نصها الكامل: إلى الرفيق يعقوب زوما رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي جنوب إفريقيا رفيقي العزيز تلقينا في حزب التقدم والاشتراكية بالمغرب، بأسى عميق، نبأ وفاة نيلسون مانديلا، رمز النضال من أجل الكرامة الإنسانية. إن نضاله المثالي ضد نظام الأبارتايد، المبني على الميز العنصري والظلم والإذلال، سيظل إحدى محطات التحرر التاريخية الكبرى للإنسانية. فقد تمكن، بمعية رفاقه في المؤتمر الوطني الإفريقي، من قيادة شعب بأكمله نحو التحرر والكرامة، متجاوزا أصعب العقبات، ومن المكوث وفيا للمثل العليا للإنسانية والعدالة إلى آخر أيام حياته. في هذه الظروف المؤلمة، اسمحوا لي رفيقي العزيز، باسمي الشخصي، وباسم كافة مناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية، أن أبعث تعازينا الخالصة، لكم، ولكل أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي، ولأسرة الفقيد، وأن أؤكد لكم دعمنا الكامل للنضال الذي تسيرون على دربه من أجل إفريقيا جنوبية حرة وديمقراطية، يعيش فيها كل النساء والرجال في وئام وتكافؤ للفرص. لقد فقدت جنوب إفريقيا، والإنسانية جمعاء، نموذجا للتواضع والنزاهة والعدالة والسلام والأمل، وسيظل اسم مانديلا محفورا إلى الأبد في الذاكرة الجماعية للشعوب. وتقبلوا رفيقي العزيز خالص عبارات التقدير محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية