خلال شهر دجنبر من سنة 2012، وقف عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة تحت قبة مجلس المستشارين، وهو يدافع عن سياسة الحكومة في المجال الفلاحي، مؤكدا أن تحقيق الأمن الغذائي المستديم للمغاربة، يظل هاجسا حاضرا بقوة في السياسة الحكومية من خلال تكثيف العناية بالقطاع الزراعي والسمكي وتحسين الإنتاجية دون المساس بالتوازن البيئي. رئيس الحكومة أضاف أن هذا الهاجس يظل أيضا حاضرا، من خلال السعي ما أمكن إلى تحصين الأمن الغذائي المغربي من تقلبات الظرفية الفلاحية والاقتصادية والمناخية على الصعيد الدولي، ومن ثمة فإن الحكومة، حسب عبد الإله بنكيران، تسهر على تكامل سياسات تنمية القطاع الزراعي والسمكي مع السياسات التنموية الأخرى في إطار مقاربة شمولية ترتكز أساسا على تشجيع ودعم الاستثمار في القطاع الفلاحي والصيد البحري، وفك العزلة عن العالم القروي والمناطق الجبلية لتحقيق وصول المواد الغذائية في ظروف مقبولة.اليوم، وبعد موسم قياسي السنة الماضية تجاوز مستوى محاصيله 115 مليون قنطار، عاد المغاربة ليضعوا أيديهم على قلوبهم بعدما أبت السماء أن تجود علينا بأمطارها، وبعدما أصبحت كل المؤشرات في المستويات الحمراء التي تحذر من سنة عجفاء، ليعود التساؤل من جديد: هل نجحت البرامج الحكومية فعلا في ضمان ديمومة الفلاحة الوطنية والحفاظ على الأمن الغذائي للمغاربة؟ موسم فلاحي صعب وسنة عجفاء يتجه المغرب نحو موسم فلاحي صعب، بعد تأخر التساقطات المطرية، فطيلة شهور أكتوبر ونونبر ودجنبر 2015 كانت التساقطات ضعيفة جدا، مقارنة مع السنة الماضية، ومع مطلع 2016 يزداد الوضع صعوبة. فبالأرقام، لم تتجاوز التساقطات خلال الموسم الحالي 80 ملمترا، في الوقت الذي يصل فيه المعدل السنوي 223 ملمترا، ما يعني أن العجز المسجل في التساقطات بلغ هذه السنة 60 في المائة تقريبا، مما سيكون له انعكاس على إنتاج الحبوب، وعلى علف الماشية ومياه السدود وعلى الفرشة المائية. هذه الوضعية دفعت المندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي، إلى تحذير الحكومة من سنة عجفاء، إذ رسم المندوب السامي صورة سوداء عن الوضعية الاقتصادية للمغرب خلال هذه السنة، مؤكدا أن معدل النمو الاقتصادي لن يتجاوز في أحسن الأحوال 1.3 في المائة. وتوقع لحليمي أن يتأثر الاقتصاد الوطني كثيرا بموسم الجفاف، موضحا أن حصة الأنشطة الفلاحية ستستقر في حدود 12.7 في المائة، وهي نسبة مشابهة لسنوات الجفاف، في الوقت الذي لن يتجاوز نمو الأنشطة غير الفلاحية 2.2 في المائة، وهي نسبة متواضعة جدا مقارنة بالسنوات الماضية. وشبه المندوب السامي للتخطيط الوضعية الحالية للموسم الفلاحي وتداعياتها على الاقتصاد الوطني بما وقع سنتي 1995 و2007، مؤكدا أن القيمة المضافة للقطاع الفلاحي تراجعت خلال الفترتين ب41 و20.8 في المائة على التوالي. تحركات حكومية لإنقاذ الوضع أمام هذه الظرفية الصعبة، تحركت الحكومة مرة أخرى من خلال برامجها الموسمية، حيث كشف رئيس الحكومة أنه أعد برنامجا شاملا يرمي إلى الحد من تأثير تأخر الأمطار على النشاط الفلاحي خصصت له 5,3 ملايير درهم. وأوضح بنكيران، في معرض رده على سؤال حول «التدابير الاستعجالية لمواجهة آثار الجفاف»، تقدمت به فرق من الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب في إطار جلسة الأسئلة الشفوية الخاصة برئيس الحكومة، أن هذا البرنامج يرتكز على ثلاثة محاور تهم إغاثة الماشية، وحماية الموارد النباتية، ومواصلة دعم الفلاحة التضامنية. وبخصوص إغاثة الماشية، أبرز أن هذا البرنامج يشمل توفير الشعير بمجموع التراب الوطني بسعر درهمين للكيلوغرام مقابل نحو 03 دراهم حاليا، موضحا أنه سيتم توزيع هذه المادة ب92 مركز ربط للقرب بمقرات الأقاليم من طرف موزعين يتم انتقاؤهم بناء على طلب عروض. وأضاف أن هذه المراكز تغطي مجموع التراب الوطني، مؤكدا أن الدولة ستتحمل مصاريف نقل الشعير من مراكز الربط للمستفيدين بالجماعات المعزولة. ولتيسير الاستفادة من الشعير بالكميات الكافية، وضمان استمرارية التزود به، قال رئيس الحكومة إنه سيتم عرض الأعلاف على مستوى مراكز الربط بشبابيك مفتوحة وإلزام الموزعين بتوفير كميات الشعير الموجهة للمناطق المعزولة والحفاظ على مخزون أدنى من الشعير طوال فترة إنجاز العملية. وأفاد بأن الحاجيات من الشعير تقدر ب8 ملايين قنطار، مضيفا أنه من المرتقب أن ينطلق توزيع هذه المادة أواسط الشهر الحالي بدفعة أولى قدرها مليون قنطار من الشعير. وأبرز أنه ستتم مساعدة «الكسابة» على توفير علف الأبقار في حدود 05 رؤوس، موضحا أن الدولة ستقوم، من خلال استغلال النظام الوطني للترقيم وتتبع القطيع، بتقديم دعم يوازي 25 في المائة من متوسط حاجيات الاستهلاك اليومي من العلف الخشن، مبلغه 200 درهم للرأس لكل كساب. وأضاف أن حجم القطيع المستهدف يبلغ 1,8 مليون رأس من الأبقار (61 في المائة)، مشددا على أنه سيتم تفعيل هذا البرنامج خلال الثلاثة أشهر الأولى، ومؤكدا أنه سيتم صرف الدعم للكسابين المعنيين عبر القرض الفلاحي. وبخصوص باقي فترة الخصاص، قال رئيس الحكومة إنه سيتم دعم أسعار الأعلاف المركبة (04 ملايين قنطار) بمعدل درهم واحد عن كل كيلوغرام، حيث سيخصص لهذه العملية ما مجموعه 750 مليون درهم. وأشار إلى أن البرنامج يشمل أيضا تمكين «الكسابة» من «توريد» الماشية من خلال تهيئة وإحداث نقط الماء واقتناء الصهاريج البلاستيكية وتغطية مصاريف تشغيل الشاحنات الصهريجية بغلاف مالي يبلغ 155 مليون درهم. وبشأن التأطير الصحي للقطاع، أفاد رئيس الحكومة بأن الدعم يشمل مباشرة برنامجا إضافيا للتلقيح يغطي 24 مليون رأس من الأغنام والماعز و180 ألف رأس من الإبل على مجموع التراب الوطني بكلفة قدرها 130 مليون درهم. وبالنسبة لحماية الموارد النباتية، قال إن البرنامج يتضمن ري المغروسات المتواجدة بالمناطق البورية، موضحا أن هذا الإجراء يهم 93 ألف هكتار من المغروسات بكلفة مالية قدرها 139 مليون درهم. وفي الشق المتعلق بضمان توفير بذور الحبوب لموسم 2016-2017، ذكر أن المخزون المتوفر حاليا من البذور المختارة يبلغ 950 ألف قنطار، متوقعا إنتاج مليون قنطار خلال الموسم الحالي.ولضمان توافر الخضر والفواكه بمستوى أسعار معقول، أكد بنكيران أن الحكومة ستعمل على التأطير المكثف للزراعات بالدوائر المسقية وتخصيص كمية كافية من المياه لانطلاق الموسم الفلاحي المقبل والحرص على التدبير المندمج للموارد المالية. وبخصوص التعويض، ذكر أن البرنامج المذكور يتضمن تعويض الفلاحين المنخرطين في نظام التأمين متعدد المخاطر بالحبوب، خاصة تقليص آجال تعويض الفلاحين المتضررين. وأضاف أنه ستتم على الخصوص مواصلة إنجاز المشاريع التي تهم الفلاحات التضامنية لخلق الثروات وفرص الشغل، موضحا أن مبلغ الاستثمارات المخصص لهذه الفلاحة يصل الى 2,6 مليار درهم برسم 2016، تهم 99 ألف هكتار، إلى جانب تحسين ولوج الساكنة القروية للماء الصالح للشرب بكلفة مالية تناهز 500 مليون درهم. انتقادات شديدة للخطة «الجديدة- القديمة» هذا البرنامج الاستعجالي لم يعف الحكومة من الانتقادات في تعاملها مع القطاع الفلاحي ومشاكله، فأولى هذه الانتقادات جاءت من نجيب أقصبي، المحلل الاقتصادي والأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، والذي عتبر أنه «منذ ثلاثين أو أربعين سنة وفترات الجفاف تكاد تأتي بصفة منتظمة، لكن سيناريوهات الحكومات المتعاقبة تبقى هي هي، حيث تظل نائمة غافلة وتبقى هكذا، ولا تنهض إلا عندما تلوح للجميع معالم الجفاف في الأفق بعد تأخر الأمطار، فتقوم لتضع برنامجا لمحاربة آثار هذا الجفاف». ويرى أقصبي أن الخطة الحكومية الجديدة تشبه، إلى حد كبير، البرنامج الوطني لمحاربة آثار الجفاف الذي اعتمدته حكومة عبد الرحمان اليوسفي قبل سنوات، مشيرا إلى أن أخطر ما فيها أنه عندما يكون الجفاف يكثر الحديث بأن الحكومة أخذت بعين الإعتبار تداعياته، وتنجز دراسات وتعقد اجتماعات ولجان من أجل التفكير واقتراح الحلول، ولكن بمجرد أن تنزل التساقطات الأولى من الأمطار يطوى الملف وكأن شيئا لم يكن ويتم نسيان الجانب الهيكلي للأزمة، وترجع الحكومة إلى سباتها في انتظار الجفاف المقبل. وفي المقابل، جاءت حدة الانتقادات أقل وطأة من طرف محللين آخرين، حيث اعتبروا أن نجاح هذه الخطة مرتبط بالطريقة التي سيتم اتباعها لأجرأتها، متسائلين: «هل سيستفيد منها من هم أكثر ضررا أم لا؟»، خاصة في ظل «إشكالية الشفافية في تدبير السياسات العمومية». الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف الحكومة لإنقاذ الفلاحة محتشمة – ما تقييمك للوضعية التي يعيشها القطاع الفلاحي حاليا؟ إن الموسم الفلاحي الحالي أصبح يعيش على وقع الجفاف المحتوم، بسبب تأخر التساقطات المطرية، فمن المحتم أن ينعكس ذلك سلبا على معدل النمو الاقتصادي، باعتبار أن القطاع الفلاحي يغطي نسبة مهمة من الناتج الوطني الخام، أي أن شح وندرة التساقطات المطرية التي ميزت الموسم الحالي، سيكون لها تداعيات بالجملة، كانعدام فرص الشغل، الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة، وتزايد ظاهرة الهجرة القروية، كما يتجلى تأثير هذا العجز أيضا في الزراعات بالمناطق البورية، حيث عرف الغطاء النباتي تدهورا بالمقارنة مع السنة الماضية، وفضلا عن ذلك، فقد بدأ العجز في التساقطات يؤثر على تزويد قطعان الماشية بالماء والأعلاف، على الرغم من المحصول القياسي من الحبوب (2014-2015) والذي مكن من تشكيل مخزونات هامة من أعلاف الماشية، وفي هذا الإطار فإن الموسم الفلاحي ينذر بسنة عجفاء، حتى وإن تساقطت الأمطار في الفترة المقبلة، فإنها لن تجدي نفعا مادامت ملامح الجفاف تلوح في الأفق بعد تأخر الأمطار. – خصصت الحكومة 5 ملايير درهم لمواجهة آثار الجفاف، هل هذه التدابير الموسمية كافية لإنقاذ الفلاحة الوطنية؟ إن الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف الحكومة لإنقاذ الفلاحة تظل محتشمة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، لأن المشكل اليوم ليس في تعبئة الملايير، بل الخلل يتمثل بالأساس في ضعف الجانب الهيكلي والتدبير، إذ ينبغي أن يوزع الدعم الذي خصصته الحكومة للفلاحين المتضررين من تبعات الجفاف بشكل منصف وعادل، لأن الدعم الحكومي ليس موجها لفئة دون أخرى، فالثابت إلى الآن أن المستفيد من السياسة الفلاحية ومن المغرب الأخضر ومن صندوق التنمية الفلاحية هم فئة كبار الفلاحين، حيث إن مالكي الضيعات الكبيرة هم الذين يستفيدون بشكل أولوي من هذا الدعم الحكومي، ليبقى الفلاح الصغير والمتوسط الحلقة الضعيفة في هذا المسلسل، وفي هذا الصدد، يجب إعادة النظر بصفة جذرية في الاختيارات الأساسية للسياسة التي تنهجها الحكومة، وكذا توضيح كيف سيقومون بتدبير هذا المبلغ المعبأ، وعلى من سيتم توزيعه ومن سيستفيد منه. – ألا ترى أن مخطط المغرب الأخضر فشل في تطوير القطاع الفلاحي، خاصة أن ما يقع هذا الموسم يؤكد أن الفلاحة المغربية لازالت مرتبطة أساسا بالأمطار؟ نعم لقد فشل مخطط المغرب الأخضر في تطوير القطاع الفلاحي، ويكمن هذا الفشل في كونه لا يخرج عن السياق القديم، كما كرس انشغاله بالركيزة الأولى وهي السياسة الفلاحية العصرية المنافسة ذات القيمة العالية، والركيزة الثانية الخاصة بالعناية بالفلاحة الصغيرة، فقد منحت للركيزة الأولى من البرنامج المركزة أساسا على كبار الفلاحين، فرصة تمرير مشاريع واستثمارات مهمة، كما نلاحظ ابتعاد اختيارات السياسة الفلاحية عن الاهتمام بالجفاف كظاهرة بنيوية، صحيح أن الفلاحة لها دور اقتصادي، لكن يجب أن يكون لها دور سياسي واجتماعي، وعليه فإن ضرورة الاعتناء بالفلاح تظل من بين الشروط اللازمة، من أجل النهوض بالقطاع الفلاحي وتطويره.