المركب الثقافي مولاي رشيد الذي سيكون جاهزا في أواسط شهر يناير صرفت عليه ميزانية تفوق مليار سنتيم, فهل توازيه هذه الميزانية حجم إصلاحات? نفس السؤال يطرح حول مركب سيدي بليوط الذي ستنتهي أشغال إصلاحه في نهاية شهر فبراير القادم. شارفت أشغال إعادة التهيئة الجارية بالمركب الثقافي مولاي رشيد على نهايتها، ومن المنتظر أن يتم التسليم في 15 يناير الجاري، حسب مصطفى الحيا، رئيس مقاطعة مولاي رشيد، الذي أكد ل»المساء» أن عملية التتبع والمراقبة لم تصحب المشروع إلا في الشهور الأخيرة من طرف ثلاثة مهندسين من الجماعة الحضرية للدار البيضاء، وأن الشركة التي أسند إليها المشروع احترمت دفتر التحملات، بل إن بعض الأمور المتعلقة بالإصلاح والتي لم تكن متضمنة في عقد الاتفاق، أخذت بعين الاعتبار مع ذلك. غير أن هناك مجموعة من الملاحظات، التي عايتنتها «المساء» تدعو إلى طرح العديد من الأسئلة العاجلة، والمرتبطة ببعض الإختلالات التي شابت المشروع، دون التقليل من حجم هذه المبادرة، فلا يمكن للمهتم بالشأن الثقافي بالدارالبيضاء إلا أن يثمن إقدام مجلس مدينة الدارالبيضاء على قرار إصلاح العديد من المركبات الثقافية وإعادة تأهيلها، بعد أن أصبحت وضعيتها لا تطاق وأصاب تجهيزاتها وبنياتها التحتية التفسخ، وفقدت بالتالي وضعها وانعكس ذلك على جودة الخدمات التي تقدمها. إن إعادة التأهيل تكشف إذن على رغبة واضحة في إعادة تجديده لمسايرة التطور، وتتطلبه الدينامية الثقافية بالمغرب، التي استبشر المسرحيون والمثقفون في خضمها خيرا من وراء العملية التي همت العديد من المركبات، ومنها المركب الثقافي مولاي رشيد. من المؤكد أن مجلس المدينة سيتسلم من جديد المركب بعد انتهاء الأشغال فيه في منتصف شهر يناير الجاري، لكن على أي أساس سيتم التسلم، علما بأن بعض الأخبار التي تسربت من داخل المركب نفسه تشير إلى أن الإصلاح الذي خضع له المركب هو بطعم التخريب. في البداية وقبل الوقوف على بعض الأمور المثيرة في عملية الإصلاح، نشير إلى أن المركب الثقافي قبل ما يزيد عن عشرين سنة تم بناؤه بما يقارب ملياري درهم، وعندما نقول بناءه نقصد كل المركب بالتجهيزات والبنيات المختلفة الصوتية والضوئية، وأن عملية الإصلاح التي تتم حاليا قد وصلت إلى ما يفوق مليار درهم. إصلاح هم بالأساس الطلاء والكراسي والإضاءة وتوسيع الخشبة وتقويتها، وتغيير الستائ، والخلفيات والستائر الجانبية... وتوسيع باب خلفي لدخول الديكور، مع تجديد واجهة المركب وتحسين بهو الاستقبال. وهي جوانب أساسية وهامة، كانت بدون شك، لو تم تناولها بصدق وإخلاص، ستجعل المركب يستعيد تميزه باعتباره من أهم قاعات المسرح بالدارالبيضاء. على أن العمليات تلك رغم الإشراف الظاهري لمهندسين من مجلس المدينة عليها، شابتها العديد من السلبيات، وبخاصة الأعمال النهائية التي اتسمت بالسرعة بعد أن تقررت ضرورة الانتهاء منه مع مطلع السنة الميلادية الجديدة. فعلى أكثر مستويات هذا الإصلاح، لم تراع الشركة المكلفة شروط الجودة، فالركح في وضع أخشابه متفاوت ومتباعد، وتم اللجوء إلى الماستيك للتغطية على ذلك، والكراسي تم تثبتها على خشب لا سند له، مما يسهل اقتلاعه في مدة وجيزة، والستائر تفتقد أصلا معيار الجودة الضرورية والمعايير اللازم توفرها، خاصة بالنسبة إلى الستار الأمامي والستائر الجانبية، ومكبرات الصوت تم تعليقها بشكل أفسد الرؤية وأفسد وضعية وفائدة «البروجيكتورات» الجانبية، بل ويسبب مشكلا لعروض المسرحية، حتى وإن اتفقنا على أن كيفية تعليق هذه التجهيزات يمكن أن يسهم في تحسين الصوت، لكن المسرح ليس صوتا فقط، أضف إلى كل هذا نوعا من المبالغة في الأثمان التي تم اقتناء تلك التجهيزات بها، والتي بالمناسبة تخالف دفتر طلب العروض والأثمان المقدمة من طرف الشركة. ومن الواضح من النظرة الأولى أن الوضعية التي أصبح عليها المركب وقاعة المسرح تحجب كل هذ السقطات، لكن المتمعن والمدقق سيدرك حتما أن العمر الافتراضي لما تم إنجازه لن يتعدى في أحسن الأحوال بضعة أشهر . فهل يعقل أن تبرر هذ ه الأشهر حجم الإنفاق؟! قد يجادلنا أحد في صحة ما أشرنا إليه، وحتى يختبر كل مسؤول مدى صحة هذ ه الإشارات ما عليه إلا أن يشكل لجنة محايدة لإعداد تقرير في الموضوع، لا تكتفي بالرؤية السريعة بل بالتدقيق، لأن المركب الثقافي، كغيره من المركبات الثقافية، هو ملك جماعي، ووجه من أوجه حيوية الأمة، وفضاء لممارسة تعبيراتها الدالة على صلتها بعصرها. وبالتالي فمن غير المقبول أبدا أن يتم التلاعب بفضاءات حيوية كهذه، مقابل الربح المادي. وكانت «المساء» تتمنى أن يرد عمدة المدينة محمد ساجد على مكالمتنا الهاتفية لنتمكن من معرفة وجهة نظره في الموضوع، لكن هاتفه للأسف ظل يرن دون أن يجيب. وتجدر الإشارة إلى أن المركب الثقافي سيدي بليوط يخضع بدوره لعملية ترميم من طرف نفس الشركة، وسيتم الانتهاء من الأشغال به في نهاية شهر فبراير القادم، وسنعود في أعداد قادمة للوقوف على بعض الاختلالات الفنية التي قد يكون عرفها هذا الأخير.