ينظم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لقاءات جهوية حول « الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي وسبل التفعيل «. وتمتد هذه اللقاءات من شهر نونبر إلى غاية منتصف دجنبر 2015 ، يركز خلالها المجلس على 5 أهداف رئيسية، ولتوضيح العلاقة بين الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وبين التدابير ذات الأولوية المشكلة أساسا من المشاورات التي نظمتها وأشرفت عليها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، كان لنا حوار مع الأستاذ محسن الأكرمين، الفاعل الجمعوي والباحث التربوي. ما هي في نظركم الأستاذ الأكرمين أسباب تنزيل التدابير ذات الأولوية ؟ وما هي أسس تفعيلها ؟ أعتقد أن الأسباب لم تكن وليدة وعي فجائي عفوي بل كانت محصلة منتوج قطاع التربية والتكوين بالمغرب، محصلة أزمة النتائج المتدنية، والتي غير ما مرة ترتقي بنا إلى مراتب التصنيفات الأخيرة. فضلا عن تزايد الضغط المتنامي الاجتماعي / الشعبي المسلط تجاه محدودية مخارج المدرسة المغربية العمومية، ونكوصها بالتأخر عن اللحاق بمختلف التغيرات والتحولات الاجتماعية والتنموية الوطنية. تشخيص محدودية المنظومة التربوية المغربية يحيلنا على عدة عوامل أساسها التذبذب البين في تفعيل آليات عملية الإصلاح العام بالتأجيل، وإن جاز لنا تعميم الحكم بالتعويم، هو تأجيل بنية مبيتة منذ التوافق الجماعي على دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين (دستور الإصلاح التربوي والنظام التعليمي بالمغرب عشرية 2001/2010). الآن الوعي الجماعي الوطني ازداد تماسكا، وأضحى يلح على متم جودة « المنتوج « الذي نرتضيه لخريجي المؤسسات التعليمية المغربية العمومية، وهو الأمل الجماعي العام الاستشرافي من أفعال تنزيل التدابير ذات الأولوية. قبل أن نتحدث عن الأهداف الوجيهة للعمليات الإجرائية المسطرة للإصلاح، وأسس تنزيل التدابير ذات الأولوية من قبل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، لا بد من الإشارة إلى موجهين أساسيين: الأول موجه المشاورات الموسعة التي أشرفت عليها وزارة التربية الوطنية حول المدرسة المغربية الجديدة، فيما الموجه الثاني بسلطة الرؤية الاستراتيجية (2015/2030) للإصلاح التربوي، وهو الموجه الذي يركب عرشه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. الأهداف كثيرة من عملية تنزيل التدابير ذات الأولوية، لكن في مجملها تروم إلى تجاوز الهدر المدرسي، مع الرفع المستمر من جودة المردودية الداخلية والخارجية للمدرسة المغربية العمومية، وامتلاك آليات التعلمات الأساس (قطب اللغات / قطب الرياضيات والعلوم / قطب التنشئة والتَّفَتُّح التربية الإسلامية والاجتماعية والفنية والبدنية). فيما أسس التفعيل ترتكز على 23 إجراء موزعا على 9 محاور، تستمد مرجعيتها الأساسية من البدائل المقترحة ضمن التقارير التركيبية لمجموع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. - لنعد شيئا ما إلى صيغة بناء المشاورات الموسعة حول المدرسة المغربية الجديدة. ما هي في نظرك الملاحظات المسجلة عنها؟ «قفا نبك» هو العنوان السديد للمشاورات الموسعة التي دفعت بها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حول واقع المدرسة المغربية الجديدة، وآفاق التطوير الاستشرافي. الكل في حديثه ضمن ورشات المشاورات يعلن التباكي على الوضعية غير السوية التي تجاوزتها عتبات إخفاق التعليم العمومي المغربي بإجماع جماعي، ومن أعلى سلطة بالمملكة ( الخطب الملكية حول وضعية المنظومة التعليمية ) .. مشاورات حركت البركة الراقدة من العمق، واستل الكل خنجره الضارب وشرع في تحليل وتفكيك إشكالات واختلالات منظومة التربية والتكوين المغربية. ثم شرع الجميع في البحث عن المشجب المحتضن لكل الإخفاقات من الفصل الدراسي إلى الوسط المدرسي إلى المحيط المجالي للمؤسسات التعليمية بشموليته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والمذهبية. الملاحظة الوجيهة أن كل من شارك في هذه المشاورات الموسعة اقتنى لنفسه صك الغفران من مسؤولية ما آل إليه تعليمنا الوطني. وأطلق العنان بحرية في نقد وتجريح المكونات الأخرى المباشرة أو غير المباشرة بأزمة المدرسة العمومية (وجعل الدولة المشجب الطيع للإخفاق). الكل يستمع ويدون الملاحظات بتفان ومسؤولية وكأن الأمر فتح مبين لحصر اختلالات وإشكالات المنظومة التعليمية، في حين أن جل أسباب إخفاقات وإكراهات المدرسة العمومية معلومة لدينا بتواتر النتائج الهزيلة وطنيا ودوليا. من تم، ألا يمكن القول إننا نتقن النقد والتجريح بنقشه على الحجر ولا نستطيع تنزيل البدائل برؤية استراتيجية وطنية واقعية ومتوافق على مؤشراتها؟ ألا نقر أن نكسة المنظومة التعليمية المغربية زكيناها جميعا ولو بنية غير مبيتة القصد، ونشرك فيها بنسب تختلف اتساعا وعمقا. - الآن، ما هي إذا الأهداف العامة المسطرة من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني؟ ليكن الهدف العام من المشاورات الموسعة، هو ترك الفرصة للمؤتمرين في اللقاءات التشاورية الموسعة حول المدرسة العمومية الحق المكفول في التنفيس عن الذات ولو كان الفعل بالقول المطنب. وهو النجاح الأول لعملية استقطابها لجل تمثيليات شرائح المجتمع المدني والسياسي والاقتصادي والديني. وفي الأخير وصلت المشاورات بعد أن أنهكت بالتقليب النقدي إلى المجتمع المدرسي المحفظ والمحصن داخل أسوار المدرسة العمومية العليلة. فإذا كانت رزمة رصد الاختلالات لم تنفك تنتهي إلا بإرجاع الخنجر إلى غمده وركوب استشراف المستقبل عبر توطين الاقتراحات والتوصيات والبدائل الممكنة، فإن اشتغال خبراء وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تم من خلاله إعداد رقعة شطرنج للتدابير ذات الأولوية – (والمؤلفة من 23 إجراء موزعا على 9 محاور)- والتي تكتسي بطبيعة تفكيرنا القبلي صيغة القشة المنقذة من الغرق النهائي/الحتمي للمنظومة التربوية المغربية. - وما هي القيمة المضافة لاشتغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ؟ إنها الضفة الموازية بمفترق العلو والتمثيلية. المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي اشتغل على هندسة بناء الرؤية المستقبلية(2015/ 2030 ) وأعد لنا تقريرا استراتيجيا برافعات أحادية العدد للتجديد، وتشكل خارطة الطريق الناجحة لتحقيق التغيير المنشود… وهي تحمل بين طياتها رهانات كبرى في ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومدرسة الجودة للجميع، ومدرسة الارتقاء الفردي والجماعي. وفي الأخير، تم توحيد مستخلص عصير الوزارة الوصية الرامي إلى إصلاح المدرسة المغربية والرفع من مردوديتها، وفواكه الرافعات الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ليشمل ثلاثة محاور أساسية وهي: لأول: حصر أهم مكتسبات منظومة التربية والتكوين السالفة التي ينبغي تعزيزها وتثمينها كنقط قوة للمنظومة. الثاني: تصنيف الاختلالات التي تعاني منها منظومة التربية والتكوين باستحضار المنهاج الافتراضي المعتمد في التقويمات الدولية . الثالث: اقتراح البدائل الاستراتيجية والتصورات الكفيلة بإخراج المنظومة من وضعيتها المعيبة . - وما هي في رأيكم الخلاصات العامة المشتركة بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني؟ انتهى التحليل الاستراتيجي بمعرفة آليات الموازنة بين عناصر القوة والضعف في البيئة المخملية للمنظومة التربوية العمومية. وكيفية توظيف البدائل لتغطية الاختلالات المزمنة، والتفكير في المخاطر المحتملة (الداخلية والخارجية ) المحدقة بالعمليات الإجرائية للإصلاح. ثم أرجعت كرة الثلج إلى القواعد لتفكيك الشوائب غير المرغوب فيها بالتصويب والتعديل. كثلة الثلج فتحت لها ورشات المعالجة والضبط. وهنا نقر جميعا أوليا باستحسان مقصد منهجية الوزارة بإقحام الجميع في عملية الإصلاح التربوي المرتقب عبر اعتماد مقاربة تفاعلية متحركة بأسهم صاعدة ونازلة، وإعلان انتهاء زمن هبة إنزال الإصلاح القسري عموديا. لكن لنا تخوفات واردة بقوة من عملية الإصلاح والتي ترتكن إلى اعتماد مبدأ (تجديد وتنقيح وتخفيف البرامج الحالية)، من هنا سنوثق قولنا بملاحظة أن العملية لا تعدو أن تكون إلا ترميما أي (برامج جزئية «منقحة» )، في حين كان مطمحنا الجماعي الأكبر هو تحديث البرامج بما يتلاءم مع حركية التحولات الوطنية والدولية. ونتساءل، أين هو المطلب المجتمعي في تعديل البرامج وتجديدها؟ أهو بتلميع النتوءات الحادة للمنظومة أم بتحديث البرامج والمناهج ؟ هي تساؤلات وغيرها لرفع غيوم الإبهام عن البعد الاستراتيجي لصلاحية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني المكلفة دستوريا بإعداد المخططات العملية والبرامج الإجرائية الكفيلة بإصلاح المدرسة العمومية والرفع من جاذبية مردوديتها. الوزارة الوصية أرادت إصلاحا تربويا بصفر درهم يصل إلى الفصل الدراسي ويغير نسق بناء التعلمات، وملمح تلميذ المدرسة العمومية المستقبلي، ويفتح باب امتلاك الكفايات الأساس ولو بالحد الأدنى لنظام الجودة الوطني. فلا دفتر تحملات يفتح الباب للتنافس بين المؤلفين، إنه الإصلاح – (التقشفي )- المنطلق من مدارس التجريب إلى التعميم (المحدود والمطلق ) ثم والإرساء العام. وحتى لا نستبق الأحداث فلا بد من الدفع أولا في إقرار تكوين مستمر لطاقم المؤسسات – (الإداري والتربوي ) – حول المفاهيم الأساسية الديداكتيكية (الكفايات) كمقاربة ناظمة للمنهاج. فضلا عن التنصيص واقعا بمعدل المؤشرات العامة المرتقبة من عملية الإصلاح بحدود سنة 2030 .