ساهمت التعزيزات الأمنية التي اتخذتها ولاية أمن القنيطرة، بمعية مختلف المصالح الأمنية والاستخباراتية والاستعلاماتية المتواجدة بالمدينة، وكذا السلطات المحلية، بشكل كبير في استتباب الأمن وحفظ النظام العام ليلة رأس السنة الجديدة، حيث بدت الأوضاع هادئة في معظم الأحياء، ولا سيما أن سوء أحوال الطقس وهطول أمطار غزيرة بين الفينة والأخرى، دفع العديد من المواطنين إلى ملازمة بيوتهم، وتتبع ما جادت به القنوات الفضائية عليهم في هذه الليلة، وجعل الأزقة والدروب، بما فيها تلك الكائنة بالنقط السوداء، يسودها سكون رهيب، لم يكسره إلا خبر وقوع جريمة قتل بمنطقة الساكنية، راح ضحيتها شاب عاطل عن العمل، لا يتجاوز عمره 31 سنة. كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساء، حين تلقت الشرطة برقية تفيد بوجود شاب ملقى على الأرض في حالة خطيرة، بعد إصابته بجروح غائرة بواسطة السلاح الأبيض، إثر نشوب نزاع بينه وبين أحد الأشخاص، ساهم في تأجيجه وجودهما في حالة غير طبيعية. استنفرت مصالح الأمن عناصرها فور إشعارها بالخبر، حيث هرعت إلى مسرح الحادث وباشرت تحرياتها الأولية لمعرفة ملابساته، قبل أن تستدعي سيارة الإسعاف التابعة للوقاية المدنية، التي كانت هي الأخرى في حالة تأهب في هذه الليلة، ليتم نقل الضحية «سفيان.م.»، الذي يقطن بحي «بام 1»، إلى قسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي الإدريسي، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة، بالرغم من الإسعافات الأولية التي خضع لها من طرف الطاقم الصحي، ليتم إيداعه مستودع الأموات في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التشريح الطبي. هذا في الوقت الذي كان فيه المتهم «مصطفى. ب.»، 33 سنة، الساكن بحي الشباب، يتلقى هو الآخر العلاج، بغرفة مجاورة، بعد إصابته على مستوى الرأس خلال نفس الشجار، ليجري اعتقاله بعد ذلك، ووضعه تحت الحراسة النظرية بمقر ولاية الأمن للتحقيق معه. بدت معظم الحانات والخمارات شبه مملوءة عن آخرها بعشاق النبيذ واللحوم البشرية، وكانت طوابير من الشباب، من الجنسين، مثلما كان عليه الأمر قرب محلات بيع الخمور المنتشرة بمحيط ولاية الأمن، تنتظر إشارة من «الفيدورات» لولوج فضاء الموسيقى الصاخبة، والرقص الفاحش، ومقارعة كؤوس الخمر، وغير بعيد عن مداخلها، انتصبت عناصر الأمن بزي رسمي وبدونه، والتي ظلت مرابطة بعين المكان، تترقب الوضع إلى حدود الساعات الأولى من اليوم الموالي، وفي كثير من الأحيان كانت تجبر على التدخل لتهدئة الخواطر، كلما نشب صراع بين «فيدور» وزبون. «المساء» تسللت إلى علبة ليلية تابعة لأحد فنادق المدينة، وكان ما تم رصده بالعين المجردة شبه فظيع، فتيات يافعات وقاصرات، وأخريات قد بلغن من الكبر عتيا، يرقصن بمجون، يثير الغثيان، معظمهن شبه عاريات، إلا من «خرقة» شفافة حاولن بها تغطية المناطق الحساسة من جسمهن، صعدت إحداهن أعلى المنصة وراحت تستعرض بخيلاء مفاتنها، معظم الشباب الذين التفوا حولها كانوا في حالة سكر طافح، اشتدت المنافسة بينهم حول من له الأحقية في الرقص معها على نغمات أغنية «درجة درجة» للشاب بلال الجزائري، فاختارت شابا وسيما أبان عن سخاء مادي منقطع النظير، ليعود من يملكون فقط ثمن الكأس الذي بين أيديهم أدراجهم خائبين. في ركن مقابل للمدخل الرئيسي، كانت هناك طاولة جمعت كل أصناف «البيرة» الغالية الثمن، محاطة برجال بدا من مظهرهم أنهم من أصحاب الحظوة والمكانة، كل واحد منهم قد أمسك جسدا أنثويا بين ذراعيه، في صور شبيهة بما كان يفعله كبار قوم قريش في الجاهلية، قبل أن تسود المكان رائحة كريهة، شتتت شمل أصحاب اللذات، بعدما لم يتمالك شاب حديث العهد بالخمر، نفسه، وراح يتقيأ في مشهد مقزز، دفع «فيدورا» مفتول العضلات إلى حمله خارجا، مانعا إياه من الدخول إلى «البار» مجددا، ومخاطبا زبونا آخر «والله ما تدخل، عندك 200 درهم وبغيتي تسكر، سير حتى لغدا، وأجي»، في حين وقت فتح الباب على مصراعيه دون اعتراض لفتاة حرصت على إبراز تضاريس جسدها، كانت قد نزلت للتو من سيارة أجرة صغيرة. معظم المراكز الحساسة بالمدينة كانت محاطة بفرق أمنية مختلطة، وشوهدت أيضا سيارات القوات المساعدة منتشرة في مختلف المواقع القريبة من الفنادق والحانات المعروفة، كما نصبت حواجز للمراقبة في كل مداخل القنيطرة، وأكد مصدر أمني أن مجمل الإجراءات المتخذة هي احترازية، وتدخل في إطار الخطوات الاستباقية لمنع وقوع الجريمة كيفما كان نوعها، نافيا أن يكون لهذا الأمر علاقة بموضوع الرصاصات القديمة التي عثر عليها رجل أمن، منذ أيام قليلة، بمنطقة أولاد أوجيه. اختراق سيارة، نوع «بارطنير»، وسط المدينة بسرعة جنونية، أثار شكوك وحيرة الأمنيين المحليين، لا سيما، بعد أن واصل سائقها، المرفوق بفتاتين، السير، ولم يعر أدنى اهتمام لشرطي المرور الذي أشار إليها بالتوقف، قبل أن تصطدم سيارته بقوة بحاجز طرقي إسمنتي، مما ألحق أضرارا جسيمة بالعربة، في حين لاذ راكبوها بالفرار، خوفا من إلقاء القبض عليهم، بعدما تمت مطاردتهم، حيث نقلت السيارة إلى المستودع الجماعي، في انتظار الكشف عن هوية مالكها، والتحري بخصوص راكبيها الفارين، الذين قالت عنهم المصادر إنهم كانوا مخمورين. عند مدخل قصبة المهدية نصب رجال الدرك الملكي حاجزا أمنيا للمراقبة، وكانت كل السيارات المغادرة من وإلى الشاطئ، تخضع لإجراءات التفتيش الروتينية، كما يتم التدقيق في هوية من بداخلها، قبل أن يلتقطهم مجددا حاجز للشرطة، وحسب مصدر مسؤول، فإن المنطقة عرفت حركة سير أقل من عادية، ولم تسجل أية حوادث سير خطيرة، وبدت العناصر الأمنية ورجال السلطة الذين وضعوا في حالة تأهب واستنفار بمركز الدرك بالمهدية في شبه راحة تامة، باستثناء حادث استقدام مواطن هندي كان بصحبة مغربي، تم توقيفهما عند حاجز بالقرب من جماعة سيدي الطيبي، حيث تم إخلاء سبيلهما بعد إخضاعهما لإجراءات كشف الهوية. أما قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بالقنيطرة، الذي استعانت فيه إدارة المستشفى بالعديد من حراس الأمن الخاص، تحسبا لأي طارئ، فلم يستقبل سوى حالات قليلة من المصابين جراء بعض المشاجرات التي نشبت في هذه الليلة، وأوضحت المصادر أن الوضع كان جد طبيعي، ولم تسجل أية إصابات خطيرة، باستثناء حالة الوفاة الوحيدة التي سبق ذكرها.