لم يعد الأمر سرا أن المغرب هو واحد من الأهداف التي رسمتها «داعش» في مخططها الإرهابي. لذلك نتابع كيف نجحت مصالح الأمن في فك خيوط عدد من خلاياها النائمة هنا وهناك. غير أن هذا العمل الذي قام ويقوم به رجال الحموشي، لا يجب أن يجعلنا ننام في العسل، ونترك الحبل على الغارب كلما تعلق الأمر بأمننا القومي، الذي يقر الكثيرون بأنه يصبح أحيانا في مهب الريح، إذا لم نبادر إلى إصلاح ما يجب إصلاحه. لقد انتهت حكاية الاسثتناء المغربي منذ الضربة الموجعة التي تلقيناها في ماي من سنة 2003. ومن يومها نجحنا في التصدي للكثير من المحاولات الهجومية القادمة إلينا من الخارج، أو تلك التي انتعشت في الداخل. لكننا لم نطور أساليب دفاعنا خصوصا حينما يتعلق الأمر بفئة عليها مسؤولية جسيمة اسمها حماية أمن المواطنين. إنهم رجال الأمن على اختلاف درجات مسؤولياتهم، الذين لا زلنا نفرط في تكوينهم التكوين الناجع والفعال، أو على مستوى طرق اشتغالهم، وظروف هذا الاشتغال، وأدواته، وما يترتب عنه من إكراهات تنعكس سلبا على المردود العام الذي يجعلنا في منأى عن أي تهديد إرهابي أو تهديد يطال الأفراد والممتلكات. قد تكون خطوة إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية، أو ما اصطلح عليه ب»اف بي أي» المغربية، شجاعة بالنظر إلى لأدوار الكبيرة التي قامت وتقوم بها. وبالنظر إلى الكفاءات البشرية التي أضحت تشتغل في هذا الجهاز. لكن ذلك لا يزال غير كاف لتحقيق الأمن القومي الذي نتمناه. الأمن الوقائي يذكر المغاربة أنهم لم يكتشفوا سلاح «الكلاشينكوف» لأول مرة إلا مع أحداث فندق أطلس أسني بمدينة مراكش في غشت من سنة 1994. لقد كانوا يعرفون قوة ودقة هذا السلاح من خلال شاشات التلفزيون، وأفلام السينما، قبل أن يكتشفوه على أرض الواقع. غير أن المثير فيما عاشته مراكش، ومعها مملكة الحسن الثاني، التي ظلت تنعم بأمن وسلام جعلاها تحمل لواء الاستثناء، هو أن كل الذين تعاقبوا على أمن البلاد بعد ذلك، لم يستفيدوا من الدرس جيدا. والحصيلة هي هذه العمليات الإرهابية التي عشناها بعد ذلك، وهذه الجرائم التي توالت وتطورت وأصبحت تستعمل الأسلحة في عملياتها، من المخدرات، إلى الذهب، إلى الأبناك وتصفية الحسابات الشخصية. تبدو الصورة مستفزة أن يقف رجل أمن بزيه الرسمي والحزام الجلدي على خصره متدليا بشكل غير مضبوط. فيما يبرز بطنه متقدما إلى الأمام. ويطرح المواطن البسيط سؤالا مستفزا كيف يمكن لهذه البنية الجسدية المهترئة أن تقوم بدورها في حماية أمن وسلامة المواطنين. إنها الصورة التي أعطت للإجرام بكل تلاوينه مساحة التطور لأنها لم تحقق ما تسميه الأدبيات بالأمن الوقائي. كما أن كل الظروف التي يشتغل فيها رجال الأمن اليوم بكل أصنافهم، لا تساعد على أداء المهمة كما يجب، يشرح أحد رجال الامن الذي يعتبر دوره أساسيا في ضمان الحد الأدنى من الأمن والأمان. ظروف تلخصها شهادة ضابط أمن اشتغل لسنوات بداخل مدرسة تكوين رجال الشرطة. يشرح هذا الضابط كيف أن مدة التكوين التي كانت تحدد في ستة أشهر كحد أدنى يقضيها الطالب المتدرب بداخل ثكنة الشرطة، على اعتبار أن الأمن الوطني هو جهاز شبه عسكري وإن كان لا يوازي الدرك الملكي الذي يصنف على أنه جهاز عسكري بالتمام والكمال، أضحت تقلص في السنوات الاخيرة لشهر يزيد أو ينقص. وأربعة أسابيع لن تكون كافية لإعداد رجل أمن توكل له مهام حماية أمن وسلامة البلد. غير أن هذا الإكراه يجد له بعض كبار الإدارة العامة للأمن الوطني ما يكفي من مبررات تلخصها شهادة مسؤول يرى أن تنامي الجريمة في مغرب اليوم فرض علينا الإسراع في توفير الموارد البشرية الكافية لمواجهة سلسلة الاحتجاجات، وتوفير شرطة للسير والجولان، وأخرى للاشتغال في صفوف الضابطة القضائية. أي أن تنامي الجريمة بكل أنواعها هو الذي تسبب في تقليص مدة التكوين. تكوين أسر لنا أحد مسؤولي مدرسة بولقنادل المتخصصة، أنه يأتي مع الممارسة. الإكراهات ليست في مدة التكوين، ولكنها ممتدة لأشياء أخرى، يشرحها مسؤول أمني غادر المهنة بعد أن وجد أنها لا توفر كل أدوات النجاح. إنها حصص التكرار التي تنهك حال رجل الأمن الذي يجد نفسه يشتغل أكثر من الحصص المعتادة بمبرر تعزيز التواجد الأمني. ينضاف له الفقر الكبير في أدوات العمل. لذلك يستحضر محاورنا تجربة « كرواتيا» التي كانت إدارة الأمن الوطني على عهد الجنرال حميدو لعنيكري قد دخلتها في بداية عهد محمد السادس. يقول إنها تجربة رائدة لأن الجنرال لعنيكري وفر لها ما يكفي من أدوات عمل من سيارات دفع رباعي، ودراجات نارية بأعداد كافية. لذلك كسب الأمن الوطني معركة التواجد في كل مكان ليحقق الأمن الوقائي الضروري. من خلال الاستعراض الأمني، ومن خلال البذل الخاصة التي ظل يرتديها هؤلاء. غير أن التراجع الذي حدث بشأن تجربة «كرواتيا»، وهي التسمية الشعبية التي أطلقت على هذه المجموعة من رجال الأمن الذين ظلوا يتواجدون في كل مكان، طرح أكثر من سؤال عن الخلفية التي حركت هذا التوقف على الرغم من كل الإمكانيات المالية التي وضعت رهن إشارته. البعض رأى أن «كرواتيا» التي اشتغلت بهمة ونشاط في بداية عهدها سرعان ما عادت لتنخرط في ابتزاز المواطنين والبحث لهم عن أي مبرر لاعتقالهم والزج بهم في السجون. فيما يشرح آخرون أن صعود نجم الجنرال حميدو لعنيكري بتلك القوة، شكل خطورة على كبار الجنرالات الذين وجدوا أن المدير العام للأمن الوطني قد يسحب البساط من تحت أقدامهم. لذلك تحركت الخيوط لإسقاط تجربته. أسلحة تقليدية ومنتهية الصلاحية حينما تفجر فندق أطلس أسني بسلاح «الكلاشينكوف»، كان رجال الأمن عندنا، ولا يزالون إلى اليوم، يستعملون سلاحا تقليديا اسمه «براونديك إ ف أن». سلاح لا يوازي في الدقة والصرامة وسرعة التنفيذ سلاح الكلاشينكوف. لذلك كان من الصعب، بل من المستحيل أن يطلب من أمننا الوطني أن يقوم بدور حماية البلد بمثل هذه الأدوات. أما من توكل إليهم مهام المراقبة حينما يتعلق الأمر بأحداث استثنائية أو بمراقبة الطرق في بخراطيش محدودة تتراوح في المعدل بين 5 و10. ويحكي أكثر من رجل أمن كيف أن الكثيرين ممن يكلفون بهذه المهام يضطرون لترك هذه الخراطيش ببيوتهم مخافة الضياع، الذي يعني المساءلة. وقد تمتد هذه المساءلة إلى العقوبة التي يمكن أن تصل حد العزل. لذلك يطبق هؤلاء شعار «كم من حاجة قضيناها بتركها». أما جل هؤلاء الذين يقفون اليوم سواء في الطرقات أو أمام المؤسسات العمومية يضعون قرب جيب سترتهم أسلحة «براودينك»، فلم يسبق لهم أن استعملوا السلاح لمدة قد تتجاوز الثلاثين سنة. أي أن هؤلاء لا يجربون أسلحة يحملونها، ويفترض أن يتم استعمالها عند الضرورة، منذ غادروا أكاديمية الشرطة أثناء التداريب الأساسية. ويبدو أن إدارة الأمن الوطني لم تنتبه لهذا الأمر إلا مؤخرا على عهد الشرقي الضريس، حيث تمت برمجة حصص في الرماية لرجال الأمن. المثير، وحسب شهادات رجال أمن دخلوا هذه التجربة مكرهين، هو أن يجد الكثيرون منهم أن الأسلحة التي يحملونها قد أصابها التلف وطالها الصدأ، وأنها لم تعد صالحة للاستعمال. بل إن الكثيرين فضلوا الانسحاب من هذه الحصص التدريبية حينما اكتشفوا أنها تجري بدون جدية، خصوصا وقد تجمع فيها عدد كبير من رجال الأمن لم يتمكنوا من تجريب حظهم لأكثر من فرصة واحدة. رجال أمن ببطون منتفخة أمام الباب الرئيسي لمؤسسة عمومية، يقف رجل أمن بلباسه الأزرق الداكن، وعلى خصره حزام جلدي يحمل مسدسا. إنه هنا من أجل القيام بدوره في استتبات الأمن، وحماية هذه المؤسسة. لكن المثير، ونحن نتحدث عن رجل أمن يفترض فيه أن يقوم بدور الوقاية والردع والتدخل في الوقت المناسب، هو هذه الهيئة التي أصبح عليها عدد غير قليل من رجال الأمن. وليس من الغريب أن تكتشف بنظرة واحدة كيف أن الانسجام المفترض بين رجل الأمن وبين السلاح الذي يحمله، غير وارد. فالكثيرون يقفون اليوم ببطون منتفخة. مع ما يتركه الحزام الجلدي من صورة بئيسة عن هذا الذي يجب أن يقوم بالتدخل السريع في الوقت والمكان المناسبين. لذلك لم يعد المجرمون، خصوصا هؤلاء الذين دخلوا تجارب جديدة في عالم الإجرام، وأصبحوا يستعملون الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع، يخشون رجال الأمن الذين لا توفر هيئاتهم الرعب المفترض. في أوروبا وأمريكا مثلا، يمكن أن تكون صورة وهيئة رجل أمن كافية لردع المجرم، الذي يتحرك عادة بالكثير من الحيطة والحذر. بل إنه غالبا ما يقوم بدراسة الوضعية قبل الإقدام على أي مغامرة. أما عندنا، فقد تكون هيئة رجل الأمن كافية، بل عاملا مساعدا على تشجيع المجرم للقيام بما خطط له. ويحكي أحد العارفين بهذا العالم كيف أن بنك المغرب في أي مدينة مغربية مثلا يضع أمام بابه رجل أمن يكون في الغالب متقدما في السن، ويكون تعيينه في هذا المكان بمثابة عقوبة وليس امتيازا. وتكشف الصورة عن وجه الأمن أمام مؤسسة بحجم بنك المغرب حينما يجلس هذا الحارس على كرسي مهترئ، وهو يرتشف كأس شاي أو قهوة بعد أن نزع حذاءه، والسلاح بيديه. إنها صورة تشجع المجرم القادم خصوصا من أوروبا على القيام بما يفكر فيه، أكثر ما تثير فيه الخوف والفزع لكي يتراجع. ولا أحد يفهم اليوم لماذا لم تفكر إدارة الأمن الوطني مثلا في فرض حصص رياضية لكل رجالها من أجل أن يحافظوا على لياقتهم البدنية، ورشاقتهم التي تعتبر عنصرا أساسيا في الردع والوقاية من وقوع الجرائم. لعل آخر خطوة أقدمت عليها وزارة الداخلية إحداثها لقوات خاصة تضم في صفوفها رجل أمن بمعية جنديين لتأمين بعض الأماكن الحساسة كالمطارات والفضاءات العمومية التي تعرف إقبالا متزايدا للمواطنين، ساهم في نشر هذا الأمن الوقائي الذي يحمي البلد. «عملية مرحبا» تفتح أبواب الجريمة ظل شباب الجيل الثالث من المهاجرين المغاربة يستثمر هذه العيوب الأمنية التي ظلت المملكة تعيشها منذ سنوات. وبدل أن تركز شغلها على تهريب المخدرات، خصوصا بعد أن أحكم الطوق على هذه التجارة، توجهت إلى بعض البنوك، ومحلات بيع الذهب، وسيارات نقل الأموال، خصوصا وأن توفير السلاح اليوم في المغرب عن طريق عامل مهاجر، لم يعد مستحيلا. بل إنه أسهل بكثير من الحصول على قطعة حشيش. لذلك يتساءل الكثيرون لماذا لم تفكر الدولة في حماية حدودها من تهريب السلاح إلا مؤخرا، حيث وضعت بضعة أجهزة «سكانير» عند كل النقط الحدودية، وهي الأجهزة التي كانت من قبل مخصصة لمراقبة الشاحنات والحافلات. ولا يتردد شاب من الجيل الثالث من عمالنا المهاجرين في وصف «عملية مرحبا»، التي أطلقتها الدولة بحسن نية لاستقبال جاليتنا المغربية في أحسن الظروف، بالفرصة الذهبية التي ساعدت الكثيرين على تكوين ثروة حقيقية في عمليات تهريب السلاح. فأمام التساهل الذي يحدث مع سيارات العمال المهاجرين القادمين من أوروبا وهم محملون بالعملة الصعبة، ظلت الأسلحة تهرب من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا على الخصوص لتستعمل في المغرب في أكثر من عملية. ولأن العمل الإجرامي المحترف، كما هو عليه الحال في بلاد المهجر، يفترض ما يكفي من تجهيزات ولوجستيك، فقد تفنن شبابنا في نقل كل هذا عبر حدود شبه مفتوحة تشفع لها «عملية مرحبا» القيام بكل شيء. لذلك أضحى هؤلاء يحملون معهم دراجات نارية من الحجم الكبير، وعددا من القنابل المسيلة للدموع، وما يكفي من سيارات فارهة وسريعة لا تثير الانتباه. والحصيلة هي هذه الجرائم الجديدة التي أضحت تعيشها مدننا، والتي عاشتها عديد من المدن الأوروبية من قبل، والتي عرفت كيف تشدد الخناق على مجرميها الذين نقلوا تجاربهم إلى البلد الأصلي. «إف بي آي» المغربي هل كان الأمر مجرد صدفة أن يتم الإعلان عن افتتاح المكتب المركزي للأبحاث القضائية بتزامن مع تفكيك عناصر هذا الجهاز لخلية إرهابية تقول إنها تدين بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش»، أم أن الأمر كان مخططا له؟ مهما يكن، فيبدو أن المغرب خطا خطوة مهمة في تفعيل بعض ما جاء من أجله المجلس الأعلى للأمن القومي، وما تدعو إليه المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية بإحداث هذا المركز، الذي سماه الكثيرون «إف بي أي» المغربي، بالنظر إلى الأدوار المقرر أن يقوم بها لمحاربة الجريمة بكل أشكالها وأنواعها. ولم يكن اختيار عبد الحق الخيام رئيسا لهذا المكتب اعتباطيا. فالرجل ارتبط لسنوات بمؤسسة الفرقة الوطنية للضابطة القضائية، والتي نجحت في الكثير من المهام التي أوكلت إليها خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمخدرات أو العملة أو بالجرائم العابرة للقارات، على الرغم من كل الانتقادات التي ظلت توجه لها. لذلك علق الكثيرون على أن هذا المكتب سيستفيد من خبرة الخيام. لكن الأمر لا يعني أن هذه الفرقة سينتهي العمل بها. تقول وثائق «اف بي اي» المغربي إنه مؤسسة ستكون تابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني «ديستي». وإنه سيشتغل بمقاربة تشاركية بين مختلف المصالح الأمنية، خصوصا وأن رهانه سيمتد إلى محاربة كل أشكال الجريمة والجريمة الإرهابية على الخصوص، بالإضافة إلى حماية أمن الدولة، وتزييف العملة، والاتجار في المخدرات والأسلحة، وتكوين العصابات الإجرامية، وبذلك سيشكل المكتب المركزي للأبحاث القضائية أداة جديدة لتعزيز الخطوط الدفاعية المغربية. لا يخفي مسؤولو هذا المكتب أنهم نجحوا في تفكيك خلية «داعش»، التي وضعت مخططا لاغتيال بعض السياسيين والمسؤولين، وحدث بفضل العمل الكبير الذي قامت به مديرية مراقبة التراب الوطني والتي وفرت لعناصر المكتب المركزي كل المعطيات والبيانات للنجاح في المهمة، لذلك ستكون للديستي يد كبيرة على هذا المركز، الذي سيشتغل تحت إمرتها. وقد اعترف عبد الحق الخيام، خلال الندوة الصحافية التي قدمت فيها تفاصيل هذا المكتب، أن تفكيك الخلايا التي تمت مؤخرا كلها كانت من خلال معلومات مديرية التراب الوطني، التي جنبت المغرب عدة مشاكل من خلال عمل جبار ومجهود كبير، على حد قول الخيام. لا يخفي مسؤولو هذا المكتب المركزي أنهم سيشتغلون في إطار المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية. وهو القانون الذي يؤكد على أنه «يمنع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها.. غير أنه يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها». كما تنص المادة ذاتها على أنه يمكن للوكيل العام للملك، إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها، وذلك إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس بأمن الدولة أو جريمة إرهابية أو تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو بالقتل أو التسميم، أو بالاختطاف وأخذ الرهائن، أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات، أو بحماية الصحة، وهي الجرائم التي تشكل مجال اشتغال المكتب المركزي للتحقيقات القضائية. واعترف عبد الحق الخيام، أن للمكتب اختصاصا وطنيا، وهو مكون من أطر تلقت تدريبا وتكوينا في الميدان العملي والعلمي وفي حقوق الإنسان، وعلى درجة كبيرة من الحرفية. كما وفرت لها وسائل تساعدها كي تكون شرطة تمارس مهامها في أحسن الظروف. وإن النيابة العامة المختصة هي الموجودة في سلا. وهو اختيار جعل من مقر «افي بي اي» المغربي واحدا من المراكز الأمنية الكبرى في المنطقة حيث يوجد على مقربة من سجن الزاكي بسلا، و من مقر المنطقة الإقليمية للأمن، والقيادة الإقليمية للقوات المساعدة، ومقر المحكمة الابتدائية الذي يضم غرفة الجنايات المكلفة بقضايا الإرهاب. هو مكتب جاء، كما قال الخيام، لتعزيز الخطوط الدفاعية المغربية من خلال التصدي لكل ما يمس أمن الدولة من قبيل الجريمة المنظمة، والإرهاب، والاتجار في المخدرات، وتزييف العملة. خلاصة بين «الكلاشينكوف»، الذي يوظفه اليوم الكثير من المجرمين في عمليات السطو، وبين سلاح « براودينغ» الذي يتمنطق به رجل الأمن في شوارعنا اليوم، مسافة شاسعة. لذلك يصبح الحديث عن الأمن القومي للبلاد في مهب الريح، ولم يعد الأمر غريبا أو مجرد مزحة أن نردد مع الكثيرين أن البلاد تحميها القدرة الإلهية. فهل تكفي هذه العمليات المتفرقة اليوم للضرب على أيدي المجرمين والقطع مع هذه الجريمة المنظمة، التي غزت البلاد قادمة إليها من أوروبا عن طريق شباب الجيل الثالث، أم أن الأمن في حاجة إلى استراتيجية شاملة تعتمد توفير أسلحة متطورة توازي، أو تفوق، تلك التي يستعملها المجرمون لكي يكون التوازن حاضرا في أي عملية تدخل، كما يجب أن تعتمد إخضاع جل رجال الأمن لتداريب دورية في الرماية واستعمال السلاح، بدلا من الحالة الراهنة. تماما كما هي الحال مع تجربة «أف بي أي» المغربية التي انخرطت في محاربة الإرهاب بدرجة أكبر، في الوقت الذي نحن في حاجة لخبرة رجالاتها لمحاربة كل أنواع الجريمة. أما ما عدا ذلك، فلن يكون غير مضيعة للوقت، وكم اكتوينا بنيران هذا الوضع الأمني المتدهور منذ حدث أطلس أسني الإرهابي، إلى جرائم السطو والنهب، التي وظف أبطالها السلاح، دون أن نستوعب الدرس.
ثورة لعنيكري في فنجان الأمن الوطني حينما جاء حميدو لعنيكري إلى إدارة الأمن الوطني، لم يصفق له الكثيرون ليس لأنه لم يكن مؤهلا لشغل منصب حساس تعاقب عليه عديدون دون أن يصلحوه كما يجب، ولكن لأن العنيكري جنرال قادم من الجيش. والخوف كل الخوف هو أن يتحول الأمن الوطني، الذي يفترض أن يكون جهازا للردع والوقاية أكثر منه جهازا للتدخل، إلى إدارة في يد لعنيكري تقوم بغير دورها الأساسي. لكن مع توالي الأحداث، خصوصا أن الظرفية التي جاء فيها لعنيكري إلى إدارة الأمن الوطني كانت تعرف الكثير من بؤر التوتر. فحكومة عبد الرحمان اليوسفي كانت تعاني من عدة بؤر أطلق عليها «جيوب مقاومة التغيير»، ومحمد السادس لا يزال يتلمس طريقه في الحكم بعد وفاة والده الحسن الثاني، وحركية المجتمع المدني كانت أقوى من حركية السياسة التي يبدو أنها توارت إلى الخلف بعد رحيل الملك. والحصيلة هي أن لعنيكري كان مطالبا بتغيير وجه أمن البلاد، وحمايته، بل والحفاظ على صورة المغرب الاستثنائي الذي قاوم الإرهاب بالفكر والعقل والعمليات الاستباقية، قبل أن تقلب أحداث 16 ماي 2003 كل التكهنات، وتخلط كل الأوراق. في خضم هذه المتغيرات جاء لعنيكري. ويعترف العديد من رجال الأمن، كيف أن حميدو لعنيكري قاد بالفعل ثورة حقيقية في جهاز الأمن، على الرغم من بعض الأخطاء التي ارتكبها، والتي ذهب بعضها برأسه. لقد فرض هذا القادم من الجيش توفير ميزانية ضخمة لاقتناء ما يكفي من التجهيزات، وحضرت سيارات الدفع الرباعي، والدراجات النارية، وخضع عدد من رجال الأمن لتداريب خاصة من أجل التدخل السريع وتوفير الأمن الوقائي في كل الشوارع. ونجح لعنيكري إلى حد كبير في أن يحول شوارع المدن وضواحيها إلى أماكن آمنة من خلال توفير ما يكفي من الدوريات التي لا تتوقف. وتبدو الصورة مثيرة في شكلها الإيجابي، أن يتجول أربعة من رجال الأمن في سيارة الدفع الرباعي، يتقدمهم ضابط، ويسير من خلفهم ومن أمامهم رجال أمن بدراجات نارية، ويمكن لهذه الدورية أن تقوم بالمتعين، بلغة الأمن، في نفس اللحظة التي يمكن أن تقع فيها الجريمة من خلال تواجد رجل أمن بدرجة ضابط. أما الخلفية التي لم يكن لعنيكري ولا كل المتحمسين لتجربته يخفونها، فهي أن تساهم مثل هذه الدوريات المتحركة في توفير الأمن الوقائي ودفع المجرمين المحتملين إلى التراجع. زد على ذلك أن اختيار بذل خاصة لكل رجل أمن، لم يكن اعتباطيا. لقد ساهم، بشهادة الكثيرين، في جعل هيبة الأمن حاضرة في الشوارع والطرقات. ولعل التسمية التي أطلقها المغاربة على فئة التدخل السريع وهي» كرواتيا» بالنظر إلى أن رجال الأمن في هذه الفئة كانوا يضعون قبعات بخطوط سوداء تشبه إلى حد ما العلم الكرواتي الذي التقاه المغاربة من خلال منتخب الكرة في منافسات كأس العالم، لدليل على أن الأثر كان قويا. وكان يكفي أن يذكر اسم «كرواتيا» لكي يدب الرعب والخوف في أجسام المجرمين الذين تراجعوا إلى الخلف قبل أن تتغير الصورة ويعود الوضع الأمني إلى ما هو عليه. نجحت «كرواتيا»، ومعها كل فئات الأمن التي جاءت مع لعنيكري في العديد من المهام، لكنها فشلت حينما أضحت توظف هذا اللوجيستيك وهذه التجهيزات لغير ضبط الأمن وتوفيره، وأصبح بعض رجال الأمن المشتغلين في هذه الدوريات يتحركون من أجل ابتزاز الضحايا وسرقتهم. والحصيلة هي أن الأصوات تعالت لإسقاط «كرواتيا»، ليسقط معها حميدو لعنيكري، في الوقت الذي كان يفترض أن تحافظ إدارة الأمن على هذه التجربة المتميزة وإصلاحها من الداخل بعد أن خضعت للتجربة، حتى بعد ذهاب لعنيكري. والإصلاح هو تنقيتها من العناصر التي أساءت إليها، والتي تتحمل إدارة الأمن هي الأخرى جزءا كبيرا من المسؤولية لأنها كانت ملزمة بتوفير منح، وأجور وامتيازات خاصة لهذه الفئات التي دخلت التجربة لكي تحميها من السقوط في المحظور. يعترف الكثير من رجال الأمن أن تجربة حميدو لعنيكري كانت متميزة، بل إن حمايتها كانت ستساهم بشكل كبير في حماية البلاد من أي تهديد، خصوصا حينما يتعلق الأمر بهذه الجرائم المتطورة التي غزتنا من خلف البحار، لو تم تصحيح مسارها بدلا من التفريط فيها كليا حينما سيغادر لعنيكري. ويضيف بعض الذين يتابعون حال الإدارة العامة للأمن الوطني كيف أن اختيار رجل مدني بديلا بعد إبعاد العنيكري، على رأس هذه الإدارة لم يكن بالقرار السديد بالنظر إلى أن كبار الإدارة، أولئك العارفون بخباياها وكواليسها، وهم من الذين تمرسوا بالإدارة الأمنية، لن يستوعبوا تلقي التعليمات من رجل لا يضع على كتفيه نياشين. هل سقط لعنيكري لأنه قاد بالفعل ثورة حقيقية في جسم الأمن الوطني، لم يتقبلها الكثيرون من أصحاب المصالح الذين أضحوا مهددين في» رزقهم» من خلال علب الليل، والكباريهات، والحانات، والبيوت الخاصة بالدعارة، والتي كانت هدفا لشرطة لعنيكري، لذلك قادوا ضده حملة كان لا بد أن يسقط على إثرها، أم أن ما قام به الجنرال حميدو كان مجرد ثورة في فنجان، فكان لا بد أن يسقط في يوم من الأيام.