في أمريكا، جرت العادة على أن تختار مجلة «التايم» في 24 من ديسمبر من كل عام شخصية السنة. وتترقب أجهزة الإعلام هذا الحدث الذي يعتبره البعض رديفا للإعلان عن جائزة «نوبل». هذا العام، داست المجلة أعراف التوقيت لتختار بن بيرنانك، رئيس الخزينة الأمريكي، الذي قدمته المجلة ك«منقذ للاقتصاد الأمريكي من الإفلاس». طقس ترشيح واختيار شخصية السنة جارٍ به العمل أيضا في أكثر من بلد غربي.. قوامه التشويق والإسقاط العاطفي. في فرنسا، انطلق سباق أجهزة الإعلام ومعاهد الاستفتاء للإعلان عن نتائج الاستطلاعات لأبرز الشخصيات التي دمغت بإنجازاتها، مواقفها، الرأيَ العام الفرنسي لعام 2009. بالشراكة مع قناة RTL نشرت جريدة «لوباريزيان أوجوردويه» على صدر صفحتها الأولى نتائج استفتاء شارك فيه المستمعون والقراء بتصويتهم عبر الأنترنيت لاختيار شخصيتهم المفضلة. كانت النتيجة أن تربع المغني جوني هاليداي على رأس القائمة! بدأ التصويت وجوني هاليداي مسجى على طاولة التشريح بإحدى مصحات لوس أنجليس لإجراء عملية جديدة بعد أن تعفن الانفتاق العمودي لظهره على إثر عملية أولى أجراها في باريس. احتلت المرتبة الثانية، وبفارق عشر نقاط، كريستين لاغارد، وزيرة الاقتصاد، اعترافا بها ب«تسييرها الرزين للأزمة الاقتصادية للبلاد». جاء في المرتبة الثالثة يان آرتيس بيرتران، المخرج السينمائي الذي كان فيلمه السينمائي «أرض» حدثا إيكولوجيا بامتياز. قراءة أولية لهذا الاستفتاء تبرز سلسلة دلالات، أهمها: بجعلهم جوني هاليداي على رأس قائمة الشخصيات المفضلة، لم يقع اختيار المساهمين على شخصية سياسية أو ثقافية، بل على «أسطورة» فنية رديفة لمضخة مالية ذات دفع قوي. وقد توطدت شعبيته بعد دخوله لأيام في غيبوبة، وخاف عليه عشاقه من أن يعرف نفس المصير الذي أزهق روح مايكل جاكسون. وعليه، فإن نظام النجومية لا يزال طويل العمر. الدرس الثاني هو انتماء جوني هاليداي وكريستين لاغارد إلى الساركوزية. أما دانيال كوهن بانديت، النائب البرلماني عن الخضر، فيحتل المرتبة السابعة، فيما تحتل الكاتبة والروائية آنا كافالدا المرتبة الأخيرة. الغناء أولا والثقافة أخيرا وما بينهما كرة قدم وسياسة! استفتاء آخر أجرته هذه المرة، بشراكة جماعية، معاهد TNS/Sofres/Logica، لاختيار أهم الشخصيات السياسية الأربع للسنة. وجاء على رأس القائمة الرئيس نيكولا ساركوزي بنسبة 27 في المائة. المفارقة هي أن هذه النتيجة تتعارض والاتجاه العام لآخر استفتاء، والذي يبين انخفاض شعبية الرئيس بنسبة 60 في المائة. تلي ساركوزي في الصف الثاني راما ياد، كاتبة الدولة للرياضة. بيد أنه في إحصاء آخر، تحتل راما ياد رأس القائمة... وهكذا تتواصل الاستفتاءات ولا يشبه بعضها البعض. في هذا الطقس، يتأكد مرة أخرى أن الاستفتاء مؤسسة تستند إلى استراتيجية إعلامية ومالية ضخمة، لكن برسائل وأهداف ليست دائما مكشوفة. وقد فهم وحفظ الرئيس ساركوزي هذا الدرس بصرفه ما لا يقل عن 7.5 ملايين أورو لتلميع و»بيع» صورته! وفي انتظار أن تسقط نتائج استفتاءات أخرى تهم أحسن رياضي لعام 2009 وأحسن طباخ أو طباخة... إلخ، يتلذذ البعض بنتائج أسوأ وأردأ شخصيات السنة. ويأتي على رأس القائمة الساركوزيان: فريديريك لوفيفر، الملقب بمسدس ساركوزي، وإيريك بيسون، وزير الهجرة، الإدماج والهوية الوطنية، اللذان استحقا أوسمة من جالوق على استعراضيّتهما وصعودهما عند كل شادة وفادة إلى الجبهة. عندنا في المغرب، ستلد البغلة في اليوم الذي سنقوم فيه، عند نهاية كل عام، باستفتاءات لاختيار امرأة أو رجل السنة في ميادين الرياضة، السياسة، الفن، العمل الخيري والإنساني! الأفضل أن نتابع مشوارنا في الابتذال الشامل ونترك للآخرين ممارسة هذا الطقس الذي يعتبر، على الرغم من اعتباطيته وفرجته، مرآة ومقياسا لحرارة الديمقراطية. وفي انتظار أن تلد البغلة، إذن، كل عام وأنتم بألف خير.