سيظل الهم الاقتصادي وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية الشاغل الأول والأهم للرئيس الأمريكي باراك أوباما لفترة ليست بالقصيرة في المستقبل، خاصة مع تفاقم حدة الأزمة مع مرور الوقت. وكانت آخر مظاهر هذا التفاقم هو وصول معدل البطالة في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى أعلى مستوى له منذ ستة وعشرين عامًا. فضلا عن تفاقم الأوضاع داخل كبرى المؤسسات الاقتصادية الأمريكية، خاصة عملاق إنتاج السيارات الأمريكي "جنرال موتورز" واتجاهها نحو إغلاق عدد من مصانعها. لذلك جاء إعلان الرئيس باراك أوباما عن مبادرة جديدة اعتبرها بمثابة خارطة طريق جديدة لإعادة العافية إلى الاقتصاد الأمريكي، حيث تهدف إلى توفير حوالي 600 ألف وظيفة جديدة للأمريكيين خلال الأشهر القليلة القادم. "" في هذا السياق ركزت وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأسبوع المنصرم متابعتها حول الشأن الاقتصادي وإمكانية الخروج منه، والمدى الزمني المطلوب لذلك، فضلاً عن جدوى السياسات التي يتبعها الرئيس الأمريكي للتعامل مع الأزمة. بيرنانك يجيب عن تساؤلات الأمريكيين استضاف برنامج "ستون دقيقة 60 Minutes " - الذي يقدمه الإعلامي سكوت بيلي Scott Pelley على شبكة CBS - رئيس مجلس حكماء بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بن بيرنانك Ben Bernanke، الذي أكد أن المدى الزمني الذي من الممكن أن يستغرقه الاقتصاد الأمريكي للخروج من حالة الأزمة الحالية يعتمد على فاعلية وقدرة النظام المصرفي، لأن دروس التاريخ تؤكد أنه لا يمكن أن يحدث تعافٍ للاقتصاد في ظل معاناة هذا النظام من كثير من المشاكل والأزمات المتلاحقة، التي تقوض فاعليته ونظام عمله من الأساس، فلابد من العمل على كما يقول بيرنانك Bernanke - استقرار أوضاع السوق المصرفية قبل الحديث عن أي تعافٍ للاقتصاد، لذلك يشير بيرنانك Bernanke إلى أن هناك خطة عمل تقوم الإدارة الأمريكية على تنفيذها من أجل تحقيق هذا الهدف. وعن جوهر المشكلة التي تواجه الاقتصاد الأمريكي في ظل هذه الأزمة أكد بيرنانك Bernanke أن المشكلة ليست في نقص السيولة داخل الأسواق، ولكن المشكلة هي في المخاوف الكبيرة التي تُسيطر على الجميع داخل النظام المالي، مخاوف ناتجة من أنه ليس هناك أحد يعرف ماذا يحدث داخل النظام المالي، وبالتالي ليس لديهم أي رؤية حول المدى الزمني الذي يمكن أن يستغرقه النظام المالي حتى يسترد عافيته وفاعليته مرة أخرى، لذلك فان الثقة هي أمر ضروري للغاية من أجل نجاح الخطط والجهود الهادفة للخروج من الأزمة الحالية. وحول السبل التي من خلالها يمكن للأفراد اكتساب مثل هذه الثقة لفت رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الانتباه إلى أن هذا لن يأتي إلا من خلال إظهار التقدم الذي يحدث، لأنه بالفعل هناك تقدم يحدث نتيجة الجهود التي بذلت على مدار الفترة الماضية من جانب الإدارة الأمريكية وكل الجهات المعنية، حيث شهدت أسواق الرهن العقاري والأسواق المالية عددًا من الخطوات الإيجابية، التي أعادت لها بعضًا من الاستقرار الذي افتقدته منذ حدوث هذه الأزمة. الأمور تزداد سوءًا أما كريس والاس Chris Wallace في برنامجه Fox News Sunday – الذي يذاع على شبكة Fox News – فقد عَقد مائدةً مستديرة لمناقشة سياسات الرئيس باراك أوباما الاقتصادية، والتي اتبعها في إطار الجهود التي يبذلها من أجل الخروج من الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي، وكان محور الحلقة هو الإجابة عن تساؤلات عديدة منها، إلى أي مدى وصل التدخل الحكومي في الاقتصاد عامة وعمل القطاع الخاص تحديدًا؟ هل ستؤدي هذه السياسات – أو هي أدت بالفعل – إلى تحول الاقتصادي الأمريكي من الفلسفة الرأسمالية إلى الاشتراكية؟ وللإجابة على هذه التساؤلات استضاف البرنامج كلاً من السيناتور الجمهوري ريتشارد شيلبي Richard Shelby، وأوستن جوسبي Austan Goolsbee مسئول الاستثمار في بنك فريد ماليك Fred Malek. في البداية علق جوسبي Goolsbee على التقارير التي صدرت مؤخرًا حول ارتفاع معدل البطالة ليصل 9.4% بزيادة قدرها 345 ألف عن المعدل الذي وصلت إليه بين الأمريكيين خلال شهر مايو الماضي، حيث أكد أن هذه المؤشرات توضح أن الأوضاع الاقتصادية في الولاياتالمتحدةالأمريكية تسير نحو الأسوأ، وأنه ليس هناك أمل في حدوث تحسن قريب يساعدها على الخروج من هذه الأزمة، حيث لم تتحقق التنبؤات التي صدرت عن كثير من الجهات سواء الحكومية أو الخاصة، والتي كانت تتوقع ظهور مؤشرات إيجابية على طريق خروج الولاياتالمتحدة من الأزمة الحالية، وأكد أنه بالرغم من أن معدل فقد الوظائف خلال شهر مايو يعتبر الأقل منذ سبتمبر في العام الماضي، إلا أن الأمر برمته يسير نحو مزيدٍ من التدهور والسوء. وعن تقديراته للمستوى الذي يمكن أن يصل إليه معدل البطالة خلال الفترة المقبلة، أكد جوسبي Goolsbee أنه يريد أن يبتعد عن مثل هذه التوقعات، لأن مصداقية هذه التوقعات من عدمها تتوقف على المدى الذي يمكن أن يصل إليه مستوى العجز في الميزانية الأمريكية، ولكنه في الوقت ذاته أكد أن الوصول إلى إجابة على هذا السؤال سوف يظل أمرًا صعبًا ليس فقط في الوقت الحالي، وإنما أيضًا لبعض الوقت في المستقبل، لأنه لا بد أن يأخذ الاقتصاد دورته الحالية في ظل الأزمة، ومن ثم فإن الحديث عن الوظائف ومعدل نموها سوف يكون يسيرًا بعد أن يتم الاقتصاد دورته، ومعدل البطالة سوف يرتفع قليلاً خلال المرحلة المقبلة، لأن سوق العمل سوف يشهد دخول أناس جدد – بالإضافة إلى الذين فقدوا وظائفهم خلال الفترة المقبلة – هم أيضًا في حاجة إلى الحصول على وظيفة، لذلك فإنه في الوقت الذي يرى البعض - ممن فقدوا وظائفهم - إمكانية أن يحصلوا على وظائف جديدة، تجد مزيدًا من الأفراد ينضمون إلى قوة العمل، وهم أيضًا في حاجة إلى وظائف. أمريكا اشتراكية في عهد أوباما أما السيناتور الجمهوري شيلبي Shelby فقد أكد على أن إدارة الرئيس باراك أوباما والسياسات الاقتصادية التي اتبعتها، تأخذ البلاد إلى مزيدٍ من الانحدار، باستدراجها الاقتصاد الأمريكي نحو الصبغة الاشتراكية في إدارة السوق، وفي تفسيره لهذا الرأي لفت السيناتور الجمهوري الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية تدخلت بشكل غير مسبوق لمنع انهيار كثير من البنوك، في تدخل سافر وعلى مستوى كبير لم يحدث من قبل، أيضًا تدخلت الإدارة في الأزمة التي تمر بها صناعة السيارات الأمريكية، في استمرار للسياسة التي بدأتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، كما تعكف الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي على إعداد خطة شاملة لإعادة هيكلة وإصلاح قطاع الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة، ومن ثم يخلص السيناتور إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه الجميع الخروج من عنق الزجاجة، تتحرك الحكومة الأمريكية نحو التدخل في كل المجالات الاقتصادية وبصورة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي الأمريكي، ومن ثم فهو يعتبر هذا الأمر بمثابة خطأ كبير ترتكبه الإدارة الحالية، وسوف يدفع إلى مزيدٍ من التدهور. ومن ناحية أخرى وتعليقًا على تصريحات الرئيس باراك أوباما الذي أكد فيها أنه لا يسعى للسيطرة على صناعة السيارات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد تساءل جوسبي Goolsbee هل من المنطقي وسط هذه الأزمة المالية وهذا الركود المخيف أن يترك الرئيس مؤسسات كبرى مثل جنرال موتورز أو كرايسلر أو عملاق التأمين الأمريكي AIG تنهار؟ لمجرد أنه لا يجب على الحكومة الفيدرالية أن تتدخل في طريقة عمل السوق؟ وفي هذا السياق لفت الانتباه إلى أن إدارة الرئيس أوباما بصدد موقفين مختلفين كلية، ففي الوقت الذي تتعرض فيه الولاياتالمتحدة لخطر داهم مثل خطر الإرهاب والحرب التي أعلنتها أمريكا على الإرهاب، فإن التخلي عن القيم الأخلاقية التي يتصف بها النموذج الأمريكي والاتجاه نحو اتباع أساليب التعذيب هو أمر خاطئ كلية. أيضًا في وقت الأزمات الاقتصادية الخطيرة كتلك التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي، فإن التخلي عن المبادئ الاقتصادية التي جعلت من هذه الأمة أعظم قوة اقتصادية على مستوى العالم هو أمر أيضًا خاطئ كلية. ومن ثم فإن وصف إجراءات وخطط الإدارة الأمريكية لضخ مزيدٍ من الأموال – لإنقاذ النظام المالي من الانهيار - في الأسواق الأمريكية باعتبارها حرب ضرورة A War of Necessity عليها القيام بها هو صحيح إلى حد كبير، ولكن التدخل بقوة لمنع انهيار جنرال موتورز ثم بعد ذلك دفعها إلى إعلان الإفلاس، ليس حرب ضرورة، واعتبر جوسبي Goolsbee أن أفضل وصف لهذه الحالة هو حرب خيارات A War of Choices، وقد اتبعت الإدارة الأمريكية الخيار الخاطئ في كثيرٍ من الحالات ومنها حالة شركة جنرال موتورز. لأن من شأن هذه السياسات أن تؤدي إلى حالة من حالات التدخل السياسي في طريقة إدارة مثل هذه المؤسسات إمَّا عاجلاً أو آجلاً. كما أن من شأن هذه السياسات أيضًا أن تقلل من مستوى التنافسية في الأسواق الأمريكية، وسوف تؤدي في نهاية الأمر إلى إحداث كثيرٍ من التأثيرات السلبية على حياة المواطنين الأمريكيين. وتطرق والاس Wallace إلى – ما اعتبره – صورة أخرى من صور التدخل الحكومي في إدارة الأسواق، حيث لفت الانتباه إلى مطالبة الإدارة الأمريكية شركة جنرال موتورز بنقل صناعة السيارات الصغيرة - التي تديرها الشركة في الصين – إلى الأراضي الأمريكية، وأن تقوم بتعديل خط إنتاج هذه السيارات، بإدخال تكنولوجيا جديدة تكون صديقة للبيئة، حيث أكد أن مثل هذه المطالبات تحمل في طياتها تناقضًا واضحًا بين مقتضيات السياسة البيئية التي تدفع الإدارة الأمريكية باتجاهها من جهة، وبين الرغبة في الربح من جهة أخرى، فقواعد السوق وعوامل العرض والطلب، لا تلقي بالاً إلى أن تكون هذه السيارات صديقة للبيئة أو لا، وتساءل والاس Wallace عمَّا له الأولوية بالنسبة لدافعي الضرائب الأمريكيين - والذين أضحوا يحملون أسهمًا في هذه الشركات - هل الربح أم السياسة البيئية؟ وفي هذا السياق أكد السيناتور شيلبي Shelby أنه يرفض كلية إعادة الهيكلة السياسية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية الآن لشركات صناعة السيارات، لذلك فهو يؤيد بشدة أن تلجأ هذه الشركات – جنرال موتورز وكرايسلر – إلى الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأمريكي، لأن هذا الأمر سوف يحميها من إعلان إفلاسها، ومن انهيارها بالتبعية هذا من ناحية، كما أنه سيوفر كثيرًا من الأموال من ناحية أخرى، لأن ما نراه الآن من المزج بين السيطرة الحكومية وسيطرة الاتحادات العمالية على إدارة هذه الشركات، لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره نموذجًا جيدًا يمكن الاعتماد عليه للخروج من الأزمة، ومن ثم فالاعتماد على نظام الإفلاس القانوني المتبع في الولاياتالمتحدة خيار جيد، لأن هذا النظام أثبت فاعليته في كثيرٍ من الأحوال الصعبة التي مر بها الاقتصاد الأمريكي.