التفتيش التربوي، المراقبة التربوية، الإشراف التربوي، التأطير التربوي، والإرشاد التربوي، هي مفاهيم قد تبدو للوهلة الأولى عبارة عن مشاحنة في المصطلحات مادامت كلها تحيل إلى الشيء الواحد، ولكنها في العمق تعبر عن اختلافات في فهم الأدوار المنوطة بما يسمى في الأدبيات الرسمية ب»التفتيش التربوي»، حيث التنازع بين الإداري والتربوي، فإذا كانت الأدبيات لما قبل عشرية الإصلاح تستعمل هذه التسمية، انسجاما مع الفلسفة التربوية الفرنسية، فإن مفهوم «الإشراف التربوي» المنتسب للفلسفة التربوية الأنجلوساكسونية قد ظهر مع «الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، وهذا التذبذب في التسميات، يعكس فلسفتين مختلفتين، فبالنسبة لبعض أطر هذه الهيئة فإنه كما في قطاع المالية والشغل مفتشون، فإن لقطاع التربية مفتشيه أيضا، لذلك فهم مصممون العزم على عدم التنازل عن تسمية «التفتيش»، أما بالنسبة للمدرسين والإداريين عموما فتسمية «تفتيش» ذات دلالة تمتح من قطاعات أمنية وعسكرية لا تليق بقطاع يحث على التواصل والتقاسم. غير أن ما يلاحظ في هذا النقاش حول الأهمية التنظيمية والبيداغوجية لهذه الهيئة، أنه لازال لم يتحول بعد إلى حوار وتواصل، إنما هو نقاش يترواح في حدود «المونولوغ»، فالمدرس يتطرق لهيئة التفتيش لكن مع مدرس آخر، فيختصر كل هيئة التفتيش في نموذج واحد ويعمم أحكامه على كل الهيئة، والمفتش يناقش قضايا التدريس والتسيير الإداري الإقليمي والجهوي لكن مع مفتش آخر، وقد يحصل أن يصبح نقاشهما موضوع مزايدات «نقابوية»، لكن مع ذلك لا يخرج نقاشهما عن نطاق «المونولوغ»، أما المسؤول على مستوى النيابة أو الأكاديمية أو الوزارة فيفتي في مهام هيئة التفتيش ويخترع مهام أخرى، لكن دون الرجوع للمفتش طبعا، وهذه الدوائر المغلقة ومحكمة الإغلاق، من الطبيعي أن تسمح بتناسل أشكال كثيرة من الأحكام المجانبة بهذا القدر أو ذاك لطبيعة مهام هذه الهيئة، ولأهميتها في منظومة التربية والتكوين، وزاد من استفحال وضع هذه الهيئة، الخصاص الذي تعرفه في أطر التفتيش، خصوصا مع المغادرة الطوعية وتوقف مركز التكوين عن استقطاب أطر جديدة، والوجه الأبرز للمفارقة هو كون الوزارة أقدمت على الإجراءين إبان ما عرف بعشرية الإصلاح، وهو وجه آخر للتخبط وفقدان الرؤية الاستراتيجية لدى دوائر كثيرة في المصالح المركزية. فبالنسبة للمسؤول، سواء أكان إقليميا أو جهويا أو حتى مركزيا، فإن «المفتشين لا يشتغلون»، وهذا الحكم قيس على فرضيات قد لا تكون موضوعية، إذ السؤال المطروح هنا هو: ما هي معايير الشغل إذا كانت مهام البحث والمواكبة على الصعيد التربوي والعلمي ليست في نظر هذا المسؤول شغلا؟ لذلك يبادر إلى تكليفهم بمهام أبعد عن الطبيعة التربوية لهيئتهم، كدفعهم في إطار لجن ذات طبيعة طارئة ومستعجلة، لفض نزاعات طارئة في المؤسسات التعليمية، أو مراقبة سير قطاعات لها علاقة بالحياة المدرسية، كالتجهيزات في الداخليات أو جودة الأكل في المطاعم.. أما عند المدرس فالمفتش هو الإدارة بكل ما تحمل الكلمة من معاني «المراقبة والعقاب»..بل «الوشاية» أيضا، وهذه الأحكام غير المنصفة يسهل على المدرس أن يجد لها تجسيدات في بعض الممارسات الفردية لبعض المنتمين لهذه الهيئة، ولأن التواصل مغلق بين هيئة التفتيش وهيئة التدريس، إلا من زيارات ولقاءات تكوينية يطغى عليها الإملاء والكلام العمودي دون تفاعل وتقاسم ومشاركة، فإنه من الطبيعي أن تتكرس الرؤى والانطباعات القبلية بين الطرفين، ودليلنا على هذا نجده في استطلاع الرأي الذي شمل تقويم المدرسين لعمل هيئة التفتيش، والذي نشرت نتائجه في التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم. فرغم إقرار أغلب المدرسين بأهمية هيئة التفتيش، فإن 86 في المائة من مدرسي التعليم الابتدائي، و26 في المائة من مدرسي التعليم الثانوي، غير راضين عن نظام التفتيش، وخصوصا في التقويم الذي تجريه هذه الهيئة للمدرسين، وإذا اقتصرنا على مدرسي التعليم الثانوي، فإن 03 في المائة منهم يرون قلة نجاعته، و53 في المائة يعتبرونه غير شفاف، و43 في المائة يتعبرونه غير نزيه، لذلك يجمع كل المدرسين المستجوبين بما مجموعه 07 في المائة على الحاجة لإصلاح نظام التفتيش. في مقابل هذه الارتسمات والأحكام، نجد المفتشين مقتنعين بأنهم ضحايا هيكلة تنظيمية تسيء لطبيعتهم التربوية، ولا يتوانون عن التذكير بطبيعة هيئتهم، تنظيميا وتربويا، فإذا رجعنا إلى الوثيقة المسماة «التوثيق والنشر آلية لحفظ الذاكرة»، والتي نشرت عقب الملتقى الخامس للمفتشية العامة بتاريخ 52 دجنبر 6002، سنقف عند إنجازات توثيقية وبحثية وعلمية غاية في الأهمية، أنجزها مفتشون بمختلف الأسلاك، واستفادت منها مصالح مركزية وجهوية مختلفة، وهي إنجازات أصبحت جزءا أساسيا من ذاكرة الوزارة ككل، كمديرية المناهج، المركز الوطني للامتحانات، مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات، المشتركة بين الأكاديميات، ثم المفتشية العامة، ناهيك عن نماذج محترمة في الكتابة الحرة والإبداع الخاص بأطر هذه الهيئة، ولأن هذه الأعمال غالبا ما تواجه بكثير من الجحود، فإن هذا النقاش يدفع أحيانا بعض أطر هيئة التفتيش إلى الانكفاء على الذات، وركوب موجة الخطابات النقابوية، والبعض الآخر إلى الاغتراب في مهام إدارية ومكتبية.