في خطوة مفاجئة، نشر خورخي ديسكيار، مدير جهاز الاستخبارات الإسبانية السابق، أسرارا بالغة الحساسية عن علاقته بخوسي ماريا أثنار، رئيس الوزراء السابق. وأفرد ديسكيار، الذي كان سفيرا لمدريد بالرباط مدة طويلة، فصلا كبيرا للحديث عن العلاقات المغربية الإسبانية، قائلا في هذا الصدد: «العلاقات بين المخابرات المغربية والإسبانية كانت دائما قوية جدا»، موضحا، في معرض إجابته عن سؤال يرتبط بما إذا كانت للمخابرات المغربية يد في تفجيرات مدريد، «لا أبدا، لا يمكنهم فعل ذلك، فعلاقتنا بهم قوية وهناك تعاون جيد بين الطرفين». ومنذ عام 1997 سيرتبط اسم خورخي ديسكيار بالمغرب، لأنه سنة بعد فوز اليمين الإسباني بقيادة خوسي ماريا أثنار سيتم تعيينه سفيرا للتاج الإسباني لدى المملكة المغربية، لحظتها بدأت العلاقات بين الضفتين تتجه نحو التشنج تدريجيا، فالملك الراحل الحسن الثاني لم يكن متفائلا بحقبة أثنار بعدما اعتاد على بشاشة الاشتراكي فليبي غونزاليث، كان على خورخي ديسكيار وقتها أن يربط علاقات مع النخبة المغربية، خاصة منها ذات التكوين والثقافة الإسبانيتين، وعاش حقبة التحضير للتناوب وتعيين حكومة عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول، وأيضا عاش لحظة انتقال العرش بعد وفاة الملك الحسن الثاني. وقال ديسكيار إنه عندما كان يتحدث مع مسؤولي أجهزة الاستخبارات الحليفة- ويقصد بها الولاياتالمتحدة- عن شمال إفريقيا فإنهم يخرجون الأقلام لتدوين ما يقوله، فيما كانوا يكتفون بالإصغاء لحديثه عن دول الشرق الأوسط، ليخلص إلى أن الاستخبارات الإسبانية تعد مرجعا بالنسبة للدول الحليفة في منطقة شمال إفريقيا. وفي مذكراته الصادرة قبل أيام في إسبانيا بعنوان «استحق العناء» يحكي ديسكيار لأول مرة عن كواليس عمله كأول مدير مدني داخل جهاز الاستخبارات، لاسيما الانتقادات التي وجهت إليه بسبب عدم قدرة الجهاز الذي كان يرأسه آنذاك على توقع تفجيرات 11 مارس 2004 بمدريد التي أودت بحياة 191 شخصا، وتورط فيها شبان مغاربة. ويعترف ديسكيار بأن رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، خوسي ماريا اثنار، قام بتضليله وممارسة الضغط عليه بعيد تفجيرات قطارات الموت بمدريد في 11 مارس 200، عبر دفعه إلى القول بأن «إيتا» هي التي كانت وراء التفجيرات وليس الجماعات الإسلامية المتطرفة، كما أنه استعمل التقارير الاستخباراتية بشكل انتقائي وممنهج. ويقول ديسكيار في مذكراته إن الكشف عن تورط الجماعات الجهادية في عملية قطارات الموت، ساعات بعد الحملة التضليلية لأثنار، وضع جهاز الاستخبارات في مأزق وأضر كثيرا بمصداقيته في علاقة بباقي الأجهزة الاستخباراتية الدولية الحليفة، كما أنه أصاب عناصر الاستخبارات الإسبانية بالإحباط، مضيفا أن كل ذلك كان من أجل إنقاذ صورة الرئيس فقط، وليس كشفا للحقيقة. ويعترف ديسكيار «شعرت خلال تلك الأيام بالمرارة والمهانة بسبب حسابات سياسية للحزب الشعبي، فبعد إعلان عدم تورط «إيتا» في القضية من طرف بعض وسائل الإعلام، تلقيت اتصالا هاتفيا من رئاسة الحكومة يطالبني فيها مخاطبي بأمر من أثنار بالخروج لإعطاء تصريحات لوسائل الإعلام عن استمرار الاستخبارات في البحث والتقصي بشأن احتمالات تورط تنظيم إيتا في العملية، وبما أن صفتي كمدير للاستخبارات الوطنية لا تتضمن الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، فقد أصدرت بلاغا أؤكد فيه استمرار الجهاز في التحقيق في كل الاحتمالات». ويقر ديسكيار أنه تم بعد ذلك إقصاء جهاز الاستخبارات الوطنية من التحقيقات بشأن تفجيرات 11 مارس، ولم يخبره وزير الداخلية أنخيل اثيبيس باعتقال ثلاثة شبان مغاربة رغم لقائه به في نفس توقيت اعتقالهم بمدريد.