سمية واعزيز بعدما أعلن رئيس كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» أخيرا وضع جيشه «متأهبا بالكامل للقتال والبدء بعمليات عسكرية مفاجئة» طالبا «وقف كوريا الجنوبية لمكبرات الصوت التي وضعتها على الحدود لتبث الشائعات ضد بلاده، وتحديده 48 ساعة مهلة لوقفها، وإلا سيشن عليها حربا واسعة النطاق». ليظهر جدية بلاده في خوض الحرب، وبعدما زارت رئيسة كوريا الجنوبية «بارك كون هيه» قاعدة عسكرية وخاطبت الجنود قائلة: «يجب أن يكون الجيش مستعدا لمواجهة التحديات الجديدة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أريدكم التحرك أولا ومن ثم تقديم التقارير». توصلت الكوريتان الشمالية والجنوبية لاتفاق في ساعة مبكرة يوم الثلاثاء الماضي، بعد أكثر من يومين من المفاوضات، من أجل نزع فتيل الأزمة بينهما، إذ اتفق الجانبان على ترتيب يهدف إلى لم شمل الأسر التي فرقتها الحرب الكورية خلال عطلة الخريف المقبل، وأيضا في المستقبل. جذور أزمة الكوريتين تعود بداية الأزمة في شبه الجزيرة الكورية حسب المؤرخين إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تعود إلى بداية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها آنذاك، حيث قامت الولاياتالمتحدة في العام 1945 بتقسيم دولة كوريا المرغمة على الدخول في تحالف مع دول المحور كونها كانت مستعمرة يابانية إلى منطقتين، شمالية تدخل في مناطق نفوذ الاتحاد السوفييتي، ومنطقة جنوبية تحت سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية، يفصلهما خط العرض الثامن والثلاثين، إذ ومنذ ذلك الحين بدأ التوتر يتفاقم وازدادت الحشود العسكرية حول طرفي خط الفصل، وجرت مناوشات وصدامات مسلحة على نطاق ضيق جرى إخمادها باستمرار، ما جعل الحليفين في الحرب العالمية الثانية أن يتفقا على إجراء انتخابات ديمقراطية في كلا الشطرين من أجل توحيدهما في المستقبل في دولة كورية واحدة موحدة. وفعلا جرت الانتخابات في العام 1948 في شطري كوريا، إلا أن النتائج كانت على غير ما أريد لها، فقد أدت الانتخابات إلى تشكل دولتين منفصلتين تماما بدلا من الشطرين اللذين كان عليهما أن يندمجا بشكل ديمقراطي في دولة موحدة. وأمام هذا الوضع ازدادت حدة التوتر تدريجيا تحت شعار توحيد الشطرين بالقوة، وبلغ ذروته في بداية العام 1950 حيث كان زعيم كوريا الجنوبية «لي سين مان «عرض في نهاية العام 1949 على حلفائه خطة دمج الكوريتين بالقوة العسكرية. وفي هذه الأثناء كان زعيم كيم «إيل سونغ» المنتعش بانتصارات الثورة الصينية وباختبار الاتحاد السوفييتي للقنبلة الذرية بثلاث سنوات قبل الموعد الذي توقعته الاستخبارات الأمريكية قد أعلن عن تأسيس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وأعلم حلفاءه السوفييت بأن بلاده ستقوم بتوحيد الدولة الكورية. وفيما كانت السياسة الخارجية الأمريكية بقيادة مهندسها جون دالاس تحرض الجيش الجنوبي على القيام باستفزازات مستمرة لجر كوريا الديمقراطية إلى حرب يفرض قواعدها الجيش الجنوبي، كان الزعيم السوفييتي المخضرم يوسف ستالين يرى أن انتصار الثورة الصينية النهائي يوفر المقدمات الموضوعية للدخول في حرب من أجل توحيد الكوريتين، لذا فضل التريث آنذاك، واكتفى بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون في المجالين الاقتصادي والثقافي مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ولم تتطرق المعاهدة إلى الجوانب العسكرية. التدخلات الخارجية احتفظ الاتحاد السوفييتي بموقف عدم التدخل المباشر في الحرب الكورية بالرغم من المشاركة العسكرية الأمريكية التي أجبرت الزعيم الكوري الشمالي «كيم إيل سونغ «على اللجوء لطلب المساعدة العسكرية المباشرة من موسكو وبكين، ما حدد دور كلا العاصمتين في الحرب الكورية، إذ أرسل ماوتسي تونغ 250 ألف مقاتل لمساعدة الشماليين، فيما اكتفى يوسف ستالين بإرسال السلاح والتقنيات الحربية للتمكن من صد هجمات القوات الدولية. وبالرغم من تفوق سلاح الجو الأمريكي في الحرب إلا أن جيش كوريا الشمالية تمكن من تلقين القوات الدولية بما فيها الأمريكية درسا قاسيا جدا في معارك كر وفر خلال ثلاث سنوات ليتفق الطرفان على هدنة في العام 1953 تنص على العودة إلى خط العرض الثامن والثلاثين ليشكل خط فصل بين قوات الدولتين. وفي إطار زعزعة الوضع في شبه الجزيرة الكورية وتأثيرها على العلاقات الأمريكيةالصينية، قامت الولاياتالمتحدة وعلى مبدأ «الكنة والجارة» في الفترة الأخيرة بتوتير الأجواء في المنطقة، في غاية منها لتبرير تواجدها العسكري الكبير في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى لجعل دول المنطقة وخصوصا الصين في حالة قلق مستمر يقوض نجاحاتها الاقتصادية عبر عمليات استفزازية ضد الجارة الشمالية المعلقة بالخاصرة الصينية، وذلك عبر إجراءات تحريضية منها المناورات العسكرية الأخيرة المشتركة مع القوات الكورية الجنوبية، ما دفع كوريا الديمقراطية للجوء إلى تعليق موافقتها على الهدنة الموقعة في العام 1953 محذرة سيول وواشنطن بالرد المباشر على أي استفزاز يسيء إلى استقلالها وسيادتها على أراضيها. الصراع الراهن أعلن رئيس كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» يوم 20/8/2015 أن جيشه «متأهب بالكامل للقتال والبدء بعمليات عسكرية مفاجئة» طالبا «وقف كوريا الجنوبية لمكبرات الصوت التي وضعتها على الحدود لتبث الشائعات ضد بلاده، وحدد 48 ساعة مهلة لوقفها، وإلا سيشن عليها حربا واسعة النطاق». ليظهر جدية بلاده في خوض الحرب، وقد حصل تبادل قصف مدفعي بين الطرفين. وعقب ذلك قامت رئيسة كوريا الجنوبية «بارك كون هيه» وزارت قاعدة عسكرية فخاطبت الجنود قائلة: «يجب أن يكون الجيش مستعدا لمواجهة التحديات الجديدة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أريدكم التحرك أولا ومن ثم تقديم التقارير». فلهجة الخطاب هذه تدل على أنها لا تريد الحرب، فتقول ليكن الجيش مستعدا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهي تنتظر التقارير حول أية مستجدات جديدة حتى لا تصل الأمور إلى حالة الحرب، وتتظاهر بالاستعداد لمواجهة التحديات الجديدة لطمأنة الجيش. وقد تزامن ذلك مع بدء التدريبات السنوية المشتركة بين كوريا الجنوبيةوأمريكا حيث تضم هذه التدريبات 50 ألف جندي كوري جنوبي و30 ألف جندي أمريكي. فصرح القائد الأمريكي «ريموند أوديرنو «قائلا: «كالعادة، لدينا كوريا الشمالية الاستفزازية المتقلبة التي لا يمكن التنبؤ بأفعالها، علينا أن نكون معنيين بها دائما». مما يدل على أن أمريكا التي تقوم بالاستفزازات وتتهم بها كوريا الشمالية تخشى من أن تصل الأمور إلى حالة الحرب، وهي لا تريدها كذلك، فتكون معنية بنزع فتيلها قبل أن تنفجر. وقد بدأ التوتر الأخير بين الكوريتين يوم 11/8/2015 عندما صرح وزير دفاع كوريا الجنوبية هان مين جو بأن «جيش بلاده سيلجأ للرد العسكري للسيطرة على قيادة الجزء الجنوبي من المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، وأن جيشه لن يتراجع نتيجة انفجار ألغام زرعتها كوريا الشمالية هناك» وقد أدت إلى بتر أعضاء لجنديين كوريين جنوبيين يوم 4/8/2015، فقامت كوريا الجنوبية واستأنفت البث الإذاعي للحرب النفسية ضد كوريا الشمالية عبر مكبرات الصوت التي زرعتها على الحدود. وتنفي كوريا الشمالية زرعها للألغام. وقال مصدر عسكري كوري جنوبي إنه «يتوقع إطلاق كوريا الشمالية النار على بعض المواقع التي وضعت فيها مكبرات الصوت وعددها 11 موقعا». وقد توترت العلاقات بينهما منذ غرق سفينة حربية لكوريا الجنوبية عام 2010 وتنفي كوريا الشمالية تورطها في ذلك. وحسب المحللين فإنه من المعلوم أن كوريا الجنوبية تابعة لأمريكا التي لها قوات يبلغ تعدادها حوالي 30 ألفاً ترابط فيها منذ الحرب الكورية التي اشتعلت عام 1951 وتوقفت بهدنة عام 1953 ولم يتم توقيع اتفاقية سلام بين الكوريتين. وقد اشتركت فيها الصين بجانب كوريا الشمالية، وما زالت هذه الأزمة قائمة. وقد طورت كوريا الشمالية سلاحها بإنتاج صواريخ «بالستية» تحمل رؤوسا نووية، وطورت برنامجها النووي حتى تمكنت من إنتاج السلاح النووي. وحاولت أمريكا وقف هذا البرنامج باتفاقيات عقدتها معها إلا أن أمريكا أخلت بوعودها عام 2006 بتقديم مساعدات لها فاستأنفت كوريا الشمالية نشاطها النووي وأجرت تجربة نووية في تلك السنة، ومن ثم أجرت تجربة ثانية عام 2009 وتجربة ثالثة أكثر نجاحا عام 2013. وأعلنت عدم التزامها بالهدنة، وهددت بضرب جزيرة «غوام» التي احتلتها أمريكا عام 1521 وأعلنت ضمها إليها عام 1950، واتخذت أمريكا ذلك ذريعة لنشر الدرع الصاروخي في هذه الجزيرة وفي جزيرة «اوكيناوا «اليابانية التي توجد فيها قواعد أمريكية مهمة. وبذلك أحاطت الصين من تلك الجهة بدرع صاروخي بذريعة مواجهة تهديدات كوريا الشمالية. وقد نزعت أمريكا فتيل الحرب يومئذ وعملت على التهدئة. فأمريكا حسب الباحثين لا تريد إشعال الحرب الكورية من جديد، وكلما توتر الجو ووصل إلى شفير الحرب تلجأ إلى التهدئة، ولذلك وقبل انتهاء مدة التهديد الكوري الشمالي بساعتين يوم 22/8/2015 أعلنت كوريا الجنوبية عن بدء المفاوضات مع كوريا الشمالية لنزع فتيل التوتر. فيظهر أن أمريكا تعمل على جر كوريا الشمالية لاستئناف المفاوضات حول برنامجها النووي في الوقت الذي تعمل فيه على شحن الأوضاع حول الصين بتوتير الوضع مع كوريا الشمالية التي تعتبر حليفة للصين، والتي تقع في منطقة بحر الصين الشرقي التي تسعى الصين لفرض الهيمنة عليها لتحول أمريكا دون أن تحقق الصين ذلك، وتبقى هي المهيمنة على المنطقة. وما زالت نظرة الصين قاصرة تركز على منطقتها في بحري الصين الشرقي والجنوبي ولا تقوم بمنافسة أمريكا على النطاق الدولي وزحزحتها عن موقعها في الموقف الدولي، فيمنعها ذلك من أن تصبح دولة كبرى عالميا. هدنة وليس معاهدة سلم بموجب اتفاق يوم الثلاثاء الماضي اتفق الجاران المتناقضان سياسيا وإيديولوجيا، واللذان يعتبران في حالة حرب من الناحية الفنية منذ انتهاء الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953 بهدنة وليس بمعاهدة سلام، على ترتيب يهدف إلى لم شمل الأسر التي فرقتها الحرب الكورية خلال عطلة الخريف القادم وأيضا في المستقبل. ويشكل ذلك الجانب «الأكثر إنسانية» في خضم الصراع الاستراتيجي بين الطرفين. وعلى مدار العقود الستة الأخيرة، واظبت الحكومتان على لم شمل الأسر في شطري شبه الجزيرة تبعا للوضع السياسي الذي يكاد لا يعرف هدوءا منذ خمسينيات القرن العشرين. فعلى الجانب الجنوبي، يقبع حوالي سبعين ألف شخص على «قوائم الانتظار» أملا برؤية أقارب لهم في الشمال. ومما جاء في بيان مشترك أن كوريا الشمالية وافقت أيضا على إنهاء الحالة التي تشبه الحرب التي أعلنتها. وسيجري البلدان أيضا مفاوضات أخرى لمناقشة عدد من القضايا بغرض تحسين علاقات لم تشهد يوما على صمود اتفاقية ثنائية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، أكثر من عام. وقد وافقت كوريا الجنوبية على وقف حملات الدعاية الموجهة عبر الحدود إلى كوريا الشمالية كجزء من اتفاق بين البلدين لتخفيف التوتر الذي تصاعد بعد المواجهات الأخيرة بينهما. وكانت سول بدأت في بث الحملات الدعائية عبر مكبرات الصوت على الحدود إثر إصابة اثنين من جنودها في انفجار لغم أرضي في المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين في وقت سابق هذا الشهر. هذا وأبدت كوريا الشمالية أسفها لسقوط جرحى في الآونة الأخيرة من جنود كوريا الجنوبية في انفجارات ألغام أرضية، بينما وافقت سول على إيقاف دعاية مضادة» لبيونغ يانغ». وأوضح بيان للبلدين أن كوريا الشمالية وافقت أيضا على إنهاء الحالة التي تشبه الحرب، التي أعلنتها. وقال كبير مفاوضي كوريا الجنوبية إن هذه الخطوة جاءت بعد موافقة كوريا الشمالية على إبداء «الاعتذار» بشأن هذه الحادثة.