لا يبدو أن هناك نفاقا في العالم أكبر من النفاق الذي تجسده عبارات مثل «الأخوة العربية» و«الوطن العربي» أو «الأمة العربية»، وهلم جرا. كثير من الناس الذي جربوا التجوال والسفر في أرض الله الواسعة يقولون إنه لا توجد عنصرية أفدح من تلك التي يمارسها العرب في ما بينهم. وحتى في البلد الواحد هناك مواطنون من الدرجة الأولى ومواطنون من الدرجات الدنيا، وهناك «البدون» أيضا الذين يعتبرون صفرا على الشمال. و«البدون» لا يوجدون فقط في الكويت أو بلدان الخليج، بل في كل البلدان العربية حتى وإن بدا في الظاهر أنهم يتمتعون بكامل حقوقهم. إنهم تلك الطبقات الاجتماعية المسحوقة التي تعاني من عنصرية طبقية لا يتحدث عنها أحد. في البلد العربي الواحد هناك عنصرية مقيتة بين الأغنياء والفقراء، وفي البلدان العربية هناك عنصرية يمارسها العرب الأغنياء ضد العرب الفقراء. ويحكي مغاربة جالوا في بلدان عربية كيف أنهم قاسوا من عنصرية لم يعرفوا مثلها في بلدان النصارى. العربي يكون قاسيا جدا حين يمارس عنصريته المريضة ضد غيره، خصوصا ضد غيره من العرب. وفي الحرب المجنونة التي أشعلتها وسائل الإعلام المصرية، رأى الناس كيف تصرف صحافيون مصريون وكأنهم جماعة «الكوكلوكس كلان» الأمريكية العنصرية التي كانت تشنق السود على جذوع الأشجار وأعمدة الكهرباء لمجرد أنهم يختلفون في لون البشرة. ولو كان بمقدور وسائل الإعلام المصرية أن تفعل الشيء نفسه لفعلته، وهي التي وصفت الجزائريين، أي الإخوة العرب، بأقذع النعوت لمجرد أن المنتخب المصري خسر مباراة في الكرة مع الجزائر. وسائل الإعلام العربية «تطحن» العروبة في أول مناسبة تتاح لها. وفي الأردن، تستضيف كاباريهات ذلك «البلد الشريف» مئات المغربيات اللواتي يعملن في «مزارع الدعارة» تحت يافطة «فنانات»، وهو ما نشرته «المساء» بتفاصيل مفجعة في الملف الأسبوعي، بينما يحتفظ المغرب بعلاقات جيدة مع الأردن، وهناك سفارة مغربية في عمان وسفارة أردنية في الرباط وكأن الكرامة المغربية لا وجود لها على الإطلاق. صحيح أن الفلقة يجب أن تنزل على مؤخرات أولئك «الفنانات الشرموطات» وكل من سمح لهن بمغادرة مطارات المغرب، لكن يجب أيضا فضح ذلك النفاق الأردني المقزز الذي رفض مرة دخول محامية مغربية إلى الأردن خشية عملها في الدعارة، بينما كاباريهاتها تضم حوالي 1.500 مغربية. والذين زاروا الأردن ودخلوا مراقصها يحكون كيف أن كثيرا من تلك المواخير في ملكية جنرالات وعسكر الأردن. وفي سوريا، هناك الكثير من الحكايات عن سماسرة الجنس واستغلال «مغربيات» وعراقيات في مراقص آخر بلدان المواجهة مع إسرائيل. هناك حكايات كثيرة عن تباغض كبير وعنصرية مقيتة يمارسها العرب ضد العرب، ومع ذلك فإن الجميع ينحى باللائمة على إسرائيل. وعندما اشتعلت الحرب الإعلامية بسبب الكرة بين مصر والجزائر، فإن الكثيرين اتهموا إسرائيل بتأجيج الحرب، مع أن إسرائيل لا يد لها إطلاقا في الموضوع، وهي اكتفت بالضحك كما ضحك العالم كله. مشكلة العرب هي مع أنفسهم بالأساس، لأنه في الوقت الذي لا يستطيع فيه بلد عربي أن يعرف معنى الانسجام حتى بين شعبه في رقعة جغرافية ضيقة، فإن الحديث يدور حول أمة عربية وقومية عربية وبطيخ عربي، مع أن الواقع هو أن القبلية العربية والعصبية البدوية لا تزال مستمرة إلى اليوم في أجلى مظاهرها، وكل بلد عربي يتصور البلد العربي الجار عدوَّه الأول والأخير، تماما كما كانت تفعل القبائل زمن الجاهلية، والنزاعات التي يخوضها العرب في ما بينهم لم يخوضوها ضد أعدائهم، بدءا بمستعمريهم الأجانب وانتهاء بإسرائيل، والأحقاد السائدة بين العرب لا توجد في أي مكان آخر من العالم.