تعرض المواطن حسن الدارداري للاختطاف يوم 7 يوليوز2002 من مدينة طنجة، وبعد غياب استمر خمسة أشهر، ظهر حسن من جديد، في هذا الحوار يحكي عن ظروف الاختطاف والتحقيق الذي صاحبه الضرب والكلام البذيء، كانت أسئلة المحققين المغاربة تدور حول نشأته، وسفره إلى أفغانستان ومكالمته الهاتفية التي كان يتلقاها من بعض أصدقائه السعوديين، كما أن حسن سبق أن حققت معه السلطة الإيرانية حيث قضى بها ثلاثة أشهر ونصف بين معتقل سري وسجن جماعي بطهران، هذا المواطن شهد العدوان الأمريكي على بلد الأفغان. ألم يسبق لرجال الأمن أن حققوا معك قبل اختطافك؟ بعد عودتي في شهر ماي الماضي من إيران، لم يسأل عني أحد مدة شهرين، وبعدها بلغ إلى علمي أن الأمن يسألوا عني عند أصهاري، لأنني كنت كثير السفر بين طنجة والقنيطرة، وكانوا يظنون أنني أهرب منهم لكن الواقع غير ذلك، وكنت أريد أن أسلم نفسي للأمن، وسبق لقائد زومي بشفشاون أن استدعاني وكان يريد التحقيق معي، وقلت له أنني كنت في أفغانستان وأن التحقيق معي ليس من اختصاصه.
كيف تم اختطافك؟ كنت في مدينة سيدي الطيبي بإقليم القنيطرة فاتجهت مسافرا إلى مدينة طنجة عبرالقطار، اتصل بي أحد الأصدقاء من المملكة العربية السعودية هاتفيا، وأثناء حديثي معه كانت المكالمة تنقطع، فأخبرت صديقي أنني في القطار متوجها إلى طنجة وأن يتصل بي بعد ساعة لحظة وصولي، وبعد وصولي لمحطة القطار بطنجة وجدت رجلا بلباس مدني ينتظرني فأخبرني أنه رجل أمن وطلب مني أن يكلمني بضع دقائق وسيخلي سبيلي، وكانت حوالي ست سيارات في انتظاري ركبت سيارة من نوع "كات كات" رفقة اثنين والسائق، فانطلقت السيارة اتجاه الرباط.
هل قاموا بتغميض عينيك على شاكلة سائر المختطفين؟ لم يغمضوا عيني إلا عند وصولنا لمدخل مدينة الرباط، كان أحدهم يسليني بالكلام ويقول لي: ستصل معنا وستعلم أننا في دولة الحق والقانون، وغدا سنطلق سراحك ونحن نستفيد منكم وستعلم أنني صادق معك، وعند مدخل مدينة الرباط قاموا بتغميض عيني، وقيدوا يدي بالمينوت فأوصلوني إلى مكان أجهله، وبقيت إلى الغد لم يكلمني أحد، وفي الغد أتى أحدهم وأخذ بصماتي، وفي اليوم الموالي بدؤوا معي التحقيق وأنا مغمض العينين ومكتوف اليدين من الخلف.
كيف مرت ظروف التحقيق؟ كان التحقيق في أبشع صورة بحيث أن المحقق يستفزني بكلام لا أستطيع ذكره لأحد، ولم أعهد مثله في حياتي، وهذا الكلام سيبقى إلى أن أحاسبهم به يوم القيامة، وكان يصاحب التحقيق الضرب بالأرجل والأيدي وفي جميع مناطق الجسد، ولم يؤثر في الضرب بقدر ما اثر في الكلام، وكان التحقيق يوميا ويستمر من الصباح إلى وقت الغذاء، وأحيانا في المساء، أما طبيعة المصطلح المتداول بينهم هو الحاج.
ماهي طبيعة الأسئلة الموجهة لك أثناء التحقيق؟ دارالتحقيق معي بداية حول النشأة والبيئة التي عشت فيها، وسبب التزامي بشرع الله وطريقة الزواج والمدن التي سكنت بها وانتقالي بين المدن، وكل شيء عن حياتي، استغرق هذا التحقيق أسبوعا، وكان بطريقة استفزازية فيها ضرب وشتم وكلام وضيع، في الأسبوع الموالي ابتدأ التحقيق حول علاقتي بتنظيم القاعدة، ومصدر شكهم هو مكالماتي الهاتفية الكثيرة مع بعض الأصدقاء من السعودية ومن ماليزيا، لأن هاتفي حسب ماتبين لي كان مراقبا من طرف مديرية الحفاظ على الأمن الوطني، حيث كانوا يأتونني بكلام هاتفي بالحرف، والتحقيق معي في كلام الهاتف استمر أسبوعا لوحده، خاصة حديثي مع بعض الأصدقاء من السعودية وهو مسؤول عن مؤسسة الوفاء الخيرية وأنا لا أعرفه، بل أحد الإخوة الأفغان هو الذي أعطاني هاتفه وكان لدي معه كلام طويل، وكلامي مع أصدقائي كان طبيعيا، لأنني لم أبيت أي نية سيئة داخل المغرب، غير أنهم هولوا من مكالمتي الهاتفية.
ماهي نوعية الأسئلة الموجهة إليك في ما يخص علاقتك بتنظيم القاعدة؟ لابد من تسجيل ملاحظة هامة هو أن المحققين معي في علاقتي بتنظيم القاعدة، كانوا يحققون بطريقة مؤدبة وهادئة و كلامهم كان خاليا من سوء الأدب، حيث عرضوا علي صورا لبعض الأجانب العرب، هناك من عرفتهم لأنهم كانوا معنا في سجن إيران، مثل المكنى بأبي هاني من مصر، وتلاحظ أن الصور مرسلة عبر الانترنيت أو الفاكس، كما تناول التحقيق علاقتي بالجماعة المغربية بأفغانستان، وعلاقتي ببعض الأشخاص بالمغرب مثل أبي الحارث ويوسف فكري، وبعض الذين قاموا بأعمال إجرامية بالمغرب، كل هؤلاء لم تكن لدي أية صلة بهم، فالجماعة المغربية بأفغانستان لم أكن أعرف عنها ولا عن أفرادها أي شيء حتى ذهبت إلى أفغانستان، وبعد أسبوعين من التحقيق انقطعوا قرابة عشرين يوما، وبعدها يأتي المسؤولون للتحقيق، وبعد تأكدهم بأنه لا علاقة لدي بتنظيم القاعدة أخلوا سبيلي.
ألا تصف لنا مكان المعتقل السري وظروف العيش به؟ مكان المعتقل يبدو أنه خارج الرباط لأنك تسمع أصوات الحيوانات كأنك في غابة مثل أصوات بعض الحيوانات، مثل صوت الأسد، أما موضع الاعتقال فالزنزانة الأولى كانت أقل سوءا توجد على سطح الأرض، وهي عبارة عن بيت صغيرعرضه وطوله ثلاثة أمتار. به مرحاض وسرير للنوم، و الضوء مسلط علي ليل نهارا، قضيت بهذه الزنزانة شهرا، فجاء أمر بحلق اللحية رفضت بداية غير أنني لم أجد بدا من الرضوخ للقرار، ونقلوني بعده إلى زنزانة أخرى تحت الأرض حيث المكان بارد ورائحة الرطوبة تنبعث من الجدران، هذه الأخيرة متسخة ويسكنها العنكبوت، كان مكانا موحشا. الإنسان العادي الذي يفكر وله عقل لا يطيق هذا المكان، لا وجود لحركة أو شمس، فظروف العيش به تخالف أدنى حقوق الإنسان، فالحيوان لا يتحمل هذا المكان، والجسم الذي يبقى دون حركة ولا هواء ولا شمس يتعرض لتأثيرات خطيرة، لوكان يجوز أن أتخلص حينها من تلك الحالة بأية وسيلة لفعلت ولكن المانع هو الخوف من الله سبحانه وتعالى، وكنت أسمع أحد المختطفين يصيح بطريقة يبدو أنه فقد صوابه، ومنهم من يضرب رأسه على الحائط، والإنسان العادي قد يصبرعشرة أيام، لكن لما تطول المدة يصاب بالأرق والهيستيريا. وأحسن أيام المعتقل هي فترة رمضان لأنني كنت في خلوة أناجي ربي، وأقرأ القرآن الكريم.
ماذا عن الأكل والنظافة والتطبيب؟ الأكل منظم وبطريقة جيدة، نأكل في الأواني البلاستيكية، أما النظافة فيمدوك بالماء الساخن إذا طلبته وبعض مواد النظافة الضرورية فقط، أما التطبيب فأول واحد يزورك هو الطبيب، وكنت بداية مريضا بالملاريا وكنت أستعمل الأدوية و أصابني الزكام.
كيف كانت معاملة السجان لكم؟ وكيف كان رد فعلكم عند تلقي معاملة سيئة؟ معاملة السجان تختلف من فرد لآخر كان منهم من يضرب الباب بقوة غير أن المؤثر أكثر هو الازعاج ليلا، مثل أن يفتح السجان الزنزانة بقوة في وقت متأخر من الليل فيطلب مني أن أعطيه الأواني، وكل هذا يوحي لك بأن الهدف هو ممارسة حرب نفسية، ولا أدري أهي تعليمات أم معاملة من السجان. أما طريقة ردي عليهم كانت لا تتجاوز حسبي الله ونعم الوكيل لأنني كنت مغلوبا على أمري
كيف كان يوم الإفراج؟ بعد صلاة العصر من يوم الثلاثاء من 3 دجنبر 2002، أتى عندي أحدهم يخبرني بأنه سيطلق سراحي، غير أنني لم أصدق لأنه سبق أن أخبروني بذلك ولم يحصل، لكن لما أتوا بأغراضي وأعطوني ورقة لأمضي على تسلمها أدركت حينها أن الفرج قريب، وبعد تناول الإفطار أغمضوا عيني وصعدت السلم مرتين ثم توجهنا إلى مدينة القنيطرة وطلبت منهم أن ينزلوني بمحطة القطار فكان ذلك.
ما الأمر الذي كان يؤرقك ؟ كنت أفكر كثيرا في ابنتي لأنني كنت أريد أن أدخلها للمدرسة، وفي أسرتي لأنني لم أكن مستقرا لأنني كنت أجرت أحد البيوت وتركت أمتعتي عند أحد الأصدقاء، وكنت أقول لهم اثبتوا لي أي تهمة وقدموني إلى السجن ، وكان السجن أرحم لي من الزنزانة على الأقل أن داخل السجن أستطيع ان أعيش مع الناس وأتكلم معهم، لأنه كان ممنوعا الكلام بصوت مرتفع داخل الزنزانة، سواء في قراءة القرآن أو الأذان أو أي شيء ولما تريد أي شيء من المفروض أن تدق الباب بصوت خفيف.
ما هي الدوافع وراء ذهابك إلى أفغانستان؟ كنت قرأت كتابا لأبي مصعب السوري حول أفغانستان والطالبان، وكان الكتاب مشجعا، واقتنعت لأن أهاجر لدولة إسلامية، فتم ذلك في شهر يونيو 2001 رفقة زوجتي وأبنائي، ذهبت عن طريق تركيا إلى إيران، وكان الاستقرار هناك بأفغانستان كانت مدرسة خاصة بالعرب يدرسون فيها العلوم الشرعية واللغات الأجنبية،و تتميز بلاد الأفغان بالرخاء الاجتماعي، حيث فوجئنا بمستوى المعيشة عكس ماكنا نسمع في الإعلام بأن أفغانستان بها الجفاف والمجاعة وأن الأطفال يموتون جوعا، فثمن الخضراوات لايتجاوز درهم مغربي واللحم لا يتجاوز 12 درهما للكيلوغرام الواحد، ومتطلبات الحياة كانت رخيصة.
أين كان مكانك لحظة العدوان الأمريكي على أفغانستان؟ كنت في معسكرإحدى الجماعات العربية بالضبط، وكانت الضربة مفاجأة لنا، وبعد الأحداث كان اهتمامنا مركزا على ترحيل نسائنا وأبنائنا، فانتقلنا بالنساء إلى منطقة تسمى لوكا تبعد عن كابل ب 80 كلمتر، ولم نرتاح في هذه المنطقة ثم توجهنا إلى قندهار بمنطقة تسمى هلمد وكانت آمنة، وبقينا نتتبع الأخبار، وفي اليوم الرابع من رمضان استطعنا ترحيل النساءعن طريق الحدود الباكستانية وبطريقة التهريب، خاصة لما اشتدت الحرب ولم يعد مجال لبقاء النساء في أفغانستان.
كيف كان وقع الحرب أنذاك؟ أصبح وضعنا كغزوة الاحزاب حيث حاصرتنا القوات الأمريكية من تحتنا ومن فوقنا، ومن جميع الجوانب حتى بلغت القلوب الحناجر وضاقت الأرض بما رحب ، حيث أن في الغرب توجد المعارضة الأفغانية والحكومة الإيرانية سدت الحدود سدا منيعا وفي الشمال يستحيل كذلك الخروج، وأصبحنا بسلاحنا رجال مقابل رجال وبقينا مدة شهر رمضان كاملة وبقى القصف علينا من طرف الطيران الأمريكي في قندهار وفي جميع أنحاء أفغانستان، وكان الملا عمرقد صرح بالثبات والقتال حتى النهاية وهذا ما صممنا عليه وكل المجاهدين من طالبان وكل الإخوة العرب، ولكن لما أصبحت أمريكا تقصف الأخضر واليابس وكل وسائل النقل، وبشكل عشوائي وطريقة جنونية، وحفاظا على دماء الناس من الأفغان ومن أجل المصلحة العامة أصدر محمد الملا عمر أمرا بخروج العرب فخرجنا. ما السبب في تركيز الملا عمر على خروج العرب؟ السبب في ذلك هو أن أمريكا كلما علمت أن عربيا بمنطقة إلا وقام جنودها بتمشيط المنطقة بكاملها، وهذا ماسبق أن صرح به تيسير علوني بقناة الجزيرة، وكانت تدمر قرية بكاملها من أجل عربي واحد او أربعة أو عشرة، كل هذا جعل الملا يقتنع بضرورة خروج العرب لأن الوضع السياسي كان لا يسمح بوجودهم، وهذا الأمر كان مؤسفا للإخوة العرب، ومن أجل المصلحة قمنا بالخروج وبقي بعض العرب في المناطق الجبلية.
كيف تم رجوعك للمغرب؟ توجهت رفقة مجموعة من العرب إلى مدينة خوست مما يسمى بستولبوندك أو مدينة الزابل بأفغانستان هذه المناطق كانت قريبة لباكستان، وخرجنا عن طريق القبائل الباكستانية وكنا حذرين مخافة أن يلقى القبض علينا من قبل بعض الخونة الباكستانيين، لأنه كما تعلمون كانت خيانة من طرف بعض المسؤولين الباكستانيين الذين يزعمون أنهم يخدمون الإخوة العرب، حيث تم تسليمهم إلى الأمريكيين، وباعوهم كما تباع قطع الغنم، ولهذا فإن أكبر عدد معتقلي غواتانامو سلموا بهذه الطريقة ولا وجود لما يسمى بأسرى الحرب، فخرجنا بترتيب مع بعض الإخوة الباكستانيين ودخلنا إلى المدن الكبيرة مثل كراتشيو ولاهور ومدينة كويتا، ثم بعدها توجهنا إلى إيران بمدينة زاهدة وبقينا فيها بأحد المضافات لأحد الإخوة السعوديين واليمنيين وبعدها صدر أمر من المسؤولين الإيرانيين بإلقاء القبض علينا، وقضيت يإيران ثلاثة أشهر ونصف بالسجن.
هل تعرضتم لتحقيق من طرف السلطة الإيرانية؟ وما طبيعة الأسئلة الموجهة لكم؟ لما قبضوا علينا أدخلونا المعتقلات الاستخباراتية وحققوا معنا بوسائل استفزازية عن طريق غمض العيننين ووضع الكلابشات في اليدين وفي زنازين انفرادية، غير أننا لم نتعرض للضرب، وبقينا هناك شهرا ونصف، ثم نقلونا إلى سجن كبير بطهران بتهمة الدخول إلى بلادهم بطريقة غير شرعية، وبقينا على هذا الحال شهرين وكانت معاملتهم لنا بداية، كانت الأسئلة الموجهة إلينا هي الهوية والانتماء وهل لنا علاقة بتنظيم القاعدة وسبب زيارتنا لأفغانستان وهل قاتلنا ضد التحالف الشمالي. بقينا هناك إلى أن صدر أمر بخروج العرب من إيران وأنه لا يمكن أن يبقى أي أحد، ووضعونا أمام اختيار أي بلد ليقوموا بترحيلنا إليه، وكثير من المغاربة لم يختاروا المغرب، غير أنني اخترت بلادي رفقة أخي، لأنني أريد أن أعيش وسط أهلي، فدخلنا عن طريق البحرين للمغرب، ودخلنا بطريقة قانونية وعادية.