يتهموننا، نحن الصحافيين، بأننا نحترف فقط وصف المشاكل والتفنن في تعريتها، لكننا في المقابل لا نقترح بدائل وحلولا لهذه المشاكل. ورغم أن وظيفة اقتراح الحلول والبدائل هي وظيفة الحكومة وخبرائها الذين تتعاقد مع مكاتب دراساتهم بالملايير، فإننا اليوم نود، فعلا، تقديم بعض النصائح إلى وزارات الاتصال والخارجية والسياحة، لوجه الله. أولا، دعونا نعطي مثالين مختلفين على ضرورة القطع مع السياسة الدفاعية التي ينتهجها المغرب لحماية مصالحه، وضرورة الانتقال إلى سياسة هجومية. فلربح الحروب تبقى أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم. لذلك، فعوض أن يبادر الإعلام العمومي عندنا إلى الهجوم للدفاع عن الوحدة الوطنية، اكتفى بسلسلة طويلة من التبريرات الدفاعية، وكأنه متهم يجب أن يدافع عن براءته من التهم الموجهة إليه، في حين أن المغرب صاحب حق. لقد فات إعلامَنا العمومي، وهو يدافع عن موقف المغرب بصدد قضية إضراب أميناتو عن الطعام وتقديم المغرب من طرف الإعلام العمومي الإسباني كغول سيلتهم امرأة مسالمة، أن يعود، مثلا، إلى ما طالب به «خوان كارلوس رودريغيس إبارا»، رئيس إقليم «إكستريمادورا» وزير الداخلية الإسباني، قبل أشهر بخصوص الإضراب عن الطعام الذي قام به الانفصالي الباسكي «خوسي إناسيو دي خوانا» في السجن. لقد قال له بالحرف: «لا تترك هذا القذر يموت، لأنك إذا تركته يموت في المستشفى ستكون قد قدمت إليه أحسن هدية في حياته القذرة. هذا «العتروس» (وهي سبة في إسبانيا) لا يجب أن يموت». والمفارقة اليوم في إسبانيا أن ساستها يريدون إرهاب المغرب بالحياة المهددة بالموت لأميناتو ويطالب بعضهم باحترام إرادتها وعدم إخضاعها للتغذية الاصطناعية لإنقاذ حياتها، في الوقت الذي يطالبون فيه وزير الداخلية عندهم بالقيام بالعكس في حالة الانفصالي الباسكي «دي خوانا». وبالأمس، استشاط غضبا الحزب الشعبي وجهات إعلامية كثيرة من الاستفتاء الصوري الذي نظمته جهات انفصالية في إقليم «كطالونيا»، واعتبروا سماح الحزب الاشتراكي الحاكم بتنظيم مثل هذه الاستفتاءات تهديدا مباشرا لوحدة إسبانيا. هؤلاء السياسيون والإعلاميون والمثقفون الإسبان الذين يهاجمون استفتاء صوريا من أجل استقلال إقليم «كطالونيا» عن إسبانيا هم أنفسهم الذين يطالبون باستقلال ما يسمونه «الشعب الصحراوي» عن المغرب. إن أبسط شيء كان على إعلامنا العمومي القيام به هو تغطية هذا الاستفتاء، الذي شمل 170 مدينة وقرية في «كطالونيا»، ونقل تفاصيله وردود الأفعال الشرسة التي أثارها لدى شريحة واسعة من الإسبان الرافضين للانفصال، حتى يرى المغاربة التناقض الصارخ الذي يعيشه هؤلاء الإسبان المدافعون عن الانفصال في الصحراء والرافضون له في «كطالونيا». وعوض الاكتفاء بالدفاع، كان على إعلامنا العمومي أن يمر إلى الهجوم وأن يجابه الخصم بنفس أسلحته. إذا كانت الحكومة الإسبانية تدعم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تساند البوليساريو، فالمغرب لديه جمعيات تطالب بتعويض ضحايا الغازات السامة في الريف، وعليه أن يخلق فروعا لها في كامل التراب الإسباني لكي تحرج الحكومة الإسبانية أمام المنتظم الدولي بملف الغازات السامة. إذا كانوا هم يساندون من يطالب باستقلال الصحراء، فعلى الحكومة المغربية والإعلام العمومي أن يساند الجمعيات التي تطالب باستقلال سبتة ومليلية والجزر الجعفرية. إذا كانوا هم يطالبون بإعادة جواز سفر أميناتو وإرجاعها إلى المغرب والاعتذار إليها، فالمغرب من حقه أن يطالب بإعادة الجواز الإسباني إلى آلاف الموريسكيين الذين أبعدتهم الكنسية الكاثوليكية قبل قرون وإرجاعهم إلى الأندلس حيث موطنهم الأصلي وتقديم اعتذار إليهم عن المجازر التي قامت بها الكنسية في حقهم، خصوصا وأن النقاش حول هذا المطلب يحظى اليوم بمكانة هامة في أجندة الرئيس الإسباني. المغرب مطالب باستغلال الأوراق التي في يديه، عوض الاكتفاء بالنظر بخوف إلى الأوراق التي يحركها الآخرون في أيديهم. وإذا تركنا وزارة الخارجية جانبا وتحدثنا عن وزارة السياحة، فإننا نلاحظ أن بوسعيد لا يلعب جميع الأوراق التي في يديه. فقد سمع أخيرا تقرير وزارة التجارة الصينية الذي يقول إن المغرب هو المستهلك والمستورد الأول للشاي الصيني في العالم، وإن خزينة الحكومة الصينية تدخلها سنويا 22.94 مليون دولار من مبيعات الشاي للمغرب. لكن ما علاقة الشاي بالسياحة؟ العلاقة مهمة جدا. إذا كانت الصين تريد المحافظة على سوقها المغربي، فما عليها سوى أن تستمر في اختيار المغرب كوجهة سياحية، وأن تمتنع عن الرضوخ للضغوطات التي تمارسها عليها هذه الأيام كندا من أجل قرصنة سائحيها ودفعهم إلى الابتعاد عن المغرب. وربما يجهل وزير السياحة المغربي أنه طيلة الأسبوع الماضي كانت أمريكا وكندا مجتمعتين لوضع مخطط لغزو السوق الصينية، خصوصا سوق السيارات والسياحة. فالسائح الصيني، حسب الكنديين، على عكس السائح الأوربي والأمريكي، يبقى هو المفضل لديهم، ليس لسواد عينيه (لكي لا نقول ضيقهما)، ولكن لأنه ينفق 1300 دولار للشخص في المتوسط، بينما لا ينفق السائح الأمريكي والأوربي في كندا أكثر من 600 دولار. المشكلة أن السائح الصيني يفضل فرنسا والمغرب وتونس ومصر. وهذه الأيام، يقوم الكنديون برحلات مكوكية بين «موريال» و«بكين» لقرصنة هؤلاء السياح، الذين يعدون بمئات الآلاف، نحو كندا. تماما كما تفعل بنوكهم مع رؤوس الأموال المغربية عندما ترسل مبعوثين عنها يقايضون أغنياء المغرب بالجنسية الكندية شرط أن يضعوا 500 مليون ل«الراس» في البنوك الكندية. ما هي طريقة الكنديين للضغط على الصين من أجل قرصنة سياحها؟ إنهم ببساطة يخيرون الصينيين بين سياحهم وبين السوق الكندية التي يغرقونها بمنتجاتهم. يعني إذا أرادت الصين الاستمرار في تصدير منتجاتها إلى السوق الكندية، فما عليها سوى أن تراجع نظام الكوطا الذي يقنن عدد السياح الصينيين الراغبين في السفر جماعيا برفقة وكالات سياحية نحو كندا. أين هو المغرب ووزارة سياحته من هذه الحرب الخفية، هذه الأخيرة التي تريد جلب 10 ملايين سائح في 2010. فنحن لدينا في «درب عمر» آلاف الصينيين الذين يستوردون سلعهم ويبيعونها في المغرب، ملحقين أضرارا كبيرة بالسلع المحلية التي لا تستطيع منافسة السلع الصينية في الأسعار. العشرات من الشركات المغربية أقفلت أبوابها بسبب «الغزو الأصفر»، ومع ذلك لا أحد يفاوض الحكومةَ الصينية على سياحها بهذه الورقة. لماذا، إذن، لا يشهر المغرب ورقة حماية المنتوج المحلي من المنافسة الصينية من أجل أخذ نصيبه من السياح الصينيين الذين تريد كندا الاحتفاظ بهم لنفسها، ثم يشرع في تأسيس شركات سياحية مغربية صينية تعرف بالمنتوج السياحي المغربي في الصين. لقد قرأنا جميعا إحصائيات المندوب السامي للتخطيط التي تقول إن «القطاع غير المنظم» في المغرب يحقق رقم معاملات يصل إلى 279.916 مليار درهم، يدخل فيه طبعا مئات التجار الصينيين الذين يشتغلون في درب غلف في السوق السوداء. لماذا لم يفكر مجلس المدينة في الدارالبيضاء، مثلا، في بناء «الحي الصيني» china town الذي يوجد في كثير من البلدان، حيث يمكن للتجار الصينيين أن يستقروا وينشئوا متاجرهم ومحلاتهم ومطاعمهم، ويكونوا صلة وصل بين المغاربة والثقافة الصينية. نحن أيضا أول مستورد للشاي من الصين في العالم. ماذا صنعنا بهذه الرتبة؟ لا شيء، عدا تسوس أسنان المغاربة بسبب نسبة السكر المرتفعة التي يضيفونها إلى الشاي. على المغرب أن يتحرر من عقدة فرنسا، وأوربا بشكل عام، لأن المستقبل يوجد في الصين. والجهود التي تقوم بها أمريكا اليوم لفرض قيود على الصناعات الصينية ليس مردها الحرص على المناخ ومستقبل الكرة الأرضية، بل الخوف من تحول الصين إلى القوة الاقتصادية رقم واحد بعد سنوات قليلة والتهامها للمارد الأمريكي. والعالم أصبح اليوم مقسما إلى قسمين، هناك الصين والهند وهناك بقية العالم. فالصين لديها احتياطي من العملة يصل إلى 2000 مليار دولار، واقتصادها يعرف نموا متزايدا. وعندما «يهجم» المغرب على السوق الصينية فإنه يقتحم سوقا تقدر بمليار مواطن ليسوا كلهم «مقطعين» كما تظهرهم الآلة الإعلامية الأمريكية، بل هناك شرائح واسعة من المواطنين الصينيين لديهم قدرة شرائية محترمة ولديهم القدرة على السفر والاستهلاك. يجب، إذن، المرور من سياسة الدفاع عن النفس والتقوقع على الذات إلى سياسة المبادرة بالهجوم واستغلال الأوراق التي في أيدينا للدفاع عن النفس وفرض الذات، في السياسة كما في الاقتصاد كما في سائر المجالات. لقد عشنا سنوات طويلة نحمي وجوهنا بأيدينا ونتلقى الضربات و«نكمدها» ونسكت. واليوم، حان الوقت لكي نسدد الضربات نحن أيضا، دون أن نخفض أيدينا عن وجوهنا طبعا.