يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. هكذا جرت الأمور داخل جهاز الموساد، الذي يحرك حلقات اتصاله اللبنانيون ووزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون، الذي يحرض على القتال، بينما تزداد الضغوط على بيغن. وأخيرا حانت ساعة إخراج منظمة التحرير من الجنوباللبناني، التي كانت تستخدم مواقعها لإطلاق قذائف وشن الغارات على المستعمرات الإسرائيلية القريبة من الحدود الشمالية. قبل أشهر من الغزو الإسرائيلي للبنان ساورت منظمة التحرير الشكوك في أن الحرب قريبة، وقد أمر عرفات بوقف قصف المستعمرات الإسرائيلية، ومع ذلك ففي خريف عام 1982 حشدت إسرائيل قوات الغزو قرب الحدود الشمالية أربع مرات، وفي كل مرة كانت تتراجع في اللحظة الأخيرة، والسبب الرئيسي لذلك هو ضغوط الولاياتالمتحدة. وقد أكد بيغن للأمريكيين أنه إذا قامت إسرائيل بأي هجوم فإن جنودها لن يجتازوا نهر الليطاني على بعد 18 ميلا من الشمال من الحدود، لإبعاد منظمة التحرير عن المستعمرات الإسرائيلية. لكن بيغن لم يحفظ وعده نظرا للسرعة التي وصلت فيها القوات الإسرائيلية إلى بيروت، فقد كان واضحا أنه لم يكن ينوي الحفاظ على ذلك الوعد. وفي أبريل 1982 انسحبت إسرائيل من الثلث الأخير من سيناء، التي كانت قد احتلتها خلال حرب الأيام الستة عام 1967، التزاما منها باتفاق كامب ديفيد المصري الإسرائيلي لعام 1979. وبينما كانت الجرافات الإسرائيلية تدمر ما بقي من المستعمرات الإسرائيلية في سيناء، خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية، الذي كان قد أبرم في يوليوز 1981، وكانت إسرائيل قد غزت لبنان عام 1978، إلا أنها فشلت في إخراج منظمة التحرير. وفي صبيحة يوم مشمس في الجليل خلال السادس من يونيو 1982 أعطى مجلس وزراء بيغن لشارون الإذن بغزو لبنان. في ذلك اليوم اتجه الجنرال الإيرلندي وليم كالاغن، قائد قوات الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان، إلى القيادة الأمامية للجبهة الشمالية الإسرائيلية في زيفات لمناقشة قرار مجلس الأمن الداعي إلى وضع حد لعمليات القصف عبر الحدود بين منظمة التحرير وإسرائيل، وبدلا من إجراء النقاش المتوقع أبلغه رئيس الأركان الإسرائيلي رفائيل إيتان بأن إسرائيل سوف تغزو لبنان في غضون 28 دقيقة. وبالفعل اجتاح الجنود والدبابات لبنان في الحملة سيئة الطالع، التي أخرجت حوالي 11 ألف مقاتل فلسطيني من البلاد، إلا أنها لطخت صورة إسرائيل وكبدتها قتلى وجرحى. خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى من الهجوم دمر الكثير من قوة منظمة التحرير، رغم المقاومة التي أبدتها في صيدا وصور والدامور، ورد بيغن على رسالتين مستعجلتين من ريغان طلبتا عدم مهاجمة لبنان بالقول إن إسرائيل تريد دفع منظمة التحرير بعيدا عن حدودها. وبينما كان الإسرائيليون يهاجمون منظمة التحرير في جنوبلبنان اتصلت قواتهم بقوات الكتائب المسيحية من ضواحي بيروت، وقبل ذلك كانوا قد أحكموا الطوق على بضعة آلاف من الفدائيين الفلسطينيين ومعهم 500 ألف شخص من سكان بيروت الغربية. وتواصل القصف المدمر في أواسط غشت وسط انتقادات متزايدة، محلية ودولية، من أنهم يقتلون المدنيين، وقال بيغن: «سنفعل ما يجب علينا فعله. بيروت الغربية ليست مدينة، إنها هدف عسكري محاط بالمدنيين». وأخيرا وبعد عشرة أسابيع من الحصار سكتت المدافع وأخلى الفدائيون الفلسطينيون المدينة. وفي غشت وصلت إلى بيروت قوة صغيرة أميركية فرنسية إيطالية لحفظ السلام، إلا أن الإسرائيليين واصلوا تشديد قبضتهم على المدينة المحصنة. وفي يوم 14 شتنبر انفجرت قنبلة في الطابق الثالث من مبنى قيادة حزب الكتائب اللبنانية شرق بيروت عن بعد، قتلت الرئيس المنتخب بشير الجميل و25 شخصا آخرين، بينما كان ما يقارب المائة شخص من أعضاء الحزب يعقدون اجتماعهم الأسبوعي المعتاد، وحل أمين في رئاسة الجمهورية بدلا من شقيقه. نسبت عملية التفجير إلى حبيب الشرتوني، وهو عضو في الحزب القومي السوري المنافس للكتائب، وحيث إن وكالة الاستخبارات المركزية ساعدت في الجمع بين الجميل والموساد، فإن للولايات المتحدة اتفاق المشاركة في المعلومات الاستخباراتية. تورط حبيقة الذي كان يكره بشير الجميل ويرغب في إحراجه في صراع داخلي شديد على السلطة، ووجه إليه اللوم لفشله في حماية بشير الجميل. وفي 16 من شتنبر جمع حبيقة قواته في مطار بيروت الدولي وتحرك نحو مخيم شاتيلا بمساعدة مشاعل جيش الدفاع الإسرائيلي، ثم بمساعدة الدبابات ومدافع الهاون الإسرائيلية فيما بعد، وفي ذلك الحين ادعى بيان صحفي لمجلس الوزراء الإسرائيلي بأن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي اتخذت مواقع لها في بيروت الغربية لمنع خطر العنف وإراقة الدماء والفوضى. منح حبيقة تصريحا إسرائيليا بإحضار كتيبتين إضافيتين إلى المخيمين، وكانت إسرائيل تعلم أن المذبحة قائمة على قدم وساق، بل إن القوات الإسرائيلية أقامت مواقع ملاحظة على عدد من البنايات التي تعلو بارتفاع سبعة طوابق عند دوار السفارة الكويتية، وبهذا كان باستطاعتها مشاهدة المجزرة دون أي عائق. أججت هذه المذبحة ودور إسرائيل فيها غضب الولاياتالمتحدة، وتصاعدت الحرب الكلامية بين ريغان وبيغن، وفي بداية أكتوبر أعاد ريغان 1200 جندي من مشاة البحرية الأمريكية إلى بيروت بعد 19 يوما من مغادرتهم لها، انضموا إلى 1560 مظلي فرنسي و1200 جندي إيطالي ضمن قوة حفظ السلام.