كان الحضور الدبلوماسي المغربي على مر الأزمنة مرآة لواقع الجيش المغربي يتأثر بقوته وضعفه، فالمغرب الذي تدخل في أحداث الشرق وأوربا وبلاد السودان كان يملك أساطيل قوية وجيشا جرارا وقدرة مدهشة على الحركة، كل ذلك سيحوله إلى فاعل قوي على مسرح الأحداث الدولية، يصطنع الأمراء والملوك الذين يخدمون مصالحه تارة ويعزل خصومه تارة أخرى، ويبرم المعاهدات والاتفاقيات ويفرض الضرائب الثقيلة على التجارة الأجنبية ويحدد المجال الحيوي الذي تتحرك فيه دول الجوار وفق ما تمليه احتياجاته، وقد تميز هذا الجيش الذي خاض معارك ضارية في أستجة والزلاقة والأرك وغيرها من المعارك بخصائص مميزة أهلته كي يكون في صدارة الجيوش القوية ذات التاريخ العريق، وأهم هذه الخصائص سعيه الحثيث لمواكبة التطورات واجتهاده الدائم في تحديث هياكله وعتاده الحربي، وليس من قبيل العبث أن يصنف المغرب إلى اليوم ضمن أعظم الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ البشري، إذ أن جيوشه بسطت نفوذها على الشمال الإفريقي والجنوب الغربي لأوربا وبلاد السودان وتحكمت في ملاحة البحر الأبيض المتوسط على مدار قرون طويلة. تنظيم الجيش وتحديث هياكله مع ظهور الدولة المرابطية واتساع رقعة المغرب، دعت الحاجة إلى تنظيم الجيش وتحديث فرقه وإنشاء التخصصات العسكرية داخل هذه الفرق، وسنرى أن الدولة المرابطية قد وضعت أسس جيش نظامي حديث يملك دواوين خاصة، ويرتدي أفراده زيا موحدا وتجرى عليهم رواتب قارة، وستعرف هذه الفترة تأسيس جهاز شبيه بوزارة الدفاع مهمته النظر في شؤون الجند وتطوير أدائهم، كما ستعرف تأسيس لفيف أجنبي من الصقالبة والأغزاز وإنشاء قوة احتياطية من المتطوعة، وسيتم إحداث فرقة للمشاة وأخرى للفرسان، كما سيظهر مفهوم القوات الخاصة في معركة الزلاقة حيث سيكلف ابن تاشفين الفرقة التي قادها بنفسه بمهمة نوعية بعد أن انتقى أفرادها من أنجاد المرابطين وأبطالهم، وسيكون دور تلك الفرقة مشهودا في قلب موازين المعركة، وسيعرف الجيش المغربي تحديثات كثيرة في العهد الموحدي شملت هياكله، حيث سنرى في معركة الأرك تقسيما جديدا مبنيا على المعيار القبلي وستسند مهمة قيادة كل قبيلة لوجهائها لتحقيق الانسجام المطلوب في أداء الجيش، وفي زمن المرينيين ستظهر ضوابط صارمة للانخراط في سلك الجندية، حيث تذكر بعض الروايات أن الالتزام الديني كان من أهم المعايير التي تعتمد عليها دولة المنصور المريني في اختيار الجند وترقيتهم، وسيظهر مفهوم الولاء في صدر الدولة العلوية عند إنشاء «جيش البواخر» الذي أقسم أفراده يمين الإخلاص على صحيح البخاري وتعهدوا بفداء أمتهم بأرواحهم. وللرقي بأداء هذه الفرق العسكرية سيحدث الجيش المغربي مفهوم المناورة العسكرية للحفاظ على جاهزية الجنود، حيث تصف بعض الوثائق التاريخية الاستعراضات التي كان ينظمها ملوك المغرب للفرق العسكرية منذ العهد المرابطي، وسنعثر على وصف دقيق لحرب وهمية في صدر الدولة المرينية استعرض فيها الجنود أساليب القتال بين يدي العاهل المغربي الذي أشرف على ميدان المعركة من برج عال، مكنه من الوقوف على مكامن القوة والضعف في تحركات جنوده. اهتمام المغرب بتطوير الصناعة الحربية بالموازاة مع تحديث هياكل الجيش وإعادة تنظيمه، ستنشأ الحاجة إلى تطوير معداته وإعادة تسليحه، وسنجد أن الجيش المغربي قد اهتم بتسليح أفراده على طراز حديث منذ أيام المرابطين، فظهرت فرق خاصة بحمل الطبول التي كانت تستخدم في إفزاع الخيل وترهيبها، وظهرت القسي والرماح والدروع والبيضات والخناجر، ثم تطورت الصناعة الحربية في العهد الموحدي فأنشئت دور لصناعة السفن سيذكر التاريخ أنها صدرت خبراء للبلدان الإسلامية الأخرى، حيث نجد أن بعض من تتلمذ في هذه الدور يشرف على صناعة السفن في صدر الدولة الأيوبية، وقد ذكر ابن خلدون أنه في الوقت الذي ضعفت القوة البحرية عند مسلمي المشرق فإن «الجانب الغربي… كان موفور الأساطيل ثابت القوة لم يتحيفه عدو ولا كانت لهم به كرة»، حتى أن النصارى كفوا في بعض الفترات عن الإبحار في «الأبيض المتوسط» نهائيا بسبب سيطرة المغاربة عليه. وسيعرف المغرب إنشاء دور أخرى لصناعة الأسلحة الخفيفة، ومع وصول المرينيين إلى الحكم ستظهر الأسلحة النارية، ويشير بعض المؤرخين إلى أن المنصور المريني كان أول من استخدم هذا النوع من الأسلحة، وذلك في حروب سجلماسة، أي قبل أن تستخدمها أوربا بثلاثة أرباع قرن، وستظهر بفاس دار لتصنيع المدافع الثقيلة، وفي زمن السعديين ستزدهر صناعة البنادق والمدافع لتلبية حاجات الجيش، كما سيظهر التأليف في المجال العسكري، حيث سنعثر على كتاب بعنوان «العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع»، يعود للعهد السعدي يتناول قضايا عسكرية بحتة. ومن الطريف أن نشير هنا إلى أن الجيش المغربي سيستخدم الطاقة الشمسية لأغراض عسكرية، حيث ستظهر المرايا المحرقة وتتكون من صفيحة فولاذية ذات سمك خاص على نحو ما ذكر ابن الهيثم، ولا تكون إلا في ساعات معينة وباتجاهات خاصة، وستنتشر هذه المرايا في المغرب والأندلس، ومن المرجح أنها استخدمت ضد السفن المغيرة على السواحل المغربية. لقد فرض الجيش المغربي على الأجانب أن يبدوا احتراما وتقديرا خاصين للسيادة المغربية، وأن يسعوا لكسب ود وصداقة المغرب، وهذا هو السر وراء وجود عدد ضخم من الدبلوماسيين الأجانب على الأراضي المغربية، ووجود ذلك العدد الهائل من الرسائل والسفارات المتبادلة بين المغرب ومختلف بلدان العالم.