وفاء لخيلي إن أزمة اليونان أكبر من الاتحاد الأوربي بكثير، ذلك أنه في الة تخلفها عن سداد ديونها، وهو الخيار المرجح بقوة، فإنها ستعلن دولة متخلفة عن السداد، وهذا يعني بماشرة خروجها من منطقة اليورو، وإذا ما خرجت اليونان منها، فإن دولا أخرى كبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، ستعاني هي الأخرى من تداعيات خروج اليونان من المنطقة، كما أن بعضها خصوصا بريطانيا مرجح لأن يخرج من ذات المنطقة. فلخروج اليونان تداعيات كثيرة، سواء على المستوى الداخلي، أو على المستوى الخارجي، ذلك أن دولا كثيرة تأثر اقتصادها بفعل الأزمة، حيث هبطت أسعار أسهم البورصة، وانخفضت معاملات اقتصادات بعض البلدان، خصوصا تلك المرتبط اقتصادها بشكل مباشر مع اليونان. فسيناريو طلاق اليونان من منطقة اليورو، يعني فشل ونهاية الاتحاد الأروبي كمنطقة موحدة ومتضامنة، كما يعني في نفس الوقت فشل العملة الموحدة، وبالتالي سيؤدي خروج اليونان إلى انهيار تدريجي لمنطقة اليورو التي دام عمرها زهاء 60 سنة. بدأت تراجيديا أزمة ديون اليونان قبل ظهورها الحالي إلى السطح بمدة طويلة،تمتد إلى ما قبل انضمامها إلى منطقة اليورو، حيث كانت اليونان معتادة على أن يكون عجز الموازنة فيها، أكثر من 8 بالمائة، أي أكثر من ضعف الحد المسموح به في منطقة اليورو، كما أنها اتسمت لسنوات طويلة بمشكلات اقتصادية وهيكلية. فاقتصاد اليونان الصغير نسبيا بالمقاييس الأوروبية يعاني من تضخم القطاع العام الذي يصل إلى 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. إلى جانب ذلك، فاقمت الأزمة المالية الأخيرة من مشكلات اليونان الاقتصادية، حيث اضطرت الحكومة إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وعلى القطاع العام، ما زاد من عجز الموازنة، وأدى بالتالي إلى ارتفاع البطالة لتصل في فبراير من سنة 2010، إلى 21.1 بالمائة. ومع استمرار ضعف الاقتصاد وزيادة الإنفاق،وجدت الحكومة اليونانية نفسها مضطرة إلى مضاعفة الاقتراض في السنوات السابقة للأزمة المالية وخلالها، في وقت انخفضت فيه أسعار الفائدة. إلى أن وصلت ديونها إلى 350 مليار أورو. وبعد هبوط تصنيف السندات اليونانية من قبل مؤسسات التصنيف العالمية إلى جانب سندات الخردة أو النفايات، لم يعد من السهل على البنك المركزي الأروبي قبولها، ومن ثم لم تعد البنوك اليونانية تستطيع الاقتراض. ولذلك عندما جمدت الأزمة المالية العالمية عمليات الاقتراض، أصبح أيضا من الصعب على البنوك اليونانية الاقتراض بأسعار فائدة متدنية كما كان في السابق، كما لم يعد أيضا بإمكان الحكومة الاقتراض نتيجة تدني تصنيفها الائتماني. فوضى اقتصادية داخلية اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال أن أزمة ديون اليونان باتت مثل عبئا إضافيا على الحكومة، التي تقف الآن على حافة الانهيار، وذلك على خلفية الأزمة المالية التي تشهدها البلاد. حيث أشارت ذات الصحيفة الأمريكية إلى أن عجز اليونان عن التوصل إلى حل مع الدائنين بشأن خطة الإنقاذ المالي، أدى الى استنزاف خزينة الدولة إلى المرحلة، التي لم تعد فيها الحكومة قادرة على دفع الأجور والمعاشات. وأشار مجموعة من الخبراء الدوليين، إلى أن اليونان في حالة تخلفها عن سداد ديونها، وفي حالة إذا ما رفض الاتحاد الأروبي تمديد مهلة السداد، فإنه وقتها ستعلن اليونان دولة متخلفة عن السداد، وهو ما يعني مباشرة خروجها من منطقة اليورو، وإعلانها أيضا دولة مفلسة. وهذين العنصرين، سيزيدان من تعميق هوة الفقر والبطالة التي عانها ولازال المجتمع اليوناني سيعانيها. وستصبح اليونان أضعف اقتصاد، وأكثره تأثرا بالأزمة المالية التي ضربت العالم منذ 2008. كما أن خروج اليونان من منطقة اليورو يعني عودة أثينا على الأرجح إلى عملتها القديمة الدراخما، لكن هذه العملة في ثوبها الجديد ستكون على الأرجح متواضعة المصداقية وهو ما يعني احتمال أن تشهد البلاد واحدة من أشرس موجات الغلاء في تاريخها الحديث، جراء احتمال انهيار تجارتها الخارجية وعجزها عن تدبير المال اللازم لشراء السلع الأساسية. ويعني هذا السيناريو، حسب محللين، احتمال اندلاع فوضى اقتصادية واجتماعية عارمة، قد تجعل اليونان تربة خصبة للتيارات السياسية المتطرفة، التي من المحتمل أن يغذيها فقر وصل معدل من يعيشون تحت خذه القاسي إلى 20 بالمائة. انهيار الاتحاد وفشل عملته في غضون ذلك، فإن فشل قادة أروبا في تدبيرأزمة اليونان، واحتمال تطاير شرر الأزمة إلى دول أخرى كإسبانيا والبرتغال، أن ينذر بخسارة الاتحاد الأروبي وعملته الموحدة مصداقيتهما الدولية، وهو ما قد يترتب عنه احتمال تداعي النفوذ السياسي والاقتصادي لهذه المنطقة من العالم، حيث يرى العديد من الخبراء، أنه بانهيار اليونان، سينهار الاتحاد الأروبي، كما أن فشلها في سداد ديونها، يعني فشل الاتحاد في مشروعه الذي يقوم على قضية أروبا الموحدة. وفي هذا السياق، كتبت صحيفة الغارديان في افتتاحيتها، أنه في الوقت الذي تستعد فيه اليونان لإجراء استفتائها حول رأي اليونانيين في الإجراءات المالية والإصلاحات التي اقترحها الدائنون على حكومة أثينا، فإن الرهانات عالية لمشروع أوروبا الموحدة. ومن جانبها ذكرت صحيفة إندبندنت، أن أزمة الديون اليونانية تتعلق بما هو أكبر بكثير من انعدام المسؤولية المالية، وأن قارة بأكملها على المحك، وأن اليونان، قد تصير الدولة الأولى التي تغادر الاتحاد الأوروبي وما لهذا الخروج من آثار كارثية على اليونانيين والاتحاد الأوروبي والعالم .وأضافت بأن خروج اليونان سيكون أيضا علامة الانهيار الأول لعملية التضامن والتكامل الأوروبي التي بدأت منذ أكثر من ستين عاما. ذلك أنه بفعل أزمة اليونان المالية، هبطت أسواق المال في معظم أنحاء العالم، حيث فرضت الحكومة اليونانية قيودا على رأس المال، وأغلقت البنوك لمدة أسبوع، فهوت الأسعار في بورصات هونج كونج وسنغافورة واليابان واستراليا والصين وكوريا الجنوبية، وبدأت الأسواق المالية الأوروبية تداولاتها، وتكبدت أسهم منطقة اليورو أكبر خسارة يومية منذ 2011، مع تضرر بنوك جنوب أوروبا على وجه الخصوص، تضررا بالغا بعدما أغلقت اليونان مصارفها وفرضت قيودا رأسمالية. وهو ما اعتبره المحللون الاقتصاديون تمهيدا وتعزيزا لاحتمالية خروج أثينا من منطقة اليورو، خصوصا وأن الأزمة أثرت على جميع دول العالم، لأن المنطقة تمثل سوقا ضخمة للواردات، وبالطبع، أكثر من تأثر بهذه الأزمة دول الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب أن ديون اليونان التي فاقت 210 مليار يورو لدى البنوك. وبهذا تبرز أزمة اليونان كإشكال حقيقي أمام مخاوف توسع نطاق الأزمة إلى بلدان مثل البرتغال واسبانيا وايرلندا وسلوفاكيا وايطاليا، وتفاقم الاحتجاجات الاجتماعية. كما أن أزمة اليونان تشكل هاجسا للولايات المتحدة، لأنها قد تزيد من نسبة عدم استقرارها السياسي والاقتصادي، فهي تحاول حل هذه الأزمة المالية عن طريق تحفيز الطلب المحلي للحد من التدهور الاقتصادي، كما أن الكونغرس خصص الأموال للمساعدة في إعادة رسملة المؤسسات المالية. ويرى الخبراء أن سبب قلق أمريكا من أزمة اليونان، يعود في مجمله إلى خوفها من تجذر نفوذ روسيا، حيث ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قلقة من تعزيز اليونان علاقاتها مع روسيا، مشيرة إلى أن هذا هو السبب في أن واشنطن قامت سرا بإقناع ألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي بالموافقة على تقديم تنازلات في محادثات بشأن تسوية ديون أثينا. خيارات اليونان وخيارات الاتحاد ولم تجد اليونان من خيار لحل أزمتها، سوى إجراء استفتاء، حيث صادق البرلمان اليوناني على مقترح استفتاء تقدمت به الحكومة، حيث سيكون على الناخبين اليونانيين التصويت بنعم أو لا، على حزمة الإجراءات التي قدمها الدائنون، أي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وبحسب المؤشرات سيرفض اليونانيون رزمة الإجراءات التي وضعها صندوق النقد الدولي، ما يعني الإفراج عن أكثر من سبعة مليارات يورو بموجب برنامج الإنقاذ، مقابل إقرار البرلمان اليوناني مجموعة إصلاحات مالية. أما بالنسبة لخيارات الاتحاد الأروبي، فتتمثل في خيارين إثنين: إما الإبقاء على اليونان ضمن منطقة اليورو، وضمان، بالتالي، بقاءه واستمراره كقوة اقتصادية وسياسية فاعلة، أو قبول خروج اليونان، وفي هذه الحالة، فإن الاتحاد الأروبي سيجد نفسه يتهاوى تدريجيا، ذلك أن المحللين يعتبرون أنه في حالة خرجت اليونان من منطقة اليورو، فإن باب مغادرة الاتحاد سيفتح أمام المملكة المتحدة البريطانية، التي يرجح أن تعقد هي الأخرى استفتاء بحلول سنة 2016، على البقاء في الاتحاد أو الخروج منه، كما أن هناك فضية أخرى تتمثل في كون دولة إسبانيا قد تعرف صعود حزب أقصى اليسار إلى الحكم، كما هو الشأن في اليونان. ولو وقعت هذه العاصفة القوية، فإن هذا سيثير شكوكا بوجود الاتحاد الأوروبي نفسه، لأن البلدان الأعضاء الأخرى قد تنظر في مستقبلها في مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي، أو تبدأ بالتخطيط لتلك المرحلة.كما أن جميع القوى المتشككة بأوروبا والقوى القومية في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي سوف تسعى جاهدة وبنجاح متزايد في جعل انسحاب بلدانها من الاتحاد الأوروبي قضية مركزية في النقاشات السياسية المحلية والحملات الانتخابية، أي بعبارة أخرى فإنه قد يتم تقويض حوالي ستين سنة من التكامل الأوروبي، كامل المشروع الأوروبي. فالمزج بين خروج اليونان وخروج بريطانياوعواقب ذلك ليس فقط على استقرار منطقة اليورو بل أيضا على استمرار وجود الاتحاد الأوروبي، ربما يكون ذلك أكبر تهديد يواجه أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة. إن منع الاتحاد الأوروبي من التفكك سوف يتطلب أولا وأخيرا حلا إستراتيجيا للأزمة اليونانية، فاليونان بحاجة للمال والإصلاحات بسرعة وضمن منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. إن حكومات أثينا وبروكسل، وحتى برلين لا يمكن أن تتعايش مع اليونان كدولة فاشلة واقتصاد فاشل. وبذلك يعتبر المحللون أنه إذا ما تم تجنب خروج اليونان من منطقة اليورو، فإن التحدي الذي يشكله خروج بريطانيا سوف يكون أقل صعوبة بكثير، خاصة أن المخاطر متساوية بشكل أكبر بين الاتحاد والمملكة المتحدة. كما أن استمرار ما يصفه المحللون بلعبة البوكر بين الحكومة اليونانية والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تضر بجميع الأطراف المشاركة وخاصة أوروبا، وهذا يمكن أن ينتهي في نهاية المطاف فقط بتجديد حزمة الإنقاذ لليونان أو أن تغرق أوروبا في وضع كارثي. لكن السماح لليونان بالتخلف عن سداد ديونها والبقاء رغم ذلك في منطقة اليورو ليس بالخيار المطروح، فهذا يمثل إشارة إلى أن دولا أخرى في منطقة اليورو بوسعها أن تكدس ديونا ضخمة، بتمويل من البنك المركزي الأوروبي، ومن دون أي نية للسداد. وهذا من شأنه أن يقوض المسؤولية المالية في منطقة اليورو بشكل قاتل. حل وسط وبداية جديدة ويصف الباحثون، خيار إجبار اليونان العاجزة عن سداد ديونها على الخروج من منطقة اليورو، من شأنه أن يدفع بالبلاد إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وسوف تنشأ دون أدنى شك انعكاسات خطيرة تتجاوز حدود البلاد. ويرون أن الخيار الأكثر ترجيحا، يتمثل في إجراء البنك المركزي الأوروبي تقييما واقعيا لافتقار اليونان إلى القدرة على الوفاء بديونها، وبالتالي التوقف عن تزويد نظامها المصرفي بأموال مساعدات السيولة الطارئة. وهذا من شأنه أن يعجل بأزمة السداد بالنسبة لليونان. لكن إدراك الكارثة الوشيكة كفيل بجعل اليونان تلتزم بصدق بالإصلاحات البنيوية التي تصب في مصلحتها البعيدة الأمد، وهو تعزيز مرونة سوق العمل، وبيع الشركات المملوكة للدولة التي وضعتها أغلب الدول الأوروبية الأخرى بالفعل بين يدي القطاع الخاص، والحد من الإنفاق على بيروقراطية القطاع العام. من ناحية أخرى، سوف تضمن اليونان أن هذه الإصلاحات لن توقع الأذى بالمواطنين الأكثر فقرا من خلال تقديم سياسات سوق العمل الفعالة، فضلا عن ذلك، سوف تلزم اليونان نفسها بخطة مالية تنفذ تلقائيا، مع تحديد نسبة الدين الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأمد البعيد، ومعدل التقارب إلى هذه النسبة، ودرجة مكافحة التقلبات المالية الدورية. وبحسب الخبراء، هذا هو ما يتعين على اليونان القيام به، وفي المقابل، سوف يوافق دائنوها على شطب الديون مرة واحدة، بالقدر الكافي لتمكينها واقعيا من سداد ديونها في المستقبل. وسوف تظل اليونان داخل منطقة اليورو، ولكنها ستفقد بعض سيادتها المالية والبنيوية. وفي حالة عدم اتخاذها هذا القرار، فإنها سوف تتخلف عن سداد ديونها. ولكن هذا من شأنه أن يمهد الساحة للخيار الثاني، والمتمثل في شطب الدول الدائنة ديون اليونان، شريطة أن تترك اليونان منطقة اليورو طواعية. وهذا من شأنه أن يعطي اليونان الفرصة للبدء من جديد خارج الاتحاد النقدي، فيصبح بوسعها أن تعيد هيكلة اقتصادها دون تدخل خارجي، ومن الممكن أن تصبح مستعدة للعودة إلى منطقة اليورو في وقت لاحق في ظل شروط جديدة. وهو الخيار الذي من شأنه أن يشكل بداية جديدة لمنطقة اليورو بالكامل، فسوف تقبل البلدان الأعضاء حقيقة مفادها أن الاتحاد النقدي مستحيل في غياب التنسيق المالي والبنيوي. وسوف يشمل الحد الأدنى المطلوب للتنسيق المالي خططا وطنية تلقائية التنفيذ، وتتولى كل حكومة صياغتها مسبقا.