يوم 30 يونيو هو آخر أجل محدد لليونان لتسديد مبلغ 1,8 مليار دولار من القرض الخاص بصندوق النقد الدولي، حيث أكدت مديرته العامة أن الصندوق لن يمدد مهلة سداد الديون لأثينا. ومنذ أن فاز حزب سيريزا اليساري المعارض لإجراءات التقشف في انتخابات يناير المنصرم، حاولت الحكومة اليونانية أن تعرض لمواطنيها «حلا عادلا ودائما وقابلا للحياة «، إلا أن دول الاتحاد الأوربي، وبالخصوص ألمانيا، تظل متمسكة بإجراءات تقليص حجم النفقات العامة، من أجر موظفي الدولة ومعاشات وميزانيات مخصصة للصحة والتعليم والقطاعات الاجتماعية الأخرى. وأكيد أن السياسيين اليونانيين الذين دبروا الشؤون العامة لبلدهم في العقد الأخير مسؤولون على جزء كبير من الأوضاع المالية اليونانية، حيث اتخذوا قرارات غير سليمة، ولجؤوا بشكل مفرط للمديونية الخارجية إلى أن وصلت إلى 177٪ من الناتج الداخلي الخام، و هي أعلى نسبة ضمن الاقتصادات الأوربية. ومديونية عمومية مرتفعة جدا تعني أن الحكومة عاجزة عن أن تصرف على النفقات المخصصة للمرافق العمومية والسير العادي للدولة، من جهة، ومن جهة أخرى، عن تسديد قروضها. لكن الأزمة الحالية تسلط كذلك الأضواء على فشل جانب مهم من مشروع الوحدة الأوربية، ألا وهو نظام العملة الواحدة الذي ساهم في تفاقم الأوضاع المالية لليونان، عوض أن يخفف منها. وبالنسبة للمسؤولين الأوربيين، كان من المنتظر أن يسمح مشروع اليورو بارتفاع نسبة نمو الناتج الداخلي الخام، وأن يكون عاملا مهما في إدماج اقتصادات البلدان الأوربية، إلا أن الاتحاد الأوربي فشل في تحقيق هذه الطموحات. واليوم، الاتحاد الأوربي لا يعرف أزمة مالية فحسب، بل أزمة مشروع ومشروعية، لأن المؤسسات الأوربية تبنت منذ إنشائها سنة 1957 قواعد وقوانين ليبرالية تهدف إلى خلق سوق موحد، والتي تظل بعيدة عن الواقع المعيش للعديد من شعوب القارة العجوز. وليس من المستحيل أن تتفاقم الأزمة الحالية إلى أن تؤدي إلى خروج اليونان من منطقة اليورو، لأن الانتماء إليها يؤدي إلى فقدان آليات أساسية تعتمدها السياسة الاقتصادية تعبر عن السيادة الشعبية وتسمح للبلد أن تتخذ قرارات مصيرية تهم اقتصاده الوطني، فالرجوع إلى عملة «الدراكم» قد يسمح للحكومة اليونانية بأن تتحكم في السياسة النقدية، وبأن تخفض من قيمة عملتها من أجل التخفيف من مديونيتها وتحفيز نموها الاقتصادي. وفي نهاية المطاف، المملكة المتحدة هي التي اتخذت القرار الأحكم، لأنها رفضت منذ البداية التخلي عن عملتها الوطنية وعن سيادتها الاقتصادية، الشيء الذي ساهم في الحفاظ على نسبة نمو اقتصادي أفضل من البلدان الأوربية الأخرى. وبالنسبة لأهم الدول الأوربية التي كانت تأمل بأن يصبح الاتحاد الأوربي قوة عالمية قادرة على أن تنافس الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتصاديا وسياسيا، الأزمة الحالية، مهما كانت سبل تجاوزها، قد تضع حدا نهائيا لهذه الطموحات وتؤدي بحكوماتها إلى مراجعة مضمون المشروع الأوربي بشكل جذري.