الانتعاش في دبي كان ضخما بمقاييس فاجأت العالم بأسره، حتى إنها أصبحت محجا لكل الباحثين عن الثراء السريع ورجال الإعلام الغربيين الذين كتبوا المعلقات عن هذه المعجزة التي قامت فوق صحراء ملتهبة، ولكن هذه المعجزة لم تعمر طويلا، وانفجرت «الفقاعة» في زمن قياسي أيضا وبشكل مدو. المسؤولون في دبي سيدخلون التاريخ على أنهم أعظم خبراء تسويق في العصر الحديث، فقد نجحوا في بيع بلادهم وازدهارها البراق للعديد من البنوك العالمية الكبرى، علاوة على عشرات الآلاف من الحالمين بالثراء من الفقراء الذين شاهدوا أسعار العقار تتضاعف في أقل من عام، فاستدانوا أو باعوا كل ما لديهم من أصول للدخول في مصيدة المقامرة العقارية هذه، فخسروا كل شيء تقريبا في طرفة عين، ومن المتوقع أن تزداد خسارتهم، وآخرين أمثالهم، هذا الصباح حيث يتوقع خبراء المال أن تنخفض الأسهم بمقدار عشرة في المائة في البورصات الإماراتية خصوصا، والخليجية الأخرى، وهو الحد الأدنى للانخفاض في يوم واحد بمقتضى القوانين. ولعل الخاسر الأكبر هو المساهمون في البنوك الإسلامية التي استثمر المسؤولون فيها مليارات الدولارات من أموال الفقراء في الشركات العقارية مثل «عالم دبي» و«إعمار»، وهي شركات مملوكة بنسب كبيرة للدولة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في أوساط دوائر المال الغربية هو عن أسباب غياب الوضوح، والسكوت عن هذه الأزمة طوال الأشهر الماضية، دون الحديث عنها، أو طلب المساعدة للخروج منها. ويذهب بعض الخبراء إلى درجة اتهام دبي والأسرة الحاكمة فيها بإخفاء الحقائق بطريقة متعمدة، على اعتبار أن هذه الحقائق من أسرار الدولة العليا التي لا يجب أن يطلع عليها أحد. قبل ثلاثة أسابيع، طالب حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم منتقديه بأن «يخرسوا»، مؤكدا أن حكومته مسيطرة سيطرة كاملة على مشكلتها المالية. وقال إنه لم يرتكب أي خطأ طوال السنوات الماضية. وفي الأسبوع الماضي، أبلغ ابنه وولي عهده الشيخ حمدان المستثمرين والصحافيين بأن اقتصاد الإمارة يتقدم بشكل سلس، بينما ادعى أكبر «هوامير» العقار في الإمارة أن معدل النمو في الإمارة سيبلغ خمسة في المائة هذا العام. هذه التصريحات أعطت انطباعا بأن دبي ستتجاوز الأزمة المالية إلى بر الأمان. لا نعرف لماذا اختار المسؤولون عن القطاع المالي في دبي يوم وقفة عرفة لإعلان عجز شركة «دبي العالمية» للعقار عن تسديد أقساط ديونها للبنوك الإسلامية، وتأجيل الدفع ستة أشهر دفعة واحدة، الأمر الذي أدى إلى إفساد فرحة العيد على مئات الآلاف من صغار المستثمرين في هذه البنوك الإسلامية وسنداتها. اقتصاد دبي يجب ألا ينهار، ولا بد من إنقاذه من عثرته الحالية في أسرع وقت ممكن، وهذه مسؤولية إمارة أبوظبي التي تجلس على صندوق سيادي تصل قيمته إلى أكثر من تريليون دولار، مستثمرة في غالبها في دول أوربية. صحيح أن إمارة أبوظبي قدمت عشرة مليارات دولار إلى شقيقتها إمارة دبي هذا العام، وعادت وقدمت خمسة مليارات أخرى مساعدة قبل أسبوع فقط كقرض، ولكن هذه الأموال كانت بكل تأكيد مشروطة بدفع مستحقات شركات المقاولات الأجنبية، وليس الشركات العقارية المحلية. والمأمول أن تواصل حكومة أبوظبي المنحى نفسه، وضخ المزيد من المليارات لتقليص الخسائر والحيلولة دون حدوث الانهيار الكبير. تجربة دبي هذه يجب أن تدرس بشكل جيد من قبل كل الدول الخليجية التي حاولت اتباع النهج نفسه، ونحن نشير هنا إلى كل من ابوظبي وقطر وبدرجة اقل البحرين وسلطنة عمان. عنوان هذه التجربة هو «الجشع» من قبل بعض كبار رجال الأعمال الذين كشفوا عن استعداد للتضحية بالبلاد وأمنها واستقرارها وهويتها ومستقبل أجيالها القادمة، من أجل زيادة أرصدتهم المالية في البنوك بعشرات المليارات. المشكلة أن صغار المستثمرين والموظفين العاديين، من أهل البلاد أو الوافدين إليها من عرب وأجانب، هم الضحية الكبرى لمثل هذه الأزمة، لأنهم اشتروا الوهم من عرقهم ومن قوت أطفالهم وأسرهم، ولن يجدوا من يعوضهم بسبب غياب القوانين التي تحتم ذلك.