بداية نريد تسجيل نقطة نظام على هامش بعض ردود الأفعال غير المرحبة بما جاء في مقال سابق بعنوان «النضال النقابي على الطريقة المغربية»، لنقول إن الرؤيا التي تحكم فريق العمل في الملحق التربوي للمساء، لاتجعل من أولوياتها مناصرة هذا الطرف على ذاك، والدخول على خط المزايدات التي تسيء لقطاع التربية والتكوين في الأيام الحاضرة أكثر مما تحسن إليه، من منطلق أن رسالتنا واضحة، وهي أن نساهم إلى جانب جميع الفاعلين في تشريح مكامن الخلل في المنظومة، لتجاوز وضع تعليمي غير مشرف بكل المقاييس، أما أن نقول لهذا الطرف أو ذاك ما يحب سماعه فهذا ليس ضمن أجندتنا.. عندما ظهر تقرير المجلس الأعلى للتعليم، أقدمت الوزارة الوصية على خطوات اعتبرت في حينها عودة إلى طريق التواصل الموصدة منذ زمان بين رجل الميدان/المدرس والوزارة الوصية، حين عقدت منتديات ولقاءات في كل ربوع المملكة لمناقشة التقرير وتطعيمه بما يمكن استدراكه، لكن تواتر بعض تصريحات السيد الوزير ومذكرات وزارية، جعلتنا نخلص إلى أننا إزاء برنامج إصلاحي مقدس، وهذا خطأ جسيم، والأنكى هو الخطأ في عدم تقدير الخطأ، لذلك سنقف عند بعض المعطيات نرجو من الجميع الانتباه إليها. المعطى الأول هو أقرب إلى الكرونولوجيا، حيث إن المخطط الاستعجالي ظهرت مسودته الأولى في دجنبر 7002، حيث جاء في مقدمة هذه النسخة ما يلي: «فالوزارة بكل مكوناتها منكبة حاليا على إعداد الصيغة النهائية للبرنامج الاستعجالي قبل متم مارس 8002» (أنظر الصفحة 4 من المسودة)، وإذا علمنا أن التقرير سابق الذكر والذي تم تقديمه على أنه التشخيص الدقيق والخبير لحالة المنظومة التربوية تم تقديمه في أبريل 8002، قبل أن يعمم على الجهات والأقاليم والمؤسسات التعليمية إبان شهر ماي، فإننا سنستنتج أن البرنامج الاستعجالي تمت صياغته قبل تقرير المجلس الأعلى، وهذا يعني أن وصفة العلاج سبقت التشخيص وأن الدواء حُدد قبل معرفة الداء، هذا على افتراض أننا نكتفي بحدود المعبر عنه في النصين. أما المعطى الثاني فهو أن الأوصياء الجدد على القطاع، يسجلون أسوأ مراحل التسيير الأحادي لمنظومة التربية والتكوين في تاريخ المغرب، ما يبرر هذا الحكم الثاني هو أنه بعد صدور تقرير المجلس الأعلى، صدر أمر وزاري يطلب من المسؤولين المحليين تعميم محتويات هذا التقرير في شكل منتديات تعقد في كل المؤسسات التعليمية الوطنية وبدون استثناء، كما طُلب من الإدارات التربوية في المؤسسات صياغة تقارير عن هذه المنتديات، تتضمن ملاحظات وإضافات وتعقيبات واستدراكات رجال الميدان وهم المدرسون، ليتم توجيهها رأسا إلى الوزارة، وفعلا اجتمع المدرسون وإداريو المؤسسات في كل ربوع المملكة وفي أكثر من 0006 منتدى، المهم هو أن الجميع ثمّن هذه الخطوة المنتظرة منذ الأزل، والتي تروم من حيث المبدأ على الأقل، إشراك رجل الميدان في صياغة الحل، بدل أن يُدفع إلى ترقيعات قدمها تقنوقراط محظوظون في مساراتهم المهنية التي لم يسمع بها أحد. و لأن طبع الإدارة المغربية يغلب تطبعها دوما، فقد ضرب بعشرات الآلاف من الملاحظات والإضافات والمقترحات عرض الحائط، عندما سيعرض رجال المكاتب المكيفة مخططهم الاستعجالي الذي صاغوه قبل أن يجتمع رجال الميدان بشهور، بينما كان المنطقي أن يعمم التقرير ويناقش بمسؤولية وبإشراك الجميع، بعدها يتم جمع الملاحظات والاقتراحات واقتراحات الحلول في مسودة برنامج، ثم يعرض من جديد على الجميع للنظر فيه، وأهمية هذه الخطوة هي أنها تضع الجميع - كل بحسب موقعه- أمام مسؤولية الحلول التي يقترحها لحل الإشكالات التي يتخبط فيها القطاع والتي لا تخفى على أحد، ثم بعد ذلك يتم الاتفاق على الصيغة النهائية، والتي تصبح بموجب هذه الخطوات التواصلية الديمقراطية ملزمة للجميع، والأهم هو أن عددا هائلا من رجال التربية قد يتطوعون بملء إرادتهم لحل إشكالات إعادة الانتشار واستعمالات الزمن والتواصل مع الأسر لحل إشكالات الهدر والانقطاع والدعم، فمازال من المدرسين رجال صدقوا ما عاهدوا متعلميهم عليه وهم كثر، بدل هذه الصيغ السلطوية التي تضمنها البرنامج الاستعجالي، والتي تؤجج نار اللامبالاة والعدمية في صفوف المدرسين. المعطى الثالث هو ضرب كل تراث الشراكة الذي راكمته الدولة والنقابات التعليمية، باعتبارها شريكا اجتماعيا لا يمكن الاستغناء عنه، شريك يبقى حتى في ضعفه قوةً لا يمكن الاستغناء عنها أبدا، شريك له رأي أيضا حول ما يجري في المنظومة، مما يدل على أن واضعي البرنامج استطاعوا أن يوظفوا تقلبات رياح السلطة في المغرب للدفع في اتجاه فرض برنامجهم كأمر واقع، ضدا على الطبيعة التعددية والاختلافية المميزة لقطاعات كقطاع التربية والتكوين، ليتحول إصلاح قطاع التربية والتكوين من رهان شعب إلى رهان دولة وحدها. إن البرنامج الاستعجالي فقد منذ البداية الإجماع المعول عليه في إنجاحه، ولئن كان مهندسوه يعتبرون حماسة نائب إقليمي أو مدير أكاديمية أو مدير مركزي..إجماعا، فإن هذا من أكبر الأخطاء،في حين أن المهم هو ضمان حماسة المدرس والمشرف التربوي وأطر الإدارة التربوية، لأنهم رجال الميدان المكتوون باختلالاته المتناسلة.. ثم إن تناقض الآليات المعتمدة في تنفيذ هذا البرنامج مع أهدافه، سيجعل القطاع رهين دائرة تجتر الإشكالات اجترارا، أي حل مشكلة بمشكلة، كمحاولة حل مشكل التكرار بتخفيض معدلات النجاح، ومشكل الهدر المدرسي والانقطاع ببرنامج غير ذي مردودية وفعالية هو «تيسير» مع أن مشكلة الفقر والتهميش في القرى والبوادي مشكلة هيكلية، وحل مشكلة الغياب في صفوف المدرسين بإجراءات تعسفية تسيء إلى جميعهم..، وحل مشكلة الاكتظاظ بتحفيز القطاع الخاص، وهذا على حساب مبدأ تكافؤ الفرص..