منذ الإعلان عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين تبنت وزارة التعليم في بلادنا التربية غير النظامية التي لعبت دورا إيجابيا في إعطاء فرصة ثانية لبعض الأطفال التي حرمتهم ظروف الحياة الاجتماعية الصعبة من مواصلة مشوارهم الدراسي، لكن في المقابل عرف منشطو هذا النوع من التربية، والذين بدؤوا بحماس منقطع النظير، مشاكل لا حصر لها دفعت ببعضهم إلى اليأس والآخر إلى الفتور، عن هذا الدور وعن هذه المشاكل تحدثت ل التجديد الأستاذة ليلى ولي الدين، منشطة تربوية منذ 1998 وعضو السكرتارية الوطنية لمنشطي التربية غير النظامية، فإليكم نص الحوار. بداية نريد أن نعرف ما هي أهمية التربية غير النظامية ضمن المنظومة الوطنية للتربية والتكوين؟ بسم الله الرحمن الرحيم، إن فصل التربية غير النظامية ،وبالمرونة التي يتسم بها، سواء على مستوى التعامل مع المستفيدين أو استعمال الزمن، واختيار المواد المفضل تعلمها، يعد بحق فرصة ثانية لأطفال المغرب للتصالح مع المنظومة التربوية التي أقصتهم لتعقيداتها وتعقيدات الحياة الاجتماعية التي عاشوها... إذ يخول لفئة 8 إلى 12 سنة الاندماج في التعليم النظامي، ومن 13 إلى 16 سنة الاندماج في التكوين المهني أو الحياة العملية، وهذه الفئة في أغلبها هي فئة المهمشين المتخلى عنهم أوأطفال الشوارع والخادمات أو عاملون بالصناعة التقليدية أو أطفال الطلاق... وكثير منهم يقطنون بالمداشر النائية أو ضواحي المدن والإصلاحيا وأحياء السكن العشوائي. ولعل نظرة سريعة على طبيعة هذه الفئة غير المنسجمة في السن والوضعية الاجتماعية والنفسية تبين جسامة الدور الذي يقوم به المنشط إزاء هذه الفئة المحرومة من الشعب المغربي، فالمنشط التربوي (أو المنشطة التربوية) يجد نفسه ملزما أن يكون مربيا وطبيبا وأخصائيا اجتماعيا ونفسانيا ومحسنا وحقوقيا، ولم لا رياضيا قويا قادرا على التصدي لبعض السلوكيات العدوانية لبعض اليافعين المنحرفين في بداية اندماجهم في هذه التجربة، ويجب أن نقول إن الطفل الممدرس في قسم التربية غير النظامية تبدأ رؤيته لنفسه تتغير وللمدرسة وللمحيطين به، إنها بداية إحساسه بإنسانيته ولم لا إحساسه بفن التعلم والمعرفة أي فن الحياة. بصفتكم أحد القريبين من مجال التربية غير النظامية، ما هو واقعها اليوم، وهل أعطت النتائج المرجوة؟ إن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن حوالي مليونين ونصف طفل ويافع مغربي يرفلون في جحيم الأمية خارج المدرسة النظامية! وأن حوالي 700 منشط (ة) تربوي موزعون على التراب الوطني هم المكلفون بتربية وتكوين هذه الشريحة المهمشة من أطفالنا وإدماجهم في التعليم النظامي أو التكوين المهني أو الحياة العملية، لكن هل يعقل لهذه الفئة القليلة، والعدد الصحيح لا تعرفه إلا المديرية، أن تؤطر هذا العدد الكبير من الصغار واليافعين أو تعالج إشكالية سياسات تعليمية فاشلة متعاقبة... عجزت منظومتها التربوية عن إيجاد مقعد لطفل فقير أو مريض أو جانح متشرد أو يافع منقطع أو يتيم بلا معيل... إننا نرفض تحمل عواقب الإجراءات الترقيعية للدولة في مجال محو أمية الصغار... وعلى الرغم من غياب الشروط الضرورية والبنية التحتية للبرنامج، وأيضا المناهج والبرامج، زد على ذلك غياب نصوص قانونية تؤطر البرنامج والعاملين فيه، انخرط المنشطون منذ 1997 بكل حماس وتفان في حملات تحسيسية باتصال بالأهالي في المداشر والقرى ضواحي المدن، حيث أحزمة الفقر في غياب أي تغطية أمنية أو مساهمة أو دعم من الجمعيات، إلا من رحم ربك، وكان الوازع الديني والوطني الدافعان القويان لإنجاح التجربة وأيضا وعد السيد الوزير السابق رشيد بالمختار، الذي قال لنا آنذاك إن عملنا سنتين يعد بمثابة خدمة مدنية تتم بعدها تسوية وضعيتنا المادية والإدارية. أما بالنسبة للنتائج فقد نجح معظم المستفيدين من هذا البرنامج في الوصول إلى الإعدادي والثانوي أو التدريس بروض الأطفال أو مشاريع صغيرة خاصة، لكن في مقابل هذه النجاحات تراجع المسؤولون عن إدماج المنشطين كما وعدوا بذلك. والأنكى من ذلك أنه في الوقت الذي تتم فيه تسوية ملف المجندين العرضيين، تم إقصاء ملف المنشطين التربويين؟! فعلى أي مستوى تمت هذه التسوية؟ إن كان على مستوى الكفاءة أو التضحية أو التجربة فلا ينقصنا ذلك، وبشهادة السادة الأساتذة والمفتشين، وإن كان السبب هو الحصول على وثيقة قرار التعيين فالمعينون عن طريق التوظيف المباشر لا يملكونها... وكلنا يعلم الظروف السياسية والانتخابية التي صاحبت توزيع قرارات التعيين. للدفاع عن مطالبكم كمنشطين، انتظمتم في هيئة سميت اللجنة الوطنية لمنشطي التربية غير النظامية، ما هي هذه اللجنة وما هو عملها؟ يعلم المتتبعون لهذا الملف أن برنامج التربية غير النظامية انطلق بالمغرب في ماي ,1997 أي منذ إعلان وزارة التربية الوطنية أنه جزء من منظومتها التربوية، وأنه من الدعامات الأساسية في ميثاق التربية والتكوين، لكن نظرا للأطراف المتدخلة في طبيعة البرنامج، انطلقت معه مجموعة من المشاكل عجز المسؤولون عن حلها في معظم الأحيان أو عن الوفاء بالتزاماتهم تجاه هذه القلة من نساء ورجال التعليم!. فكان لزاما أن يفكر المنشطون التربويون في خلق إطار وطني منظم يواجهون من خلاله مسلسل التعسف والطرد والابتزاز الذي ازداد بعد أن أدركت معظم الجمعيات التي انخرطت بحماس شديد في بداية الأمر أن البرنامج لن يكون بالنسبة لبعضها تلك البقرة الحلوب كما كانت تظن عند إبرامها اتفاقية الشراكة مع وزارة التربية الوطنية. لذا كان التوجه العام منذ الجمع العام الأول 1999 والثاني 2000 التنظيم في إطار لجنة وطنية وظيفية قادت مجموعة من الوقفات الاحتجاجية محليا وجهويا ووطنيا... وبعدما تم تعميق النقاش في مسألة التنقيب التحق المنشطون بالجامعة الوطنية للتعليم، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، يوم 23 يوليوز .2003 حيث عقد الجمع العام الثالث تحت شعار الوحدة والتنظيم... سبيلنا للإدماج، وهنا أريد أن أشير إلى نقطه هامة، وهي أن الفتور والإحباط بدأ يتسلسل إلى همة المنشطين بعد إقصاء ملفهم، وتتحمل الوزارة وكتابة الدولة مسؤوليتهما عنه، وعما سيترتب لاحقا من دخولهم من جديد في اعتصام مفتوح أمام الوزارة الوصية، ولم لا الدخول الجماعي في الموت البطيء بالإضراب عن الطعام، لكن هذه المرة ليس في قبو الاتحاد المغربي للشغل بل أمام وزارة السيد المالكي!! قبل هذا خضتم بعض المحطات النضالية، ما هي نتائجها المباشرة وغير المباشرة ؟ منذ يونيو ,1999 وبعد سلسلة من الطرد الجماعي الذي لجأت إليه بعض الجمعيات، نظم المنشطون التربويون وقفات احتجاجية منقطعة أمام الوزارة الوصية، ثم عقدنا في 14 يناير 2000 ندوة صحافية بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية تحت شعار منشطو التربية غير النظامية واقع وآفاق، ثم في شتنبر 2002 وقفات احتجاجية أمام النيابات الأكاديمية الجهوية التربية والتكوين 1 2 3 يناير 2003 إضراب وطني إنذاري عن الطعام.وهناك محطات أخرى ففي فاتح أكتوبر 2003 الدخول في اعتصام مفتوح أمام وزارة التربية الوطنية.وفي15و18 أكتوبر 2003 محاصرة المعتصمين وقمعهم وتفريقهم بالقوة خلف طلبات بليغة وفي23 أكتوبر 2003 ندوة صحافية بمقر الاتحاد المغربي للشغل لتسليط المزيد من الضوء على الاعتصام وتنوير الرأي العام لحصيلة الهجمة القمعية التي تعرض لها المنشطون. ثم استمرار اعتصام وقمع المنشطين أمام الوزارة إلى غاية 12 ماي، حيث دخل أزيد من ثمانين 80 منشطا ومنشطة في إضراب مفتوح عن الطعام وصل 43 يوما أسفر عن حالات صحية متدهورة... وفي 9 يونيو لم يتم إسعاف المضربين عن الطعام وتم إرسال قوات الأمن بدل سيارة الإسعاف. وبعد فشل اللقاء مع باشا الرباط مساء اليوم نفسه انتحرت منشطة تربوية في ظروف نفسية متأزمة. وفي 23 يونيو تم الإعلان عن التوقف عن الإضراب عن الطعام بعد اتفاق مسؤولي الاتحاد الجهوي بالرباط ووزير التربية الوطنية. لتسهيل عملية ولوج مراكز التكوين، وفي 9 يوليوز الماضي صرحت السيدة غزالي طايطاي لوسائل الإعلام بإمكانية ولوج المنشطين لمراكز التكوين. لماذا لم توف الوزارة بوعودها إذن؟ لا ندري، فنتائج الحوار والوعود بعد 43 يوما من الإضراب عن الطعام تم من خلالها التوصل إلى اتفاق 23 يونيو 2003 مع وزير التربية الوطنية وما تلاها من اللقاءات المتعاقبة مع مستشاره وبعد تصريح كاتبة الدولة أمام وسائل الإعلام أن ملف المنشطين التربويين سيتم حله عن طريق تسهيل عملية ولوجهم على مراكز التكوين، توقف اعتصام المنشطين بالرباط والتحق كل بمقر عمله وبأسرته ومدينته، تعبيرا منا عن التزامنا الحضاري للبرنامج وللاتفاق، لكن بعد مرور شهور فوجئنا بتوظيفات مباشرة لفئة خارج المنشطين وبعدم تفعيل الاتفاق وباستمرار الوزارة في نهج سياسة صم الآذان والتنصل من أي وعد أو اتفاق؟ يخص هذه الشريحة من رجال ونساء التعليم الذين لن يتخلوا عن الاستمرار في المطالبة بحقهم في وضعية مهنية كريمة. والغريب في الأمر أن تناقض تصريحات المسؤولين عن البرنامج أصبحت هي السمة الغالبة، فمرة نسمع في قبة البرلمان السيدة طاطاي تعلن أنه تم قبول مجموعة من المنشطين التربويين في مراكز التكوين هذا العام، والحق أنه قبل منشط واحد كباقي المرشحين، ومرة أخرى وعلى المنصة نفسها تقول هذه فئة متطوعةّ! بالله عليك سيدتي الوزيرة هل حصولنا على 2000 درهم شهريا على قلتها وعلة التوصل بها يعد تطوعا، وهل وضعنا لطلبات التشغيل وليس التطوع لدى وزارة التربية الوطنية وإحالتنا على الاشتغال في قطاع التربية غير النظامية يعد تطوعا !! مقاطعا... لكن لماذا وصل هذا الملف إلى هذه المرحلة من التأزم؟ إن المسؤول المباشر عن هذه الوضعية غير المستقرة والمتأزمة هو غياب نصوص قانونية مؤطرة لهذا البرنامج، ولكي يكون البرنامج في إطار نظرة تنموية مستديمة ينبغي أن يكون مرفقا بعدد من الإجراءات ذات الطابع التشريعي والتنظيمي التي تشكل حماية للبرنامج للمنشطين وللمستفيدين، خاصة وأن برنامج التربية غير النظامية يعرف تداخل عدة أطراف وشركاء (الجمعيات الوزارة المديرية المنظمات الدولية...) هذا من جهة، ومن جهة ثانية غياب أي رؤيا أو استراتيجية واضحة للبرنامج أو العاملين به! هل ترون حلا ينقذ هذا البرنامج بما في ذلك الأطفال والمنشطين من الضياع ؟ أقولها صراحة: ليس عيبا أن ينطلق البرنامج من خلفيات متباينة، ماهو تربوي (مليونان من الأطفال غير ممدرسين)، اجتماعي (اشتداد الحركة الاحتجاجية لحاملي قرارات التعيين)، سياسي تنبيهات صندوق النقد الدولي... البنك الدولي بمظاهرة الأمية المتفشية، وكذا نسبة العطالة في صفوف حاملي الشهادات، لكن العيب الأكبر أن يستمر البرنامج في ظل غياب أي استراتيجية واضحة لمستقبله ولمستقبل العاملين به. كما أن استحداث تفعيلة جديدة في كل موسم دراسي، (الصيغة الثانية، قسم الاستدراك، التدبير الجهوي) في غياب أي تعاط جدي مع مشاكل البرنامج ما هي إلا مناورات ومحاولات لذر الرماد في العيون، ولاستمرار استجلاب التمويل الدولي، وأيضا محاولة للتخويف والتصدي للخط التصاعدي للحركة الاحتجاجية للمنشطين. فإذا كانت هناك حقا إرادة سياسية للحكومة المغربية في اجتثاث الأمية أو التملص منها، فلا بد من تجاوز أسلوب الحملات الموسمية والدعائية والاهتمام بالعنصر البشري الفاعل في البرنامج، وذلك بإحقاق حقه في حياة مهنية كريمة مستقرة، هذا هو جوهر التنمية الاهتمام بالإنسان، وتجاوز النظرة الليبرالية المتوحشة التي تهدف في مجال الشغل إلى ضرب العمل القار وتكريس العمل بالعقدة تحت شعار المرونة، كما هو الحال بالنسبة لمنشطي التربية غير النظامية أو المعلمين العرضيين سابقا... لذا فإننا نحمل المسؤولية كلا من السيد وزير التربية الوطنية والشباب وكاتبة الدولة لمصير المستفيدين الذين سيتم حرمانهم من حقهم في التعلم والتربية وحرماننا بدورنا مكرهين من الاستمرار في تأدية مهامنا، وذلك بعد التحاقنا بالاعتصام المفتوح المركزي بالرباط بدء من يوم 29 مارس .2004 ثم إننا نهمس في أذن السيدة طاطاي إذا كانت مسيرة النور، نرجو نجاحها في ما سطرته، والتي قادتها الحكومة وكاتبة الدولة، موجهة إلى شريحة اجتماعية مهمة لتنويرها، فبدورنا يعلن المنشطون التربويون استئناف انطلاق مسيرة النور ابتداء من 29 مارس، لكنها ليست موجهة لأميي مغربنا، وإنما لمسؤولينا عساها تنير عقولهم وقلوبهم وقراراتهم القاضية بمرور التوظيفات المباشرة فوق رؤوسنا ونحن معتصمون بين جدراني وزارة باب الرواح طيلة السنة. فمن يدري قد تلتقي المسيرتان في إحقاق الحق للإنسان المغربي مستفيدا ومنشطا تربويا!؟ حاورها: عبد الغني بلوط