كشف برنامج وثائقي، بثته القناة التلفزيونية الإنكليزية الرابعة، أن اللوبي الإسرائيلي استطاع تجنيد نصف وزراء حكومة الظل في حزب المحافظين البريطانيين لخدمة المصالح الإسرائيلية والدفاع عن سياساتها، وذلك من خلال دفع تبرعات وصلت، في مجملها، إلى عشرة ملايين جنيه إسترليني. حزب المحافظين البريطاني يتفوق، بأكثر من عشرين نقطة، على حزب العمال الحاكم في استطلاعات الرأي، وبات في حكم المؤكد فوزُه في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في مايو المقبل كحد أقصى، مما يعني أن أنصار إسرائيل في حكومة الظل هم الذين سيسيطرون على الحكومة ويوجهون دفة سياساتها ضد العرب بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام. هذا الكشف التلفزيوني الخطير، المدعّم بالأرقام والوثائق، يؤكد حقيقتين أساسيتين: الأولى تتعلق باحتقار السياسيين البريطانيين للعرب واستخفافهم بهم، رغم الخدمات الجليلة التي قدمها ويقدمها العرب، كحكومات وشركات، إلى بريطانيا ومصالحها السياسية والاقتصادية، والثانية تتعلق بفشل الدبلوماسية العربية، بل وانعدام وجودها، ناهيك عن تأثيرها، رغم الرهط الكبير من الدبلوماسيين العرب والسفارات العربية الفارهة في العواصمالغربية. الدبلوماسيون العرب، في معظمهم، مشغولون بكل شيء إلا القضايا المتعلقة بواجباتهم، مثل استقبال زوجات وأبناء الزعماء والأسر الحاكمة، وكلها أسر حاكمة هذه الأيام، يتساوى فيها الجمهوريون والملكيون، وترتيب جولات التسوق والترفيه وحركة التنقلات. ومن المفارقة أن معظم هؤلاء السفراء يعينون في العواصمالغربية إما بهدف العلاج أو الراحة أو الإبعاد. السفارات العربية في بريطانيا تقيم سنوياً عشرات حفلات الاستقبال، تدعو إليها آلاف الشخصيات والقيادات البرلمانية والاقتصادية البريطانية، وتدفع عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية لدعم أعمال خيرية ومؤسسات بريطانية، ومع ذلك تنجح جمعية إسرائيلية في بزّ هؤلاء جميعاً وتجنيد معظم النواب واللوردات البريطانيين في خدمة السياسات العدوانية الإسرائيلية. نتلقى في هذه الصحيفة، مثل غيرنا، عشرات البيانات الصحافية شهرياً من هذه السفارة العربية أو تلك، مزينة بصور سعادة السفير وحرمه وهما يستقبلان الوزراء والنواب واللوردات البريطانيين أثناء حفل الاستقبال الذي نظمه سعادته بمناسبة العيد الوطني لبلاده، لنكتشف بعد ذلك أن معظم هؤلاء هم من المجندين لمصلحة اللوبي الإسرائيلي. نذهب إلى ما هو أكثر من ذلك ونشير إلى جود المئات من اللوردات وأعضاء مجلس النواب يعملون كمستشارين لدى حكومات وسفارات وشركات عربية، مقابل رواتب خيالية، ثم نُصدم عندما نرى أسماء هؤلاء، أو معظمهم، تتصدر قوائم اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا. هذا دليل على أننا فاشلون، منافقون، سذج، نفتقر إلى الجدية والمنهج العلمي والأخلاقي لخدمة قضايانا، بل إننا لا نريد أصلا تحرير الأراضي المحتلة والمقدسات العربية والإسلامية. الحكومات العربية قدمت، وما زالت تقدم، خدمات غير عادية إلى الغرب، وبريطانيا على وجه الخصوص، نشتري أسلحتهم، ونقدم إلى شركاتهم العقود التجارية المغرية، ونستثمر مئات الآلاف من المليارات في عقاراتهم وشركاتهم، ونخرج اقتصادياتهم من عثراتها بشراء السندات وخلق الوظائف للعاطلين، ومع ذلك يهرع سياسيوهم إلى إسرائيل، مقدمين إليها كل الطاعة والولاء، ويتآمرون ضدنا، ويصوتون في الأممالمتحدة والمحافل الدولية ضد قضايانا العادلة. حزب المحافظين هذا، الذي يتجند نصف وزراء حكومة ظله في خدمة اللوبي الإسرائيلي، مدين للعرب، والمملكة العربية السعودية بالذات، ببقائه في الحكم لأكثر من عشرين عاماً، فلولا صفقة اليمامة للأسلحة التي وقعتها السعودية مع السيدة مارغريت ثاتشر، زعيمته في الثمانينيات، والتي بلغت قيمتها 75 مليار دولار في حينها (حوالي 200 مليار دولار بمقاييس اليوم)، لما استطاعت المرأة الحديدية إخراج الاقتصاد البريطاني من أزمته الطاحنة التي أطاحت بحكومة جيمس كالاهان العمالية، وجاءت بالمحافظين إلى سدة الحكم. ورثة السيدة ثاتشر في الحزب ينسون كل هذه الخدمات وينحازون إلى إسرائيل ويعملون في خدمة مصالحها، وهي الدولة التي أدينت، ومن خلال تقرير لقاض يهودي صهيوني، بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية أثناء عدوانها الأخير على قطاع غزة. العيب ليس في هؤلاء النواب واللوردات فقط، وإنما فينا نحن كعرب، الذين تحولنا إلى أضحوكة في العالم، بسبب هذه الأنظمة الفاسدة ودبلوماسييها الفاشلين عديمي الضمير الوطني والأخلاقي. هذه الأنظمة الفاسدة، التي حولتنا إلى مهزلة في العالم بأسره، هي المسؤولة عن حالة الانهيار التي نعيشها حالياً على المستويات كافة، وهي التي خلقت الفراغ الاستراتيجي الحالي الذي سارعت إلى ملئه قوى غير عربية. في الماضي القريب، كنا أسرى مفهوم خاطئ يقول إن اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل يجلس على قمة إمبراطوريتين هائلتين، مكّنتاه من توظيف العالم الغربي في خدمة إسرائيل ومصالحها، الأولى مالية والثانية إعلامية، لنكتشف متأخرين، كعادتنا، أن هذه كذبة كبرى. فنحن الآن نملك صناديق سيادية مستثمرة في الغرب تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وتتدفق إلى خزائننا عوائد نفطية تصل إلى 800 مليار دولار سنوياً، ونستطيع شراء شركات العالم وصحفه وتلفزيوناته جميعاً، ومع ذلك تنجح جمعية لوبي إسرائيلي في بريطانيا في تجنيد غالبية النواب البريطانيين بأقل من عشرة ملايين جنيه. اشترينا أندية كروية بريطانية ولاعبين بمئات الملايين من الجنيهات، ولم نترك عقاراً فخماً إلاّ وهرعنا لضمه إلى إمبراطورياتنا المالية، وفتحنا أراضينا وقواعدنا الجوية والبحرية والبرية، وما زلنا، للطائرات والدبابات والسفن الحربية البريطانية والأمريكية لغزو بلد عربي (العراق) وآخر إسلامي (أفغانستان)، وشاركنا بفاعلية في الحرب على الإرهاب، ووفرنا الحماية بذلك للمواطنين والشوارع في بريطانيا، ومع ذلك نتلقى الصفعات من السياسيين والحكام البريطانيين، بينما يحصد الإسرائيليون المنافع والتأييد والمساندة لممارساتهم العدوانية ومجازرهم في حق أهلنا وأشقائنا. نقول لليبيين والسعوديين والخليجيين والجزائريين، وكل العرب الذين يفتحون بلادهم على مصارعها أمام الشركات الغربية، دون شروط أو قيود، «كفى» لقد طفح الكيل. آن الأوان أن نخاطب هؤلاء بلغة المصالح.. آن الأوان أن نكون جديين، نعرف كيف نخدم قضايانا، وأن نفرض احترامنا. لقد مللنا من لعب دور المغفل، وقرفنا من كوننا أضحوكة. أما السفراء العرب في بريطانيا فنقول لهم إن كشف المحطة التلفزيونية الرابعة المذكور هو «وصمة عار» في سجلاتهم وتاريخهم، ودليل دامغ على فشلهم وعجزهم، رغم مئات الملايين التي ينفقونها، من عرق البسطاء الجوعى، على حفلاتهم الباذخة تحت مسمى خدمة العرب والمسلمين. كلمة أخيرة إلى النواب البريطانيين المسجلين على قوائم اللوبي الإسرائيلي، والمحافظين منهم على وجه الخصوص، وهي أن شراءهم بهذه المبالغ الرخيصة والتافهة وانخراطهم في خدمة دولة عدوانية مارقة، هو الذي يؤدي، إلى جانب أسباب أخرى، إلى ازدهار تنظيمات متشددة، مثل القاعدة، وتهديد مصالح بريطانيا وأمن مواطنيها في الداخل والخارج.