تعتبر هيئة الإذاعة البريطانية، أو ما يعرف اختصارا بال«بي بي سي»، بما يقارب 233 مليون مشاهد ومستمع في 100 دولة حول العالم، حسب إحصائيات 2007، المجموعة الإعلامية الأكثر متابعة عبر العالم. يصل بث ال«بي بي سي» التلفزيوني العالمي إلى أكثر من 200 بلد، ويصل لأكثر من 274 مليون أسرة، وبذلك تكون المنافس الأقرب لقناة «سي إن إن الأمريكية والتي يقدر عدد البيوت التي تستقبل إرسالها عبر العالم ب200 مليون دولار. هيئة الإذاعة البريطانية هي مؤسسة عمومية شبه مستقلة، وهي حسب أحد فصول ميثاقها: «لا تخضع لأي تأثير من الناحيتين السياسية والتجارية، فهي تخضع فقط لمشاهديها ومستمعيها»، وهذا ما يجعل مصداقيتها ومهنيتها يضرب بهما المثل عبر العالم. ل«البي بي سي» تاريخ عريق كانت بدايته في أكتوبر 1922، عندما أسس مجموعة من صانعي أجهزة الراديو اللاسلكية، وعلى رأسهم شركة ماركوني الرائدة في هذا المضمار، شركة الإذاعة البريطانية، وبدأت الشركة بثها اليومي من استوديوهات ماركوني في لندن في 14 نوفمبر 1922، وفي اليوم التالي بدأ البث من بيرمنغهام ومانشستر، وخلال أشهر قليلة انتشرت محطات تقوية الإرسال في أرجاء بريطانيا، ومع نهاية عام 1925 كان بث «بي بي سي» يسمع في جميع أنحاء إنجلترا تقريبا وفي سنة 1927، تحولت شركة الإذاعة البريطانية إلى هيئة الإذاعة البريطانية وتلقت أول منحة ملكية فيما منح مديرها العام لقب فارس. وفي الثاني من نوفمبر 1936، افتتحت البي بي سي أول محطة تلفزيونية في شمال لندن، ونقلت البي بي سي في 12 ماي 1937 حفل تتويج الملك جورج السادس والذي شاهده نحو 10 آلاف شخص ما حدا بالصحافة لوصف النقل بأنه «معجزة صغيرة» كما نقلت مباريات بطولة ويمبلدون للتنس في يونيو من نفس العام.في 1953 بدأ عصر التلفزيون كوسيلة إعلام شعبية، فقد شاهد نحو 22 مليون شخص مراسم تتويج إليزابيث الثانية ملكة لبريطانيا، ساعة نقل الحدث احتشد الجيران والأقارب في منازل من لديهم أجهزة تلفاز وشجع ذلك الحدث الكثيرين على شراء أجهزة خاصة بهم، وهكذا تحول التلفزيون إلى وسيلة مهمة لدى البريطانيين مثل الإذاعة. ثلاث سنوات بعد ذلك، شهدت علاقة البي بي سي أزمة جديدة مع الحكومة بسبب تغطية المحطة العداون الثلاثي الذي شاركت به بريطانيا كلا من فرنسا وإسرائيل على مصر، فقد اتهمت الحكومة هيئة الإذاعة البريطانية بأنها تتبنى مواقف تتجاهل المصالح الوطنية البريطانية، وتعالت دعوات جديدة لوضع يد الحكومة على الهيئة وهو ما قاومته البي بي سي التي خرجت من الأزمة لتفخر بمهنيتها ومصداقيتها ومقاومتها للضغوط والشروط الحكومية. في الثالث من يناير 1938، بدأت إذاعة البي بي سي بالبث باللغة العربية إلى الشرق الأوسط، واكتسبت مكانة باعتبارها الإذاعة الأكثر مصداقية بين المحطات العربية. وتوفر «بي بي سي» العربية الأخبار العربية والدولية على رأس كل ساعة مع وجود برامج وجولات إخبارية ونشرات مفصلة، تسلط الضوء على الأحداث . تبث «بي بي سي» العربية برامجها إلى المستمعين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وشمال أفريقيا وشرقها على الموجات القصيرة والمتوسطة. ويمكن الاستماع إلى برامج «بي بي سي» على موجات إف.إم. في الدوحة، والكويت، وعمَان، والقدس وبعض مناطق الضفة الغربية، والخرطوم، وواد مدني في السودان، وفي المنامة، وجيبوتي. ولا تعد القناة العربية، التي تعتزم «البي بي سي» إطلاقها الشهر القادم، أول تجربة تلفزية باللغة العربية للقناة. فقد سبق ل«البي بي سي» أن قامت بإطلاق خدمة تلفزيونية عربية سنة 1994، إلا أنه تم وقف هذه الخدمة عام 1996 بسبب خلافات حول السياسة التحريرية للخدمة مع الشريك التجاري السعودي وفي نفس العام أطلقت الحكومة القطرية قناة «الجزيرة». ويرجع أصل الخلاف إلى حلقة من برنامج «بانوراما» بثته «البي بي سي» انتقدت فيه بشدة حكومة المملكة العربية السعودية. الآن وبعد إحدى عشر سنة على توقف بث قناة «بي بي سي» العربية فإن هيئة الإذاعة البريطانية قررت إعادة الكرة مرة أخرى بإطلاق قناة تلفزيونية باللغة العربية التي من المقرر أن تبدأ البث اثنتي عشر ساعة يوميا. يعد مشروع إطلاق قناة تلفزيونية باللغة العربية جزءا من عملية إعادة هيكلة للخدمة العالمية في «بي بي سي» تبلغ تكلفتها الإجمالية ثلاثين مليون جنيه إسترليني سنويا، وقد تم توفير هذه المبالغ عن طريق وقف الخدمات الإذاعية بعشر لغات مختلفة، الأمر الذي يعني فقدان أكثر من مائتي وظيفة. وتشمل الخدمات الإذاعية التي تم وقفها لإطلاق القناة العربية، الخدمات الإذاعية باللغة البلغارية، الكرواتية، التشيكية، اليونانية، المجرية، الكازاخية، البولندية، السلوفاكية، السلوفينية والتايلاندية. وقال نايجل تشابمان، رئيس الخدمة العالمية في «بي بي سي»، في حديث لموقع الهيئة البريطانية، إن قرار إنشاء الكثير من تلك الخدمات كان نتاجاً للحرب العالمية الثانية مضيفا: «من المعلوم أن وجود هذه الإذاعات ساهم في بناء الحرية التي يتمتع بها الآن مواطنو تلك الدول»، لكنه قال إن الكثير من الإذاعات المحلية التي ظهرت في تلك الدول تبنت نفس المثل والقيم التي تستند إليها «بي بي سي».