في العام 1699، كان السفير الشهير عبد الرحمن بن عائشة بفرنسا يفاوض قصر فيرساي حول قضايا دولة، عندما طلب بشكل غير رسمي يد أميرة فرنسية أرملة لتصير زوجة للسلطان إسماعيل. لم تكن الأميرة المعنية سوى الابنة المحبوبة للويس الرابع عشر الملك – الشمس، كما كان الفرنسيون يلقبونه. الطلب الذي كان مفاجئا حدَّ الصدمة في البداية، جرى التستر عليه مخافة أن يجر على قصر فرساي سخرية الفرنسيين. لكن الخبر تسرب مع ذلك إلى الرأي العام هناك وفجر موجة سخرية بسبب النظرة الدونية التي كان الطرف الفرنسي ينظر بها إلى المغرب وإلى سلطانه. نحن الآن في العام الأخير من القرن السابع عشر، وبالضبط في الخامس من شهر فبراير. يصل السفير المغربي عبد الرحمن بن عائشة إلى فرنسا وينزل في مدينة بريست من أجل زيارة عمل رسمية على جانب كبير من الأهمية للبلدين. فقد كان جدول الأعمال الرسمي يتضمن مفاوضات لحل مشكلة الأسرى لدى الجانبين، وكذا ضمان مرور السفن الفرنسية في المياه المغربية دون أن يعترضها قراصنة سلا. لكن نقطة غير رسمية في جدول الأعمال سوف تجعل سفارة ابن عائشة تلك، واحدة من أشهر السفارات المغربية إلى أوروبا. ويتعلق الأمر بخطبة ابن عائشة لأميرة فرنسية للسلطان المغربي إسماعيل، لم تكلل بالنجاح. ودخلت التاريخ من باب النوادر والطرائف. لكن قبل ذلك، لنبدأ من البداية، أي بالوقوف عند المناخ العام والسياق التاريخي الذي تمت فيه سفارة ابن عائشة.. سفارة فرنسية فاشلة كانت القرصنة خلال القرن السابع عشر الميلادي هي السمة الرئيسة للنشاط البحري في كل من حوض البحر الأبيض المتوسط وساحل المحيط الأطلسي المحاذي للمغرب وغرب أوروبا. كان يمارسها المسلمون باسم الجهاد الديني ضد الكفار، مثلما مارسها غير المسلمين لأسباب لا صلة لها بالدين. وساهمت الحرب القرصانية بين المغرب وبلدان أوروبا في وقوع آلاف الأسرى من كلا الجانبين. فتسبب ذلك الوضع في توتر الأجواء السياسية، وتبودلت في شأنها العديد من السفارات، كما جرت الكثير من المفاوضات والحروب. وفي هذا السياق، كان ملك فرنسا لويس الرابع عشر أخبر برغبة السلطان إسماعيل في التحالف معه وتبديد كل الخلافات. فاستغل الملك الفرنسي الذي كان راغبا في تحرير الأسرى الفرنسيين الفرصة، وأوفد إلى السلطان سفيرا جاهلا بالعقلية المغربية، وكان يدعى (بيدو دو سانت – أولون). وقد روى هذا الأخير تفاصيل رحلته في كتاب شهير أصبح بعدها من المراجع الأساسية للأوروبيين من أجل فهم العقلية المغربية وقراءة تاريخ السلطان إسماعيل. وفي أعقاب انتهاء سفارة (دو سانت – أولون) التي خصصها لموضوع وحيد هو الأسرى الفرنسيين لا غير، استقبله السلطان إسماعيل يوم 13 أغسطس 1693 بقصره في مكناس لوداعه، وعبر له عن خيبة أمله لفشل السفارة قائلا: «كنا نظن حين أتيت إلينا بأن غرضك كان مفاوضتنا في أمر بالغ الأهمية. لكننا لاحظنا أن كل اهتمامك انحصر في طلب تحرير 200 أسير، والحال أن أي تاجر يستطيع أن يحصل منا على تحرير عدد أكبر من هذا من الأسرى. ولسبب ذلك نرفض أن نسمع منك شيئا آخر. » وكانت تلك الكلمات إعلانا رسميا لفشل سفارة (دو سانت – أولون)، الذي عاد بخفي حنين. وكتب تقريره الذي يبرر فيه فشله في كتاب حمله تعريفا مليئا بالمغالطات حول المغرب، وضمنه لوحات مرسومة تبين أزياء العامة والخاصة من رعايا السلطان إسماعيل ممن رآهم أثناء مقامه بالمغرب. سفارة ابن عائشة لكن الغريب أن فشل تلك السفارة الفرنسية لم يؤثر سلبا في حجم تدفق التجار والسفن التجارية الفرنسية على مرسى سلا، قلعة القراصنة, على الرغم من المناورات الهولندية والإنجليزية التي سعت جاهدة إلى دق أسافين الخلاف بين مملكتي كل من السلطان إسماعيل ولويس الرابع عشر. واستمر الحال على ذلك حتى انتصر ملك فرنسا على التحالف الأوروبي، فقرر إسماعيل أن يبادر أخيرا إلى إيفاد سفيره اللامع ابن عائشة في محاولة منه لعقد اتفاق سلام بين البلدين، يتم من خلاله استئناف المفاوضات حول قضية أسرى الجانبين، وبحث إمكانية إقامة تحالف سياسي يسمح لكل طرف بتحقيق طموحاته. وبالفعل في الخامس من فبراير 1699، بدأ السفير المغربي زيارته لفرنسا حيث زار مدن: بريست، ورين، ونانط، وسومير، وأنجرس، وأورليان فاستقبل فيها بحفاوة كبيرة وكتبت عن زيارته صحف تلك الفترة ونقلت أدق تفاصيل زياراته لتلك المدن، ومنها ما كان يأكل ويشرب، ومبلغ الفواتير المؤداة عن ذلك، وماذا كان يفعل ويقول، ومع من وأين، الخ. وفي عقب خمسة شهور أمضاها في ضيافة كريمة على حساب قصر فيرساي، لم تنجح المفاوضات في تحقيق أهداف السفارة رغم أن الجميع اعتبرها مع ذلك تاريخية وناجحة. وفي وقت بدا بعيدا أمل عقد اتفاق آني بين المغرب وفرنسا يسمح ضمن ما يسمح به بتحرير أسرى الطرفين، فاجأ السفير ابن عائشة مفاوضيه من كبار الدولة الفرنسيين بطلب على قدر كبير من الغرابة، ولم يكن يتوقعه أحد.. خطوبة باسم السلطان هكذا وخارج أي توقع لدى الجانب الفرنسي، تقدم السفير ابن عائشة بطلب يد ابنة لويس الرابع عشر المعروفة باسم الأميرة دو كونتي للسلطان إسماعيل، طلبا شفاهيا أشفعه بالتذكير به في رسائل وجهها إلى الجهات النافذة من محيط قصر فرساي أملا في تدخلها. وتساءل كثيرون وهم تحت وقع صدمة الطلب حينها: من أين للسلطان الذي لم يزر فرنسا أن يعلم بوجود الأميرة، بجمالها وبترملها؟ والراجح جوابا على ذلك أن سفراء السلطان إلى قصر فيرساي لم يكونوا يحدثونه عن روعة مسارح فرنسا وفخامة قصورها وأناقة نسائها وذكائهن فحسب، بل كانوا ينقلون إليه كذلك الأسرار ويحملون إليه ضمن ما يحملون من الهدايا الرسومات واللوحات التي كانت تمثل جوانب من الحياة الفنية والاجتماعية في فرنسا. ولأن الأميرة إياها كانت مشهورة بحياة المرح والمتعة، فقد خلدها رسامون كثيرون في لوحات ربما وصل بعضها إلى يدي السلطان في مكناس. أو لعله أخذ علما بموضوع الأميرة فائقة الجمال من خلال حكايات سفرائه فقط. ومهما يكن، فالواضح أن السلطان إسماعيل لم يكن يفهم جيدا العقلية الفرنسية عندما اعتقد في إمكانية زواجه من أميرة فرنسية, ولا كان يعلم شيئا عن الصورة الرهيبة التي كونها الفرنسيون عن شخصيته وأولاده. وحتى سفيره ابن عائشة الذي كان ذكيا ومتمرسا حذقا في الدبلوماسية وأدرك استحالة قبول الملك الفرنسي لطلبه، فقد خانته الشجاعة لقول الحقيقة للسلطان وسايره فناب عنه في تبليغ طلب القرب من السلطان – الشمس. كان الطلب على الشكل التالي: «يتشرف السلطان مولاي اسماعيل وهو شريف ينحدر من سلالة النبي، ويسعده أن يصاهر إمبراطورا عظيما وقويا [مثل لويس الرابع عشر]، وبأنه سوف يفتح مراسي ومدن وأراضي مملكة مراكش له ولرعاياه [متى قبل بهذه المصاهرة] .» من جهته، حاول ابن عائشة بسرعة بديهته وذكائه المعروفين أن يدافع عن طلبه، فادعى بأن السلطان إسماعيل وهو يعدد الزوجات إنما كان يبحث بينهن عن امرأة تجمع كل الكمال المتجمع في الأميرة دو كونتي وحدها.. لكن الطرف الفرنسي لم يستمع إلى الطلب بجدية. وهكذا، وبعد صدمة البداية ثم لاحقا التشكيك في صحة طلب الخِطبة أصلا، انتهى الموضوع كله إلى سخرية وهزء ورفض بالطبع! رفض وسخرية الفرنسيين كان الرأي الفرنسي الرسمي يميل إلى أن تجاهل الطلب وعدم الرد عليه هو الأليق بأن يكون جوابا على طلب غريب وغير معقول كهذا. لكن مع ذلك توصل ابن عائشة برسائل من بعض كبار المسؤولين في الدولة الفرنسية تتضمن رفضا مهذبا للطلب. وحيث إن الطرف الفرنسي كان يعلم جيدا أنه من سابع المستحيلات أن يرتد السلطان إسماعيل عن دين الاسلام ليعتنق النصرانية، فإنه أسبغ على رفضه للطلب أسبابا دينية إذ اعتبر أن خطبة أميرة نصرانية لملك مسلم هو موضوع «لا يتماشى مع عقيدة وتقوى الملك [لويس الرابع عشر]، فضلا عن كونه مخالفا لعادات وأعراف الأمتين [الفرنسية والمغربية]، وعندما يقتنع ملك المغرب بحقائق الملة النصرانية ويعتنقها، حينها فقط يكون من حقه أن يُستمَع له.» وبعيدا عن مسمع ونظر ابن عائشة ومرافقيه، تحول موضوع طلب سلطان المغرب يد الابنة المحبوبة للملك – الشمس إلى فكاهة رددت صداها ردهات قصر فيرساي وحدائقه. وتبارى الشعراء في السخرية، فنظم فيه الشاعر جان- بابتيست روسو الأبيات التالية: جمالك أيتها الأميرة العظيمة يحمل ملامحك التي تجرح حتى ربوع أفريقيا الأكثر توحشا [يقصد المغرب] أما غزوات عينيكِ فقد بلغت أبعد من غزوات هرقل ! وخاطب شاعر فرنسي آخر الأميرة دو كونتي مستهزئا: لماذا ترفضين الإطراء المجيد من ملك ينتظرك ويظن أنك جميلة؟ إذا كان الزواج في المغرب ينتظرك فلتذهبي، لعلك في تلك الربوع ينتظرك عشيق وفي ! ويقصد الشاعر بالتلميح الأخير أن الأميرة كانت تعاشر مغامرين لا أحد يبقى وفيا لها. الخلفيات السياسية للخطوبة قد يكون طلب السلطان إسماعيل يد الأميرة دو كونتي للزواج مجرد نزوة من نزوات رجل لعبت به الشيخوخة، فحلم بأن يضم جميلة نصرانية إلى حريمه . وهو في ذلك لم يمثل حالة شاذة، إذ كان الكثير من سلاطين المغرب قبله سبقوه إلى الزواج من نصرانيات كان أغلبهن أسيرات، وأنجبوا منهن ملوكا حكموا المغرب على امتداد السلالات والقرون التي سبقت عصره. لكن يبدو أن حسابات السياسة لم تكن مع ذلك غائبة عن تلك الخطوة، التي بدت حينها للطرف الفرنسي مجرد مغامرة من سلطان مزواج وكثير الذرية. ولعل من الحسابات الأخرى للسلطان إسماعيل في سعيه إلى التحالف العائلي مع الملك – الشمس أنه كان حالما بنيل دعم فرنسي قوي يعضد موقفه ضد إسبانيا، التي كان يستعد لمواجهتها حربيا من أجل إخراجها من سبتة, كما كان يحلم بدعم سياسي وعسكري يجعله يظهر في موقع الند للند أمام من كان يعتبره منافسه الأكبر في العالم الإسلامي؛ أي السلطان العثماني في إسطنبول. وفي مقابل ذلك الطموح الإسماعيلي الكبير، لم تكن للملك الفرنسي من مصلحة يرجوها من السلطان سوى توفير الحماية للسفن الفرنسية من القراصنة المسلمين، وإطلاق عشرات الأسرى الفرنسيين الذين كان المغاربة يسومونهم العذاب والأعمال الشاقة في مكناس. وبالتالي فالطرف المغربي كانت له مصلحة أكبر من وراء تلك المفاوضات التي قادها ابن عائشة. ومع فشل السفارة في الوصول إلى اتفاق بين البلدين، تجاهل لويس الرابع عشر طموحات السلطان إسماعيل وعين ابنه ملكا على أسبانيا.
الخطبة بين التأكيد والنفي رفض خطبة الأميرة دو كونتي للسلطان إسماعيل لم تنجح رغم نجاح سفارة ابن عائشة. واعتبر الرفض الفرنسي اللبق أقرب إلى الإهانة من طرف البعض في المغرب، خصوصا بعد السخرية التي فجرها الموضوع لدى الفرنسيين. فلم يول المؤرخون والإخباريون المغاربة الواقعة اهتماما يذكر، بل نجد من مؤرخي البلاط من أنكرها من الأصل ونفى حدوثها، وذلك كان حال المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان السجلماسي. ولعله في نفيه إنما حاول التستر على موضوع الخِطبة لطبيعته المحرجة، ظنا منه أن ذلك سوف يكون كافيا لمحو الواقعة التاريخية من كتب التاريخ وعقول الناس. وربما كان محمولا على نفيه بهاجس أن لا يؤثر الرفض الفرنسي سلبا على الصورة التي رسخت لدى المغاربة عن السلطان إسماعيل، والموسومة بالعظمة. لكن الأرشيف الفرنسي للمرحلة حفظ لنا الكثير من المعطيات الإخبارية والتفاصيل حول سفارة ابن عائشة الشهيرة، ومنها الرسائل المتبادلة بينه وبين عدد من كبار المسؤولين الفرنسيين والتي تطرق بعضها لموضوع الخِطبة، وتحمل تواقيع الطرفين. كما يتحدث السفير الفرنسي (بيدو دو سانت – أولون) عن موضوع الخطبة في كتابه المخصص لرحلة سفارته لدى السلطان إسماعيل. بل إننا بتنا نعلم حتى مكونات الوجبات التي تناولها السفير المغربي ومرافقوه، عندما كانوا في ضيافة قصر فيرساي، من خلال أرشيف صحف المرحلة المحفوظ في خزانات المدن التي زارها. ومن بعضها نعلم مثلا أن ابن عائشة كان يشرب كثيرا من الخمر مع الأكل ! ويعكس ذلك مدى افتقاد بعض المراجع المغربية للمصداقية العلمية، خصوصا في غياب أرشيف وثائقي دقيق وسيادة انطباعية وآراء المؤرخين الذين كان حافزهم فيما يكتبون هو السعي إلى إرضاء الحكام إما خوفا أو تملقا، لا إلى حفظ الذاكرة للأجيال اللاحقة !
من تكون الأميرة دو كونتي؟ هي (آن – ماري) الملقبة ب(الآنسة دو بلوا) وب (الأميرة دو كونتي). ولدت أواخر 1666 للملك لويس الرابع عشر من عشيقة له، حيث وضعتها سرا وأسماها والدها آن – ماري. ولم يعترف بها رسميا إلا حين أكملت عام عامها الأول، فحملت اسم (الآنسة دو بلوا). كانت فائقة الجمال وفاتنة الرجال، وحين بلغت بالكاد 14 سنة زوجها والدها من الأمير دو كونتي الذي كان رجلا منغلقا ومتدينا فعاملها بقسوة وهجرها في الفراش، لتصبح عشيقة لأخيه. كانت الأميرة امرأة لعوبا وذلك طبع متأصل فيها بحسب شهادات من عايشوها. فجعلت من زوجها الأمير دو كونتي أضحوكة القصر، ما جعله يتخلى عن إيمانه الديني ويرتمي في حضن الفسوق. ثم لم يلبث أن غادر فرنسا إلى المجر [هنغاريا] لمحاربة الأتراك، فانفسح المجال أمام الأميرة لتعيش حياة المتعة مع عشاقها الكثيرين دون قيد. وانتهى زواجها الفاشل رسميا بعد سبع سنين عندما مات زوجها بالجدري ولم ترزق منه بأطفال في 1685. فوجدت نفسها أرملة وثرية ومتحررة من ضغط قوي، وهي بالكاد بلغت العشرين ربيعا، فظلت تتقلب بعد ذلك في أحضان عشاقها ولم تتزوج أبدا. كانت الأميرة دو كونتي رغم ذلك طيبة القلب، وظلت محبوبة والدها طيلة حياته. عاشت في ثراء فاحش واستمرت تستمتع بحياة البذخ والحرية إلى أن توفيت في باريس عن سن ناهز 73 عاما.
صورة السلطان إسماعيل لدى الفرنسيين نقل الأسرى المسيحيون المحررون من سجون المغرب، وكذا السفارات الموفدة إلى السلطان صورة رهيبة عن السلطان إسماعيل (1672 /1727 ). فقد كان مزاجيا وقاسيا فوق كل تصور ودمويا يجتهد دون انقطاع في ابتكار ألوان جديدة ورهيبة من القتل، ويتلذذ بتعذيب ضحاياه قبل الإجهاز عليهم. ونجد شهادات مروعة عن قسوته مثلا، في رواية السفير الفرنسي (بيدو دو سانت أولون) الذي أوفده لويس الرابع عشر للتفاوض معه، والصادرة في كتاب نشر في 1695. كما نقرأ نماذج أخرى لا تقل عنها بشاعة في رواية الرهبان الأربعة الذين زاروا مكناس في 1704، سعيا إلى إطلاق سراح الأسرى النصارى. ومنها جميعا تتبدى لنا جلية بشاعة أساليب السلطان في معاقبة من يمسون بهيبته أو يتمردون على سلطانه. وانتقامه لم يكن يخص فحسب أسرى النصارى وعموم رعيته، بل إنه شمل كذلك أقرب المقربين إليه؛ أي أبناؤه الذين لم يعرف لهم أحد عددا مضبوطا. ومع ذلك ينبغي استحضار كون نظرة الفرنسيين تبدو مغالية في شيطنة السلطان إسماعيل بسبب شعورهم الديني الذي كان لا يرى فيه سوى حاكم متوحش يمعن في تعذيب إخوتهم النصارى. ففي رواية الرهبان ورد أنه لم يكن يحتفظ من مواليده من الإناث إلا بمن أنجبهن من زوجاته المحظيات، بينما يتخلص من الباقي. وتضيف أنه خلال الثلاثة شهور فقط التي سبقت وفادة الرهبان على مكناس، ولد للسلطان إسماعيل أربعون ولدا. وفي رواية أخرى قيل إنه حتى بلوغه الشيخوخة كان يقفز بخفة على ظهر جواده، وكلما فعل ذلك دق عنق العبد الممسك بجواده بسيفه ليطير رأسه بينما ينطلق السلطان ساخرا على جواده. وتحكي رواية (بيدو دو سانت أولون) بشاعة لا حدود لها في موضوع انتقام السلطان من بعض أبنائه! فتسرد بالتفصيل مثلا كيف عاقب السلطان كلا من ابنه مولاي محمد الذي تمرد عليه، وأحد زعماء ذلك التمرد. فعندما أمسك بأقرب مساعدي ولده أمر بأن يتم إعدامه بطريقة غاية في البشاعة، من خلال قطع جسده طولا بالمنشار مع ضرورة إبقائه حيا حتى النهاية. ولأن المنفذين خشوا أن يموت المحكوم إن هم بدؤوا التقطيع من أعلى [من الرأس]، فإنهم شرعوا في نشره إلى نصفين انطلاقا من أسفل ! أما عندما أمسك السلطان بولده المتمرد محمد أياما بعد ذلك، فلم يكن أقل قسوة، إذ لم يلن أمام توسلات ابنه الملحة في أن يغفر له. بل أمر بأن تقطع يده اليمنى وقدمه اليسرى، ثم أدخل الساعد والرجل المجزوزين بعد ذلك في برميل به قار يغلي على النار منذ أيام. واستمر في تعذيبه ببشاعة أياما إلى أن أسلم الروح. وكان السلطان يبكي مع الناس من التأثر وهو يقوم بذلك ! ومما نقله الشهود الأوروبيون كذلك أن لون لباس السلطان كان يرمز للعامة إلى طبيعة مزاجه. فإذا خرج مرتديا ملابس بيضاء فإنهم يستبشرون. أما إذا كان لباسه أصفر فالجميع يرتعدون منه خوفا لعلمهم أن مزاجه سيء جدا، وأن اليوم سوف يشهد حدوث مجازر دموية جديدة بأمره. هذه مجرد شذرات فقط، تختصر الصورة التي كانت للسلطان إسماعيل لدى سكان قصر فيرساي، وعامة من زار أو قرأ عن المغرب في ذلك العهد.