في أحد حواراته الأخيرة، اشتكى سفير المغرب السابق في روما ووزير الاتصال السابق، نبيل بنعبد الله، من كثرة الديون التي تراكمت عليه، وقال إنه أصبح يفكر في المطالبة بتقاعده الوزاري. والذين رافقوه قبل أسبوع في الرحلة الأخيرة التي جاءت به من روما لاحظوا أن حقائب السفير السابق كانت مليئة بالسباغيتي الإيطالي الفاخر. فهو ربما بسبب «الزلطة» التي أصابته، قرر أن يخضع لنظام غذائي متقشف أساسه «العجينة». وربما تساءل أغلب الذين قرؤوا نداء النجدة هذا، الذي أطلقه الوزير والسفير السابق، أين ذهبت فلوس الرجل. فهو عندما كان وزيرا وسفيرا كان يعيش «بيليكي» على ظهر الحكومة. السكن والهاتف والماء والكهرباء بالمجان، والأكل بالمجان، والسفر بالمجان، إضافة إلى أن الرجل لديه مكتب للترجمة في قلب الرباط لازال يشتغل إلى اليوم. البعض قال إن حب الرجل للفخفخة هو سبب ديونه. والبعض الآخر اتهم الفيلا الفخمة التي بدأ في تشييدها ولم يستطع إكمالها بعد طرده من سفارة روما. المهم أن لا أحد يعرف ماذا يصنع نبيل بنعبد الله اليوم، غير حضور المهرجانات السينمائية لأصدقائه وصديقاته والشكوى في الصحف بسبب ديونه، حتى إن هناك وزراء «بقا فيهم الحال» وفكروا في تنظيم «دارت» في بيوت أحدهم لكي «يتفارضو» لسعادة الوزير السابق الذي بهدل مهنتهم الحكومية وبدأ يتحدث عن ديونه كأي موظف في السلم الخامس. وإذا كان لا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا يفعل وزير سابق اسمه نبيل بنعبد الله بعد السفارة والوزارة، فإننا نستطيع أن نقول إننا عرفنا أخيرا ماذا يصنع وزير دولة في حكومة عباس اسمه محمد اليازغي. فقد أصبح وزير الدولة محمد اليازغي مكلفا باستقبال وتسهيل مأمورية وكلاء المجلات الفرنسية الذين يأتون إلى المغرب بحثا عن الإشهار الذي نضب بسبب الأزمة الاقتصادية في بلادهم. فقد استقبل السيد محمد اليازغي في ديوانه، الأسبوع الماضي، السيدة «باربارا كزارطوريسكا» التي أرسلتها جريدة «لوفيغارو» الفرنسية لكي تجمع صفحات إشهارية من المؤسسات العمومية المغربية من أجل إعداد ملف خاص حول المغرب من عشر صفحات. ولم يكتف سعادة الوزير باستقبال السيدة «باربارا»، بل وقع لها وثيقة رسمية تحمل طابع وزارته تدعو كل من تطرق الرفيقة الشقراء «باربارا»، ذات القامة المديدة (ميترو و92)، باب وزارته تقديم يد العون إليها وتسهيل مأمورية مبعوثة «لوفيغارو» التي لا يوجد اسمها في الموقع الإلكتروني للجريدة، ولا في موقع «world news report» الذي تقول إنها مديرته. أحد الوزراء الذي طرقت بابه وجلست معه في مكتبه واضعة ساقا فوق ساق، «داخ» المسكين في حضرتها ولم يجد من حل للخروج من دوخته سوى إرسالها إلى إدارات المؤسسات التابعة لوزارته. وعندما غادرت، تنفس الصعداء وحمد الله على أنه لم يوقع لها على «البون» الخاص بحجز الصفحات الإشهارية في العدد الخاص حول المغرب. لكي أتأكد من الأمر، قررت أن أركب رقم هاتف السيدة «باربارا» وأن أقدم إليها نفسي كمدير لإحدى المؤسسات التابعة لوزارة الشغل. جاءني صوت أنثوي من الطرف الآخر للخط يتحدث فرنسية معجونة بلكنة أمريكية معجونة بدورها ببقايا لكنة أوربية شرقية. قالت لي من معي، قلت لها أنا مدير وكالة تابعة لوزارة الشغل وقد كلفني صديق من وزارة السيد اليازغي بأن أتصل بك من أجل حجز مساحة إشهارية «في الملف الذي أنت بصدد إعداده لجريدة «لوفيغارو» الفرنسية. قالت بسعادة ظاهرة good» متى نلتقي». في الدارالبيضاء، قلت لها. اتفقنا على أن أعيد الاتصال بها يوم الاثنين من أجل اجتماع عمل. في المساء، التقيت أحد المسؤولين الذين يديرون مؤسسة كبرى. وسألته إن كان قد توصل بشيء حول موضوع العدد الخاص الذي تنوي «لوفيغارو» إعداده حول المغرب. قال لي إنه لم يتلق زيارة من أحد، لكنه بالمقابل توصل برسالة من وزارة اليازغي تطلب منه تقديم العون والمساعدة وتسهيل مهمة «باربارا». الغريب في المحاضرة التي تلقيها الشقراء «باربارا» عندما تكون في حضرة وزير من وزراء عباس الذين تملك أرقام هواتفهم جميعا وتستطيع لقاءهم بسهولة ويسر، أن علاقة المغرب بفرنسا في عهد شيراك كانت جيدة، لكن هذه العلاقة في عهد ساركوزي أصبح يعتريها بعض الغيوم. ولذلك فالحديث عن «الإنجازات الباهرة» التي يحققها المغرب في جريدة ساركوزي (هكذا قدمت لوفيغارو إلى الذين جلست إليهم) سيجعل ساركوزي يغير نظرته إلى المغرب، أي أن سعادة السلطان الجديد للجمهورية الفرنسية سيرضى علينا إذا شاهد «لوفيغارو» تخصص عشر صفحات ملونة للمغرب في جريدته المفضلة. وكم هو ثمن هذا الرضى يا ترى. «ماشي بزاف، شي مليار سنتيم صافي»، فالشقراء «باربارا» تبيع الصفحة الإشهارية الواحدة للمغاربة بسعر لا يقل عن 95 ألف أورو، أي ما يقارب مائة مليون سنتيم للصفحة. أما نصف صفحة فتبيعها «باربارا» بسعر لا يقل عن 68 ألف أورو. إضربوها في عشرة وستحصلون على ثمن الرضى الفرنسي على المغرب. وبما أننا في المغرب على بعد أيام من عيد الأضحى، حيث شركة «سلفين» للقروض التي يملكها الملياردير عثمان بنجلون تتهافت لإقناع الموظفين البسطاء بالاستفادة من قروضها بتكاليف ملف تساوي صفر درهم (العرض يقتصر على المائة الأوائل فقط، ومكتوب بخط صغير جدا لكي لا يقرأه أحد) لتغطية هبوطها بخمس نقط في البورصة الأسبوع الماضي، فإن الشقراء «باربارا» وجدتها مناسبة سانحة لكي تقترح على الوزارات التي زارتها والمؤسسات التابعة لها تسديد ثمن الإشهارات التي ستحجزها في ملف «لوفيغارو» على شكل «طريطات» كتلك التي يدفعها آلاف المغاربة البسطاء من أجل «حولي» العيد. أن يأتي مندوبو المجلات الفرنسية إلى المغرب بحثا عن الإشهار فهذا شيء مفهوم وتقوم به أغلب المجلات الفرنسية التي تخصص طبعات وأغلفة خاصة بالمغرب مثل «ليكسبريس» و«لوبوان» و«باري ماتش» وغيرها. وهذه المجلات تجد عندنا أغبياء يعطونها الإشهار رغم أن الأعداد التي تخصصها للمغرب لا تباع في فرنسا وإنما تطبع في أعداد محدودة وتوزع في المغرب. وهذه الصحافة معروفة في فرنسا بصحافة «المامونية»، تيمنا بفندق المامونية الذي تعود النزول فيه مجانا الصحافيون الفرنسيون الذين احترفوا طلي «العكر الفاسي» للمغرب بالمقابل في مجلاتهم وجرائدهم. لكن أن يتدخل وزير دولة ويستعمل طابع وزارته من أجل فتح الطريق أمام مندوبة الجريدة الفرنسية لكي تذهب بحوالي مليار سنتيم من العملة الصعبة على شكل إعلانات من أموال الوزارات التي تخرج من جيوب دافعي الضرائب، فهذا هو إهدار المال العام «على حقو وطريقو». «هادي زوينة»، قضاء حكومة عباس يحكم على الصحافيين المغاربة بغرامات تصل إلى مئات الملايين من الدراهم، والسي اليازغي يطلب من زملائه في الحكومة والمؤسسات العمومية تسهيل مأمورية جريدة «لوفيغارو» الفرنسية في جمع مليار سنتيم خلال أسبوع. الحقيقة أنني بحثت طويلا عن سبب مجيء هذه الشقراء الأمريكية «مقصدة» إلى ديوان اليازغي، من دون دواوين الوزراء الآخرين. فالأقرب إلى المنطق كان هو ذهابها إلى ديوان خالد الناصري وزير الاتصال، فهو المكلف رسميا بتعكار وجه المغرب في الصحافة الأجنبية. لكنني لم أنجح في الوصول إلى الخيط الرابط بين «باربارا» واليازغي. وفجأة، تذكرت أن رفيق اليازغي، فتح الله والعلو، لديه بنت تشتغل في مكتب «لوفيغارو» بإحدى دول أمريكا اللاتينية. فقد كان «ستروتشكان» الاشتراكي الفرنسي الذي يوجد على رأس البنك الدولي قد تدبر لبنت صديقه الاشتراكي المغربي والعلو، الذي كان ينفذ أوامر البنك الدولي بالحرف عندما كان وزيرا للمالية لعشر سنوات، وظيفة في مكتب «لوفيغارو» في المكسيك. لنتأمل هذه المعادلة العجيبة. «ستروتشكان» صديق حميم لساركوزي، هذا الأخير صديق حميم لمدير جريدة «لوفيغارو». مدير «لوفيغارو» كلف مندوبته التجارية بجمع عشر صفحات إشهارية من وزارات المغرب بقيمة 10 ملايين درهم. السيدة «باربارا» اتصلت باليازغي الذي هو أيضا رفيق قديم لوالعلو وصديق ستروتشكان، المقرب من ساركوزي الذي قدمت «باربارا» جريدة «لوفيغارو» كجريدة ناطقة باسمه. «اللي فهم شي حاجة فهاذ المسلسل ديال صانطا باربارا يشرح لينا».