عندما كنا أول من نشر تفاصيل الوعكة الصحية التي تعرضت لها وزيرة الثقافة ثريا جبران في مكتبها ومشاكلها مع زوجها عبد الواحد عوزري، المستشار في ديوانها، صدرت تكذيبات هنا وهناك لأخبارنا، وقرأنا حوارات في بعض الصحف لزوج الوزيرة تحدث فيها عن العلاقات الممتازة التي تربطه بجميع موظفي وزارة الثقافة بما في ذلك زوجته الوزيرة. بعد مغادرة وزيرة الثقافة المستشفى كان أول قرار صدر في حق زوجها المستشار هو إبلاغه بضرورة قطع أي صلة له بوزارة الثقافة، وضرورة عودته إلى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون حيث يشرف على وحدة تهتم بالأعمال المسرحية، والتي، بالمناسبة، لا أثر لأعمالها المسرحية على شاشة تلفزيونات القطب العمومي «المتجمد». وفي تبريره لقرار إبعاده عن ديوان زوجته، لم يجد عبد الواحد عوزري من شيء يقوله سوى أنه كان متطوعا لمساعدة زوجته الوزيرة بالمجان، وعندما شعر بأن وجوده إلى جانبها لم يعد ضروريا فإنه قرر الالتحاق بعمله الأصلي بالإذاعة والتلفزيون. وطبعا، لم يقل لنا زوج الوزيرة إنه ظل يتوصل بأجرة ثلاثين ألف درهم كراتب من الإذاعة والتلفزيون كل شهر، في الوقت الذي ظل «يتمتع» فيه بالسفريات «المجانية» والإقامات في الفنادق المصنفة داخل المغرب وخارجه طيلة الفترة التي عينته فيها زوجته مستشارا بديوانها، عوض أن يؤدي العمل الذي من أجله تدفع له شركة العرايشي راتبه السمين. ورغم حدوث كل هذه المستجدات، لم نسمع أحدا يخرج لكي يشرح لنا سبب مغادرة زوج الوزيرة لديوانها مباشرة بعد عودتها إليه من المستشفى لاستئناف مهامها، بل استغربنا كيف بلع الجميع لسانه ولم يبحث لكي يفهم طبيعة العلاقة بين مرض الوزيرة المفاجئ ومغادرة زوجها المفاجئة لديوانها. طبعا، كل هذه الأحداث والتغييرات مرت بدون أن تصدر وزارة الاتصال أي بلاغ في الموضوع، وكأن دافعي الضرائب الذين من جيوبهم تخرج رواتب الوزراء ومستشاريهم ليس لهم الحق في معرفة ما يجري داخل دواوين الوزراء. ومرت الأيام وهدأت عاصفة وزارة الثقافة، إلى أن رأينا كيف اندلعت عاصفة أخرى من روما هذه المرة، ورأينا كيف غادر سفير المغرب بها قبل يومين منصبه لكي يعود إلى الرباط، بعد الملاسنة الشهيرة بين زوجته وزوجة الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية، خلال بينالي البندقية للفنون التشكيلية، حول كرسي. وكعادتها، ضربت وزارة الاتصال «الطم»، ولم تصدر وزارة الخارجية أي بلاغ في الموضوع. وحده نبيل بنعبد الله، قال لهذه الجريدة ولجرائد أخرى إن سبب جمعه لقشه بهذه السرعة وعودته إلى المغرب لا علاقة له بما نشرته الصحف حول المشادة الشهيرة بين زوجته وزوجة وزير الخارجية. وذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك عندما كتب، على لسان مصدر «مطلع» في الخارجية، أن نبيل بنعبد الله تمت المناداة عليه، على وجه السرعة، لكي يدخل إلى المغرب من أجل تسلم منصب رفيع، وكأن بلاد ثلاثين مليون نسمة لا تستطيع أن تنجب مغاربة آخرين يستطيعون تحمل مسؤولية منصب رفيع غير بنعبد الله. ولذلك تجد الدولة نفسها مجبرة على المناداة عليه من روما التي لم يمر على تعيينه بها سفيرا أكثر من ستة أشهر. ولعل فترة صلاحية السفير بنعبد الله تعتبر أقصر فترة في تاريخ الدبلوماسية المغربية منذ الاستقلال وإلى اليوم. وهو بهذا الإنجاز يكون قد دخل التاريخ كأسرع سفير مغربي ينجح في تطبيق المثل الشعبي الذي يقول «الله يرحم من زار وخفف». الذين يتابعون تصريحات نبيل بنعبد الله الغريبة لا بد أنهم يتذكرون ماذا قال لأسبوعية الأيام عندما صارحهم بأنه كان مجبرا على قلب الحقائق في بعض تصريحاته عندما كان وزيرا للاتصال، فلا يعقل أن يتحدث ناطق رسمي للحكومة لغة أخرى غير لغة الخشب. واليوم، حتى عندما لم يعد نبيل بنعبد الله سفيرا فإنه أظهر موهبة كبيرة في قلب الحقائق بخصوص إدخاله إلى الرباط بكل هذا التكتم وهذه السرعة. والواقع أن وزارة الخارجية محرجة جدا بسبب هذه القضية، خصوصا وأن زوجة الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية، هي التي كانت سببا في إخراج بنعبد الله من جنته الإيطالية. فقد نفذت تهديدها المباشر الذي ألقته في وجه كوثر سوني، زوجة السفير، عندما قالت لها «غادي ندخلك نتي وراجلك للمغرب». ولهذا تبدو وزارة الخارجية أمام هذه النازلة مرتبكة، لأنها لا تعرف كيف تبرر أمام الرأي العام قرارها القاضي بإدخال سفير إلى المغرب لم يمض على ظهير تعيينه أكثر من ستة أشهر. ارتباك الطيب الفاسي الفهري الواضح مصدره التخوف من تأكيد الرواية التي نشرناها في هذه الجريدة لما وقع بين زوجته وزوجة السفير المغضوب عليه، لأن تأكيد هذه الرواية رسميا ليس في الحقيقة سوى تأكيد النفوذ القوي لزوجة الوزير على مستوى اتخاذ القرارات. ومن هنا، جاء تسريب خبر إدخال السفير نبيل بنعبد الله على عجل إلى المغرب لكي يتسلم منصبا رفيعا، قد يكون كرسي فيصل العرايشي على رأس القطب الإعلامي العمومي، والذي يستعد صاحبه، حسب أخبار تسربها جهة مقربة منه بعناية، لتسلم منصب مستشار ملكي مكلف بالجانب الإعلامي. فالعرايشي، رغم مشاكله الخاصة مع زوجته، قرر أن يضع حدا فاصلا بين حياته الخاصة وعمله، ولذلك أنهى علاقته بزوجته، التي كان لها الفضل الكبير في تقريبه من دوائر القرار، أمام قاض سجل بالنقطة والفاصلة المبلغ السمين الذي اتفقا بشأنه لفض علاقتهما بالحسنى. وما يهمنا في «إشاعة» دخول نبيل بنعبد الله إلى المغرب واستعداده لتقديم استقالته من حزب التقدم والاشتراكية، حتى يتجرد من أي انتماء حزبي ويصبح جاهزا لتسلم مفاتيح القطب العمومي من يد العرايشي، هو كون المسؤوليات في هذه البلاد تعطى للبعض حسب درجة الفشل الذي يصلون إليه وليس حسب درجة النجاح الذي يحققونه. وهذا ما أسميه دائما بنظرية «الفشل الذي يقود إلى النجاح». بقدر ما أنت فاشل بقدر ما أنت مطلوب لشغل مهام أصعب، وبقدر ما أنت ناجح في مهامك بقدر ما أنت محارب ومطلوب رأسك من الأصدقاء قبل الأعداء. ونبيل بنعبد الله الذي فشل في إدارة جريدة الحزب عندما كان على رأسها، وفشل في الإعلام عندما تولى حقيبته، وفشل حتى في الفوز بمقعد في دائرة تمارة خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجد نفسه فجأة على رأس واحدة من أهم السفارات المغربية في العالم. وهاهي نتيجة هذا الفشل تظهر ستة أشهر على تعيينه، بعد السلوك الصبياني الذي أبانت عنه زوجتا الوزير والسفير. ويبدو أن وزارة الخارجية في عهد الطيب الفاسي الفهري قد دخلت فعلا مرحلة الصبيانية. وهاهو سفير المغرب بمدريد يترك كل الملفات الحارقة بين الضفتين وحرب الجواسيس المشتعلة هذه الأيام بين الرباطومدريد، ويأخذ الطائرة على عجل لكي يأتي إلى مطار محمد الخامس من أجل استقبال وفد من الأطفال الجزائريين جاؤوا بدعوة من مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج التي يترأسها السفير عمر عزيمان، لقضاء عطلة الصيف. بالله عليكم هل هذه مهمة دبلوماسية يقوم بها سفير في عاصمة من حجم مدريد. إن ما وقع في البندقية بين زوجة السفير وزوجة الوزير يعتبر ناقوس إنذار داخل البيت الدبلوماسي المغربي. وهذا الناقوس يجب أخذه على محمل الجد، لأنه يتعلق بصورة المغرب أمام العالم. ولكي يتأمل الطيب الفاسي الفهري صورة سفاراته في الخارج يكفي أن يبحث عن صفحة سفارته بكندا على الأنترنيت «www.ambamaroc.ca» لكي يفهم أن زمن وزارته متوقف عند حدود سنة 2007. والكارثة أن الموقع الذي صممته السفارة للتواصل مع المغاربة القاطنين بكندا لا علم له بالسفيرة نزهة الشقروني التي تم تعيينها على رأسها قبل ستة أشهر. وعوض أن نعثر فيه على مقال حول انتخابات 2009 الجماعية نجد فيه مقالا حول انتخابات 2007 البرلمانية. والفضيحة الأكبر هي أن الاتحادية نزهة الشقروني أخذت معها في طريقها إلى كندا الاتحادي عزيز خمليش، المدير السابق لجريدة «ليبيراسيون» التي يصدرها الحزب، لكي يشرف لها على الجانب التواصلي بالسفارة. «تواصلنا بكري». «الحاصول، الرابح من المرا والخاسر من المرا، والله يعز الحكام».