عاش الرجاء الرياضي لكرة القدم طيلة ثلاثة أيام أحداثا جد متناقضة. وصل الفريق زوال يوم الأربعاء الماضي إلى اسطيف على متن طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، في رحلة جوية خاصة. أمضى الفريق هناك أياما استثنائية محاطا بعناية من سكان مدينة العلمة، التي بالغت في الاحتفاء بالرجاء وباقي أعضاء الوفد المغربي، غير أن ما سيعيشه المغاربة بعد سويعات من ذلك في ملعب 8 ماي، كان على النقيض من ذلك تماما. في هذا الملعب الذي يصفه أنصار وفاق سطيف بأنه ملعب «النار»، حول «البوليس» الجزائري العرس الرياضي إلى مأتم. انهالت الهراوات على محبي الفريق مخلفة عشرات المصابين ونزل رئيس الفريق الجزائري إلى أرضية الملعب، بينما اكتفى رجال الأمن الجزائري بالتفرج على شباب سخر لغرض استفزاز الصحافيين ولاعبي الرجاء الاحتياطيين. قبل ذلك كان الفريق استفز المغاربة بتخصيص علم وطني بمقاييس أقل من نظيره الجزائري. مدينة ملتحية تكاد تكون «العلمة» مدينة ملتحية، ففي هذه المدينة التابعة لولاية سطيف، لا تكاد تصادف رجلا بدون لحية إلا قليلا. لذلك ليس غريبا أن جميع مقاهي المدينة، لا تتوقف عن تقديم برامج دينية، أو تكتفي أحيانا أخرى بكتم الصوت وبث القرآن الكريم. في «العلمة» حافظت المقاهي على النمط الذي خلفه الاستعمار الفرنسي، ولذلك فالجلوس فيها، يمنحك الانطباع بأن الزمن عاد بك قليلا إلى الوراء. تبدو «العلمة»، التي لا يتعدى عدد سكانها ال155 ألف نسمة، مثل مدينة منسية، أو يراد لها أن تكون كذلك، إذ تكاد تنعدم فيها مظاهر الحياة، وحده ال80 محلا تجاريا الموجود بالمدينة، والذي يعتبر أكبر سوق للسلع بالجزائر يوحي بأن ثمة في هذه المدينة أناس أحياء، لكن ليس «سوق دبي» وحده يمنح المدينة الأمل في الحياة، ولكن أيضا كرة القدم، ففي «العلمة» يتنفس الناس حب كرة القدم، ولذلك لا يتحدث الناس إلا عن فريق مولودية العلمة الذي وقع على مشوار رائع في عصبة الأبطال الإفريقية، بل إنه لتشجيع الفريق تم تخصيص رحلات منظمة لجمهور الفريق إلى تونس، حيث واجه يوم الأحد الصفاقسي التونسي. تستمر الرحلة لأربعة أيام ويقيم جمهور الفريق في فنادق من ثلاث أو أربع نجوم، بينما لا تتعدى كلفتها، بما فيها النقل من وإلى الفندق ما بين 2000 و2500 درهم. لكن في المدينة التي حملت سابقا لقب القس «اٍرنو»، لا يطيق محبو الكرة فريقا جارا اسمه وفاق سطيف. ترجع العداوة إلى سنوات قبل ذلك، حين تخلى فريق «الكحلة» عن الروح الرياضية وخسر أمام فريق منافس. فعل ذلك، يقول أهل العلمة، متعمدين حتى ينزل مولودية العلمة إلى القسم الموالي. لأجل ذلك لا يكتفي من تلتقيهم في الشارع والمقهى والسوق بالترحيب بك، بل يؤكدون أن قلوبهم مع المغرب والمغاربة، وكثيرا منهم دعا محبي الرجاء إلى جلسة حميمة على طاولة مقهى لاحتساء كأس شاي والحديث عن مدينة الدارالبيضاء، المدينة التي يقول الجزائريون إنها المدينة التي يتمنون العيش فيها. قلوب الجزائريين مع الرجاء يقول محمد، وهو تاجر يبيع التمور أنه يعرف كل شئ عن المغرب. لا يحفظ الرجل، وهو كهل في العقد الخامس من عمره، أسماء اللاعبين والمدربين فقط، بل يلم بجزء كبير من تاريخ كرة القدم، فهو يسأل عن أين غاب محمد فلوح، اللاعب السابق للجيش الملكي، ويذكر كأنه شاهدها بالأمس مباريات المنتخب الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1988. وبالضرورة هو أحد أشد المعجبين بلاعبي شباب المحمدية اعسيلة وفرس. قبل بداية المباراة تمنى محمد كما باقي سكان المدينة الفوز للرجاء. أقسم على ذلك قبل أن يتابع:» أعرف أن فريق الرجاء ليس في أفضل حالاته». أما سعيد الذي كان مارا بالصدفة من أمام الفندق حيث يقيم الرجاء، فركن سيارته في أقرب نقطة وعاد ليصافح المجتمعين هناك، وليقول لهم جملة واحدة:»قلوب ولاد العلمة معاكم»، قالها، ثم انطلق سريعا، بعد أن بدأ سائقون كانوا خلفه في إطلاق العنان لمنبهات السيارات.غير سعيد ومحمد، عشرات من سكان المدينة ألقوا التحية على الرجاء وكل من صادفوا من المغاربة. أول اصطدام بعيدا عن مقر إقامة الفريق التي أصبحت مدينة «العلمة» أشبه بمعقل للفريق. الكل يتمنى للفوز للرجاء، لكن لا أحد يزعج اللاعبين أو يضايقهم، وصلت بعثة الفريق إلى «العلمة» زوال يوم الأربعاء الماضي، بعد رحلة جوية على متن طائرة خاصة تابعة للخطوط الملكية المغربية. استمرت ساعة و40 دقيقة، ربطت بين مطاري محمد الخامس بمدينة الدارالبيضاء ومطار اسطيف. هناك أوفد الفريق الجزائري الكاتب العام للفريق ورئيس لجنة الشباب لاستقبال بعثة الرجاء والوفد المرافق لها، وهو ما لم يرق لبعثة الرجاء. انتقد مسؤولو فريق الرجاء أن لا يتعامل الفريق الجزائري بالقاعدة المعمول بها في مثل المناسبات، حيث يكون «التعامل بالمثل»، فالرجاء خصص سيارة مرسيدس فاخرة لرئيس الوفد الجزائري أقلته من مطار محمد الخامس إلى الفندق، ولذلك لم يرقه أن يخصص الفريق الجزائري سيارة من نوع بوجو 206 لرئيس الرجاء. رافق رئيس الرجاء في السيارة مسؤول أمني بزي مدني، تم تقديمه له على أساس أنه عضو بالفريق، بينما تم تخصيص حافلة نقل، في حالة متوسطة للفريق. في الظاهر كان واضحا أن مسؤولي الرجاء لم يرقهم ما تعامل به المسؤولون بالفريق، الذين لاقوا معاملة أفضل في مدينة الدارالبيضاء، لكن في الواقع كان ذلك أشبه بالشجرة التي تخفي سبب توثر علاقة الطرفين. البوصيري في الجزائر سبق رشيد البوصيري، مستشار الرئيس محمد بودريقة، الفريق إلى الجزائر، فقد جرت العادة أن يرتب الرجل كل ظروف إقامة الفريق بالبلدان التي يسافر إليها. أدرك الرجل بتجربته أن إقامة الفريق في اسطيف، لن يكون مريحا ولن يساعد اللاعبين على التركيز، لكنه لم يعلن ذلك أبدا، في الوقت الذي اعتقد فيه المسؤولون الجزائريون أن الرجل سينزل في أحد فنادق سطيف، بينما لم يكتشفوا ما حدث إلا عشية قدوم الفريق. فطن مسؤولو فريق سطيف إلى أن الرجاء سيكون بعيدا عن جمهور سطيف، خصوصا أن رشيد البوصيري لم يكتف بنقل إقامة الفريق من سطيف إلى العلمة، بل أيضا اتفق مع مسؤولي الأخير على أن يضع الفريق ملعب تداريبه المكسو بعشب اصطناعي رهن إشارة الرجاء، وهو ما حدث فعلا. في اليوم الموالي تصدرت الصفحة الأولى ليومية «الهداف» عنوان عريض «موفد الرجاء يدخل من النافذة». لكن لماذا غضب الفريق عندما حول الرجاء مقر إقامته من فندق لآخر؟ علما أن الاتفاق الذي كان قبل المباراة، هو أن كل فريق سيختار الفندق الذي سيناسب شروطه؟ في ظروف مماثلة تلجأ الفرق الرياضية إلى أساليب خداع كثيرة، فأحيانا يتم حجز غرف بالفنادق التي تحل فيها الفرق الرياضية بغاية تشتيت تركيز اللاعبين والسهر إلى أوقات متأخرة من الليل، وأحيانا أخرى يتم تسخيرفئة من الجمهور لإخراج اللاعبين من تركيزهم على المباراة، فهل كان مسؤولو وفاق سطيف ينوون فعل الشئ نفسه؟ حادث العلم في نفس اليوم (الأربعاء) خاض الرجاء الحصة التدريبية الأولى. في هذه الحصة التي لم تختلف عن باقي الحصص التي أجراها الرجاء بالمغرب. لم ينجح خوصي روماو في أن يظهر بالمدرب الواثق من قدرات فريقه على العودة بورقة التأهل. في الفندق لم يكن يظهر المدرب إلا أثناء وجبات الأكل أو في الطريق إلى الحافلة، وعدا ذلك ظل ملازما لغرفته. أما في التداريب فكان واضحا كيف أنهم يفتقدون «روح المجموعة»، فهل ذلك أحد أسباب تراجع نتائج الفريق هذا الموسم. تابع هذه الحصة التدريبية بضعة أفراد، ضمنهم أعضاء في الترا، بينما فضل جمهور الرجاء الذي تنقل إلى الجزائر أن يقيم في الجزائر العاصمة، المدينة التي تبعد حوالي 294 كيلومتر عن العلمة. يوم الخميس أعلن روماو أنه سيمتنع عن الكلام إلى ما بعد نهاية المباراة، بينما سمح للاعبين بالإدلاء بتصريحات صحفية. عصر نفس اليوم أجرى الفريق حصته التدريبية الثانية والأخيرة بالجزائر، لكن هذه المرة كان عليه التنقل لمسافة 27 كيلومتر. في العادة يؤمن رجال الأمن رحلات الفريق الضيف، لكن في الجزائر لم يحدث ذلك، فوجود سيارة للأمن أمام حافلة الفريق لا يعني فسح المجال أمامها للعبور، خصوصا أن ذلك صادف موعد انعقاد السوق الأسبوعي للسيارات المستعملة. أما المسافة الفاصلة بين الفندق وملعب 8 ماي فقد استمرت حوالي 50 دقيقة، وحضرها القنصل العام عبد الله دادس، هذا الأخير الذي اكتفى بالحضور إلى ملعب تداريب الفريق بدل استقبال بعثة الفريق بالمطار. في هذا اليوم انتبه الوفد المغربي إلى أن العلم المغربي الذي وضع في الملعب لم يكن بمثل حجم نظيره الجزائري وعلمي الاتحاد الإفريقي والاتحاد الدولي لكرة القدم. كان واضحا أن الجزائريين يسعون إلى استفزاز البعثة المغربية. رحلات منظمة في العلمة استمر الوضع هادئا. في اليوم الثالث من إقامة الفريق بهذه المدينة، والذي صادف يوم عطلة، استمر سكان المدينة في تمني حظ سعيد للاعبي الرجاء. وحده روماو لم ينجح في التخلص من الضغط الواقع عليه وعلى الفريق وجمهوره. اعترف روماو صبيحة الجمعة أنه لم ينم ليلة الخميس بشكل جيد، فكيف أمضى اللاعبون الليلة التي سبقت المباراة؟ انطلقت حافلة الفريق على الساعة الثالثة والنصف زوالا. مضت الحافلة تطوي الطريق، لكن في هذه المرة كانت الطريق مطواعة أمامها، بعد أن أثار هذه النقطة مسؤولو الرجاء في الاجتماع التقني الذي يسبق المباراة. في ملعب 8 ماي الذي وصله الرجاء على الساعة الرابعة عصرا، كان الجميع ينتبه إلى الملاحظات التي أبداها الوفد المغربي بخصوص العلم الوطني. ففريق الرجاء قدم للفريق الجزائري علما بنفس حجم العلم الجزائري. قبل المباراة حرصت «إلتراس غرين بويز» و»ايغلز» على تأمين رحلة الجمهور من العاصمة الجزائر إلى الملعب مع تأمين رحلة العودة، وذلك مقابل ألف دينار جزائري، أي ما يعادل 100 درهم. أما على المدرجات، فقد كان الجمهور أخذ مكانه على عكس جمهور وفاق سطيف الذي كان ما يزال يتوافد على الملعب. اتفق المسؤول الأول عن الأمن بالملعب أن ينزل الصحافيون إلى حيث سيمكنهم الولوج إلى أرضية الملعب، لكنه سينقض اتفاقه سريعا. ساحة حرب انتهى الشوط الأول من المباراة بتفوق الفريق الجزائري، لكن قبل نهايته كانت أرضية الملعب تحولت إلى ساحة حرب. لم يستسغ حسان حمار، رئيس الفريق الجزائري أن يحتج اللاعبون على الحكم، الذي لم يحتسب الوقت بدل الضائع كاملا، وقبل ذلك أنذر الحافيظي عبد الإله، رغم أنه كان تعرض لخطأ واضح. نزل بودريقة رئيس الرجاء، بدوره إلى أرضية الملعب للاحتجاج على رئيس الفريق المضيف. فليس مقبولا أن يدخل رئيس الفريق إلى أرضية الملعب. في نفس الوقت كان في المنصة الصحفية من انتظر مثل هذه المناسبة، أو هذا على الأٌقل ما بدا حينها. شاب في منتصف العقد الثالث من عمره، كان اتخذ مع بداية المباراة مكانا له بمنصة الصحافة. هذا الأخير وبمجرد أن انتبه إلى الشنآن الواقع على أرضية الملعب، بدأ يصيح عاليا. وفي رمشة عين كان وصل إلى أرضية الملعب، لكن كيف أمكنه الوصول إلى هناك؟ وكيف سمح له رجال الأمن بذلك؟ أليس ممنوعا على الغرباء الوصول إلى هناك أثناء المباراة؟ ثم هل الأخير رجل إعلام؟ يقول صحافيون مهنيون جزائريون أنه في منصة الصحافة، لم تكن كل الوجوه الحاضرة في منصة الصحافة من أهل المهنة، لكن من هم إذن؟ علما أن هؤلاء هم بالضبط من سيعتدون على الزميل نوفل العواملة، موفد قناة «ميدي 1 تي في» إلى الجزائر، بسبب أنه أعد تقريرا عن مكان إقامة الرجاء لم يرق مسؤولي الجزائر؟ ثم الاعتداء على الزميل محمد بلعودي، المسؤول عن التواصل بفريق الرجاء، فقط لأنه طالب بتوفير ظروف لائقة لاشتغال الوفد الإعلامي الذي رافق الرجاء؟ في منصة الصحافة كانت الأمور ستكون أكثر سوءا لولا أن التف الصحافيون حول زملائهم، فرجال الأمن، لم يوفروا الحماية للصحافيين المغاربة، بل على عكس ذلك «سهلوا» على هؤلاء الغرباء تحويل منصة الصحافة إلى ساحة حرب والاعتداء على الصحافيين المغاربة، وأيضا على لاعبي الرجاء نور الدين باسكار، يوسف الكناوي، عبد الكبير الوادي، ومحمد بوجاد، هؤلاء الذين لم توفر لهم مقاعد في المنصة الشرفية، فجيء بهم إلى منصة الصحافة، لكن فوجئوا بأن من يدعون أنهم صحافيون، ليسوا سوى شباب يستفزون بالكلمات النابية الوفد المغربي، الذي وضعت كل العراقيل أمامه للحيلولة دون انجازه لعمل مهني يراعي الشروط المتعارف عليها.