دعم إفريقي لترشيح السيدة بوعياش لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    الملك يزور ضريح جده محمد الخامس    أمطار الخير ترفع مخزون سدود الحوض المائي لأم الربيع إلى 84.5 مليون متر مكعب    سان جرمان يتأهل إلى الربع بفوزه على ليفربول بركلات الترجيح    باريس سان جيرمان يقصي ليفربول بركلات الترجيح ويتأهل لربع نهائي دوري الأبطال    انطلاق مسابقات تجويد القرآن الكريم في إطار رمضانيات طنجة الكبرى    انهيار مباغت لمنزل بالعكاري في الرباط.. وفاة سيدة واستنفار السلطات    زلزال إداري يهز قطاع التربية الوطنية بعد إعفاء 16 مديرا إقليميا    تطوان.. حجز 17 ألفا و 505 من الأقراص الطبية "ريفوتريل" المخدرة وتوقيف أربعة أشخاص    بعد "جانا" العاصفة "كونراد" في طريقها إلى المغرب.. أمطار غزيرة وثلوج    تصوير الأنشطة الملكية.. ضعف الأداء يسيء للصورة والمقام    إعفاء المدير الإقليمي للتعليم بالناظور    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتتبع تنزيل ورش الارتقاء بالمنظومة الصحية    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. برشلونة أول المتأهلين إلى ربع النهائي بفوزه على بنفيكا    إجراءات وهبي تثير الجدل.. الغلوسي: إعلان غير مباشر عن "حالة استثناء" في المغرب    الحقائق تنتصر والشائعات تتلاشى    اتفاقية شراكة بين وزارة التجارة والصناعة و"التجاري وفا بنك" لتعزيز رقمنة التجار    أنفوغرافيك | المغرب ومؤشر القوة الناعمة العالمية لعام 2025    الشرقاوي: وكالة بيت المال القدس الشريف نفذت أزيد من 200 مشروعا كبيرا لفائدة المقدسيين منذ إحداثها    إسرائيل تقترح تمديد وقف إطلاق النار بغزة 60 يوما    الدرك الملكي يفك لغز الطفلة "جيداء" والجاني عمها    وهبي يقْسِم أنه لن يعدل المادة 3 من المسطرة الجنائية للتبليغ عن الفساد    مغرب الحضارة الضرورة التاريخية : شركات عمومية للأمن الغذائي    موكوينا يدخل في صراع مع جماهير الوداد    أوكرانيا تقبل مقترح أمريكي بشأن هدنة لمدة 30 يومًا    أمطار الخير ترفع مخزون سدود الحوض المائي لأم الربيع إلى 84.5 مليون متر مكعب    الاضطرابات الجوية تلغي رحلات بحرية بين المغرب وإسبانيا    فيديو: أمير المؤمنين الملك محمد السادس يترحم على روح المغفور له الملك محمد الخامس    هل الصيام يشفي القلب أم يشكل خطراً عليه؟ اكتشف الحقيقة مع الدكتور حفدي المهدي (فيديو)    مجلس الحكومة يتدارس مرسوماً متعلقاً ب"طنجة تيك" يوم الخميس    جائزة القيادة في النوع الاجتماعي: البنك الدولي يكرم لُبنى غالب، عضو مجلس إدارة مجموعة طنجة المتوسط    مطالب برلمانية بالكشف عن أسباب ارتفاع صادرات زيت الزيتون رغم تراجع الإنتاج    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العراق يملك واحدا من أعلى احتياطيات الذهب عربيا ب162طنا    الناصيري ينفي الإساءة إلى حجيب    تلوث الهواء يطال 14 مدينة هندية    الشابي يشيد بقتالية الرجاء بعد الفوز على النادي المكناسي    صيدلاني يشجع الشك في "الوعود الدعائية" للعقاقير الطبية    علماء: الإكثار من الدهون والسكريات يهدد المواليد بالتوحد    نهضة الزمامرة يعيّن الفرنسي ستيفان نادو مدربًا جديدًا خلفًا لبنهاشم    المسرح يضيء ليالي الناظور بعرض مميز لمسرحية "الرابوز"    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم مشاريع النشر والكتاب هذا العام    كيف يؤثر الصيام في رمضان على الصحة ويحسنها؟    تناول السمك يتيح تطور الشخصية الاجتماعية عند الأطفال    حتى ‬لا ‬تبقى ‬الخطة ‬العربية ‬الإسلامية ‬لإعمار ‬غزة ‬معطلة ‬    تنظيم الملتقى الأول ل''رمضانيات السماع و المديح للجديدة    قمة ‬جزائرية ‬تونسية ‬ليبية ‬لنسف ‬القمة ‬العربية ‬الطارئة ‬في ‬القاهرة    الصين: متوسط العمر بالبلاد بلغ 79 عاما في 2024 (مسؤول)    الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. من الشعارات الانتخابية إلى محكّ السلطة    الجديدي يفرض التعادل على الحسنية    ‬"وترة" يدخل دور العرض بعد رمضان    شخصيات عربية وإفريقية وأوروبية بارزة تنعى الراحل محمدا بن عيسى    برعاية إبراهيم دياز .. أورنج المغرب تطلق برنامج Orange Koora Talents    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية وحرب صعدة
نشر في المساء يوم 13 - 11 - 2009

يتواصل صدور بيانات التضامن مع الحكومة السعودية (وليس مع اليمن) في حربها ضد «المعتدين» الحوثيين من قبل معظم الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية في رام الله، ولكن هذه البيانات لن يكون لها إلا تأثير معنوي شكلي، لأن أزمة المملكة العربية السعودية أعمق بكثير مما يتصوره حلفاؤها العرب، بمن في ذلك وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، الذين طار بعضهم إلى الدوحة صباح أمس لبحث هذه الأزمة وتداعياتها.
وربما لا نبالغ إذا قلنا إن الحرب الدائرة حالياً بين الحوثيين اليمنيين والقوات السعودية في جنوب المملكة أخطر كثيراً من أزمة اجتياح القوات العراقية للكويت صيف عام 1990، ومن الحرب اليمنية السعودية التي اندلعت بعد ثورة عبد الله السلال عام 1962 وأطاحت بالحكم الإمامي في صنعاء وفتحت الباب على مصراعيه لدخول القوات المصرية في مواجهة مع نظيرتها السعودية.
ما يميز هذه الحرب أنها حرب طائفية أولا، وسياسية ثانياً، واجتماعية ثالثاً، ومرشحة لأن تتحول بسرعة إلى حرب إقليمية تدخل فيها أطراف عديدة تحت عناوين مختلفة، يظل البعد الطائفي أبرزها، فالتصريحات التي أدلى بها منوشهر متقي، وزير الخارجية الإيراني، وقال فيها «ننصح بشدة دول المنطقة والدول المجاورة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، لأن من يختارون صب الزيت على لهب الصراع سيحترقون بنيرانه»، هذه التصريحات، التي هي بمثابة تحذير شديد اللهجة للحكومة السعودية، ليست إلا مؤشرا على بدء مرحلة استقطاب طائفي وإقليمي ربما تغير شكل المنطقة وخريطتها السياسية، وتهدد استقرارها.
عندما نقول إن هذه الحرب ربما تكون الأخطر على المملكة من الحروب والأزمات السابقة التي واجهتها منذ تأسيسها قبل ثمانين عاماً تقريباً، فذلك لأسباب عديدة نوجزها في النقاط التالية:
أولا: حرصت القيادة السعودية، طوال العقود الماضية، على تطبيق استراتيجية ثابتة، ملخصها إضعاف جميع القوى الإقليمية المحيطة، وخوض حروب ضدها خارج أراضي المملكة بقدر الإمكان، وهذا ما حصل عندما حاربت الثورة الناصرية على أرض اليمن، والثورة الخمينية على أرض العراق، من خلال التحالف مع النظام العراقي السابق وتحريضه على خوض حرب استغرقت ثماني سنوات، انتهت بإضعاف البلدين معاً، وأخيرا استخدام خطأ اجتياح الكويت لتدمير القوة الإقليمية العراقية المتنامية تحت قيادة الرئيس الراحل صدام حسين.
الحرب الحوثية الحالية تدور حالياً على أرض المملكة، أو جزء منها يعتبر الأكثر وعورة، وفي مناطق تعاني من الإهمال وضعف التنمية، وتضم نسبة كبيرة من السكان أتباع المذهب الإسماعيلي الشيعي غير المعترف به من قبل المؤسسة الدينية الوهابية المتحالفة مع النظام السعودي.
- يوجد داخل المملكة أكثر من مليون يمني، بعضهم يحمل الجنسية السعودية، والبعض الآخر ما زال محتفظاً بجنسيته اليمنية، وبعض هؤلاء يؤيد الحوثيين، ويمكن أن يشكل، على المدى المتوسط، تهديداً للأمن الداخلي.
- الحدود السعودية اليمنية تمتد لأكثر من 1.500 كيلومتر، أما الحدود اليمنية على البحر الأحمر الممتدة من عدن إلى صعدة فتصل إلى حوالي 400 كيلومتر. ومعظم هذه الحدود غير مسيطَر عليه بسبب ضعف إمكانيات الحكومة اليمنية، مما يجعل عمليات التهريب للأسلحة والبشر ميسّرة للغاية، خاصة عبر سواحل البحر الأحمر. وعلينا أن نتذكر أن إريتريا، التي يقال إنها باتت قاعدة لتهريب أسلحة إلى الحوثيين، استطاعت احتلال جزر حنيش اليمنية قبل عشر سنوات بقاربين مسلحين فقط، بسبب ضعف سلاح البحرية اليمني.
- تثبيت استقرار المملكة من خلال الحفاظ على أمنها الداخلي، هو أبرز إنجازات الأسرة الحاكمة، واهتزاز هذا الأمن، جزئياً على الأقل، من خلال حرب استنزاف طويلة في الجنوب، ربما يؤدي إلى إضعاف النظام، خاصة إذا استغل تنظيم «القاعدة»، الذي بدأ يكثف وجوده في اليمن، الفوضى الحدودية لإحياء ومن ثم تعزيز وجوده، داخل المملكة، واستئناف هجماته ضد أهداف حيوية، مثلما كان عليه الحال قبل خمس سنوات.
- من المفارقة أن السلطات السعودية -ومن خلال «اللجنة الخاصة» التي أنشأتها للتعاطي مع الملف اليمني منذ «ثورة السلال»، برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد- استخدمت سلاح المال لشراء ولاء شيوخ قبائل المناطق الحدودية، الذين انقلب معظمهم عليها الآن، وإضعاف الحكومة المركزية في صنعاء حليفتها الحالية، وارتكبت خطأ استراتيجيا أكبر عندما دعمت حرب الانفصال عام 1994 بقوة، فوضعت اللبنة الأولى لتحويل اليمن إلى دولة فاشلة، تواجه حراكا انفصاليا في الجنوب، وحربا حوثية طائفية في الشمال، وأنشطة داخلية متصاعدة لتنظيم «القاعدة».
عندما شكلت الثورة الخمينية تهديدا وجوديا للمملكة ودول الخليج الأخرى، وجدت القيادة السعودية في الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه سندا قويا للتصدي لها ومنع وصولها إلى الساحل الغربي للخليج العربي، وعندما اجتاحت القوات العراقية الكويت، استغاثت بالولايات المتحدة وقواتها لإخراجه منها، وإنهاء الخطر الصدامي نهائيا بغزو العراق واحتلاله لاحقا، وإلى جانب ذلك كان مجلس التعاون الخليجي موحدا خلفها في الحربين ضد العراق وضد إيران.
الصورة الآن تبدو مختلفة كثيرا، فصدام حسين ليس موجودا للتصدي للتدخل الإيراني في حرب الحوثيين، والقوات الأمريكية مشغولة في حربين دمويتين خاسرتين في أفغانستان والعراق، أما مجلس التعاون الخليجي فلم يعد موحدا بالقدر الكافي خلف المملكة في حربها هذه.
السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، حرص على زيارة طهران قبل شهرين لتأكيد تضامنه مع رئيسها أحمدي نجاد والمرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي، بعد إخماد ثورة الإصلاحيين مباشرة. والعلاقات السعودية الإماراتية متوترة منذ الخلاف بين البلدين على شريط العيديد البحري، وكيفية تقسيم إنتاج حقل الشيبة النفطي. وزاد هذا التوتر أخيرا على أرضية رفض السعودية طلبا إماراتيا باستضافة مقر البنك المركزي الخليجي الموحد في أبوظبي، وانعكس في إغلاق الحدود لعدة أسابيع، ومنع الإماراتيين من دخول المملكة بالبطاقة الشخصية. ولوحظ أن الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، لم يكن بين زملائه الخليجيين الذين شاركوا في اجتماع الدوحة التضامني يوم أمس. أما العلاقة ما بين المملكة وقطر فتبدو غامضة، رغم ما هو ظاهر على السطح حاليا من زيارات ومجاملات. فالسلطات القطرية تضع رجلا في طهران وأخرى في الرياض. أما الكويت فمشغولة بأزمتها الداخلية، والفتنة الطائفية التي حذر منها أميرها ما زالت تحت الرماد، والشيء نفسه يقال عن البحرين أيضا.
نخلص إلى القول من كل ما تقدم بأن المملكة العربية السعودية وقعت في مصيدة طائفية وعسكرية على درجة كبيرة من الخطورة، أو أثارت على نفسها «عش دبابير» طائفيا قد يصعب الفكاك من لسعاته القاتلة، رغم التفوق الكبير في ميزان القوى لصالحها. وعلينا أن نتذكر أن القوة العسكرية الأمريكية الجبارة أطاحت نظامي صدام وطالبان، ولكنها تترنح في حرب الميليشيات التي انفجرت بعد ذلك.
إذا صحت التقارير التي تقول إن إيران تدعم التمرد الحوثي بالمال والسلاح، وهي تبدو صحيحة، فإن هذا يعني أننا أمام مثلث جديد ربما يشكل عناوين المرحلة المقبلة، أضلاع هذا المثلث حركة حماس في إمارة قطاع غزة، وحزب الله في إمارة جنوب لبنان، والحوثيون في «إمارة» صعدة، القاسم المشترك لهذا المثلث هو الصواريخ الإيرانية والعداء لأمريكا وإسرائيل ودول الاعتدال العربية.
قتل المشروع النهضوي العربي لصالح الهيمنة الأمريكية، ومهادنة إسرائيل من خلال تبني خيار السلام كخيار وحيد، وتدمير العراق، وإضعاف اليمن وحرمانه من الاستثمارات مثل دول عربية فقيرة عديدة، كلها عوامل أدت إلى خلق هذه التطورات المزعجة التي قد تحوّل المنطقة العربية كلها إلى دول فاشلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.