أين اختفى تيار الراحل أحمد الزايدي، الذي قال إنه قرر مغادرة خيمة الاتحاد الاشتراكي ليؤسس تنظيما بديلا يحترم مبادئ حزب المهدي وعمر، ويدافع عن اختياراته التي مرغها الكاتب الأول إدريس لشكر في التراب؟ اليوم، يواصل لشكر فتوحاته، حيث أشرف على قرابة ستين مؤتمر إقليمي اختير له شعار مركزي هو «حماية الشرعية» التي يعتبر لشكر نفسه رائدها وحاميها من كل مكروه. حينما نبحث في سيرة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، نجد أن الرجل ظل من أقرب المقربين إلى محمد اليازغي، بل إنه ظل يحمل صفة التلميذ النجيب لليازغي في معاركه، سواء في مواجهة عبد الرحمان اليوسفي أو محمد نوبير الأموي، في عز قوة الاتحاد الاشتراكي. ولا أحد كان يعتقد أن هذا «المحامي الصغير» سيتحول، في ظرف زمني قصير، إلى واحد من صقور الحزب؛ فحينما كان اليازغي يرغي ويزبد في وجه اليوسفي، وهو وقتها الكاتب الأول بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد في 1992، ظل إدريس لشكر يصر على أن رفيقه اليازغي هو الكاتب الأول بالنيابة، وليس نائبا للكاتب الأول. وفي هذه الصيغة ما يكفي من الدلالات التي ستظهر ملامحها حينما كان الحسن الثاني يرتب للتناوب الأول الذي كان سيقوده محمد بوستة باسم حزب الاستقلال. كان لشكر من أشد المتحمسين لهذه التجربة، وظل يدفع باليازغي إلى قبول الصفقة، خصوصا وأن اليوسفي كان وقتها غاضبا في منفاه الاختياري. فشل تناوب بوستة واليازغي، وعاد اليوسفي إلى قيادة التناوب التوافقي؛ لكن لشكر ظل يترقب متى يصل موعده. انتهت حكومة التناوب وما بعدها مع إدريس جطو حينما لم تحترم المنهجية الديمقراطية في 2002. لكن حينما صعد سهم حزب الاستقلال في 2007 واختير عباس الفاسي وزيرا أول، عاد لشكر إلى الواجهة؛ وكان أول خصومه هو صديق الأمس اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد. ولمعرفته بسبل المناورة هنا وهناك، فتح إدريس لشكر النار على كاتبه الأول، وانتقد الطريقة التي دبر بها ملف الاستوزار، ونجح في تهييج أعضاء المكتب السياسي للدفع باليازغي إلى الاستقالة من منصبه بدلا من إقالته. كانت المفاجأة صادمة: كيف يقود صديق الأمس هذه الحربَ التي رفع لشكر شعارا لها أن الكاتب الأول قبل بمجرد «صاكادو» في حكومة عباس الفاسي، في الوقت الذي كانت فيه الخلفية أشياء أخرى: كيف يسقط اسم لشكر من الاستوزار وتصعد أسماء أخرى كجمال أغماني أو الشامي، وقبلهما محمد الكحص، مثلا. سقط اليازغي ووجه لشكر نباله في اتجاه حكومة عباس الفاسي الذي دعا الاتحاد إلى مغادرتها، وهدد بوضع اليد في يد العدالة والتنمية، الذي كان وقتها يقود معارضة شرسة ضد حكومة عباس الفاسي، بل إنه وصف حزب الأصالة والمعاصرة بالوافد الجديد الذي تجب مواجهته. وصلت الرسالة إلى كبار حزب «التراكتور» الذين كانوا يرسمون خيوط اللعبة من الخلف، وتلقى لشكر هديته حينما اختير، بعد تعديل حكومي، وزيرا مكلفا بالعلاقة مع البرلمان، أو «الصاكادو» الثاني لحزب المهدي وعمر، كما سماه الغاضبون. وتحول لشكر مائة وثمانين درجة نضالية، حيث أصبح من أشد المدافعين عن حكومة عباس الفاسي بعد أن كان يدعو إلى مغادرتها وإسقاطها. كان لا بد من أن تفتح أمامه الكثير من الأبواب، ليس فقط بين دواليب الدولة، ولكن أيضا وسط الاتحاد الاشتراكي الذي جرب فيه كيف يمكن إسقاط كاتبه الأول، وكيف يمكن تغيير بوصلته من حزب يدعو إلى الخروج من الحكومة إلى ضرورة البقاء فيها وحماية تجربتها؛ لذلك فهم أن الطريق نحو الكتابة الأولى للحزب لن تكون أصعب من معارك الحكومات والتحالفات؛ ومن ثم عرف كيف يفوز بمقعد الكتابة الأولى بعد شوطين من التباري في مؤتمر وطني تحدث الكثيرون عن كونه لم يكن بمواصفات مؤتمرات الاتحاد الصاخبة التي كانت لحظة سياسية على قدر كبير من الأهمية، وهو الفوز الذي تردد أن بعض «الأيادي الشيطانية» هي التي ساهمت في تحقيقه، على صيغة «الأيادي الربانية» التي قال زميله في المعارضة، حميد شباط، إنها هي من حمله إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال. اليوم، يواصل لشكر رحلته بدون معارضة داخلية اختارت الهروب بعيدا. وفي جل المؤتمرات الإقليمية التي ترأسها، لا يتردد في الدعوة إلى فتح أبواب الاتحاد في وجه الأعيان القادرين على كسب المقاعد الانتخابية، بدلا من مناضلي المقرات الحزبية الباردة الذين ينادون بجعل الانتخابات محطة نضالية لإسماع صوت الاتحاد. مع إدريس لشكر انتهى هذا الخطاب المكرور، والدعوة مفتوحة لمن يكسب المقعد أولا.