حينما قال المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إن وزارته قررت إرجاء إحالة ملف سوء التدبير الخاص بالجماعات المحلية، والذي كشف عنه آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، إلى ما بعد استحقاقات شتنبر المقبل، تساءل الكثيرون عن خلفيات هذا القرار الذي صدر عن المسؤول الأول عن ملف التجاوزات التي يعرفها تدبير المالية العمومية. وطرح السؤال عن الأدوار التي يقوم بها مجلس إدريس جطو، والتي يمكن أن يذهب كل جهده أدراج الرياح ما لم تعرف ملفاته طريقها إلى القضاء، خصوصا وأن العديد من الملفات ظلت حبيسة رفوف المجلس، فيما تمت إحالة بعضها فيما يشبه ذرا للرماد في العيون. والنماذج أمامنا سواء مع ملفات القرض العقاري والسياحي، أو شركة الملاحة البحرية "كوماناف"، أو المكتب الوطني للمطارات، أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وغيرها من المؤسسات العمومية. لقد التزم وزير العدل والحريات مصطفى بأن وزارته ستحيل ملفات الاختلالات ذات الطبيعة الجرمية التي وردت في آخر تقرير المجلس الأعلى للحسابات، مباشرة على القضاء بعد أن تحيل التقرير على المدارسة الداخلية من طرف قضاة متخصصين، لدراسة الملفات قبل إحالتها على البحث. وعند وجود اختلالات ذات طبيعة جرمية يتم اللجوء مباشرة إلى القضاء. أما ما يتعلق بمسطرة الإحالة، فقد قال وزير العدل والحريات إن القانون وضع مسطرتين في التعاطي القضائي مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات. تستند المسطرة الأولى إلى الفصل 111 من قانون المحاكم المالية، والذي يعطي الحق للوكيل العام للملك لدى المجلس في إحالة أي ملف يكتسي طبيعة جرمية على وزارة العدل، التي تحيله على النيابة المتخصصة. أما المسطرة الثانية، فإنها تعتمد على الفصل 51 من قانون المسطرة الجنائية. غير أن هذه الاجراءات كثيرا ما سقطت في منتصف الطريق خصوصا حينما يتعلق الأمر بمؤسسات عمومية ذات طبيعة خاصة. لذلك ظل المتتبعون يرون في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، سواء على عهد رئيسه السابق أحمد الميداوي أو على عهد الرئيس الحالي ادريس جطو، مجرد زوبعة في فنجان حيث لا تصل جلها إلى القضاء. ومن تم يطرح السؤال، ما الذي يمكن أن يضيفه آخر تقرير أصدره المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2013 بشأن الرقابة والحكامة والشفافية، التي يفترض أن تدبر بها المالية العمومية هنا وهناك؟ وهل يمكن أن يحلم المغاربة غدا بمتابعات لكل من ثبت في حقه إخلال بأنظمة التدبير في هذا القطاع أو ذاك؟ أم أن ما صدر عن مجلس إدريس جطو لن يتجاوز حدود التداول الإعلامي والنقاش بين جمعيات حماية المال العام، لينتهي إلى النسيان، كما حدث مع جل التقارير التي صدرت عن هذه المؤسسة؟ لقد سجل تقرير سنة 2013، جملة من المعطيات المتعلقة بالفصل الخاص بالتصريح الإجباري بالممتلكات، وفصل مراقبة حسابات الأحزاب السياسية، والجمعيات. وقال التقرير إن حوالي سبعين في المائة ممن هم ملزمون بتجديد تصريحاتهم الإجبارية، قاموا بذلك. فيما تخلف الباقون. وتأتي وزارة الداخلية في مقدمة المؤسسات التي قدمت تصاريحها بنسبة وصلت 85 في المائة. فيما وصلت نسبة التصريح لدى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الخمسة والتسعين في المائة. فيما سجل التقرير أن وزارات مثل الصحة، والشؤون الخارجية، والتعليم العالي، والتجهيز والاتصال، كانت من بين أضعف المؤسسات التي قدمت تصاريحها، حسب مجلس جطو. المثير في هذه العملية التي نهجها المغرب لسنوات، هو أن المجلس الأعلى للحسابات يتوفر اليوم على جيش من المراقبين والقضاة الذين يشتغلون بحماس وجدية للكشف عن اختلالات المؤسسات العمومية، مع ما يكلف هذه المهام من جهد ووقت وإمكانيات. لكن دون أن يعرف هذا الجهد الكبير طريقه إلى حيث يجب. الكثيرون يطرحون السؤال اليوم كيف سيتعامل وزير العدل مع ملفات التبدير وسوء التدبير التي كشف عنها مجلس جطو؟ وهل ستتوفر للسيد الرميد الشجاعة الأدبية لكي يحرك المتابعات في حق من يستحقون ذلك؟ هل نقول ما يردده المغاربة من كون الأمر في الأول وفي الأخير مجرد وصلة من وصلات الديمقراطية المغربية التي تراهن دوما على الواجهة، في حين أن عمق الأشياء يظل مؤجلا إلى حين؟ هل نتساءل معهم أين كل أولئك الذين كشفت عنهم تقارير المجلس الأعلى للحسابات على عهد رئيسه السابق؟ فكل الذين اتهموا بسوء تدبير أو تبذير، عفا عنهم الزمن المغربي بعد أن تمنى هذا المغرب، الذي ينهب يمينا ويسارا، أن يولدوا من جديد، عملا بنصيحة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي سبق أن عفا عن وزرائه المتهمين بتلقي رشاوى، بدلا من أن يبقيهم رهن الاعتقال. هل نقول لهم لا تخافوا ولا تهابوا تقارير جطو. إنها شبيهة بفقاعات الصابون التي سرعان ما يخبو أثرها وتدخل دائرة النسيان بعد أن تعقد حولها الندوات واللقاءات داخل الصالونات المكيفة. أم نؤكد على أنها شبيهة بما ظل يردده سياسيونا، في الأغلبية وفي المعارضة، من أننا نبني ديمقراطيتنا على مهل. ولذلك لا حاجة للسرعة حتى وإن تعلق الأمر بمالية عمومية، سواء تلك التي تتحرك بداخل مؤسسات من حجم حقائب وزارية، أو تعلق بجمعيات وأحزاب سياسية تدعي دفاعها عن المجتمع المدني والسياسي. ديمقراطية تشتغل بجماعات ترابية في القرى والمدن. وبمجالس للنواب والمستشارين. بين تقارير قضاة إدريس جطو، التي كشفت كل المستور في العديد من مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، وفي أكثر من مناسبة، وبين شعار الحكومة المركزي عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، يتوزع المغاربة، ينتظرون ويتطلعون متى يأتي الفرج. في هذا الخاص نعرض لبعض الفضائح المالية التي عاشتها مؤسسات عمومية حيث طوي ملف جلها، فيما وصل بعضها الآخر إلى القضاء. في الوقت الذي كان يفترض أن تحال كل الملفات التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات، أو غيره من مؤسسات المراقبة للمالية العمومية، على القضاء تفعيلا لشعار حكومة بنكيران ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحماية للمال العام. لقد كتبت إحدى هيئات المراقبة حول الموضوع أن أقليات أفراد ومجموعات تتحكم في صنع القرار، نسجت شبكة عريضة تهدف إلى وضع أكبر عدد ممكن من العراقيل في وجه السير العادي للعدالة وأجهزة الرقابة، الشيء الذي أدى إلى حالة الإفلات من العقاب، وتشجيع المختلسين والراشين والمرتشين على المضي قدما في نهب المال العام وتبذيره، علما بأنهم لن يقدموا أي حساب ولن تتم مساءلتهم على تدبيرهم عند نهاية مهامهم.
حبس ومصادرة أملاك وأرصدة مدير والشريك الهارب فضيحة البنك الوطني للإنماء الاقتصادي التي تساوي 20 مليارا اختفى البنك الوطني للإنماء الاقتصادي من المشهد المالي المغربي. وأصبح اليوم مجرد ملحق بصندوق الإيداع والتدبير، بعد أن تعرض لنهب مالي من قبل مديره الذي أدانته محكمة الاستئناف في 2013 بأربع سنوات حبسا بتهم الاختلاس وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ. مع مصادرة كل أملاكه العقارية وأرصدته المالية وكذا أرصدة زوجته، هذا مع ضرورة تعويض للبنك بقيمة 20 مليار سنتيم. لقد كان من المتوقع أن تنطلق التحقيقات في ملف البنك الوطني للإنماء الاقتصادي في 2002، خصوصا وأن التقرير الذي كانت قد أنجزته لجنة من المفتشية العامة للمالية حول هذه المؤسسة، وقف على ملفات ترتبط بسوء التسيير، وتبديد أموال المؤسسة، خاصة في ما يتعلق بصناديق الاحتياط المودعة لدى صندوق الإيداع والتدبير، التي تتطلب إجراءات دقيقة، وهو ما كشف وقوع عمليات احتيالية في أكبر المؤسسات المالية المغربية. لقد كشف تقرير مفتشية المالية وقتها أن حجم المبلغ الذي كان مودعا لدى مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، كان يقدر بحوالي 19 مليار درهم. وكان المبلغ المودع بحساب البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، لدى مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، مجزءا إلى 6 ملايير درهم كسندات وأداءات مباشرة، وحوالي 4 ملايير درهم كفاتورات وأداءات لدعم خصاص البنك، فيما تتكون الحصة المتبقية من عقارات ثابتة، سنداتها الأصلية مودعة لدى صناديق الاحتياط للتصرف في بيعها وقت حصول الضرر في الوضعية العقارية للبنك، وهي بقيمة أربعة ملايير درهم، ثم مبلغ آخر يقدر بحوالي خمسة ملايير، مخصص لأداء الرسومات والضرائب، وحصة بنك المغرب. إلا أن التقرير أوضح أنه جرى وقوع استغلال في جزء كبير من مبالغ صناديق الاحتياط، بطرق غير مشروعة، باعتبار أن هذا المبلغ لا يمكن التصرف فيه إلا في حالتين، ترتبط الأولى بحدوث إفلاس تام للبنك، وجب إنقاذه منه، إذ تستخدم جميع المبالغ المملوكة له، والثانية عند دخول البنك في عمليات استثمارية كبيرة، تلزم معها موافقة من قبل وزارة المالية وبنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات، وكذا أعضاء المجلس الإداري للبنك موافقة تامة. وفي محضر اجتماع رسمي، وهذا ما لم يحدث. هذه الاختلالات الخطيرة، أجلت فتح تحقيق مباشر في الموضوع، لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تقرر الجهات العليا فتحه بعد أن تبين تورط شخصيات بارزة في تبديد أموال المؤسسة العمومية، من قبيل مديره العام، الذي سيبادر إلى تقديم استقالته لوزير المالية بعد تقرير المفتشية العامة المالية. وهي الاستقالة التي تم رفضها في البداية لكون مدير البنك لم يقدم البيانات التي تبرئ ذمته. ستواصل استئنافية الرباط تحقيقها في هذه الفضيحة. وستستمع لقرابة مائة شخصية منها من تحملت مسؤوليات جد حساسة، كان من بينهم أفراد آخرين من عائلة المدير كزوجته وابنته، وابنه من أجل الاستماع لإفادتهم في الموضوع. بينما توزع باقي الشهود، بين أسماء رجال أعمال وهميين، استحدثوا شركات ومشاريع وهمية، حصلوا عبرها على قروض، قبل أن يختفوا عن الأنظار، ومجموعة أخرى من رجال أعمال معروفين، استفادوا من قروض البنك، وأعلنوا إفلاس شركاتهم. فيما يوجد متهم آخر ظل في حالة فرار، وهو رجل الأعمال عبد الحق بنسليمان، والذي اعتبرته التحقيقات القضائية شريكه الأساسي في كل العمليات بالنظر للدور الذي لعبه فيما آلت إليه أوضاع هذه المؤسسة. وكان يعتبر هذا الملف من مخلفات محكمة العدل الخاصة الملغاة سنة 2004، والذي توبع فيه كل من مدير عام للبنك في حالة سراح، بعد أدائه كفالة 3000.000 درهم، وشريكه المتابع في حالة فرار. حيث وجهت للمتهمين تهم اختلاس وتبديد أموال عامة، والمشاركة في ذلك، واستغلال النفوذ، طبقا لمقتضيات الفصول 241 و250، و129 من القانون الجنائي. وكانت الغرفة الجنائية الابتدائية قد قضت ببراءة المتهم الأول، بعد أن كانت غرفة المشورة قد أمرت بإلغاء قرار قاضي التحقيق بعدم الاختصاص النوعي بالنسبة للمتهم الثاني الموجود في حالة فرار، باعتبار أن الأفعال تكتسي صبغة مدنية صرفة، وعدم متابعة المتهم الأول المسؤول عن المؤسسة البنكية. وكانت المفتشية العامة التابعة لوزارة المالية قد أعدت في 2004 تقريرا على ضوء الافتحاص المجرى على مالية البنك، حيث لاحظت وجود اختلاسات مالية هامة نتيجة القيام بعمليات مشبوهة، وإسناد صفقات عمومية بأساليب مجانبة للقانون، ومنح قروض في غياب الضمانات الكفيلة لاسترجاعها، والتنازل عن قروض دون موافقة أعضاء المجلس الإداري للمؤسسة البنكية، مما كبدها خسارة 20 مليار سنتيم. وهي القضية التي انتهت بإدانة مدير البنك بأربع سنوات حبسا مع مصادرة ممتلكاته وإرجاع المبالغ المختلسة والمبددة، والتي حددتها المحكمة في 20 مليار سنتيم.
اختلاسات واختلالات كلفت المدير بنعلو خمس سنوات سجنا المكتب الوطني للمطارات انتهت قضية المكتب الوطني للمطارات، التي كشف عن تفاصيلها تقرير المجلس الأعلى للحسابات على عهد رئيسه أحمد الميداوي في 2008، وأحالها وزير العدل والحريات المصطفى الرميد على القضاء في 2012، بإدانة مدير المكتب عبد الحنين بنعلو، ومدير ديوانه أحمد برق الليل بخمس سنوات سجنا. حكم ستؤيده بعد ذلك الغرفة الثانية لمحكمة الاستئناف. وتفجرت القضية حينما وقف قضاء المجلس الأعلى للحسابات على جملة من التجاوزات والاختلالات التي عرفها تدبير ملف المكتب الوطني للمطارات بعد تعيين بنعلو على رأسه. وهي الاختلالات التي قيل إنها وصلت الملايين. اعتقل بنعلو, وقضى أكثر من ستة أشهر في التحقيق برفقة المتهمين الذين كانوا متابعين برفقته بتهم ستكيفها المحكمة بعد ذلك في اختلاس أموال عمومية، والمشاركة، واستغلال النفوذ، وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها. وهي التهم التي وقفت عليها غرفة الجنايات الإبتدائية المختصة في جرائم الأموال، وضمتها حوالي 1400 صفحة. والتي توبع بها كل من مدير ديوان عبد الحنين بنعلو، ومدير الصفقات العمومية، ورئيس قسم الموظفين، والكاتب العام بالمكتب الوطني للمطارات، ورئيس فرع التوظيف، ومستخدم في الشركة العامة للأشغال، التي كلفت ببناء المحطة رقم 2 بمطار محمد الخامس. بالإضافة إلى ثلاثة مدراء بالمكتب، والخازن المكلف بالأداء، فضلا عن أطر أخرى وأصحاب شركات ارتبطوا والمكتب بصفقات. لم تكن التهم التي قادت عبد الحنين بنعلو إلى السجن مرتبطة فقط بتلك الصفقات المشبوهة التي عرفتها عمليات تهم المكتب فقط، بل إنها تجاوزت ذلك لتضع اليد على قضايا على علاقة بالمؤسسات الاجتماعية الخاصة بشغيلة المكتب. فقد كشف إدريس الطلحاوي، وهو رئيس قسم الشؤون القانونية والممتلكات سابقا بالمكتب الوطني للمطارات عن فضيحة كبرى حينما قال، في رسالة مفتوحة نشرتها إحدى الصحف، إن عبد الحنين بنعلو، استولى، وهو وقتها مدير للمكتب الوطني للمطارات، على 10 بقع أرضية بإفران كانت مخصصة لبناء منتجعات سياحية يستفيد منها أطر ومستخدمو المكتب في إطار الأعمال الاجتماعية. وروى الطلحاوي، في رسالته التي نشرها في2012، تفاصيل عملية الاستيلاء. وقال إنه في الثمانينيات تم إبرام معاهدة بين المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء والتعمير الكائنة بمكناس، ومدير مكتب مطارات الدارالبيضاء، ومراقب المالية تنص على اقتناء 10 بقع أرضية من صنف فيلات ذات مساحة تتراوح بين 300 و700 متر مربع مخصصة لأطر ومستخدمي المكتب. وفي دجنبر 2002 كلفت الإدارة العامة الطلحاوي بتسوية العملية، إذ باشر عملية التوقيع على عقد البيع النهائي من طرف المدير العام للمكتب الوطني للمطارات آنذاك، وسجلها لدى المحافظة العقارية بإفران. غير أنه في غشت 2007، انتهزت المديرية العامة، فرصة حصول رئيس قسم الشؤون القانونية والممتلكات في المكتب الوطني، على عطلته السنوية، ليحرر عقد بيع بتاريخ 13/08/2007، ينص على أن المكتب الوطني للمطارات يبيع لعبد الحنين بنعلو، المدير العام، تلك البقع. فوقع الأخير وصادق على توقيعه مديرا عاما بوصفه بائعا ثم مشتريا في الوقت نفسه. وهي الفضيحة التي انضافت لبقية التهم التي وجهت لمدير المكتب الوطني التي يقضي عقوبة سجنية من خمس سنوات. لم يفوت عبد الحنين بنعلو، فرصة الدفاع عن نفسه بشأن هذه القضية وهو أمام قاضي التحقيق حينما قال إن عملية التفويت أوصى بها المجلس الإداري الذي أعطاه صلاحية مباشرتها, مؤكدا على أن المجلس الإداري، قبل انعقاده تنعقد لجنة تضم مديري المطارات ومديري وزارة النقل يرأسها الكاتب العام للوزارة، على عهد الاستقلالي كريم غلاب، وتعرض لجميع النقط التي يجب تدارسها بالمجلس الإداري. كما أن عقد البيع لم يتم، حسب بنعلو إلا في سنة 2008 ، مشيرا إلى أن ملكية تلك الفيلات النهائية لم تنتقل إلا بعد مصادقة المجلس الإداري للمكتب لكون التسجيل بالمحافظة العقارية لا يتم إلا إذا كان هناك محضر للمجلس. قبل أن يشير إلى أن قيامه بهذا الإجراء بإشارة من المجلس الإداري، كان لقطع الطريق مع التلاعبات التي كانت سائدة في السابق، حيث كانت بعض الأراضي تؤخذ دون أن يؤدى عنها أي مبلغ. كما تحدث المدير العام للمكتب الوطني للمطارات، وقتها عن الهدايا الفاخرة والثمينة التي تبلغ مئات الملايين، والتي كانت تتضمن ساعات يدوية ثمينة ومزهريات من الكريستال وغيرها. وهي الهدايا التي كان يقتنيها المكتب الوطني للمطارات ليتم تقديمها لبعض ولاة الملك والعمال وكذا لبعض رجال الأمن والدرك الملكي. وأن لائحة أسماء الشخصيات التي كانت تقدم لها هذه الهدايا التي تقدر قيمتها بمئات الملايين، موجودة لدى قاضي التحقيق، الذي لم يستمع إليها.
فضيحة بفصلين أحدهما مع الزاهيدي والثاني مع عليوة قضية القرض العقاري والسياحي من سوء حظ مؤسسة القرض العقاري والسياحي أنها عاشت في ظرف زمني قصير فضيحتين جعلتا منه واحدا من الملفات التي أثارت الكثير من القناش والجدل إلى درجة اختلطت السياسة بسوء تدبير المال العام. كانت الأولى مع مولاي الزين الزاهيدي في 2000 والثانية مع خالد عليوة، الذي جيء به لإصلاح ما أفسده سلفه قبل أن يكشف تقرير 2008 للمجلس الأعلى للحسابات عن اختلالات وأخطاء تدبيرية رمت بعليوة خلف القضبان، قبل أن يطلق سراحه في ظروف خاصة ويتابع اليوم في حالة سراح. لقد بلغت الاختلاسات المالية للقرض العقاري والسياحي على عهد مولاي الزين الزاهيدي 8 ملايير درهم. وحينما أحيل الملف على الغرفة الجنائية، منذ ما يزيد عن السنة، بعد إلغاء العمل بمحكمة العدل الخاصة، لم تتمكن الهيئة من البت فيه بسبب التأجيلات المتوالية التي عرفها نتيجة لتخلف الشهود عن الحضور، وفرار المتهمين الرئيسيين الذين اتخذت المحكمة في حقهم إجراءات قانونية صارمة لاستقدامهم ومثولهم أمامها. لذلك لم تصدر المحكمة حكمها إلا في 2009 حيث قضت بإدانة المتهمين في الملف بأحكام وصلت 10 سنوات في حق المتهم الرئيسي مولاي الزين الزاهيدي، قبل أن تضاعف هيئة الاستئناف حكمها على جميع المتهمين. وكان قد تفجر ملف " السياش" بعد التقرير الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق حول هذه المؤسسة، والذي تلي مضمونه في جلسة عمومية بمجلس النواب في 2001، حيث رصد عدة خروقات في منح القروض، منها إعطاء زبناء قروضا من دون أن يسددوا قروضا سابقة، أو دون تقرير الضمانات، أو دون تغطيتها بضمانات عينية كافية، أو قبل استيفاء كل الشروط المطلوبة من طرف لجنة القرض، أو استعملها الزبناء في غير الأغراض التي منحت لهم من أجلها. كما سجل التقرير أن بعض الشركات أو المجموعات حصلت على قروض وعمليات توطين رغم أنها لا تتوفر لديها الرغبة أو القدرة على تسديدها. وسجل مضمون التقرير أن منح إعفاءات استنادا إلى حق التصالح المخول إلى الرؤساء المديرين العامين، كانت تطغى عليه المحسوبية والزبونية والتسامحية، بلغة التقرير. وأن بعض التنازلات والإعفاءات تم التستر عليها في بعض الاتفاقيات المتعلقة بالحلول التفاوضية. وأضاف أن المديرين العامين قبل 1998، وزعوا أرباحا وهمية على المساهمين مع كل ما تنطوي عليه هذه العملية من المخاطر والعقوبات المترتبة عنها. كان لا بد، بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق، أن يفتح تحقيق قضائي شمل وقتها 35 مسؤولا. وتضمنت لائحة الشهود في هذا الملف مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون شركات استفادت من قروض لم تحترم فيها الشروط القانونية مثل مجموعة بلافريج للإنعاش العقاري، ومجموعة عبد الفتاح بركاش للاستثمار السياحي، ومجموعة بنكيران للانعاش العقاري. بالإضافة الى شركات أخرى كشف التحقيق عن استفادتها من قروض بطريقة غير قانونية والتي يتجاوز عددها العشرين. هذا بالاضافة الى 17 متهما آخرين من بينهم مديران عامان، ومديران مركزيان، ومديران جهويان، ومديرو وكالات، ومكلفون بالتقويم، وزبناء استفادوا من قروض بطرق غير سليمة، بتهم تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ. أسدل الستار على الفصل الأول من قضية القرض العقاري والسياحي على عهد الرئيس مولاي الزين الزاهيدي، بصدور الأحكام ابتدائيا في 2009 واستئنافيا في 2010. غير أنه وقبيل صدور الأحكام الاستئنافية، سيفجر المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لسنة 2008 فضيحة أخرى عن هذه المؤسسة وقد أضحت وقتها تحت مسؤولية خالد عليوة. الوزير السابق في حكومة التناوب بل والمقرب من الوزير الأول وقتها عبد الرحمان اليوسفي. فحينما توصل وزير العدل وقتها الناصيري بتقرير المجلس الأعلى للحسابات، أحاله في 2011 على القضاء للنظر فيه، قبل أن يحركه وزير العدل والحريات الحالي المصطفى الرميد في 2012 والذي انتهى باعتقال عليوة وإحالته على الوكيل العام للملك ليوضع تحت الحراسة النظرية. لقد حمل ملف خالد عليوة، من خلال ما قدمه المجلس الأعلى للحسابات، تهما كبيرة ارتبطت باختلالات في تسيير القرض العقاري والسياحي، والميزانيات المشبوهة المرتبطة بالوحدات الفندقية التابعة لهذه المؤسسة. بالإضافة إلى مشاكل واختلالات في إعادة تأهيل هذه المؤسسات الفندقية، ومنح امتيازات غير قانونية لصالح الرئيس السابق للمؤسسة وعدد من المسؤولين داخل البنك وبعض الأقارب. غير أن أبرز الاختلالات التي قادت عليوة الى السجن، هي التي تمثلت في قضية شقتي الكولونيل بدر الدين غجو، والتي تتلخص في كون المالك السابق للعقار قام بعدة أشغال بالشقة. وقامت بعد ذلك خبرة داخلية أمرت بها مصالح القرض العقاري والسياحي، وأنجزتها مصلحة التفتيش والتقويم، خلصت إلى أن القيمة الحقيقية للعقار المذكور هي حوالي 300 مليون سنتيم. التقدير المذكور الذي خلص إليه تقرير مصلحة التفتيش والتقويم بالقرض العقاري والسياحي. وحينما تقرر البيع بالمزاد حدد في 65 مليون سنتيم لشقة مساحتها 282 مترا مربعا توجد بشارع الراشدي بوسط العاصمة الاقتصادية. ثاني أهم الاختلالات، بدأت في شهر مارس 2006 حين اقتنى القرض العقاري والسياحي بواسطة المزاد العلني شقة بأحد الأحياء الراقية بوسط مدينة الدارالبيضاء ومساحتها 130 مترا مربعا، كانت معدة لممارسة مهنة حرة، حيث تمت العملية في إطار تحقيق الرهن بعد توقف صاحبها عن الأداء. المزاد الذي تم حول الشقة، انتهى لفائدة القرض العقاري والسياحي الذي رسا عليه بعد تقدمه بمبلغ يصل لحوالي 600 ألف درهم، حيث ظلت الشقة في ملكية القرض العقاري والسياحي، قبل أن يتقرر تفويتها في 2008 حيث إن سعر العقار وصل لمستويات قياسية، وفي حي غوتييه بالذات لن تجد شقة تباع بأقل من 15 ألف درهم للمتر المربع، وبالتالي فإن الشقة المذكورة، والتي تبلغ مساحتها 130 مترا مربعا كان ثمنها لايقل عن 200 مليون سنتيم. إذ تم تفويتها بمبلغ يقل بقليل عن 900 ألف درهم، أي سعر لايساوي نصف ثمنها الحقيقي. وضع عليوة تحت الحراسة النظرية بأمر من الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء في 2012. لكنه سيغادر أسوار السجن في 2013 بعد استفادته من رخصة اسثتنائية بسبب وفاة والدته. أما فضيحة القرض العقاري والسياحي في نسختها الثانية، فلا تزال تتأرجح بين ردهات محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء.
كيف يشتغل المجلس الأعلى للحسابات منحه الدستور سلطة مراقبة المالية العامة أولى دستور 2011 عناية خاصة لمؤسسة المجلس الأعلى للحسابات حيث حدد الباب العاشر دوره باعتباره الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة. أما الفصل 147 من هذا الباب، فقد تحدث عن مهامه واختصاصاته المتمثلة في تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية. ويتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة. زد على ذلك أن الدستور أناط بالمجلس مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية. مثلما أناط به مهمة تقديم المساعدة للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة. بالإضافة إلى دوره في تقديم الاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة. وفي مساعدته للهيآت القضائية وللحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون. كما يقوم المجلس بدور المراقبة بشأن الحسابات المالية للأحزاب السياسية، والتي هي مطالبة بإيداع حساباتها السنوية لدى المجلس في 31 مارس من كل سنة على أبعد تقدير مشهود بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين. وأن تثبت أن المبالغ التي حصلت عليها عن طريق الدعم العمومي، قد تم استعمالها في الغايات التي منحت من أجلها. وفيما يخص فحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف مساهمة الدولة في تغطية مصاريف تنظيم المؤتمرات الوطنية العادية للأحزاب السياسية، فإن هذه الأخيرة مطالبة بالإدلاء ببيان بالمصاريف التي تم إنفاقها بصورة فعلية لهذه الغاية مشهود بصحتها من طرف خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين. أما فيما يتعلق بفحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف مساهمة الدولة لتمويل الحملات الانتخابية، فإن الأحزاب التي استفادت من هذه المساهمة ملزمة بتوجيه المستندات المذكورة إلى المجلس داخل أجل لا يزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ صرف الشطر الثاني من المساهمة المشار إليها سلفا. وأن تثبت أن المبالغ التي حصلت عليها قد تم استعمالها في الآجال ووفق الشكليات المحددة بموجب نص تنظيمي للغايات التي منحت من أجلها. ويتولى المجلس بعد ذلك مهمة تدقيق الحسابات السنوية وفحص مستندات إثبات صرف المساهمات المذكورة. كما يقوم المجلس بنفس مهام المراقبة لمالية الجمعيات بناء على منشور رئيس الحكومة بشأن مراقبة المجلس الأعلى للحسابات لاستخدام الأموال العمومية، وفي إطار المساعدة المقدمة للحكومة طبقا للفصل 148 من الدستور، وكذا الاختصاصات المسندة إلى المجلس الأعلى للحسابات والمنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية. لذلك يقوم بمراسلة جميع الجمعيات بما في ذلك الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة البالغ عددها 214، التي تستفيد من الإعانات والمساعدات أو الأموال التي يتم جمعها عن طريق التماس الإحسان العمومي، قصد موافاته بالبيانات والمعلومات التفصيلية المتعلقة بوضعها المالي والمحاسبي خلال الفترة الممتدة من 2009 إلى 2014 في أفق إعداد تقرير شامل يشخص واقع تمويل الجمعيات بالمغرب. لقد حدد الظهير الشريف رقم 1.02.124، والصادر في 13 يونيو من سنة 2002، والمتعلق بمدونة المحاكم المالية، اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات، الذي يتولى ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية. وهو يتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصروفات الأجهزة الخاضعة لرقابته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية قيامها بتدبير شؤونها، ويعاقب عند الاقتضاء على كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة. كما نص الظهير على أن للمجلس الأعلى للحسابات مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية. كما أن المشرع لم يفرض على رئيس المجلس الأعلى للحسابات أن يقدم تقاريره وملفاته إلى السلطات الحكومية المختصة، بل نص على أنه يجوز فقط للرئيس الأول أن يقدم، في جميع القضايا التي تدخل في مجال اختصاصات المجلس، ملاحظاته واقتراحاته إلى السلطات الحكومية المختصة بواسطة مذكرات استعجالية، ويخبر بالإجراءات التي تتخذ في شأنها، وتدرج عند الاقتضاء، في تقارير المجلس. كما أن القانون نص على أنه يلزم الأشخاص الذين توجه إليهم المذكرات الاستعجالية بالإجابة عنها في أجل 60 يوما. وهو إجراء غير محترم في عدد كبير من الملفات التي وقف عندها المجلس الأعلى للحسابات، وتمت إحالتها على القضاء. لذلك يعلق الكثير من المتتبعين كيف أن تقاريرمجلس إدريس جطو التي وضعت أمام وزير العدل، قد لا تعرف طريقها إلى القضاء مثلما حدث مع عدد من التقارير الأخرى، مع استثناءات قليلة هي ما يسميه الغاضبون بالانتقائية في الإحالة. لقد حصر الدستور مهمة المجلس الأعلى للحسابات في مجرد وصف الاختلالات التي يرصدها، بعد مراقبة طرق وأوجه صرف المال العام، دون أن يربط ذلك بتحريك المتابعات القضائية في وجه من صدرت في حقهم تقارير عن سوء التدبير أو الاختلاس. وهي المهمة التي لا تزال بيد القضاء والنيابة العامة في شخص وزير العدل لكي يتم إضفاء الصبغة التنفيذية على تقارير المجلس الأعلى للحسابات. ومن تم فمسؤولية وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة، واردة في تفعيل مضامين التقارير الصادرة عن المجلس الذي يتكون من قضاة يمارسون مهاما قضائية. كما يتوفر المجلس الأعلى للحسابات، في تركيبته، على الوكيل العام للمجلس، المطالب هو الآخر بإحالة الملفات التي يتوفر عليها المجلس بشأن اختلالات في صرف المال العام على وزير العدل، لتحريك مسطرة المتابعة. مثلما تتوفر المجالس الجهوية للحسابات على وكيل للملك لدى المجلس الجهوي، ينتظر أن يعرض الملفات التي يتوفر عليها على الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات. ومن الإشكالات التي لا تزال تقف في وجه عمل المجلس الأعلى للحسابات، هو أن تقاريره التي يصدرها وتوضع نسخ منها أمام الملك وأمام وزير العدل والوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، تفتقر للوثائق والأدلة التي تثبت الاختلالات التي يرصدها التقرير الصادر عن المجلس. زد على ذلك أن وزارة العدل التي يمكنها أن تحرك مسطرة المتابعة في حق عدد من المسؤولين عن المؤسسات العمومية، بعد صدور تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وبناء على مضامينها، غير ملزمة بقوة القانون بتحريك المتابعة في حق كل مؤسسة تعرض لها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره. حيث يمكن لوزير العدل أن يحتمي بسلطته التقديرية في الإحالة. لذلك كثيرا ما توجه أصابع الاتهام لوزارة العدل لأنها تنتقي مؤسسات دون غيرها لإحالتها على أنظار القضاء.