في السنة الفارطة وجد رئيس مجلس المنافسة، عبد العالي بنعمور، نفسة خلال موعد سنوي تنظمه منظمة التعاون والتنمية الأوروبية وقد أنيطت به مهمة رئاسة لجنة للبلدان الصاعدة، لكن فجأة أدرك أن البلدان الإثنين والعشرين في تلك اللجنة تتوفر على مجالس منافسة متقدمة مقارنة بالمغرب، فهي تتمتع بصلاحية أخذ المبادرة من تلقاء نفسها للتحقيق والبحث وسلطة اتخاذ القرارات في النوازل التي تتعاطى معها وتتمتع بحق نشر ما تتوصل إليه من نتائج، بينما لا تتوفر هذه الشروط في المجلس الذي يتولى أمره في المغرب.. يحكي هذه الواقعة ويعلق « هذا محرج». يبدو بنعمور الذي قدم مجلس المنافسة بمقر الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالدار البيضاء أول أمس الثلاثاء، مصرا على المضي في سعيه في سبيل تجاوز هذا الوضع الذي لا يوجد له، حسب قوله، مثيل في تجارب مجالس المنافسة في العالم، فهو يعتبر أن المجلس في المغرب لا يتمتع بالاستقلالية، بالنظر إلى طبيعة تكوينه مادام يعرف غلبة عدد الأعضاء الذين يمثلون الإدارة، غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ لا يتجاوز في ما يصدر عنه الدور الاستشاري، حيث لا يتوفر على دور تقريري، ناهيك عن كون المجلس لا يمكنه أن يبادر إلى إطلاق تحقيقات فيما يشوب مبادىء المنافسة من اختلالات. يغلب على عمل المجلس في الوقت الحالي الطابع التحسيسي عبر سلسلة من اللقاءات التي نظمها في الشهور الأخيرة، بحيث إن التحسيس يمتد إلى محاولة تفادي تعارض تدخلات المجلس ومؤسسات من قبيل «الهاكا» والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات.. في نفس الوقت تمكن المجلس الذي تم تفعيله منذ غشت من السنة الفارطة من تلقي طلبات التحقيق في عشر ملفات، ستة منها لم يجر قبولها لتقديمها من قبل جهات لا يخول لها القانون ذلك، بينما قدم المجلس رأيه في ملفين ومازال البحث جاريا في ملفين آخرين. المجلس تولى إطلاق سبعة طلبات عروض لإنجاز دراسة حول التنافسية في سبع قطاعات بتمويل من الحكومة، حيث سيجري الاهتمام بقطاعات الخشب والإسمنت والهاتف النقال والأسواق الكبرى و الصناعات الصيدلية وزيوت المائدة .. لكن حتى لا يعتقد المستمع إليه أن الأمر يتعلق بتحقيق، يوضح بنعمور أن الأمر يتعلق بتشخيص للوضعية وإبداء الرأي. وهو يؤكد أن الاهتمام بتلك القطاعات لا يمليه شك في خلل في تنافسيتها، بل يحكمه هدف الإحاطة بها والتوفر عن صورة لها فقط. يضغط بنعمور من أجل تجاوز الوضع الحالي الذي يعاني منه المجلس، فهو يسعى إلى ضمان استقلاليته عبر تمثيلية رباعية تضم الخبراء والمجتمع المدني وممثلي الإدارة وممثلي عالم المال والأعمال، غير أنه يشدد على أنه من أجل ضمان استقلالية المجلس لا يجب أن يختص باتخاذ القرار سوى الرئيس والخبراء، كما في بلدان أخرى، في ذات الوقت يحرص بنعمور على الحصول على حق اتخاذ مبادرة البحث والتحقيق عندما يتجلى للمجلس أن ثمة إخلالا بقانون المنافسة، بل إنه لا يري ضيرا في لجوء المقاولات بشكل مباشر إلى طلب قيام المجلس بالبحث والتحقيق. وإذا كان بنعمور يشدد على هذا الأمر فلأن القانون يحد من تدخل المجلس، ما دام لا يتحرك لإبداء رأيه، إلا عندما تستشيره الحكومة في المسائل المتعلقة بالمنافسة أو اللجان الدائمة للبرلمان في مقترحات قوانين تتعلق بمسألة المنافسة أو مجالس الجهات أو المجموعات الحضرية وغرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية وغرف الصيد البحري والمنظمات النقابية و جمعيات المستهلكين و المحاكم المختصة، بحيث أنه لا يمكن للمجلس أن يبادر للتحقيق من تلقاء نفسه ولا يسمح للمقاولات بأن تلجأ إليه إلا عبر المنظمات المهنية التي تنتمي إليها. ويتجه تفكير بنعمور نحو المرور والارتقاء بالمجلس من الطابع الاستشاري إلى مستوى ما هو حاصل في بعض الفضاءات الأخرى، بحيث يتأتى له التقصي والمتابعة وترتيب عقوبات، في نفس الوقت الذي سيحاول الحصول للمجلس على صلاحية نشر التقارير التي ينجزها، إذ هو ممنوع اليوم من ذلك، مادام القانون يفرض عليه إحالتها على الوزير الأول الذي يتبع له المجلس الذي لا يتمتع بالاستقلالية المالية والمعنوية. دفعا للحرج بين نظرائه من رؤساء مجالس المنافسة في البلدان الأخرى وفي سبيل التصدي للتحديات التي سيطرحها انفتاح المغرب الذي سيبلغ ذروته بعد سنتين، يعتزم بنعمور طرح تعديلات لقانون المنافسة الحالي، وهو الأمر الذي يحظى بمباركة الوزير الأول والأطراف الأخرى المعنية، لكن رئيس مجلس المنافسة الذي يراهن على إدخال تلك التعديلات في نهاية السنة القادمة أومنتصف السنة القادمة، لا يغفل أن ثمة مقاومة لهذه الخطوة ممن يحتجون على ضرورة المرور من مرحلة انتقالية، وهي المرحلة التي يرد بنعمور بأنها طالت منذ عشر سنوات.