ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات مباريات في كرة القدم تحولت إلى ساحات للقتل!
حدثت في خريبكة والقنيطرة وتطوان والدار البيضاء
نشر في المساء يوم 22 - 03 - 2015

رغم أن الرياضة، وكرة القدم على الخصوص، وسيلة احتفاء وبهجة بما تقدمه الفرق على رقعة المستطيل الأخضر، وما أضحت تصنعه الجماهير من على المدرجات حيث اللافتات والشعارات والرسائل، التي يتحول بعضها إلى أبعد من الكرة والرياضة، إلا أن السنوات الأخيرة بدأت تنتج لنا ظواهر جديدة يسقط فيها قتلى ويصاب ضحايا. وترافقها اعتقالات. وهي ظواهر لا تعيشها ملاعبنا الكروية فقط، بل إنها أضحت عنوانا للرياضة في كل مكان. ولنا أن نستحضر ما عاشته مدينة الإسكندرية المصرية حيث سقط مئات القتلى في ملعب لكرة القدم. مع ما رافق هذا الحدث المأساوي من اعتقالات وما انتهى به الأمر من أحكام قضائية وصلت حد الإعدام.
إنه الوجه الآخر للعبة، حيث بدأنا، بعد كل موعد رياضي، ندخل في عملية إحصاء للضحايا من قتلى أحيانا، ومصابين، ومعتقلين أيضا.
فبالأمس القريب، قاد بعض المحسوبين على جمهور فريق الجيش الملكي مجزرة في حق قوات حفظ الأمن أثناء إجراء مباراة في كرة القدم. وبدلا من تنتهي المباراة بقراءة لمردودها التقني وعطاء لاعبيها، دخلنا في عملية إحصاء للذين أصيبوا واستقبلتهم المستعجلات. وللذين اقتيدوا بعد ذلك للمحكمة، التي أصدرت في حقهم أحكاما بالسجن.
أما حينما أنهى فريق الوداد الرياضي مباراته أمام فريق أولمبيك خريبكة وهو عائد بلقب فخري هو بطولة الخريف، أبى الشغب مرة أخرى إلا أن يصنع الحدث بدلا من أن يصنعه لقب الوداد، حينما تعرض بعض من جمهوره للرمي بالحجارة ما تسبب في عدة إصابات. كما انتهت المعركة، التي احتضنتها جماعة ثلاثاء الأولاد، أو «فيني» باعتقالات طالت جماهير من الوداد، وبعض شبان المنطقة.
لقد عشنا هذا السيناريو حينما اندلعت أحداث ما عرف بالخميس الأسود يوم خرجت جماهير الكرة لتعتدي على المارة بشارع محمد الخامس في قلب الدار البيضاء، وتكسر زجاج المحلات بعيدا عن ملعب المركب الرياضي بآلاف الأمتار. وبدا أن العملية كانت مدبرة، ولا علاقة للكرة بها. وهو نفس السيناريو تقريبا الذي عشناه مع أحداث ثلاث لولاد، حيث أجريت المباراة بخريبكة وانتهت متعادلة، وتبادل اللاعبون التحية فيما بينهم بروح رياضية عالية، لتندلع الأحداث بعد ذلك على بعد أكثر من ثلاثين كيلومترا عن خريبكة. وهو ما يعني أن العملية كانت هي الأخرى مدبرة، وأن أصحابها خططوا للأمر بما يلزم. والحصيلة، هي أننا عشنا ثانية سبتا أسود، بعد الخميس الأسود.
لكن لماذا لم نستفد مما حدث سواء في الدار البيضاء أو في الرباط لكي لا نكرر الخطأ مرة ثالثة في فيني؟ هل عجز قانون الشغب، الذي جاء خصيصا لكي يضع حدا لمثل هذه السلوكات، عن القيام بدوره الزجري، أم أن الكثير من فصول هذا القانون لا تزال غير مفعلة؟ ثم ألا يحتاج منا هذا السلوك، الذي تجاوز حدود مناوشات وتبادل سباب بين جمهور الفريقين المتنافسين، إلى ما يشبه الجريمة المنظمة التي فيها سبق إصرار وترصد، كما يقول رجال القانون، إلى إعادة نظر وتعديل والبحث عن صيغ أخرى تكون أنجع للحد من الظاهرة التي أضحت مخيفة. وهي الظاهرة التي لا بد من التأكيد على أن الرياضة، وكرة القدم خصوصا، هي أولى ضحاياها.
فلن نعدم غدا أن يقاطع الجمهور مباريات الكرة، لأنها أصبحت تترك خلفها قتلى ومصابين ومعتقلين. وقتها ستجد جامعة الكرة نفسها، إذا لم تدخل اليوم على الخط وتعتبر ما يحدث مضرا بمصالحها باعتبارها الجهاز الوصي على اللعبة، تشرف على منتوج لا يستهلكه أحد، ولا يتابع أخباره ومبارياته أحد.
الأكيد أن نسبة كبيرة من المراهقين، والذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والعشرين، هم من يشكلون جمهور الكرة. وهذه فئة لها خصوصيتها على مستوى تطلعاتها وانتظاراتها، وعلى مستوى تكوينها النفسي أيضا. لذلك وجب أن ندخل هذه المعطيات في الاعتبار ونحن نبحث عن الحلول الممكنة لإنقاذ لعبة كرة القدم من أن تتحول ملاعبها إلى فضاءات للجريمة المنظمة. والأمر يحتاج منا هنا لعلماء الاجتماع ورجال التربية. أما الاعتماد على الشق الزجري فقط، فلم يعط أكله في أكثر من مناسبة.
في هذا الخاص نستعيد حكايات شبان ورجال سقطوا قتلى بسبب مباراة في كرة القدم. وسواء أكانوا في مدرجات الملاعب حيث يمكن أن تندلع أحداث الشغب، أو خارجها فإن القتل طالهم.
نستعيد قصة الشاب حمزة البقالي، الذي جاء من مدينة مكناس ليتابع مباراة فريقه الوداد، ليعود إليها جثة هامدة.
ونستعيد حكاية الشاب يوسف المعطاوي، الذي أردته حجرة طائشة من مناصرين لفريق خصم، قتيلا. وحكاية رفيقه حمزة بوطيب، الذي حولته نفس الحجرة إلى أصم.
وحكاية قتلى فريق المغرب التطواني، الذين لم ينعموا بلقب فريقهم في أول بطولة احترافية فازت بها الحمامة البيضاء. وقتيل القنيطرة. ونكتشف كيف أن لكل فريق كروي قتيلا، بدلا من أن يكون له جمهور يسعد ويفرح ويبتهج. فاللعبة خلقت لتصنع الأفراح، لا المآتم والأحزان.
ضحايا ديربي الرجاء والوداد ..منهم المعطاوي وبوطيب والقدابي
انتظر الشاب يوسف المعطاوي، ذو السابعة عشر ربيعا، ساعة واحدة بعد انتهاء إحدى مباريات ديربي البيضاء، الذي يجمع الرجاء بالوداد، لكي يسقط قتيلا حينما تلقى حجرة أصابت رأسه رمى بها بعض أنصار فريق الوداد الرياضي حينما كانت إحدى حافلات النقل الحضري تقل مناصرين لفريق الرجاء الرياضي، عائدين من ملعب المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء.
لم يسقط الشاب المعطاوي، الذي كان يتابع دراسته بالثانوية الإعدادية ابن الهيثم، في محيط الملعب. بل إن الحجرة، التي ستنهي حياته، نزلت على الرأس والحافلة تقطع شارع الحزام الكبير بالمقاطعة 47 بقلب الدار البيضاء.
نقل الشاب المصاب رفقة عدد من زملائه إلى غرفة العناية المركزة للمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، حيث قضى هناك أسبوعا كاملا، قبل أن ينتقل إلى عفو الله.
تشرح أسرة الفقيد كيف أن يوسف أصيب في الدماغ حينما نزلت على رأسه تلك الحجرة الطائشة من مناصرين، قيل إنهم وداديون لاذوا بالفرار بعد الحادث.
وكانت الحافلة التي تحمل رقم 2 متجهة إلى حيث مقر سكنى يوسف المعطاوي وهو حي سيدي مومن. لذلك كان لا بد أن ينقل المصاب أولا إلى مستشفى محمد الخامس في الحي المحمدي، قبل تحويله بعد التشخيص الذي خضع له، إلى مستشفى ابن رشد، حيث ستجرى له عملية جراحية في الجمجمة. غير أن العملية الجراحية لم تخرجه من الغيبوبة. وظل على هذه الحال إلى أن وافته المنية، خصوصا وأن الإصابة تسببت له في رضوض قوية بعد تعرضه لتلك الضربة. فقد حطم الحجر زجاج نافذة الحافلة، ودمر جزءا من الجمجمة. وهو ما تسبب في عدة مضاعفات للجهاز العصبي.
لم يكن صديقه، وواحد من عشاق فريق الرجاء الرياضي أيضا، حمزة بوطيب الذي يصغره بسنتين، والذي تعرض هو الآخر لنفس الحجر الطائش بعد غارة شارع الحزام الكبير، بأحسن حال.
فإلاصابة التي تعرض لها بنفس الحجر على مستوى جمجمته لم تقتله، كما حدث مع الشاب يوسف المعطاوي، ولكنها أصابته بالصمم.
لقد تسببت الضربة القوية التي تلقاها حمزة بوطيب في الرأس في رضوض قوية بجمجمته أفقدته حاسة السمع. وبذلك فقد ظل هذا الفتى العاشق للعبة الكرة والذي كان يتابع دراسته في الصفوف الإعدادية غير قادر على العيش عيشة طبيعية، بعد أن تعذر عليه علاج هذا الداء لارتفاع الكلفة وهو القادم من حي فقير. داء تسببت فيه حجرة طائشة قيل إنها لمشجعين من فريق الوداد الرياضي، الذين خسر فريقهم مباراة الديربي أمام الرجاء.
أما ثالث ضحايا الديربي، فيعيش اليوم هو الآخر، بعاهة مستديمة حيث تعرض فكه للكسر حينما سقط من أعلى المنصة المغطاة بداخل ملعب المركب الرياضي محمد الخامس.
إنه الشاب عبد العالي القدابي، البالغ من العمر سبع عشرة سنة، والذي كان يسكن بحي سيدي عثمان حيث كان يتابع دراسته في معهد التأهيل المهني في الحي المحمدي. لكنه كان أيضا العاشق المتيم لفريق الوداد الرياضي. ومع ذلك لم يجد هذا الفتى الأذان الصاغية لقضيته على اعتبار أنه سقط بداخل فضاء ملعب لكرة القدم يفترض أن يكون خاضعا لتأمين كل الذين يلجونه.
لم تتحرك لا الوداد ولا جامعة الكرة لفتح تحقيق، وتحديد المسؤوليات فيما وقع بداخل ملعب لكرة القدم. واكتفى جمهور الفريق الأحمر برفع لافتة في إحدى المناسبات كتب عليها «الديربي مائة وحضاش.. والقدابي في الإنعاش».
لقد شكلت مباراة الديربي البيضاوي، التي تجمع بين الإخوة الأعداء الرجاء والوداد، دوما مباراة استثنائية بالنظر للحضور الجماهيري الكبير الذي يتابعها. وبالنظر لقيمة النتيجة التي يحققها هذا الفريق أو ذاك، إلى درجة أنها نتيجة قد تفوق أحيانا في رمزيتها، الفوز باللقب.
غير أن هذا الاستثناء تحول في السنوات الأخيرة إلى مواجهة بين جمهور الفريقين تستعمل فيها كل الأدوات. لذلك بدأنا بعد كل مباراة ديربي نتحدث عما يمكن أن تخلفه هذه المباراة، ليس على مستوى عطائها التقني أو أهدافها التي سجلت، أو نتيجتها، ولكن على مستوى عدد حافلات النقل الحضري التي تكسر زجاجها، وعدد سيارات الخواص التي تعرضت للتخريب، وعدد المصابين والجرحى من مواجهات قد تندلع بين مناصري هذا الفريق أو ذاك. ويعيش رجال الأمن في هذه المحطة استنفارا كبيرا لتوفير الحماية للذين يلجون الملعب، وللذين يوجدون في الطرقات المؤدية إليه. لذلك تسجل الإحصائيات كيف أن قتلى الكرة وجرحاها وضحاياها، كثيرا ما سقطوا بعد كل مباراة من مباريات ديربي البيضاء.
قتيل خريبكة.. تجاوز الستين من عمره ولا علاقة له بالكرة
لم يكن السيد محمد نصيبي، البالغ من العمر 64 سنة، والذي كان أبا لطفل، يعتقد أنه سيلقى حتفه بمناسبة مباراة في كرة القدم كانت قد جمعت بين فريقي الرجاء الرياضي وأولمبيك خريبكة، التي قدم إليها من مدينة أولاد تايمة بالجنور المغربي.
لم يكن القتيل حاضرا بملعب المباراة، ولا هو عاشق للعبة كرة القدم التي تأسر العقول، ولكنه جاء إلى مدينة الفوسفاط لزيارة بعض أقاربه، وحينما كان يهم بركوب سيارة أجرة صغيرة من وسط المدينة، كانت جماهير الفريقين تستعد للمواجهة بعيدا عن ملعب المباراة.
وعلى ناصية الطريق حيث كان القتيل واقفا رفقة زوجته، سيتلقى قذيفة هي عبارة عن أحد الشهب الاصطناعية يستعملها جمهور الكرة للاحتفال في المدرجات، يبدو أن القاتل، الذي اعتقلته سلطات المدينة، احتفظ بها في جيبه للطوارئ. والطوارئ هي أنه قذف بها حينما اشتدت المواجهة بين جمهور الأولمبيك وجمهور الرجاء، الذي كان في طريق عودته إلى مدينة الدار البيضاء عبر سيارات نقل البضائع، والتي أصبحت تستعمل في نقل جمهور الكرة.
أصيب السيد نصيبي في عنقه، الذي اخترقته القذيفة، وهو ما تسبب له في نزيف دموي عجل بموته، خصوصا أن سيارة الإسعاف تأخرت كثيرا في الوصول. كما أن المارة اكتفوا بتصوير الضحية بواسطة أجهزة الهاتف بدلا من إشعار رجال الإسعاف، فما كان من أحد المارين إلا أن تطوع لنقل الضحية إلى مستشفى الحسن الثاني حيث لفظ أنفاسه على مقربة من باب المستشفى.
بكت زوجة الضحية، وصرخت بأعلى صوتها، وهي تعاتب وتلوم جمهور الكرة المشاغب، الذي تسبب في وفاة معيلها الوحيد. واكتفى فريق أولمبيك خريبكة بمبادرة يشكر عليها، حينما خصص مداخيل مباراته أمام الدفاع الحسني الجديدي برسم الجولة الرابعة والعشرين، والتي تمت برمجتها، أمس الجمعة بداية من الساعة السابعة مساء، على أرضية ملعب الفوسفاط، لأسرة الفقيد، الذي توفي عقب أحداث الشغب التي شهدتها المدينة.
لقد دعت إدارة الفريق جميع الفعاليات الخريبكية، من أعضاء المكتب المسير، ومنخرطين ومستشهرين إلى تأدية ثمن التذكرة للمساهمة في إنجاح هذه المبادرة التي تنم عن روح التآزر بين جميع مكونات الأولمبيك.
ومرة أخرى، يتسبب شغب الملاعب في سقوط قتيل. فبعد أن اندلعت مشادات بين جمهور الرجاء البيضاوي، الذي كان ينتشي بانتصار فريقه في الوقت بدل الضائع بهدف سجله المدافع جبيرة، في ملتقى شارع مولاي يوسف بقلب خريبكة، ستندلع شرارة القذف بالحجارة من قبل جمهور الخريبكيين. إلا أن الرد كان غير منتظر، حيث استعملت الجماهير الرجاوية الشهب الحارقة، وهو ما أدى إلى مقتل ذلك المواطن البريء.
وتداولت العديد من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة أشرطة توثق لحالة احتضار الضحية، الذي كان يتدور ألما بالشارع العام وسط صراخ زوجته، دون تدخل أي جهة كانت لتقديم المساعدة اللازمة في مثل هذه الحالة، نظرا لصعوبة ولوج الشارع الذي كانت قد احتلته أحداث الشغب. وتساءل الكثيرون عن مصادر هذا النوع من القذائف الحارقة والخطيرة، وكيف تم اقتناؤها، بل كيف يتم حملها إلى ملاعب الكرة لتصبح أداة لقتل الأبرياء؟
هي صورة أخرى من صور القتل الذي تتسبب فيه ملاعب الكرة، على الرغم من أن الكرة أصبحت هي الأخرى ضحية جمهورها، الذي قد يدخلنا في حرب أهلية بين من يناصر هذا الفريق أو ذاك، إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من شغب الملاعب، الذي نكتشف، بعد كل نهاية أسبوع، مظهرا من مظاهره.
حمزة البقالي .. القادم من مكناس ليموت في الدار البيضاء حبا في الوداد
حينما كانت والدة الراحل حمزة البقالي تبكي فلذة كبدها، وتصرخ بأعلى صوتها احتجاجا على وفاة الابن، الطالب الجامعي، كانت بذلك تدق ناقوس الخطر حول ما يتهدد الكثير من أمثال حمزة، الذين تستهويهم أجواء المدرجات، ويموتون حبا في هذا الفريق أو ذاك.
وحينما لم تجد والدة البقالي آذانا صاغية لصوتها المبحوح، فهمت أن حمزة قد يكون بداية لسقوط أعداد أخرى من عشاق الكرة ضحايا لهذه اللعبة هنا وهناك. لذلك لم يستوعب كل المتدخلين في لعبة كرة القدم الدرس جيدا، وتركوا هذه الجماهير إلى حالها حيث سقطت بعد البقالي وقبله أعداد أخرى من ضحايا الكرة.
لقد تعرض حمزة البقالي، وهو يتابع مباراة فريقه المفضل الوداد الرياضي في مواجهة فريق الجيش الملكي، قادما من العاصمة الإسماعيلية مكناس، لإصابة في الرأس بعد رشقه بحجارة، إثر أعمال الشغب التي شهدتها مدرجات ملعب محمد الخامس. وحينما تم نقله بواسطة سيارة الإسعاف إلى المستشفى، الذي كان قد استقبل أعدادا كبيرة من المصابين، سيتم الترخيص للشاب حمزة بالمغادرة دون إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من عدم تعرضه لأي مضاعفات. وهو ما ستعتبره والدته السيدة سلوى البقالي خطأ جسيما من المستشفى. وتحمل بعد ذلك إدارة المستشفى مسؤولية وفاة ابنها، الذي كان قد استقل القطار المتوجه إلى مكناس، قبل أن يداهمه الموت حينما اشتدت عليه مضاعفات الإصابة التي تعرض لها في الرأس.
كان لا بد أن تأخذ قضية الشاب حمزة البقالي بعدا حقوقيا، ليس فقط لأنه تعرض لإصابة في الرأس بداخل ملعب لكرة القدم، أدى ثمن تذكرة ولوجه، وهو ما يطرح إشكالية تأمين المشجعين الرياضيين، ولكن لأن أسرة البقالي حملت مسؤولية الوفاة لإدارة مستشفى 20 غشت بالدار البيضاء. لذلك عقدت السيدة سلوى البقالي، أسابيع بعد الوفاة، بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط ندوة صحافية أكدت خلالها أن ظروف وفاة ابنها حمزة، لا تزال غامضة. وأن حمزة توفي نتيجة الإهمال. وأنه كان يمكن أن يظل حيا يرزق لو أنه خضع للفحوصات الطبية اللازمة والتي كان يمكن أن تكشف عن النزيف الداخلي الذي كان يعاني منه لشدة الإصابة.
فبعد أن تم نقله إلى مستشفى 20 غشت في حالة إغماء، ستكون المفاجأة أن إدارة المستشفى سترفض استقباله. لذلك اضطر لركوِب القطار. لكنه لم يستطع الوصول إلى مدينته مكناس، لينقل، بعد توقف سيدي قاسم، إلى المستشفى الإقليمي للمدينة، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك، متأثرا بنزيف داخلي. وأكدت والدة حمزة في نفس الندوة الصحافية، أنها تتوفر على شهادة موثقة تفيد بأن الضحية أهمِل في مستشفى 20 غشت بالدار البيضاء. كما تفيد الشهادة بأن الضحية تعرضَ، أيضا، حسب والدته، لعنف من طرف رجال الأمن. قبل أن تخلص السيدة سلوى البقالي إلى ضرورة فتح تحقيق في هذا الحادث الذي تسببت فيه مباراة في كرة القدم، وساهم فيه إهمال إدارة مستشفى عمومي رفضت تقديم الإسعافات للشاب حمزة، الذي كان ينزف داخليا جراء الإصابة التي تعرض لها في الرأس.
بكى الوداديون وغير الوداديين الشاب حمزة البقالي. ووقف اللاعبون قبل خوض إحدى مبارياتهم دقيقة صمت ترحما على روح طالب جامعي يعشق الوداد وجاء لمتابعة مباراتها وهي تستقبل فريق الجيش الملكي من مدينة مكناس، قبل أن تداهمه حجرة لم تكن طائشة ولكنها كانت مصوبة بدقة حينما اندلعت أحداث الشغب بملعب المركب الرياضي محمد الخامس بين جماهير الوداد وأخرى كانت ترافق فريق الجيش الملكي.
لكن درس حمزة البقالي لم يكن كافيا. فقد عشنا بعد مقتل حمزة أحداثا شغب أخرى وبعناوين مختلفة تجتمع كلها حول لعبة كرة القدم، التي أضحت هي الأخرى ضحية من ضحايا شغب الملاعب.
قتلى المغرب التطواني .. شباب لم يفرحوا بتتويج فريقهم بأول لقب لبطولة احترافية
لم تفرح جماهير المغرب التطواني بتتويج فريقها الذي يطلق عليه لقب «الحمامة البيضاء»، بأول لقب في مشوار البطولة الاحترافية لكرة القدم، والتي قطعت اليوم موسمها الرابع. فعلى الرغم من أنها عادت من العاصمة الرباط بدرع البطولة، على حساب خصمها فريق الفتح الرياضي، إلا أن خبر سقوط ثلاثة من عناصر الجمهور التطواني قتلى وهم في الطريق إلى العاصمة، أفسد على النادي فرحته. أولئك الذين لقوا حتفهم وهم في الطريق إلى العاصمة الرباط لمتابعة مباراة الموسم. واكتفى الحاضرون بملعب المركب الرياضي مولاي عبد الله بقراءة الفاتحة ترحما على أرواحهم.
لم يسقط هؤلاء الثلاثة في أحداث شغب اندلعت في المدرجات. لكنهم سقطوا وهم في الطريق إلى الرباط.
يقول محضر حادثة السير التي أودت بحياة كل من الطالب الجامعي أنس الحكيم، وأيوب الرياضي، وحمزة التعواطي، إن الحادثة وقعت بالقرب من الجماعة القروية أربعاء عياشة التابعة لإقليم العرائش، على الطريق الجهوية رقم 417، والرابطة بين مدينتي العرائش وتطوان. أما سبب الحادثة، حسب المحضر الذي أنجزه الدرك الملكي، فلأن سائق سيارة خفيفة، قام بتجاوز مَعيب لحافلة، قبل أن يجد نفسه مجبرا على الانحراف نحو اليمين لدخول أحد المنعطفات٬ بينما حاول سائق الحافلة تفادي الاصطدام، قبل أن تسقط السيارة والحافلة معا في أحد المنحدرات.
لقد سقط ثلاثة قتلى. فيما أصيب أزيد من 25 من ركاب الحافلة بجروح خطيرة، بعد اصطدام الحافلة الصغيرة التي كانت تقل 25 مشجعا، بسيارة خفيفة كانت هي الأخرى تقل 5 مشجعين، وهم في الطريق إلى الرباط لمتابعة مباراة فريقهم المغرب التطواني ضد الفتح الرباطي برسم الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية، والتي كانت نتيجتها ستحدد بطل الدوري.
نفس هذه الأجواء التي عاشتها مدينة تطوان حزنا على قتلاها وهم في الطريق إلى العاصمة الرباط، عاشتها مدينة القنيطرة وهي تودع واحدا من مشجعيها، وأحد عناصر «اولترا حلالة بويز»، مروان ملعقة البالغ من العمر قيد حياته سبع عشرة سنة.
لقد سقط مروان قتيلا وهو في الطريق إلى مدينة الدار البيضاء لمتابعة مباراة فريقه وهو ينزل ضيفا على فريق الوداد الرياضي.
ففي منعرج وادي عكراش، في الطريق ما بين القنيطرة والرباط، ستصطدم سيارة نقل بضائع، كانت تحمل عددا كبيرا من مشجعي الفريق القنيطري، وأغلبهم من القاصرين، الذين كانوا في الطريق إلى مدينة الدار البيضاء لمتابعة مباراة في كرة القدم، بشاحنة. والحصيلة هي موت مروان، وإصابة حوالي 20 شخصا، تفاوتت خطورة إصاباتهم بعد نقلهم إلى مستشفيات الرباط وسلا والقنيطرة.
جرت المباراة في أجواء حزينة. ولم تجد الجماهير الحاضرة إلى ملعب المركب الرياضي محمد الخامس، إلا أن تقرأ الفاتحة ترحما على فقيد جماهير القنيطرة. والتي ستخصص له بعد ذلك، جنازة مهيبة حضرتها جماهير «حلالة بويز»، وشارك فيها مسيرو النادي القنيطري ولاعبوه. قبل أن يتقرر تخصيص جزء من مداخيل إحدى المباريات لعائلة الشاب مروان.
هكذا نكتشف كيف أن ضحايا الكرة قد يسقطون في مدرجات الملاعب بسبب حالات الشغب حينما تندلع المواجهات بين جمهور الفريقين المتنافسين، وقد يسقطون وهم في الطريق إلى الملاعب في حوادث سير مميتة، خصوصا وأن ظروف تنقل عدد كبير من جماهير الكرة لا تحترم السلامة من خلال الاعتماد على الشاحنات وسيارات نقل البضائع بدلا من الاعتماد على حافلات النقل العمومي. لذلك فالمعركة القادمة للحد من ضحايا الكرة وقتلاها، هي مراقبة الطرقات ومنع استعمال الشاحنات وسيارات نقل البضائع لتنقل الجماهير الرياضية حماية لأرواحهم.
هكذا أصبح شغب الملاعب طريقا سالكا للقتل
يصنعه القفز على قانون الشغب وهجوم القاصرين وثقافة الألترات وظروف الاستقبال
شكلت أحداث الشغب التي عرفها ملعب الفتح بالعاصمة الرباط، والتي وصلت حد الاعتداء على رجال الأمن واقتحام أرضية الملعب، العنوان الأبرز في كل الأحداث الرياضية التي عشناها منذ بداية الموسم الكروي.
لقد كانت فصلا آخر من فصول شغب الملاعب، بعد الذي عشناه في أكثر من مناسبة لعل أبرزها هو ما حدث في مركب الوداد الرياضي من أحداث عنف، لا يمكن إلا أن نعتبرها إرهابا بكل معاني الكلمة، يعيدنا إلى الوراء لكي نطرح السؤال كيف وصلنا إلى هذا الحد من الإجرام المنظم.
يقال إن الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، هي التي وفرت لمثل هذه السلوكات الأرضية لكي تنتعش وتتقوى. في الوقت الذي يقول فيه المنطق إن الرياضة هي واحدة من ضحايا هذا العنف الممارس باسمها. لذلك علينا أن نقرأ ما يحدث قراءة سوسيولوجية أعمق من مجرد الحديث عن الشغب في ملاعب الكرة.
إن ما حدث في ملعب الفتح بالرباط يقول لنا اليوم إن ظواهر العنف موجودة في المجتمع لأسباب يختلط فيها الذاتي بالموضوعي. ومعالجة الظاهرة، وليس فقط محاربتها، تحتاج لانخراط الجميع من أسر وجمعيات وسلطات عليها أن تفهم أن الحلول توجد في علاقة جدلية بالأسباب.
إن ما حدث يعطي الدليل على أن الشغب، أو لنقل هذا الإرهاب الذي ارتبط خطأ بالرياضة، في خط تصاعدي رهيب. فبعد أن عشنا مع شغب فيه تنابز وسباب بين جمهور الفريقين المتباريين. وهو السباب الذي قد يمتد في بعض الأحيان إلى تبادل الضرب والجرح بينهما. كان الخميس الأسود قد أدخلنا في دوامة رهيبة حينما اعتدى جمهور، يقال إنه من المحسوبين على فريق الجيش الملكي، على سكان الدار البيضاء في مناسبة كانت هي مباراة في كرة القدم جمعت يومها فريق الجيش بفريق الرجاء البيضاوي.
وعلى الرغم من الاعتقالات التي طالت المتهمين، إلا أن التدخلات والاستعطافات التي قادتها أسر المعتقلين، لم تساعد على تجفيف منابع هذا السلوك، الذي اعتبر وقتها دخيلا على كرة القدم والرياضة المغربية عموما.
منطق الكرة يفرض أن تنتهي المنافسة، أي منافسة بانتصار فريق وهزيمة الآخر. لذلك لا يمكن أن تحلم كل الفرق المتبارية بالتتويج باللقب. ثمة فريق سيتوج بطلا، وفريقان سيغادران القسم الأول، ومثلهما سيلتحقان من القسم الثاني. هكذا هي لعبة كرة القدم، كما كل الرياضات الأخرى، التي لا بد لنا فيها من منتصر ومنهزم.
نعتقد أنه لا يزال الوقت مناسبا للقطع مع هذه الظاهرة التي هي في بدايتها، رغم أننا نكتشف كيف أن خطها في تصاعد مثير وغريب، لكي لا نصل إلى ما وصل إليه آخرون. ولنا فيما حدث بين جمهور فرق الكرة المصرية خير نموذج وعبرة لمن يعتبر.
أما للبحث عن الحلول، فالضرورة تفرض البحث عن الأسباب التي تحرك فئات تدعي حبها للفريق، أي فريق، لتمارس شغبا باسم الرياضة.
لا بد من الاعتراف أولا أن اقتحام ثقافة «الالترات» ملاعب الكرة كان واحدا من بين أسباب أخرى ساهمت في تنامي الشغب في الملاعب.
لقد ولدت هذه الثقافة في ملاعب أوروبا لكي تجعل من الجمهور فاعلا أساسيا في المدرجات من خلال اللافتات التي يتم رفعها، والشعارات التي يتم إعدادها لكل مبارة على حدة. وهي خطوة كشفت عن جملة من الصور الجميلة في الملاعب، خصوصا قبيل انطلاق أشواط المباراة فيما يمكن أن نصفه بالتنشيط الأولي.
غير أن هذه الثقافة، التي لا تعترف بالتنظيم ولا تؤمن بالتسيير، سرعان ما حولها البعض إلى وسيلة لممارسة العنف والشغب في المدرجات، ونشر الخوف والهلع بين جماهير الكرة، بدلا من نشر الفرجة والفرحة في محفل كروي يعج بالأسر.
في المغرب، انتقلت الظاهرة من رفع الشعارات ورسم «التيفوات»، إلى التخطيط للاعتداء على جمهور الفريق الآخر بطرق منظمة. والحصيلة هي هؤلاء الضحايا الذين سقطوا في المدرجات بضربة طائشة من جمهور ظل يترك المباراة وأهدافها ومراوغات اللاعبين خلف ظهره لكي يتفرغ للضرب والتنكيل. لذلك يفترض في الجهات التي يجب أن تنظر في هذا الأمر، أن تفتح سيرة هذه «الالترات» وتفكك خلاياها النائمة.
أما ثاني الأسباب فلا يمكن الحديث عنها دون التذكير بقانون الشغب المعطل. فمن سوء حظ الرياضة المغربية، وكرة القدم على الخصوص، هو أننا لا ننتبه للكثير من بؤرها السوداء إلا حينما نقع في المحظور. ومع ظاهرة الشغب، التي أضحت تتنامى يوما بعد يوم، نجحنا في وضع قانون لشغب الملاعب. لكنه يظل مع ذلك قانونا معطلا.
المثير في قانون الشغب هذا، هو أن استعمال كلمات نابية أو الشتم والسب في المدرجات، يعرض صاحبه للعقوبة. أما أن يصل الأمر إلى الاعتداء والضرب والتنكيل، فتلك حكاية أخرى. لذلك لا بد أن نطرح السؤال كم من ملف حركته السلطات حول هؤلاء الذين يمارسون بعد كل مباراة شغبهم سواء وهم في المدرجات أو بعد أن يغادروا خارج أسوار الملعب. ولنا في حكايات ملعب المركب الرياضي محمد الخامس خير نموذج. فبعد كل مباراة نعود في الغد لكي نحصي عدد السيارات الخاصة التي تم تكسيرها، وعدد الحافلات التي خربت، دون أن يتوقف النزيف. نزيف يحتاج لشجاعة أدبية كبيرة لكي يفعل قانون الشغب ويطبق على الجميع. فما حدث مع معتقلي الخميس الأسود، طرح أمام الجميع سؤالا مستفزا، كيف تم التعامل مع تلك الفئة بأساليب خاصة، رغم أنها فئة نشرت الرعب ليس فقط في ملعب الكرة، ولكن في شوارع مدينة الدار البيضاء؟.
وفي نفس هذا القانون، الذي يتناول الشغب ويضع لمحاربته فصولا وإجراءات، توجد فقرة كبيرة اسمها منع ولوج القاصرين إلى أرضية ملاعب الكرة والرياضة عموما.
يمنع القانون على كل قاصر أن يلج ملعبا رياضيا إلا إذا كان مرفوقا بولي أمره.
هذه هي فقرات القانون. لكن الواقع شيء آخر.
اليوم وفي كل الملاعب الرياضية، يشكل القاصرون نسبة تتجاوز نصف الجمهور الحاضر. وهي فئة تعتقد أن ما تقوم به سواء، وهي ترشق رجال الأمن أو تتعارك مع جمهور الفريق المنافس، هو مجرد لهو ولعب وتسلية رغم خطورته. لذلك فالحلول مرتبطة بالأسباب. والأسباب هي أننا نخرق القانون أمام أبواب الملاعب. ونسمح للقاصرين بالولوج، فقط لأن المسيرين يبحثون عن الرفع من مداخيلهم، ولا تعنيهم أرواح المواطنين.
لقد عشنا مباشرة بعد وفاة أحد المشجعين كيف شمرت السلطات عن سواعد الجد ونجحت في منع القاصرين من ولوج الملاعب. وكيف أن المدرجات بدت شبه فارغة. وهو ما يعني أن القاصرين هم من يشكل النسبة الكبيرة في جمهور الكرة. لكنها نسبة تساق من قبل «المؤطرين» للقيام بالأسوأ.
غير أنه بجانب هذه الأسباب، لا بد من الاعتراف أن الوضع الذي توجد عليه جل الملاعب التي تحتضن مباريات الكرة اليوم تفتقد للكثير من المواصفات التي تجعل منها فضاء صالحا لاستقبال آلاف المشجعين.
ودون استثناء، لا وجود لصنابير الماء بداخل ملاعب الكرة. أما دورات المياه والمراحيض، فشبه منعدمة في هذه الملاعب. ناهيك عن الظروف التي يلج فيها المشجعون حيث التدافع واجتهادات بعض رجال الأمن في الضرب والتنكيل ببعضهم.
كل هذه الاجواء قد تكون عاملا مساعدا لكي يترجم الغضب إلى عنف.
زد على ذلك أن فتح أبواب الملاعب في ساعة مبكرة عن موعد اللقاء، يحول المدرجات إلى فضاء تستباح فيه كل الأشياء. ولنا أن تصور مشجعين قضوا أكثر من خمس ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة في انتظار موعد المباراة، ما الذي يمكن أن يصدر عنهم من حالات غضب تفجر في هذا الشغب، سواء ذلك التي يمارس بداخل المدرجات، أو خارج أسوار الملعب. لذلك لا بد من إعادة النظر في هذه الصيغة التي تعني موعد فتح أبواب الملاعب.
غير أن لمكونات اللعبة من لاعبين ومسيرين ومدربين، هم أيضا مسؤولية فيما يقع. فكثيرا ما شكلت حركة لا رياضية، سواء من لاعب أو مدرب، بداية الشرارة الأولى لحالات شغب عاشتها ملاعبنا الرياضية.
كما يمكن لبعض القرارات التي يتخذها بعض الحكام أن تكون سببا مباشرا فيما يحدث. لذلك يفترض في اللاعب أو المدرب أو الحكم، باعتباهم صناع الفرجة على رقعة المستطيل الأخضر، أن ينتبهوا لهذا الأمر ويؤجلوا غضبهم أمام الجماهير التي يمكن أن تستثمره لإطلاق شغب قد يأتي على الأخضر واليابس.
اللاعب والمدرب والحكم هم الذين يستقطبون الجماهير إلى الملاعب. وهم الذين يجب أن يساهموا في حماية اللعبة من هذا الشغب بدلا من أن يكونوا أدوات له. لذلك فعلى جامعة الكرة أن تولي هذا الأمر عناية كبيرة من خلال إنزال العقوبات الصارمة في حق لاعب استفز الجمهور، أو مدرب قام بحركة احتجاج قد تؤجج الغضب، أو في حق حكم تعمد أن يرتكب خطأ قاتلا حرك المدرجات.
أسباب مجتمعة هي التي قادتنا اليوم لإحصاء عدد قتلى وضحايا الكرة، الرياضة الأكثر شعبية في العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.