قبل البدء لم يكن مدمنا لا على حبوب الهلوسة ولا على باقي أنواع المخدرات التي أهلكت العديد من فتيان وشبان هذا الوطن ، أغوته كرة القدم فأسقطته في غرام الوداد البيضاوي ، هذا الغرام دفعه للانتقال من مدينة مكناس إلى مدينة الدارالبيضاء لمتابعة لقاء فريقه المحبوب بفريق العاصمة الرباط ، لم يكن يدري أن حبه سيقتله ، ولم يكن يدري أنه سيتحول بين ليلة وضحاها من شاب طموح مجد في دراسته ومحبوب من قبل عائلته ومعارفه إلى ضحية شغب ملاعب تكاثر في زمن الخيبات والنكبات المتتالية لكرة القدم . إلى أسرة وعائلة ومحبي هذا " العاشق المغدور " نقدم أحر التعازي ونسأل الله عز وجل له الرحمة والمغفرة ولأهله الصبر والسلوان ... وإنا لله وإنا إليه راجعون . أما بعد : الكل تتبع بمرارة وكآبة وحزن وتحسر أطوار المباراة التي جمعت بين فريقي الوداد البيضاوي والجيش الملكي يوم السبت المنصرم ، والكل علم بالنتيجة النهائية التي أسفرت عنها هذه المقابلة " الدموية " . والنتيجة بطبيعة الحال لم يكن ينقصها إلا الكم في القتلى لتعيد إلى العالم مجزرة " بورسعيد الكروية " بنكهة مغربية ،فالملعب الذي احتضن المباراة خرب بأكمله ، وسيارات الإسعاف أحرقت ، والحواجز حطمت ، والأذرع والأرجل والأيادي والجماجم كسرت ، والخوف من الأمن بشتى تلاوينه انتفى ، وما لم يخطر على بال أحد وقع ، و" حمزة البقالي" قتل غدرا ، فقتلت معه متعة الفرجة في بطولة قالوا عنها احترافية فأبت جماهيرها " الصبيانية " إلا أن تثبت أنها أضحت كذلك ، وما ظاهرة الشغب التي باتت تغزو الملاعب الوطنية إلا خير دليل على ذلك ... وعن احترافنا إن سألوك فحدث ولا حرج !!! كل الصور والفيديوهات التي نشرت عن الوقائع التي سبقت مباراة الجيش والوداد تثبت أن أجهزة الأمن كانت ترافق جمهور الجيش الذي نظم ما يعرف عند مجموعات التشجيع "الإلترات" ب "الكورطيج" الذي يعني تنظيم مسيرة للجمهور الضيف في مدينة الفريق المضيف ، وكل من تمعن في تلك الصور والفيديوهات سيجد أن هذا الجمهور الذي طغى على تشكيلته " القاصرون " كان يستفز " البيضاويين " بكلماته النابية وبحركاته وتصرفاته اللاأخلاقية ، وكان عازما على ارتكاب جرائم على أرض الملعب بدليل السبق والترصد المرفوع والمسموع في شعارات " عنصرية " وأخرى يستحي اللسان من وصفها هاهنا ، ورغم أن أجهزة الأمن كانت ترافق هذا الجمهور إلا أنها لم تكلف نفسها عناء إرجاعه لرشده أو كفه عن غيه ، بل رافقته إلى حيث مكان المباراة لتقع الواقعة التي كانت بحق خافضة لكل ما تعنيه قيم التشجيع الرياضي بهذا البلد ، ورافعة لمجموعة من الأسئلة التي تبحث لها عن جواب مسؤول من زمرة المسؤولين عن كرة القدم بهذا البلد ؟؟؟ ، فلماذا يا ترى لم تتدخل الشرطة لفض تلك " المسيرة " التشجعية الاستفزازية لذلك الجمهور " القاصر " ؟؟؟ و لماذا تم السماح للقاصرين بدخول الملعب رغم وجود قانون يمنع ذلك ؟؟؟ و كم عدد الأرواح التي أزهقتها كرة القدم عندنا ؟؟؟ ومن المستفيد من مثل هكذا حداث ؟؟؟ وما دور الجمعيات الرياضية بهذا البلد ؟؟؟ ومن يتحمل مسؤولية مقتل الشاب " حمزة البقالي ؟؟؟ بل ومن يتحمل مقتل الروح الرياضية بهذا البلد ؟؟؟ . وأنا أطرح هذه الأسئلة وجدتني أتذكر مشاهد مرت أمام عيني في آخر ليلة من شهر مارس الماضي ، فقد كنت متوجها لمدينة الصويرة لحضور ملتقى المدونين هناك ، وحدث أن عرجت على محطة " القامرة " باعتبارها المحطة الطرقية القريبة مني ، لكن العجب المرير هو ما شاهدته فيها في تلك الليلة ، فقد وجدتها مقلوبة رأسا على عقب ، والسبب أن مجموعة من القاصرين شكلوا فيما بينهم مجموعات متعددة حولوا بها المحطة إلى مكان تسب فيه الذات الإلهية ويروع فيه المواطنون وتخدش فيه الآذان بأبشع أنواع الكلمات النابية تحت مراقبة الأجهزة الأمنية التي لم تتدخل أبدا لاحتواء الموقف ، وحين استفسرت عن هوية هؤلاء " القاصرين " الذين لا يمتون إلى أخلاق المغاربة بصلة ، كان الجواب أنهم من مشجعي " النادي القنيطري " وأنهم عائدون من الدارالبيضاء بعدما عاثوا فيها فسادا وإفسادا قبل وأثناء وبعد مواجهة ناديهم لفريق الوداد البيضاوي ، حينها تساءلت بمرارة عن السر وراء نجاح الأمن في تفريق كل تظاهرة للمعطلين وفي زمن قياسي مقابل عجزه عن وضع حد لهؤلاء " الصبية المشجعين " ، كما تساءلت عن جدوى صياغة قانون ضد " الشغب " مادامت فصوله لا تطبق على أرض الواقع وما دامت الهيآت واللجان المعنية به لا تسهر على تطبيقه . الجمهور " المراهق " و" القاصر " يقتل ويخرب في بلدي، والأمن يخسر هيبته أمام هذا الجمهور ، ويخسر سمعته أمام الملإ حين يسمح لهذا الجمهور بالدخول إلى الملاعب ضدا على القانون ، هذه هي الخلاصة التي يخرج بها كل من تتبع مباراة الوداد والجيش ، وهي خلاصة تؤكد على أن المقاربة الأمنية للحد من ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية لن تفلح ما لم تصاحبها مقاربات أخرى تعالج الوضع الاجتماعي ولاقتصادي والتعليمي والإعلامي بهذا البلد . على سبيل الختم : الشغب عندنا متنوع و" مخرِّب " وخطير وقاتل ، فالتلميذ " المشاغب "يخرب مدرسته الإعدادية والثانوية بل قد يخرب حياة الآخرين إن كان مدمنا على " حبوب الهلوسة " وما جاورها من مخدرات، والطالب المشاغب يخرب كليته وجامعته والمعاهد التي قد يرتادها بل و يخرب حياته إن كان منتميا لفصيل طلابي" مخرب " ، والجمهور المشاغب يخرب الملاعب ويزهق الأرواح ، والراكب المشاغب يخرب القطارات والحافلات وسيارات الأجرة وباقي وسائل النقل ، والطفل المشاغب " في حينا " يخرب مصابيح الإنارة العمومية ،...وثمة " مشاغبون " يخربون بلدا بأسره ومجتمعا بأكمله ولا من يقول لهم كفى شغبا وكفى تخريبا . http://www.goulha.com