على الطريق الثانوية التي تربط المدخل الشمالي لآزرو بمدينة إفران، تقع قرية ابن صميم. قليلون فقط من يعرفون هاته القرية، وقليلون فقط أيضا من يعرفون حكاية مستشفاها المهجور منذ عقود. حين رأيت تلك البناية الشاهقة المتكونة من عدة طوابق، وعلمت بأنها ظلت مغلقة منذ سبعينيات القرن الماضي دون أن تهتم وزارة الصحة بأمرها استبدت بي الدهشة، ووجدتني أضرب أخماسا في أسداس، كما يقولون. في الأخير، استنجدت بصديق لي كان يرافقني في رحلتي عله يرفع عني الحجاب وأستوعب بعضا من عجائب هذا البلد التي لا تحصى. قال لي صديقي، وهو ابن المنطقة، إن تشييد هذا المستشفى يعود إلى زمن «الفرنسيس»، حيث بني سنة 1948 وانطلق العمل به سنة 1954؛ مساحته تزيد على أربعين هكتارا، وكان يضم حوالي 400 سرير، وكان يشتغل فيه أربعة أطباء متخصصين، تحت إشراف طبيب رئيسي واحد، ويساعدهم 32 ممرضا يقيمون في المكان نفسه. كان المستشفى تحت الإدارة الفرنسية آنذاك، وكان مختصا في علاج الأمراض الصدرية والتنفسية. وقد اختار الفرنسيون موقعه بعناية فائقة، فهو يوجد في قمة الجبل، وعلى مقربة من مياه عيون ابن صميم العذبة. ظل المستشفى مستقلا ماليا وإداريا إلى غاية 1965؛ ففي تلك السنة، تم إسناد مهمة تسييره إلى وزارة الصحة المغربية، وفي السنة ذاتها بدأ الخريف يزحف عليه ببطء، إذ لم تمض سوى ثماني سنوات، وهو في العهدة المغربية، حتى انتهى أمره وصدر قرار بإعدامه. ما السبب؟ لا أحد يدري. هكذا تعدم مئات المشاريع في هذا البلد دون أن يدري أحد سبب ذلك. تابع صديقي حكاية المستشفى المهجور قائلا إنه كان يستقبل أيام «الفرنسيس» مئات المرضى بالسل، الذين كانوا يجيئون من أوربا طلبا للعلاج. لكن الآن لا أحد يأبه له بعد أن اغتالته وزارة الصحة وصار مجرد بناية مهجورة ولا شيء آخر. لسبب ما لاتزال هذه البناية متماسكة تقاوم، في كبرياء، عاديات الدهر.. ألأن المستعمر هو من بناها وليس نحن أم لأنها تريد دائما أن تذكر وزارة الصحة بجريمتها القديمة تلك؟ لا أعرف بالتحديد. لكن صراحة، ما آلمني أكثر وأنا أستمع إلى قصتها هو أن تُترك للنسيان بهذه البشاعة. لا أعرف بالتحديد لماذا لم تقم وزارة الصحة بفتح هذا المستشفى من جديد وإعادة ضخ الدماء في شرايينه كي يستفيد سكان المنطقة من خدماته عوض التنقل إلى مناطق أخرى من أجل العلاج. وحتى إذا تعذر عليها الأمر، كان يمكن للسلطات المحلية أن تفكر في تحويله إلى مركب سياحي، يساهم في فك العزلة عن قرية ابن صميم ونواحيها ويفتح آفاقا للعمل في وجه سكانها، أو تقوم باستغلاله بأي طريقة أخرى تعود بالنفع على المنطقة وسكانها بدل أن تُترك بناية بهذا الحجم وهذا التاريخ عرضة للإهمال والموت البطيء. طبعا، أنا لست هنا لأملي على وزارة الصحة أو غيرها ما يمكنها أن تفعله لإخراج تلك البناية من نفق النسيان، لكن على الأقل كان عليها أو على مسؤولي هذا البلد أن يكشفوا لنا ولسكان ابن صميم الأسباب الحقيقية لإغلاق ذاك المستشفى، ولماذا ظل كل هاته العقود مغلقا، مهجورا، دون أن يستفيد منه أي أحد مثله مثل مئات البنايات والمشاريع المهجورة التي كلفت الدولة ميزانية ضخمة، وفي الأخير تُركت للإهمال والتآكل.