هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    أخبار الساحة    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوتين .. «اللغز» الذي حير قادة أوربا
نشر في المساء يوم 11 - 03 - 2015


أحمد المرزوقي
في تقرير حول روسيا وأوروبا نشر يوم الجمعة 20 فبراير، كشف مجلس اللوردات الإنجليزي أن الاتحاد الأوروبي يبدو حيال الأزمة الأوكرانية كمن «يمشي وهو نائم». وذلك حين اتهمته باقتراف أخطاء فادحة في قراءته للأزمة وترك الكريملين يأخذه على حين غرة بطريقة إدارته لما أصبح يسمى سنة بعد أخرى بأخطر أزمة أوروبية منذ نهاية الحرب الباردة. وعبارة «المشاء نائما»، تحيل بكيفية أوتوماتيكية إلى كتاب المؤرخ الاسترالي والأستاذ بأوكسفورد، كريستوفر كلارك، المعنون ب» المشاؤون نياما في صيف 1914» أو كيف اتجهت أوروبا قصدا إلى الحرب (منشورات فلاماريون 2013 ) وهو كتاب قيم يلقي الضوء حول تسلسل الأحداث التي أدت بالقوات العظمى إلى الانخراط في الحرب العالمية الأولى. وقد لقي رواجا كبيرا في أوروبا في سنة 2014، (الذكرى المئوية لتلك الحرب)، مما يبين بأن اللوردات لم يطلقوا العبارة جزافا … يبين هذا التقرير كيف ابتعدت روسيا منذ عشر سنوات شيئا فشيئا عن الاتحاد الأوروبي بدون أن يحاول هذا تفكيك لغز هذا الابتعاد ويتسنى له بالتالي استخلاص النتائج. يلخص التقرير ذلك فيما يلي:
« لقد كان الاتحاد بطيئا في إعادة تقييم سياسته ردا على التغيرات الهامة التي حصلت في روسيا» ومن بين الشروحات التي علل بها كتاب التقرير هذا الخمول، فقدان كفاءة التحليل الجماعية لدى الاتحاد.
وقد سئل عن ذلك دفيد لادينتون، وزير الشؤون الأوروبية في مجلس اللوردات، فاعترف بأنه كان هنالك خلل واضح في تحليل ما يجري من أحداث في روسيا، معزيا ذلك إلى مختلف القرائن المنبثقة عن سنوات كورباتشوف ويلتسين.
أي بمعنى آخر، أن الحكومة البريطانية قدرت بأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية 1991 ، لم تعد روسيا تمثل بالنسبة لها أي خطر أو أولوية، ما جعلها تنأى عنها بجانبها وتستدعي أخصائييها من تلك المنطقة.
وقد شاركتها في هذه الرؤية الخاطئة معظم الدول الغربية.
ومن قبل فرنسا، أكد هذا الخطأ، الفرنسي بيير فيمونت، لما استمع إليه اللوردات بصفته كاتبا عاما لمصلحة الدبلوماسية الفرنسية. إذ لم يتردد من الإعراب عن اندهاشه من حجم الخبرات التي أقامتها مصلحة دبلوماسية الاتحاد الأوروبي حول روسيا، مقارنة مع ما عرفه في الكي دورسي.
ذلك أنه لما تسلل الاتحاد الأوروبي إلى دول المعسكر الشيوعي السابق، شرعت هذه الدول تبعث بين الحين والحين، إلى بروكسيل بدبلوماسيين يتكلمون الروسية ويحافظون على علاقات وطيدة مع موسكو.
ورجوعا إلى هذه القراءة المتفائلة جدا لدى الاتحاد الأوروبي، والتي جاءت عقب نهاية الحرب الباردة وانصهار روسيا في كوكبة الدول الديمقراطية، فإنها وجدت تطابقا مع نظرية «نهاية التاريخ «لفرانسيس فوكوياما»، أي بمعنى أن عدو الأمس صار نسيا منسيا.
وهذه واحدة من التفسيرات التي تبين هلع الغرب واستيقاظه مرعوبا بعد تفجير الأزمة الأوكرانية، ذلك أنه بعدما سكر بنشوة انهيار جدار برلين، ثم بعده بتفكيك الاتحاد السوفياتي، تنفس الصعداء من فرط الارتياح فنام مطمئنا على جنبه.
ولما جاء فلاديمير بوتين إلى الحكم سنة 2000 ، لم يراجع رؤيته قيد أنملة، إذ كان منشغلا وقتئذ بمسائل عدة، من بينها بناء الأوروزون، وتوسيع الاتحاد إلى دول أوروبا الوسطى والبلطيق.
غير أن مؤشرات القلاقل بدأت تظهر في النصف الثاني من سنوات 2000، وبالتحديد سنة 2007 في مؤتمر ميونيخ حول الأمن لما ألقى بوتين خطابا حادا أعطى فيه رؤية توسعية لروسيا.
وفي السنة الموالية، لم يمنع تدخل روسيا في جورجيا الرئيس الفرنسي ساركوزي من بيع حاملتين للمروحيات من نوع ميسترال لموسكو، ما دل على أنه لم يعتبر ذلك تهديدا محتملا. وفي نفس السنة، وضعت فرنسا وألمانيا ببوخاريست حدا لتوسع الحلف الأطلسي سعيا منهما لخطب ود روسيا، معتبرتين أن هذه الأخيرة سوف تقنع بهذا القرار وستقف عنده.
غير أن الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد هو إهماله صياغة استراتيجية تخص دول الجوار المشترك بين روسيا والاتحاد الأوروبي التي توجد أوكرانيا واحدة منها.
وحسب فلونا هيل وكليفورد كادي اللذان كتبا بيوغرافيا رائعة حول حياة بوتين، نشرت طبعة منها مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الزعيم الروسي الذي صدمته الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 ، تفطن بسرعة لهشاشة الاقتصاد الروسي، فهب لصياغة إستراتيجية محكمة تتمثل في وحدة أوراسيا .
وغاية هذه الوحدة هي تدعيم روسيا بتحالف اقتصادي وتجاري تكون أوكرانيا فيه هي قطب الرحى.
خطأ فادح
انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية بمواجهة البروز الملفت للصين، فخفضت جناحها لروسيا إلى درجة أنها اقترحت عليها سنة 2009 إعادة بناء علاقاتهما الثنائية على أسس جديدة، وهو المشروع المسمى ب «البدء من الصفر» الذي قبر في حينه.
من جهته، سارع الاتحاد الأوروبي في بداية دجنبر 2010 إلى وضع شراكة شرقية تفاوض فيها حول إقامة معاهدة تشاركية مع الدول المجاورة، وقد غاب من باله بأن أوكرانيا ليست بالنسبة لروسيا مجرد جارة عادية.
ولما أعيد انتخابه للمرة الثالثة سنة 2012، انخرط الرئيس بوتين في عملية مكلفة لتحديث القوات المسلحة.
وفي شتنبر 2013، وخلال مؤتمر يالتا، صرح سيرجي كلازييف، أحد مستشاري بوتين محذرا:
«سيقترف النظام الأوكراني خطأ فادحا إذا ما اعتقد بأن رد فعل روسيا سيكون محايدا».
وعلى صفحات الكراديان، أثار كلازييف احتمال قيام حركات انشقاقية في الجنوب الشرقي لأوكرانيا المعروف بموالاته لروسيا، واقترح بأن تلغى المعاهدة الثنائية المحددة للحدود بين روسيا وأوكرانيا.
وطوال صيف 2013، تضاعفت التدابير الانتقامية التجارية لروسيا تجاه جيرانها.
غير أنه بعد إلغاء معاهدة الشراكة، وقيام ثورة «ميدان» وإلحاق شبه جزيرة القرم بروسيا، وتدخل روسيا شبه العلني في الدونباس، أحدث كل ذلك مفاجأة غير سارة أخذت الغرب كله على حين غرة، ما جعله يسارع إلى فرض عقوبات انطلاقا من مارس 2014 كرد فعل على إلحاق القرم بروسيا.
وزاد في الطين بلة مأساة إسقاط الطائرة المدنية في شهر يوليوز وعلى متنها 298 راكبا مدنيا بصاروخ أطلق من المنطقة الموالية لروسيا، ما جعل الغرب يستوعب في نهاية الأمر خطورة الوضعية ويدفع الرئيس هولاند إلى التصريح علانية بأن هنالك شبح حرب شاملة يهدد كل أوروبا.
لكنه نكص على عقبه بعد ذلك حين أبدى نوعا من التساهل مع روسيا يوم 4 يناير حين صرح على أمواج فرانس أنتير:
«أنا متيقن تمام اليقين بأنه ليس للرئيس بوتين أدنى نية للاستيلاء على شرق أوكرانيا، وقد قال لي ذلك هو بنفسه. وكل ما في الأمر، هو أنه يتطلع للبقاء كشخصية نافذة في المنطقة» أما أنجيلا ميركيل، فيبدو أنها كانت أكثر ذكاء لما فهمت الوضعية منذ عهد قديم.
أولا لأنها مستشارة منذ 2005، وسمح لها ذلك بالتعرف على فلاديمير بوتين منذ عشر سنوات.
وثانيا، لأنها ترعرعت في ألمانيا الشرقية ما جعلها تتعرف على النظام السوفياتي من الداخل.
أما هو، فلم يتورع عن إظهار استعلائه عليها عبر إشارات ذات معنى، كصحبته لها بمعية كلبه الضخم (من نوع لابرادور) في سوتشي، علما بأنه كان يدرك تمام الإدراك خوفها المرضي من الكلاب.
كما أنه تركها تنتظره في ميلان إلى حدود الحادية عشرة ليلا في أكتوبر 2014 بعدما تأخر بسبب حضوره استعراضا عسكريا بسيربيا.
وقد أسرت هي إلى باراك أوباما في مارس 2014 قائلة:
«لقد فقد بوتين كل علاقة له مع الواقع، وإني لأراه يهيم في عالم آخر».
غير أنها لم تدخر أي جهد للبقاء معه ست ساعات كاملة رأسا لرأس في مؤتمر بريسبان المقام في شهر نونبر في إحدى قاعات المحاضرات بالفندق الذي كان ينزل به، في محاولة لتقريب وجهة نظرهما حول أوكرانيا، ولكن بدون جدوى.
وقد كان ذلك بالنسبة إليها نقطة تحول في موقفها من الرجل، إذ ما أن أسفر صبح الغد حتى فجرت إحباطها تجاهه في خطاب ألقته بسيدني.
وقد أصبح واضحا في نظرها أن الأمر أمسى مشابها لما كان عليه إبان الحرب الباردة، أي أن هنالك مواجهة صريحة بين نظامين متباينين يحملان رؤيتين مختلفتين حول ما ينبغي أن يكون عليه النظام العالمي، وأنه تبعا لذلك، فإن المواجهة لن تعرف نهايتها في المستقبل المنظور.
لتحترق أوكرانيا
لتحترق أوكرانيا، يهتف المناوئون ل» مايدان» في موسكو.
تنديدا بالفوضى التي تعم أوكرانيا، احتفل الروس في استعراض عسكري بالذكرى الأولى لسقوط الرئيس يانوكوفيتش ففي يوم السبت 21 فبراير تجمع عشرات الآلاف من المواطنين، قدرتهم الشرطة ب 35.000 شخص رفعوا رايات مختلفة وصدحوا بشعار واحد:
«لن ننسى … لن نسامح…» موظفون، طلبة، ضباط المصالح الأمنية، رجال إنقاذ، ربات بيوت، دراجون، ومحاربون قدامى في حرب أفغانستان، قاموا جميعهم باستعراض ضخم في العاصمة تنديدا بالفوضى التي تضرب أطنابها في أوكرانيا والتي يلقون بالمسؤولية فيها على عاتق الغرب.
وقد لفت الانتباه تواجد القوقازيين بكثرة من خلال طرابيشهم وبذلاتهم المميزة.
يتقدم إلي شيخ ويقول لي بلهجة مؤدبة وهو ينشر راية تمثل المدرسة العسكرية لدونيسك الواقعة في شرق أوكرانيا حيث قام هناك في أيام شبابه بتدريبه العسكري:
سيدتي، أنتم الفرنسيون الغارقون في مشاكل المثلية مع أمور أخرى، سيأتي عليكم يوم تتوجهون فيه إلينا لتناشدوننا بإنقاذكم…
وقد بدت لي قناعة الرجل بنفس الحجم لدى سيدة بجوارنا كانت توزع منشورات تحمل صورة الرئيس أوباما وقد كتب تحتها:
«الغرب يحاول الإطاحة بنظام بوتين سعيا لخنق روسيا»
حاولت أن أطرح عليها أسئلة ولكنها تملصت. وبعد لحظة عادت ثم قالت:
«نحن نقف ضد الثورات لأننا عشنا كل ذلك سنة 1917، و»ميدان»، هي أيضا ثورة أخرى»…
الناس هنا يؤيد بوتين دون مناقشة.
أناشيد وطنية
كان الموكب في غاية التنظيم، كل مجموعة تسير الهوينى تحت ألوية نقابة معينة دون أن تختلط بنظيراتها. وفي المسار الذي ينتهى أمام خشبة كبيرة نصبت في الساحة الحمراء، ثبتت شاشات ضخمة تثير الحماس عبر بث العديد من الأناشيد الوطنية.
بين أمواج الجموع الغفيرة، يتقافز شبان في مقتبل العمر، يهتف أحدهم متحمسا:
«الطابور الخامس لن يمر أبدا»…
يردد قوله أصحابه بهتاف يطاول عنان السماء.
في زاوية وقفت فتاة ترتعد من وطأة ريح صقيعي وهي تحمل لافتة كتب عليها:
« اليوم ميدان، وغدا الفوضى»
(كلمة ميدان، تعني الساحة بالروسية، هي ساحة الحرية في كييف، عاصمة أوكرانيا)
يبرر طالب في العلوم الجغرافية مشاركته قائلا:
«لا يظنن أحد أن الشباب غير عابئ لما يجري من أحداث»
«هل أتيت بمفردك؟» قلت
أجاب متحفزا:
كلا … إن نقابتنا هي من دعتنا للمجيء، وقد اكترينا شاحنات لأجل ذلك.
حيثما وليت وجهك، فالكلمة المتداولة هي «الفاشية».
تقرأها مكتوبة على كل لافتة، وتسمعها عالية من كل حنجرة. و«ميدان» بالنسبة لهؤلاء المتظاهرين هي الفاشية، ولكن قد تجد لها وجها في قسمات الرئيس أوباما مع زيادة الشوارب الهتليرية المربعة، أما الرئيس الأكراني بترو بوروشينكو، فوجهه ممثل على شكل وجه خنزير، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل على شكل بهلوانة شمطاء حزينة، بخلاف فرانسوا هولاند الذي لم يجد له من حسن حظه مكانا بين جميع هذه الوجوه المشوهة.
«ما رأيك في اتفاقيات مينسك؟»
طرحت هذا السؤال على أندري، وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره، يلبس بذلة عسكرية ويشهر ترس مدرسة لوهانسك على كتفه، أفلت من فمه سبة لم يستطع قمعها.
الشاب يتحدر من سلافيانكس، وهي مدينة تتواجد في منطقة دونيتسك ولا تزال تحت سيطرة كييف. يقدم نفسه على أنه أوكراني حارب لمدة ستة أشهر في دونباس بجنب الانشقاقيين الموالين للروس، ويعد بالعودة إليهم.
لما سألته عن أي مخرج يراه لأزمة وطنه، صرخ عاليا:
«لتحترق أوكرانيا…»
بعد كلمة الفاشية، تأتي من حيث كثرة المداولة بين المتظاهرين، كلمة الوطنية.
وهو ما يعبر عنها بالوشاح الأسود والليموني للقديس جورج، رمز الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية والذي أصبح اليوم شعار التأييد لمنشقي دونباس الموالين للروس.
وقد زيد فوق هذا الشعار، أهازيج الحرب المشهورة في سنوات الأربعينيات.
«لقد نجا القرم»
في الأخير، يأتي المشهد الذي نصب في الساحة الحمراء، حيث التدافع بالمناكب على أشده، وحيث يقف الكاتب نيكولاي ستاريكوف، أحد كبار المعجبين بستالين، ورئيس بالتشارك للحركة المعادية ل«ميدان»، في مواجهة هذه الجموع من مغنين ومنشطين وأمهات دومباس المبللة عيونهن بالدموع، ليلهب الجو حماسا متقدا:
«نقول لكل من يرومون زعزعة روسيا، لن نترك الأحداث تتطور حسب السيناريو الذي تتصوره أوكرانيا، فلا تجهدوا أنفسكم في محاولة تطبيقه».
ثم يزيد قائلا مصعدا من فورة الحماس:
«لقد عاد القرم، لقد نجا القرم…»
ثم ما يلبث أن يأتي بعده خطيب آخر برز بحيويته الكبيرة في تنشيط الحملة الرئاسية الأخيرة لبوتين، ويمثل عمال أحد أكبر المصانع في الأورال المتخصص في صنع عربات القطار والمدرعات، ليهتف في الجماهير مطمئنا:
«تأكدوا بأن المعارضة في روسيا لا وزن لها إطلاقا» …
ثم يتبعه على المنصة بعد ذلك، أحد المنظمين وهو ألكسندر زلدوستانوف، رجل مجلل كله بلباس أسود، يتميز بشعر طويل مربوط من الخلف، وحوله رجال خضبت وجوههم على طريقة «ماد ماكس». إنه رئيس «الذئاب الروسية»، نادي للدراجين على موضة «هيلس آنجل.»
الرجل مقرب من بوتين، ويطلق عليه الناس لقب الجراح. سبق له أن ذهب إلى القرم على رأس قافلة كبيرة بزمن قصير قبل إلحاقها رسميا بروسيا. يهتف الرجل في الجمهور ناصحا:
« في هذا الوقت الحرج الذي يعد لنا فيه أعداؤنا عدتهم، أدعوكم أن تلتفوا جميعا حول الرئيس بوتين، تأسيا بما فعلناه في اللحظة الحاسمة في سيباستوبل…»
انتقادسياسة الاتحاد
تجاه الكريملين
إذا كانت الأزمتان الأوكرانية واليونانية قد أرجعتا مساجلاته مع بروكسيل إلى درجة ثانوية. فإن الوزير الأول المجري فكتور أوربان، لم يذعن للأمر الواقع، إذ سبق له أخيرا أن انتقد بشدة موقف الاتحاد الأوروبي من روسيا حيث وصفه بالموقف الضعيف المتخاذل.
وقد استقبل الرئيس بوتين يوم 17 فبراير في بودابيست بالرغم من المعاهدة الصامتة مع الاتحاد الأوروبي. وموازاة مع ذاك، بادر إلى انتقاد السياسة المتعلقة بالطاقة التي تنتهجها اللجنة الأوروبية، واصفا إياها بالسياسة المضرة بسيادة وطنه، وهو ما أقلق دبلوماسية بروكسيل حيث صرح أحد مسؤوليها الكبار بأنه قلق جدا من التقارب الحاصل بين بودابيست وموسكو.
الانشقاق العميق
يقول مصدر أوروبي: «ينبغي أن ننكب على دراسة هذا المشكل بكثير من التركيز والجدية»
أما إدوارد رول هلفيك، النائب الأوروبي الروماني، المعين كمسؤول مقبل لمصالح استخبارات بلده، فهو يكتب على حسابه الخاص في موقع الاتصال الاجتماعي بأن الشراكة بين روسيا والمجر تهدد مصالح كل من الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، سيما مع نظام أوربان الذي يبدو في خضوعه المتصاعد لسلطة الكريملين كحصان طروادة.
بينما الوزير الأول المجري أوربان، يصرح علانية غداة الزيارة التي قام بها بوتين سنة 2014 إلى عاصمة إحدى الدول العضوة في الاتحاد الأوروبي:
«بدون تعاون مع روسيا، لن نتوصل أبدا إلى تحقيق أهدافنا»
وبعدما أثار مسألة «انشقاق عميق ذي طبيعة استراتيجية» بين الدول الثماني والعشرين، انخرط الزعيم المحافظ في انتقاد المواقف التي يدافع عنها البولاندي دنلاند توسك، رئيس المجلس الأوروبي، الداعم لفرض عقوبات صارمة على روسيا.
وعلى ضوء كل هذا، فإن الرئيس بوتين، يبدو مصمما على دق مسمار في التضامن المزعوم بين الدول الثماني والعشرين، عبر اللعب على الجانب المتعلق بالطاقة، في الوقت الذي تجد فيه بروكسيل نفسها ملزمة بالكشف يوم الأربعاء 25 عن مشروعها المتعلق بوحدة هذه الطاقة. وهي واحدة من أوليات لجنة جانكر التي تروم تحسين الاتصال بين أعضائها بغية مضاعفة المنافسة ودعم النمو الاقتصادي في أفق تخفيض الأثمنة للمستهلكين والشركات على السواء.
أما السيد أوربان، فهو يريد من جهته أن يطبق سياسته الخاصة ويستمر في مفاوضته المتميزة مع روسيا رغم أنها مستهدفة من طرف الغرب بعقوبات اقتصادية بسبب دعمها للمنشقين في شرق أوكرانيا. ومقابل هذا الموقف، فإن بلده سيستمر في التزود من الغاز الروسي بثمن تفضيلي.
رفض متطلبات بروكسيل
في تزاحم هذه الأحداث، أعلن الوزير الأول المجري بأنه يرفض عزم بروكسيل القيام بافتحاص مسبق للمعاهدات الثنائية التي تجمع بلده بروسيا. كما أنه صرح بأن لا مجال للحديث عن السياسة الأمنية المتعلقة بالطاقة بدون أن تكون روسيا هي مصدر هذه الطاقة.
وزاد موضحا بأن بلده يقبل ما حددته روسيا كشرط أساسي لاستمرار الاتفاقيات بينهما، ألا وهو كفه عن تزويد أوكرانيا بالغاز الروسي. ذلك أنه طبقا لنظام ما يسمى ب«المد المقلوب»، فإن مجموعة من دول أوروبا الشرقية تعمل على تزويد الشبكة الأوكرانية بالغاز الروسي.
وهذه العملية المدعومة ماديا من طرف بروكسيل، تسمح للأوكرانيين بالاستفادة من شحنات الغاز بثمن بخس. أما اليوم، فإنه بات لزاما على أوكرانيا أن تبحث جاهدة عن مصادر أخرى للغاز، ولكن بتكلفة باهظة.
أما آخر نقطة في الخلاف بين بروكسيل والمجر، فهي تتعلق باستعداد هذا الأخير لدعم مشروع «تركيش ستريم»، المتمثل في إيصال الغاز الروسي إلى الجنوب الأوروبي عبر تفادي تراب أوكرانيا وبلغاريا. وتعد روسيا السيد أوربان في حال تحقق هذا المشروع بتزويد المجر من هذه الطاقة الحيوية عبر اليونان والبلقان.
هشاشة الهدنة في شرق أوكرانيا
قتل شخصان على الأقل، وجرح العشرات في اعتداء نفذ يوم 22 فبراير بخركيف، ثاني مدينة في أوكرانيا، بعد أن انفجرت عبوة محلية الصنع في موكب يضم آلاف الأشخاص كانوا يتظاهرون ضد الحرب ويحيون الذكرى الأولى لإقالة الرئيس السابق فكتور لانوكوفيتش يوم 22 فبراير 2014 .
كانت الضحية الأولى شرطيا، بينما الثاني أستاذ في الفيزياء ومناضل مشهور ينشط لصالح القضية الأوكرانية. وقد اعتقل الأمن الأوكراني أربعة أشخاص يعتقد أنهم تلقوا تعليمات وأسلحة غداة مرورهم من مدينة بلكراد الروسية الواقعة على بعد خمسين كيلومترا من خركيف.
جو من الرعب
وقع الانفجار في منتصف النهار، في الوقت الذي بدأت فيه في كييف مسيرة مشى فيها مسؤولون أوكرانيين وأوروبيين من بينهم رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك. وقد كانت فرنسا ممثلة من طرف كاتب الدولة في الشؤون الأوروبية هارليم ديزير.
وقد عرفت مدن أوكرانية عديدة في الشرق وفي الجنوب الشرقي اعتداءات كثيرة من هذا القبيل، تستهدف على العموم، مكاتب عسكرية أو مثيلاتها للمتطوعين القادمين لمساعدة الجيش واللاجئين.
ويبدو أن الغاية من هذه الاعتداءات التي تنفذ ليلا ليس القتل، وإنما إشاعة الرعب وعدم الاستقرار في القاعدة الخلفية لمسرح العمليات.
غير أنه في دجنبر المنفرط، قتل شخصان عقب انفجارات في أوديسا وخرسون. وفي نهاية يناير، خلف هجوم بالقنابل على محكمة ما يزيد عن خمسة عشر جريحا.
كما كانت المدينة الموالية للروس في شرق البلاد ( مليون ونصف نسمة)، مسرحا في ربيع 2014 لمواجهات دامية بين مجموعات موالية لأكرانيا وأخرى موالية لروسيا.
بيد أن مثابرة السلطات المحلية، مع الكراهية التي يحملها الناس للحرب الدائرة رحاها على بعد 200 كلم، كان لها من التأثير ما جعل المواجهات تنحصر في كييف.
وقد أكد ذلك ألكساندر زخراتشينكو، رئيس المنشقين في دونيتسك في الأسبوع الماضي، حين قال:
« سنقوم بهجوم كاسح على القوات المحتلة في خركيف نظرا لتواجد العديد من أهلنا فيها، وسنحملهم على أخذ السلاح عند الحاجة لذلك.»
وقد جاء احتمال الهجوم على خركيف هاته في إطار جو من التفاؤل الحذر الذي يسود في جبهة القتال بعدما وقع يوم السبت تبادل مهم للأسرى بين المعسكرين:
139 أسيرا أوكرانيا مقابل 52 من المتمردين. وتعد هذه واحدة من نقط اتفاقية السلام الموقعة في مينسك يوم 12 فبراير بإشراف من باريس وبرلين وموسكو.
حذر
في نفس اليوم، صرح المعسكران بأنهما اتفقا على تطبيق نقطة أخرى من اتفاقية مينسك، ويتعلق الأمر بانسحاب الأسلحة الثقيلة من كلتا الجهتين إلى ما وراء الحدود بمسافة تقدر بين 50 و 140 كيلومترا حسب أعيرة الأسلحة، لكن الغموض لا زال يحوم حول التاريخ الذي سيبدأ فيه هذا الانسحاب.
أما الحالة السائدة على الجبهة، فما فتئ الحذر الشديد يشوبها، نظرا لاستمرار المناوشات من كلا الجانبين بالرغم من دخول معاهدة وقف إطلاق النار أسبوعها الأول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.