من حسن حظ عبد الإله بنكيران أنه أصبح بموجب دستور 2011 رئيس حكومة، وليس مجرد وزير أول. غير أن هذا الامتياز الذي حظي به، بعد أن بوأته صناديق الاقتراع في أول استحقاقات الدستور الجديد، المرتبة الأولى وأصبح بموجب المنهجية الديمقراطية رئيسا للسلطة التنفيذية، لم يستثمره عبد الإله بنكيران على الوجه الأكمل حيث لا تزال هناك ملفات اختار أن يحتفظ بها في ثلاجة حكومته، بدلا من أن يحركها عملا بتنزيل مضامين الدستور الجديد الذي حملته رياح الربيع العربي. والذي اعتبره الكثيرون خطوة كبيرة في بناء أسس الدولة الحديثة، وإن لم يصل بعد إلى مرحلة الملكية البرلمانية، كما هو متعارف عليه في أعتى الملكيات في العالم. لقد عجز بنكيران عن التعاطي مع ملفات على غاية كبيرة من الحساسية كما حدث مع قانون ما اصطلح عليه ب «ما للملك وما لبنكيران». وهو المشروع الذي قدمته الحكومة بتراجعات كبيرة تخلى من خلالها رئيس الحكومة عن جملة من الاختصاصات، التي منحها الدستور لمؤسسة الحكومة ومؤسسة رئيسها. كما عجز عن تفعيل مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو المبدأ الذي حملته فصول الدستور الجديد. والذي جعله حزب العدالة والتنمية واحدا من أكبر الشعارات التي رفعها في معركته الانتخابية التي حملته بعد ذلك إلى تدبير الشأن العام. وها هي النماذج ماثلة أمامنا حيث انسل وزير الشبيبة والرياضة، محمد أوزين، من فضيحة ملعب الرباط كالشعرة من العجين. وعلى الرغم من أن المسؤولية ثابتة سياسيا وإداريا، إلا أن القضاء لم يفتح سيرة هذا الوزير تفعيلا لهذا المبدأ. نفس المصير يبدو أن ملف القرض العقاري والسياحي الذي اتهم فيه الوزير الاتحادي السابق خالد عليوة، سيسير إليه حيث يكاد يطوى مباشرة بعد أن غادر عليوة أسوار السجن. بالإضافة إلى عدد من الملفات، سواء تلك التي وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات، أو التي تفجرت هنا وهناك. زد على ذلك أن حكومة بنكيران لا تزال عاجزة إلى اليوم عن تفعيل قانون الحق في المعلومة رغم ما يمثله هذا القانون من ضرورة عملا بنشر الشفافية والوضوح في قضايا تدبير الشأن العام. وعلى الرغم من أن عددا من المنظمات والهيئات المعنية أعلنت تحفظها عن القانون الذي جاءت به حكومة بنكيران بشأن الحق في المعلومة، إلا أنها ماضية في تنزيله بالطريقة التي ترتضيها. نفس الوضع يعيشه قانون الإضراب، الذي ترفض الحكومة إخراج قوانينه التنظيمية للقطع مع هذا التناقض الذي يعطي في دستور البلاد للشغيلة الحق في الإضراب. في الوقت الذي يعاقب فيه القانون الجنائي المضربين لأنهم يعرقلون حرية العمل. ولذلك تجد الحكومة في هذه الصيغة فرصة الاقتطاع من أجور المضربين بتفعيل ما تعتبره الأجر مقابل العمل. هي بعض الملفات التي لا تزال معتقلة في ثلاجة الحكومة، على الرغم من أن هذه الحكومة تجاوزت اليوم نصف ولايتها، ما يعني أنها لا شك عاجزة عن تدبيرها ووضع تصور يمكن أن يجعل منها قوانين تخدم مصلحة الناخبين الذين منحوا أصواتهم لهذه الحكومة. الحق في الإضراب.. الحكومة عاجزة عن إخراج قانونه التنظيمي حينما يقول الفصل الرابع عشر من الدستور إن «حق الإضراب مضمون»، يفاجئنا القانون الجنائي في فصله 288 بأنه «يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 200 إلى 5000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل، أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل». وتجد الشغيلة المغربية اليوم نفسها أمام تناقض كبير تؤدي ثمنه الغالي فقط لأن الدستور تحدث عن «أنه سيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق». والحصيلة هي أن الحكومة لا تزال عاجزة عن إخراج هذا القانون التنظيمي لكي يعرف المضربون ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، على الرغم من أن الدستور باعتباره القانون الأسمى، يضمن الإضراب ويعتبره حقا. المتتبعون يرون أن هذا الفصل في القانون الجنائي هو «حق يراد به باطل». لقد أعد المشرع مخرجا حد بموجبه من أهمية الفصل 14 من الدستور، مستغلا الفقرة الثانية فيه والتي تؤكد على أنه «سيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق». في الوقت نفسه، غيب في القانون الجنائي أي نص قانوني ينصف العمال في حالة مطالبتهم بحقوقهم . تقول النقابات المهنية إننا في حاجة لإصلاح الدستور وتحويل الفصل 14 من «حق الإضراب مضمون. وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق». و حصره فقط في «حق الإضراب مضمون» وهنا يلغى الفصل 288 بشكل تلقائي، لأن الدستور هو أسمى قوانين الدولة، لذلك يعترف الكثيرون أن ثمة تناقضا بين الفصل 288 من القانون الجنائي، والفصل 14 من الدستور المغربي. وهو التناقض الذي يبدو أن الحكومة لا تزال عاجزة عن فك خيوطه بإصدارها للقانون التنظيمي بتوافق مع النقابات المعنية. أما في انتظار ذلك، فإن مدونة الشغل تلعب دورا مهما في إيجاد بعض الحلول للنزاعات بين التمثيلية العمالية والمشغل. تقول مدونة الشغل إن «نزاعات الشغل الجماعية»، هي كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل، والتي تكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو جماعية من الأجراء، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية، مهنية لهؤلاء الأجراء. كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد، أو عدة مشغلين، أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين. وتضيف المدونة ذاتها في فصل آخر أن نزاعات الشغل الجماعية تحكمها مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن. ويكون كل خلاف بسبب الشغل، من شأنه أن يؤدي إلى نزاع جماعي، موضوع محاولة للتصالح، تتم أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو العون المكلف بتفتيش الشغل، أو أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، وذلك بناء على نوعية الخلاف الجماعي. فإذا كان الخلاف الجماعي يهم أكثر من مقاولة، فان محاولة التصالح تجرى أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم. أما إذا كان الخلاف الجماعي يهم مقاولة واحدة، فإن محاولة التصالح تجرى أمام العون المكلف بتفتيش الشغل. ويتم الشروع فورا في محاولة التصالح، سواء بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل وذلك بمقال يحدد فيه نقط الخلاف، أو بمبادرة من المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو من العون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة. على أن يحرر، حسب الأحوال، المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو العون المكلف بتفتيش الشغل فورا، في ختام جلسات الصلح، محضرا يثبت فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام، أو جزئي، أو عدم التصالح، وكذا عدم حضورهم عند غيابهم. كما تهدف النقابات المهنية، بالإضافة إلى ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور، إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها، وإلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها. كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. وتستشار في جميع الخلافات، والقضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها. وتتمتع النقابات المهنية بالأهلية المدنية، وبالحق في التقاضي. ويمكن لها أن تمارس، ضمن الشروط والإجراءات المنصوص عليها قانونا، جميع الحقوق التي يتمتع بها المطالب بالحق المدني لدى المحاكم، في كل ما له علاقة بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية أو الجماعية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم، أو بالمصلحة الجماعية للمهنة، أو للحرفة التي تتولى تمثيلها. وهكذا تكون مدونة الشغل أقرب لإيجاد الحلول بين التمثيلية العمالية والمشغل، بدل إعطاء الحق للمشغل بالمطالبة باستعمال القانون الجنائي، ما لم يصدر بعد قانون تنظيمي للإضراب. ويبدو من خلال ما تعانيه الشغيلة اليوم في أكثر من قطاع، أن عجز الحكومة عن إخراج قانون الإضراب من ثلاجتها يتسبب في جملة من المواجهات بين طرفي الشغل. وهو ما يطرح السؤال عن السر وراء هذا التلكؤ في اتخاذ الخطوة الضرورية لإخراج قانون تنظيمي لحق دستوري هو الإضراب. وهو قانون يمكن أن ينهي مع حالة الفوضى التي يعرفها أكثر من قطاع، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخصوصي. كما أن غياب تصور نقابي لهذا القانون التنظيمي، يزيد الوضع التباسا. ولولا مدونة الشغل التي يتم الاحتكام إليها أحيانا، لتفجرت الكثير من المعارك بين طرفي النزاع. كيف عجزت حكومة بنكيران عن محاسبة وزيرها في الشبيبة والرياضة حينما صدر بلاغ الديوان الملكي لكي يضع حدا لكل التأويلات التي رافقت فضيحة ملعب الرباط، رأى الكثيرون أنها مجرد بداية انهيار وزير الشبيبة والرياضة محمد أوزين. وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة اختار وقتها الصمت، بعد أن قال إن ما حدث في الرباط لا يستحق كل هذه الضجة. فالأمر ليس فضيحة، إلا أن قرار إعفاء الوزير جعل بنكيران في وضع لا يحسد عليه. لقد اعترف الأمين العام لحزب الحركة الشعبية امحند العنصر بمسؤولية الوزير السياسية فيما حدث، وإن لم تكن له مسؤولية مباشرة في فساد صفقات ملعب المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط. وكان مجلس النواب قد فتح نيرانه بأغلبيته ومعارضته في اتجاه الوزير حينما علق كل الأسئلة التي كان مقررا طرحها على أوزين. وبدا أن وزير الشبيبة والرياضة سائر إلى الهاوية، وأن رحلته السياسية، التي دشنها مستشارا للأمين العام لحزب السنبلة امحند العنصر، قد تنتهي مع حكومة بنكيران التي دخلها مرشحا فوق العادة. غير أن قرارإعفاء الوزير لم يرافقه تفعيل بند أساسي في دستور 2011 والذي جاءت الحكومة على أنقاضه، وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. ما يعني تقديم الوزير للمساءلة القضائية باعتباره المسؤول المباشر عن فضيحة ملعب الرباط. لم يكن الشاب محمد أوزين المزداد سنة 1969 بإحدى قرى الأطلس المتوسط، وتحديدا بمنطقة إفران، التي سيعود إليها لكي يشغل منصب رئيس جماعتها القروية، يعتقد أن كل الورود التي فرشت له لكي يحرق مراحل لم تسعف الكثير من المنتمين لحزب الحركة الشعبية، الذي أسسه المحجوبي أحرضان لكي يدافع عن البادية المغربية، ستتحول اليوم إلى أشواك وحواجز تنتظر سقوطه وإعلان نهاية زمنه السياسي. انتظر ابن إفران سنة 2009 حيث سيقرر حزب السنبلة الإلتحاق بالنسخة الثانية لحكومة عباس الفاسي، ليجد نفسه واحدا من أكبر المرشحين لمنصب فيها. وقد تجاوز أوزين في سباق الاستوزار، عددا من صقور الحزب. وتمكن من أن يجد لنفسه موقعا في التشكيلة الحكومية الجديدة فقط لأن حماته ليست إلا حليمة عسولي، التي ظل يعتبرها العنصر سندا كبيرا، حيث وقفت إلى جانبه في أحلك الأوقات التي مر منها، قبل أن يثبت أقدامه أمينا عاما للحزب في مواجهة خصومه. وعلى الرغم من أن نصيب أوزين كان وقتها حقيبة كاتب دولة في الخارجية، حيث كان مقررا أن يشتغل جنبا إلى جنب مع السيد الطيب الفاسي الفهري في ملفات الخارجية الحساسة، إلا أنه لم يقم إلا ببعض المهمات الصغيرة بعد أن وجد وزير القطاع في هذا الشاب نقصا في التجربة. مرت مرحلة الخارجية بالنسبة لأوزين بمثابة فترة تدريب على العمل الحكومي. وظل يقول للمقربين منه إن اقتحام تجربة تدبير الشأن العام، والاستئناس بالعمل الحكومي هو الأهم في هذا المنصب. لذلك لم يكن يبدي أي معارضة، ولا غضبا من الطريقة التي كان يتعامل بها الطيب الفاسي الفهري وهو يضع بين يديه كل ملفات الخارجية. لقد كان يدرك أن مصاهرته للسيدة حليمة عسولي هي التي ستحميه من كل مكروه، وتدفع عنه كل بواطن السوء التي يمكن أن تأتيه بسبب خطأ حكومي قد يرتكبه. مرت تجربة حكومة عباس الفاسي الثانية بدون مشاكل. واختار أوزين خلال تلك المدة التي قضاها كاتبا للدولة في الخارجية، الظل والابتعاد عن الأضواء في انتظار الموعد الذي سيفرض عليه الخروج إلى الواجهة. وهو الموعد الذي تحقق له بعد أن هبت رياح الربيع العربي، والتي حملت لنا دستورا جديدا وانتخابات سابقة لأوانها أعطت لحزب العدالة والتنمية الصف الأول. وبمنطوق الدستور وفصل «المنهجية الديمقراطية» أصبح «البيجيدي» هو من سيقود حكومة ما بعد استحقاقات ودستور 2011. كانت العدالة والتنمية تعرف أكثر من غيرها أنها لن تحكم بمفردها. فهي في أمس الحاجة لدعم من أحزاب سياسية أخرى. لقد مد بنكيران الذي اختير لكي يقود التجربة الحكومية باعتباره الأمين العام لحزب المصباح، يده لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي سيرفض مجلسه الوطني العرض الحكومي، ويختار العودة إلى مقاعد المعارضة بعد أن كان قد طلقها منذ تناوب 1998. كما مد اليد لحزب الاستقلال، ثم للحركة الشعبية. مع حزب السنبلة، كان قرار المشاركة في الحكومة شبه جاهز. فرفاق العنصر لم يتعودوا على مقاعد المعارضة قط. وفي كل التجارب الحكومية كانوا حاضرين للمشاركة. إنهم يعترفون أنهم حزب شعاره «لسنا مع أحد ولسنا بالتالي ضد أحد». انتهى الحركيون إلى التوافق حول المشاركة في حكومة بنكيران. وكان أسعد كل هؤلاء، هو محمد أوزين لأن له تجربة حكومية قضاها في وزارة الخارجية، وهي التي تؤهله لكي يكون مرشحا فوق العادة لمنصب وزير. لذلك لم يتردد الأمين العام للحزب، امحند العنصر في اقتراح أوزين وزيرا للخارجية بمبرر أن له تجربة كاتب دولة سابق في نفس القطاع، يمكن استثمارها للنجاح في مهمته. لكن طلب العنصر قوبل بالرفض. لذلك ستكون من نصيب أوزين هذه المرة، حقيبة وزير، لكن في قطاع اسمه الشبيبة والرياضة. تحدث أوزين كثيرا حينما تحمل حقيبة الشبيبة والرياضة. وقال إنه جاء من أجل تثبيت حكامة جيدة في كل قطاعات وزارته، خصوصا تلك المتعلقة بالرياضة وعلاقتها بالجامعات. غير أن حلم الوزير سرعان ما تكسر على صخرة واقع رياضي تنخره المحسوبية والزبونية، وحوله الكثيرون إلى مجال للاسترزاق. لقد ظلت جل الجامعات الرياضية على حالها. ولم تكن بصمة الوزير واضحة في جلها إلا بدرجات قليلة، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالجامعات التي يصطلح عليها بجامعات السيادة، والتي لم يقو الوزير على الاقتراب منها. وعلى الرغم من أن الكثير من الفضائح تفجرت في وجهه وهو وزير على القطاع، إلا أن أوزين وقف عاجزا عن إيجاد الحلول الناجعة لها رغم كل الحماس الذي أبداه حينما تحمل المسؤولية. يتذكر المغاربة حكاية الأجر الفلكي الذي كانت تصرفه جامعة علي الفاسي الفهري للمدرب البلجيكي إيريك غيريتس، وكيف عجز هو الآخر، كما عجز قبله رئيس الحكومة، على الكشف عن قيمة هذا الأجر، رغم أنه قال مباشرة بعد تعيينه وزيرا، إنه لا يعقل ألا يتعرف المغاربة على أجر مدرب يستخلص من جيوبهم، وجيوب دافعي الضرائب. ويتذكرون فضيحة المنشطات التي هزت أركان الرياضة المغربية وهي تشارك في دورة الألعاب الأولمبية لسنة 2012 بلندن، وتحديدا في رياضة ألعاب القوى كيف اختفى السيد الوزير عن الأنظار، ولم يقو على الكشف عن حقيقة ما حدث، فقط لأن جامعة ألعاب القوى تصنف من ضمن جامعات السيادة التي لا يأتيها السؤال من بين يديها ولا من خلفها. وحينما نظم المغرب نسخة 2013 لكأس العالم للأندية، تسبب الوزير ومسؤولو قطاع الشبيبة والرياضة في فضيحة حفل الافتتاح، الذي طافت صوره العالم. وهو الحفل الذي قيل إنه كلف موارد مالية محترمة. وهو الحدث الذي خرج بسببه المغاربة ينادون بإقالة الوزير، أو استقالته. خطاب رفضه أوزين الذي ظل يردد لازمته المشهورة، إنه لن يستقيل ولن يقيله إلا ملك البلاد. اليوم، بعد أن تفجرت فضيحة ملعب الرباط، وصدر بلاغ ملكي يقول بتجميد أنشطته، قبل ان ينزل قرار الإعفاء مدويا. إعفاء لا يبدو مكتملا لانه أسقط شقا أساسيا هو محاسبة الوزير عملا بمنطوق دستور 2011 وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. الحق في المعلومة.. الحكومة تلتف على قانون يضمن الحريات الأساسية ظل الحق في المعلومة واحدا من أحلام المشتغلين في قطاع الصحافة والإعلام المكتوين بغياب مصادر الخبر ذات المصداقية. ولذلك فحينما حملت وثيقة دستور 2011 التنصيص على هذا الحق، استبشرت أسرة الإعلام خيرا بهذا المستجد، الذي لن يقف عند حدود الإعلامي، بل إنه يمكن أن يمتد للمواطن العادي الذي سيكون من حقه الحصول على المعلومة التي تعنيه في كل المجالات. غير أن الطريقة التي دبرت بها حكومة السيد بنكيران هذا الملف هي التي أثارت الكثير من الجدل، خصوصا تلك الطريقة التي صودق بها على هذا القانون. لقد أثارت المصادقة على مشروع قانون الحق في الولوج إلى المعلومة الكثير من الجدل، بعد أن أعلنت العديد من المنظمات غير الحكومية رفضها لصيغة مشروع القانون والمنهجية التي تم إعدادها بها، إذ اتهمت الحكومة بنهجها مسارا انفراديا في تحضير القانون الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة: فقد شملت الصيغة الجديدة استثناءات عديدة لمجالات لا تخضع لقانون الحق في المعلومة من قبيل الدفاع الوطني، وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور، أو المجال المتعلق بالعلاقات مع دول أخرى التي يمكن أن يؤدي الكشف عنها إلى إلحاق ضرر في العلاقة بها. وسجلت العديد من المنظمات المهتمة أن حق الحصول على المعلومات عرف عدة تراجعات جوهرية طبعت محتوى مشروع القانون في صيغته الجديدة والأخيرة. وهي التراجعات التي مست أغلب أبواب المشروع، وخصوصا فيما يخص المقتضيات المتعلقة بتدقيق الاستثناءات والحذف الكلي للمقتضيات المتعلقة بلجنة ضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وتحويل الجزء المتبقي من اختصاصاتها إلى مؤسسة الوسيط، مع إدخال مقتضيات مجحفة تضع قيودا على طالب المعلومات العمومية، فضلا عن حذفها للمقتضيات الزجرية المحدودة إزاء المخالفين المكلفين بإعطاء المعلومة المطلوبة. واعتبر المتتبعون أن هذا القانون غير منسجم مع منطوق وروح الدستور المغربي، ولا منطوق وروح الاتفاقيات والمعاهدات والمعايير الدولية ذات الصلة. كما دعوا إلى تصحيح الوضع التشريعي الذي يخص أحد القوانين الأساسية والمهيكلة المؤثرة في المسار الديمقراطي في البلاد، خصوصا أن تحضير مشروع القانون تم بطريقة انفرادية مطلقة وتكتم شديد دون أن تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات واقتراحات مكونات المجتمع المدني المغربي التي أعطت رأيها في المسودة الأولى من نص القانون، والتي كانت قد نشرت على موقع الأمانة العامة للحكومة. من جانبها، انتقدت منظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم) الصيغة الجديدة من القانون والتي لم تدخل عليها إلا بضعة تعديلات. ودعت الحكومة إلى مراجعة شاملة وجذرية للمسودة بهدف تجاوز العيوب الخطيرة التي تعتريها، ووصفت المشروع بالكارثي، وبأنه أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. وأضافت المنظمة في بيان لها أن التوصيات التي انتزعتها الفعاليات المجتمعية خلال المناظرة التي اضطرت الحكومة إلى تنظيمها ظلت مجرد حبر على ورق، معتبرة أن الرحلة الطويلة والمتعثرة لمسودة قانون الحق في الوصول إلى المعلومة تعبر عن عدم استيعاب الحكومة للمشروع الشامل، الذي يندرج فيه ضمان الحق في الحصول على المعلومات، وهو مشروع الشفافية و بناء الديمقراطية ومجتمع المعرفة ومحاربة الفساد والاستبداد، ومحاصرة الاحتكار وإيقاف إعادة إنتاج التفاوتات الاجتماعية. وأبدت «حاتم» خشيتها من أن يكون التخبط الذي مس الحق في المعلومة، جزءا من التراجع العام للدولة بصدد احترام الحقوق والحريات. وكان المجلس الحكومي قد صادق على مشروع هذا القانون الذي تقدم به الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، وهو المشروع الذي يهدف، حسب ما قاله الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، إلى المساهمة في ترسيخ الديمقراطية التشاركية قيما وممارسة عن طريق تحفيز المواطنين على المشاركة في مراقبة عمل الإدارة وفي اتخاذ القرار، وينص المشروع على طبيعة المعلومات ومسطرة الحصول عليها والاستثناءات وطرق الطعن والتشكي والتدابير الاستباقية من أجل ضمان نشر المعلومات. لا يخفي الحقوقيون أن قانون الحق في المعلومة والذي حمله دستور 2011، كان بمثابة بارقة الأمل بشأن جملة من القضايا التي تراهن على المزيد من الشفافية. لذلك ظلت الأصوات تنادي بضرورة إخراج هذا القانون. غير أن الصيغة التي اعتمدتها الحكومة في التعاطي مع هذا الملف، خصوصا ما يتعلق بالانفرادية في وضع تفاصيله، جعلت الكثيرين يرون في ذلك بداية لاستمرار الوضع كما كان عليه من قبل. فالكثير من المقتضيات التي كانت فلسفة وضع قانون للحق في المعلومة هي التي حركتها، تم القفز عليها مع مقتضيات مشروع القانون. لذلك تتم المراهنة اليوم على ما سيقوم به مجلس النواب من خطوات لتصحيح ما يجب تصحيحه، ومن أجل أن يكون هذا الحق في المعلومة بابا لحماية الحقوق الفردية والجماعية. هكذا فجر قانون «ما للملك ومالبنكيران» المسكوت عنه حينما يؤكد الفصل 42 من دستور 2011 على «أن جلالة الملك هو ضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الاسمي بين مؤسساتها، والساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات»، يرى المتتبعون أن ذلك يذكر بالتأويل التعسفي للفصل 19 من دستور 1996 الذي تم توظيفه لسن مجموعة من التشريعات. ويتعارض مع التأويل الديمقراطي للدستور، على اعتبار أن المعاني السامية الواردة فيه تبقى مرتبطة بالوظائف التحكيمية والسيادية الكبرى التي يتولاها الملك باعتباره رئيس الدولة. لقد كان الركن الأساسي لإصلاحات التسعينيات الدستورية قد تجسد في التأسيس لعلاقة أكثر توازنا بين الحكومة والبرلمان. في الوقت الذي سيصبح في دستور 2011 محددا للعلاقة داخل السلطة التنفيذية بين الحكومة والمؤسسة الملكية. وهو تحول فرضته الدينامية الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب خلال بداية سنة 2011 والتي مكنت من رفع سقف المطالب الدستورية. حيث سيؤكد خطاب 9 مارس 2011 على هذا التحول، عندما تحدث في المرتكز الرابع للتعديل الدستوري الشامل عن «توطيد مبدأ فصل السلط، وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها. وذلك من خلال حكومة منتخبة ومنبثقة عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، على أن تحظى بثقة أغلبية مجلس النواب. بالإضافة إلى تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، عملا بمنطوق المنهجية الديمقراطية. مع تقوية مكانة رئيس الحكومة كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، حيث يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية. وقيادة تنفيذ البرنامج الحكومي. وقد شكلت مسألة توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية أساس الإصلاح الدستوري لعام 2011، انطلاقا من الرغبة في تجاوز العطب الأكبر للبنيان الدستوري والمؤسسي لبلادنا، والمتمثل في غياب المسؤولية. وهو ما يجعل العديد من المساحات داخل السلطة التنفيذية، خارج منطق الرقابة والمسؤولية. في دستور 2011، احتفظ الملك بمكانته كرئيس للدولة مما يكرس سمو المؤسسة الملكية، فالفصل 42 يعتبر الملك رئيسا للدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستقرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها. هو الذي يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. كما أن الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. لقد حمل الفصل 41 ما يمتاز به الملك صلاحيات دينية حصرية، باعتباره أميرا للمؤمنين، ورئيس المجلس العلمي الأعلى. وهي صلاحيات توجد بالضرورة ضمن المجال المحفوظ للمؤسسة الملكية، شأنها في ذلك شأن التعيينات في الوظائف العسكرية التي تظل اختصاصا خاصا بالملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. أما الحكومة، فقد منحها دستور 2011 وصفا جد متقدم قياسا مع الصلاحيات التي سبق أن توفرت لها طوال التجربة الدستورية المغربية، منذ عمل دستور 1962 على دسترة تبعيتها للملكية على مستوى التشكيل والمسؤولية. وعلى مستوى الاختصاصات. ثم ما تعرضت له من تبعية مطلقة للملكية مع إنمحاء سلطة وزيرها الأول مع دستور 1970، حيث لم يعمل دستور 1972 فيما بعد سوى على انبعاث دورها المحدود والذي سيتعزز على مستوى المسؤولية مع دستوري 1992 و1996. لتصبح «حكومة دستور 2011»، حكومة «سياسية» و»منتخبة» جراء انبثاقها من الأغلبية النيابية. وهو ما يجعل من اكتمال وجودها القانوني والسياسي مرتبطا بلحظة التعيين الملكي. ثم بلحظة التنصيب البرلماني، حكومة تتمتع باستقلالية أكبر تجاه المؤسسة الملكية حيث رئيسها يعين من الحزب المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب، وهو من يقترح تعيين الوزراء وإعفاءهم، ولا يملك الملك حق إعفائه وإن كان يملك بعد استشارته أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة. وعلى مستوى الصلاحيات، فإن التقدم الذي جاء به دستور 2011 يتجلى في الصلاحيات التي تنتمي للمجال الحصري للحكومة، حيث تمارس صلاحيات ذاتية تقريرية تملك فيها الكلمة النهائية، من هذه الاختصاصات مثلا تنفيذ البرنامج الحكومي وضمان تنفيذ القوانين. وممارسة السلطة التنظيمية. والتعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية. وتنفيذ السياسات العمومية، والسياسات القطاعية. والمساهمة في الوظيفة التشريعية عن طريق مشاريع القوانين. وسلطة التعيين في الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية غير ذات الطابع الاستراتيجي. والخلاصة هي أن دستور 2011 سعى لاقتسام السلطة التنفيذية بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة. مع وجود مجال مشترك للسلطتين. فالحكومة تملك مثلا حق التداول في السياسة العامة للدولة. وحق اقتراح التعيينات في بعض الوظائف كالسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي. فيما يعود البت النهائي للمجلس الوزاري، الذي يرأسه الملك بمبادرة منه أو بطلب من رئيس الحكومة. كما يمكن للملك أن يفوض لرئيس الحكومة رئاسته بناء على جدول أعمال محدد. وهو المجلس الذي حافظ على صلاحيات تتعلق بطبيعة ما هو استراتيجي، وأمني، وترابي، وديبلوماسي. لقد سعت حكومة بنكيران إلى وضع مشروع قانون تنظيمي لكي تضع لها حدود التدخل، وتحسم في ما له وما للمؤسسة الملكية. وهو القانون المتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور، والذي يرتبط بالتعيين في المجلس الوزاري بالنسبة للمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية. وبتتميم لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة وتحديد مبادئ ومعايير التعيين في هذه الوظائف. وقد تضمن المشروع ستة مواد وملحقين، نظمت المادة الأولى لائحة المؤسسات العمومية الاستراتيجية التي يعين المسؤولون عنها بظهير بعد مداولة المجلس الوزاري، ولائحة المقاولات العمومية الاستراتيجية التي يصادق على تعيين المسؤولين عنها في المجلس الوزاري، وأحالت إلى الملحق الأول الذي يتضمن القائمة الحصرية لهذه المؤسسات والمقاولات. أما المادة الثانية فأحالت على الملحق الثاني الذي يتضمن لائحة الوظائف التي يتم التعيين فيها في مجلس الحكومة. لتحدد بعد ذلك المادة الثالثة مبادئ ومعايير التعيين في الوظائف السامية التي يتم التداول في شأنها في مجلس الحكومة. أما بالنسبة للمادة الرابعة فقد أحالت على نص تنظيمي لضبط مسطرة اقتراح المرشحات والمرشحين لشغل الوظائف السامية. بعد ذلك تعود المادة الخامسة للتعيين الذي يكون موضوع مداولة في مجلس الحكومة لتوضح أنه يكون بموجب مرسوم. وفي حالة المقاولات العمومية، فإن مجلس الحكومة يصادق على التعيين بمبادرة من الوزير المعني. ونصت المادة الأخيرة من مشروع القانون على الإبقاء على بعض الأحكام المتعلقة بمعايير ومساطر خاصة للتعيين في بعض الوظائف السامية بمقتضى تشريعات خاصة، شريطة عدم تعارضها مع ما يقره هذا المشروع من معايير ومبادئ في التعيين. لقد تعرض هذا القانون لجملة من الانتقادات، لأنه وضع أمام المجلس الوزاري بسرعة قياسية. ولأن بعض فقراته تذهب إلى حد تخلي الحكومة ورئيسها على الكثير من صلاحياته التي منحها إياه دستور 2011 لفائدة المؤسسة الملكية. لذلك عيب على عبد الإله بنكيران أنه لم يستثمر كل ما وفره الدستور الجديد من سلط للحكومة، التي تخلت بمحض إرادتها عن ذلك لفائدة المؤسسة الملكية. كيف تحول ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى مجرد شعار ظل الفساد وسوء التدبير، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالشأن العام، واحدا من الإكراهات التي ظلت تقف في وجه العديد من الإصلاحات. وظلت في المقابل جل الأحزاب السياسية، خصوصا تلك التي تصل إلى الحكم، تقدم نفسها على أنها جاءت لمحاربة هذا الفساد. لذلك سعت جل الحكومات المتعاقبة إلى سن مبدأ التصريح بالممتلكات، سواء تعلق الأمر بوزراء أو مسؤولين سامين أو برؤساء جماعات ترابية. غير أن دستور 2011 الذي جاء على أنقاض حركية المجتمع المغربي الذي كانت رياح الربيع العربي قد هبت عليه، اختار أن يجعل هذا المبدأ دستوريا وهو يتحدث صراحة عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة في مجال تدبير الشأن المالي من طرف الأشخاص والمؤسسات والهيآت التي أسند لها القيام بهذه المهام. أما لتفعيل هذا المبدأ، فقد منح الدستور للمجلس الأعلى للحسابات اختصاصات جديدة لم تكن متضمنة في ظل الدستور السابق، من قبيل تقييم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الرشيدة، والشفافية، والمساءلة، ومراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية، ومساعدة البرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة، مع الإجابة عن الأسئلة والاستشارات المرتبطة بمهام البرلمان في التشريع والمراقبة والتقييم المتعلق بالمالية العامة. وتقديم المساعدة للهيآت القضائية بهدف تحريك المتابعة القضائية، من خلال نشر التقارير الخاصة والمقررات القضائية، مع ضرورة رفع تقارير سنوية تتضمن بيانا عن ذلك، توجهه إلى رئيس الحكومة، وإلى رئيسي مجلسي البرلمان، مع نشرها بالجريدة الرسمية. كما يقدم الرئيس الأول للمجلس عرضا عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان يكون متبوعا بمناقشته. غير أن كل هذه الإجراءات الجديدة التي حملها دستور 2011، تكاد تصبح غير ذات جدوى حينما نتأمل أن الكثير مما وقف عليه المجلس الأعلى للحسابات من اختلالات لم يصل إلى القضاء. وأن ما وصل لم يتم الحسم فيه كما يجب. ولعل أكبر الأمثلة التي يتداولها الكثير من المتتبعين هي ما تعني مثلا خالد عليوة الذي وجهت له تهم سوء تدبير مؤسسة القرض العقاري والسياحي. والتي قادته إلى السجن قبل أن يتم إطلاق سراحه ومحاولة ربح الوقت لكي يطمس الملف بصفة نهائية. أو ملف وزير الشبيبة والرياضة محمد أوزين، الذي أقيل بسبب قضية ملعب المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط، دون أن يصل ملفه إلى القضاء عملا بمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد كرس الدستور الجديد الاختصاص العقابي للمجلس الأعلى للحسابات حيث أصبح بإمكانه أن يعاقب، عند الاقتضاء، عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون. ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها. ويعد اختصاص المعاقبة الذي منحه دستور 2011 سندا ومرتكزا رئيسيا لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بهدف وضع حد لهدر المال العام، وإعمال الحكامة الجيدة في التدبير، تلك الحكامة التي لازالت مفقودة في جل تدخلات الأشخاص والأجهزة والمؤسسات والهيآت المكلفة بمهام تدبير الشأن العام. إن ما يعاب اليوم على هذا المبدإ، هو أن تنزيل مقتضيات الدستور الجديد على أرض الواقع في مجال الحكامة المالية الجيدة، يقتضى ملاءمة قانون المحاكم المالية مع هذه المقتضيات لتوضيح العلاقة بين المحاكم المالية والجهاز القضائي المخول له المتابعة عن كل إخلال بقواعد التدبير والتسيير المالي. خاصة بعد رصد المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير لخروقات كبيرة من طرف مؤسسات وأجهزة وهيئات في مجال تدبير الأموال العمومية، والذي كشف عن استمرار نزيف العبث بالمال العام. لقد أصبح من واجب النيابة العامة أن تعمل على تحريك الملفات ومتابعة كل من ثبت تورطه في هدر واختلاس المال العام، بتنسيق وتعاون مع المجلس الأعلى للحسابات وإقرار شراكة حقيقية وتنسيق دائم بين الجهاز القضائي والمجلس الأعلى للحسابات. لأنه لا يمكن أن يتوقف النزيف المالي دون أن تكون هناك متابعة قضائية حقيقية تعطي المثل لكل من تسول له نفسه العبث بالمال العام. فالدستور الجديد يوفر لرئيس الحكومة، والأجهزة المختصة، وسائل قانونية هامة من شأنها إن تم تفعيلها أن تشكل نقطة تحول في مجال مكافحة الفساد. لقد ولى عهد التستر والتكتم على الفضائح المالية التي طبعت الحياة التدبيرية للمال العام، ففي ظل الحكومات السابقة تواطأت نخب سياسية مع نخب إدارية مسؤولة عن أجهزة الرقابة المالية للتغطية على مثل هذه الجرائم والاستمرار في نهب المال العام، وكان بالطبع الضحية هي الطبقات الفقيرة والمستضعفة وحتى الطبقة المتوسطة التي أصبحت بدورها تعاني من الهشاشة والفقر والتهميش والإقصاء، بسبب سوء التدبير والتسيير والإفلات من العقاب وعدم التفعيل الحقيقي لتقارير وتوصيات الأجهزة المسؤولة عن حماية المال العام. فما الجدوى والفائدة من تواجد مؤسسات دستورية إذا لم يتم العمل على تفعيل توصياتها والأخذ بعين الإعتبار ملاحظاتها للارتقاء بجودة التدبير والمعاقبة عن كل إخلال وعبث بالمال العام .