مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    مقتل 10 اشخاص في حريق بدار للمسنين في شمال شرقي لإسبانيا    شرطي بكلميمة يستعمل سلاحه الوظيفي في وجه سائق سيارة رفض الامتثال واخترق الحاجز الأمني    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    ذكرى عودة محمد الخامس من المنفى: مناسبة لاستحضار أمجاد ملحمة بطولية في مسيرة الكفاح الوطني لنيل الاستقلال    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا        زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا        وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    النيابة العامة وتطبيق القانون    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    دراسة حديثة تكشف ارتفاعا كبيرا في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023        "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الحدود بفاس.. نزاع حول 500 هكتار يتحول إلى ملف للتجاذبات السياسية
المساء تعيد تركيب حكاية أشرس حرب للحدود بين شباط وجماعة أولاد الطيب
نشر في المساء يوم 25 - 02 - 2015

لم يكن يدور في خلد والي الجهة السابق، محمد غرابي، المحال على التقاعد بعد إشرافه على مديرية قسم الشؤون العامة في وزارة الداخلية، أن تقطيعا جديدا أجراه بين كل من جماعة أولاد الطيب القروية والمجلس الجماعي لمدينة فاس سيتفجر فيما بعد، وسيتحول إلى أكبر حرب للحدود بين جماعتين يعرفها المغرب، وبعد ذلك، إلى أحد أكبر الملفات التي استخدمت في التجاذبات السياسية بين حزب الأصالة والمعاصرة، في البداية، ضد حزب الاستقلال، وبعد ذلك، بين حزب العدالة والتنمية وحزب شباط، في المرحلة الموالية، قبل أن يتطور ملف القضية ويصل إلى دعوى للطعن رفعتها الجماعة القروية أولاد الطيب ضد قرار أصدره وزير الداخلية لفائدة المجلس الجماعي لفاس، معتبرة أن القرار لا يمكنه أن يلغي المرسوم، وأبدت تمسكها بالتقسيم القديم، حيث قالت إن عائدات العقارات من شأنها أن تساهم في تنمية ميزانية هذه الجماعة التي تصف نفسها بالفقيرة، وتحتاج إلى موارد مالية لإقرار مشاريع تنموية محلية.
أصل «الحرب»
في إطار استعداداتها لانتخابات سنة 2009 الجماعية، قررت وزارة الداخلية إلحاق سكان دوارين عشوائيين (دوار البورصي ودوار السباطي)، بالنفوذ الترابي للجماعة الحضرية لفاس، بعدما كانا يتبعان في السابق للمجلس القروي أولاد الطيب. هذه العملية، اعتبرها اتحاديون ضربة موجعة يتلقونها في الجماعة القروية، لأن الدوارين العشوائيين يعتبران من أبرز قلاعهما في الجماعة القروية، لكن مع ذلك، فقد مرت العملية في هدوء، قبل أن تعرف القضية تطورات مثيرة. فقد اعتبر المجلس الجماعي لفاس أن إعادة النظر في التقسيم الانتخابي، يعني أوتوماتيكيا أن ما يقرب من 500 هكتار تفصل بين الجماعتين، وهي في ملكية الجماعة القروية لأولاد الطيب، أصبحت في ملكية المجلس الجماعي لمدينة فاس، حيث بدأ عمدة المدينة إجراءات منح التراخيص لعدة شركات عقارية لتحويل المنطقة الاستراتيجية، التي توجد في مدخل المدينة من جهة مطار فاس الدولي، مما أثار حفيظة المجلس القروي، والذي قرر رئيسه أن يفجر قنبلة ما أصبح يعرف ب»حرب الحدود» بين الجماعتين، ودافع عن حق الجماعة القروية في الحفاظ على أرضه، بالرغم من إلحاق سكان دوارين صغيرين انتخابيا بالمجال الحضري.
الجماعة القروية أولاد الطيب، في مرافعاتها، أشارت إلى أن التقسيم الانتخابي يختلف كلية عن التقسيم الإداري، وقالت إن آخر تقسيم إداري بين الجماعتين يعود إلى مرسوم وزاري صدر سنة 1998، وفي غياب مرسوم جديد يعيد النظر في هذا التقسيم الترابي، فإن كل الإجراءات التي يقوم بها المجلس الجماعي لمدينة فاس فوق أراضي الجماعة هي بمثابة «احتلال».
كرة الثلج بدأت تكبر قبل أن يغادر والي الجهة السابق، محمد الغرابي، منصبه كوالي للجهة، رغم أنه اضطر إلى التدخل لتصحيح بعض أخطاء التفويتات في الحدود بين الجماعتين، لكنه عجز عن وقف تطورات القضية. فقد كان والي جهة فاس قد وجه رسالة إلى رئيس المجلس الجماعي لفاس يطالبه فيها ب»ضرورة ربط الاتصال مع الخازن الجماعي من أجل اتخاذ الترتيبات اللازمة» لإعادة مبلغ يقدر ب 283020 درهما، كانت ميزانية المجلس قد استفادت منه على إثر بناء المركب التجاري «مرجان» في صيغته الثانية بالمدينة، حيث إن القطعة التي أحدث فيها المركب تعود في ملكيتها إلى الجماعة القروية أولاد الطيب، لكن مبلغ التفويت تم ضخه، مع ذلك، في صندوق المجلس الجماعي لفاس. تاريخ المراسلة يعود إلى 19 نونبر 2009، ويشير فيها الوالي السابق للجهة إلى أن العقار كان تابعا في جله، في الفترة التي تمت فيها عملية التفويت، للنفوذ الترابي للجماعة القروية أولاد الطيب. وأكد والي جهة فاس بولمان، في هذه المراسلة، أن هذه الجماعة هي التي لها الاختصاص في منح الترخيص لهذا المركب التجاري. بعد معارك بين الطرفين، استطاعت الجماعة القروية أن تستعيد ثمن تفويت الأرض، لكن «حرب الحدود» بين الجماعتين بقيت مفتوحة، وازدادت حدتها، بعد أن غادر الوالي السابق منصبه في اتجاه مديرية قسم الشؤون العامة التي تولى إدارتها، لسنوات، قبل أن يحال على التقاعد.
قلعة «الجرار»
أثناء تفجر القضية، لم تدخل جماعة أولاد الطيب المعركة دون مظلة سياسية. فقد قرر قبل ذلك عدد كبير من المستشارين في هذه الجماعة، رفقة رئيسها رشيد الفايق، الانسحاب جماعة من حزب الاستقلال، والالتحاق بركب حزب الأصالة والمعاصرة، والذي بدأ قويا، في المشهد السياسي، ونجح في استقطاب عدد كبير من الأعيان في مختلف مناطق المغرب، إلى جانب مجموعات كانت في السابق تنشط في صفوف اليسار الراديكالي. وتحولت الجماعة القروية إلى إحدى قلاع حزب الأصالة والمعاصرة، ومنها أطلق حزب «الجرار» طلقات مدفعيته الثقيلة تجاه حزب الاستقلال، وعمدة فاس الذي كان، من جهته، في كوكبة السياسيين الذين شنوا حملة انتقادات شديدة اللهجة تجاه ما أسموه «الوافد الجديد» في الساحة السياسية. وعقد حزب «البام» في هذه القلعة القروية، تجمعات حاشدة، وحمل حكيم بنشماس، أحد الوجوه اليسارية في الحزب، ومن أبرز أصواته المؤثرة في البرلمان، الملف وفجره تحت قبة مجلس المستشارين، ولم يتردد في المطالبة بفتح تحقيق في ملابسات «حرب الحدود». فيما ارتبط اسم رئيس الجماعة على الصعيد الوطني بتداعيات هذه الحرب حامية الوطيس بين الجماعتين.
وفي بداية شهر نونبر من سنة 2010، وجه حزب الأصالة والمعاصرة رسالة شديدة اللهجة إلى والي الجهة السابق، محمد غرابي، والذي كان يتهم محليا ب»ترجيح» كفة حزب الاستقلال وعمدة المدينة، حميد شباط، على كفة الأحزاب السياسية الأخرى. الرسالة قالت إن الطريقة التي تعالج بها ولاية الجهة ملف «حرب الحدود» بين الجماعتين، فيها ترجيح لكفة المجلس الجماعي على حساب الجماعة القروية، واعتبرت أن مصالح ولاية الجهة تتستر على «الخروقات الإدارية والمالية والقانونية لرئيس الجماعة الحضرية لفاس». ورد والي الجهة السابق على هذه الرسالة في اليوم الموالي لتوصله بها (الرد مؤرخ في 5 نونبر الماضي)، حيث أشار إلى أن موضوع ترسيم الحدود بين الجماعة الحضرية لفاس والجماعة القروية أولاد الطيب «قد تم رفعه للمصالح المركزية المختصة بوزارة الداخلية قصد البت فيه طبقا للقوانين والمساطر الجاري بها العمل في هذا الشأن»، وأضاف والي الجهة السابق في رده، هذا في وقت حاولت فيه الوكالة الحضرية لفاس، منذ بداية الحرب، توخي الحذر والرجوع إلى الوراء، والتزام «الحياد»، موردة في مراسلات رسمية لها، أن آخر ترسيم للحدود بين الجماعتين يعود إلى 15 يناير 1998، وقرأت هذه الأجوبة من قبل الجماعة القروية أولاد الطيب على أنها انتصار ل»الشرعية».
حكم قضائي
في أكبر ضربة تلقاها المجلس الجماعي لمدينة فاس، قضى حكم ابتدائي صادر عن المحكمة الإدارية لفاس، (الحكم عدد 1055 في الملف الإداري عدد:2/5/2011)، بالإلغاء الجزئي للقرار الصادر عن رئيس المجلس الجماعي بفاس تحت عدد 248/2010 في حدود 6 في المائة من العقار ذي الرسم عدد 79288/07 لكونها خارجة عن دائرة نفوذ الجماعة الحضرية لفاس، مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك. وفي تفاصيل القضية التي أثيرت على هامش حرب الحدود بين الجماعتين، فإن المجلس لجماعي لفاس قد رخص لشركة تدعى «شركة التنمية العقارية» في المنطقة المتنازع عليها من أجل تجزئة وبناء مجموعة سكنية، وقالت الجماعة القروية أولاد الطيب وهي تدخل الملف إلى القضاء الإداري إن العقار تابع لنفوذها، وأضافت بأن ما قام به المجلس الجماعي يعتبر تجاوزا للاختصاص وشططا في استعمال السلطة، وقالت إنها استعملت مع الشركة المعنية جميع الوسائل الحبية لإيقاف الأشغال دون جدوى. وبالرغم من أن الشركة العقارية دافعت عن نفسها بالتأكيد على أن النزاع بين الطرفين لا يعنيها في شيء، وتدخل المجلس الجماعي لفاس معتبرا أن العقار يتبع لمقاطعة سايس، والتي أصبحت مقاطعة تابعة للجماعة الحضرية لفاس، فإن الجماعة القروية أولاد الطيب أدلت بمرسوم يحدد التقسيم الإداري، وهو المرسوم الصادر في 15 يناير 1998، وأكدت خبرة مختص أن ترخيص المجلس الجماعي للمشروع العقاري المطعون فيه يوجد داخل تراب جماعة أولاد الطيب بما قدره 6 في المائة، والباقي منه يوجد فوق تراب الجماعة الحضرية لفاس. وذهبت المحكمة، وهي توجه ضربة موجعة للمجلس الجماعي لفاس، إلى أن «تحديد حدود وإحداثيات الجماعتين إنما يرجع فيه إلى مرسوم 15 يناير 1998 المشار إليه آنفا والذي استند إليه الخبير في وضع تقريره، وإنه في غياب ما يفيد تعديل هذا المرسوم أو تغييره بمرسوم آخر يبقى هو المرجع والمستند الوحيد لمعرفة حدود الجماعتين المدعيتين». واستمرت الجماعة القروية في حروب صغيرة لإيقاف عدد من مشاريع التجزئات السكنية التي رخص لها المجلس الجماعي لمدينة فاس بالمنطقة.
وإلى جانب هذه المعركة القضائية المثيرة، فقد سبق لمنتخبين تابعين للجماعة القروية أولاد الطيب أن خلقوا الحدث عندما نزلوا فيما يشبه الاحتجاج الجماعي إلى الميدان، حيث فرضوا إيقاف أشغال تثنية الطريق بين الجماعتين، بسبب لوحات «إشهارية» تشير إلى أن الجماعة الحضرية لفاس هي التي تشرف على إنجاز الأشغال في منطقة تعتبرها الجماعة القروية ضمن الأراضي التي فجرت حرب الحدود بين الطرفين. واعتبر المنتخبون أن إشراف الجماعة الحضرية على هذه الأشغال سيعطي الشرعية ل»احتلالها» لهذه الأراضي، وطلبوا من وزارة الداخلية التدخل لإعطاء المشروع إلى «جهة محايدة» لكي تشرف على الأشغال، وهو ما تم بإدخال وزارة التجهيز كجهة تولت متابعة ورش تثنية الطريق، وأجبرت الجماعة الحضرية لفاس على «إنزال» لوحاتها الإشهارية التي علقتها في مدخل الجماعة القروية لأولاد الطيب.
ووجدت مؤسسة العمران نفسها بدورها في وضعية حرجة عندما اعترضت الجماعة القروية أولاد الطيب على تحفيظ تجزئة سكنية شيدتها في دوار «السباطي» العشوائي، بناء على رخصة حصلت عليها من قبل المجلس الجماعي لمدينة فاس. الجماعة القروية أكدت أنها الجهة المخولة من الناحية القانونية لإعطاء مثل هذه التراخيص، واستغربت لجوء مؤسسة العمران إلى جهة غير مختصة للحصول على وثيقة للبناء في أرض تابعة لها، وفي ظل توقف المشروع، وجدت العشرات من الأسر التي اقتنت شققها في هذا السكن الاجتماعي في وضعية حرجة لأنها لم تتمكن من الحصول على وثائق التملك، وبالتالي ولوج مساكن اقتنتها، دون أن يكون لها دخل في تفاصيل صراع كبير أقحمت مؤسسة العمران فيه نفسها، رغم أن مسؤوليها كانوا على علم بمجرياته.
قصة «انسحاب»
جرت الكثير من المياه تحت الجسر في هذه الحرب. فقد أتت صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية لسنة 2011 بحزب العدالة والتنمية، الذي شكل الحكومة رفقة أحزاب أخرى، بينما اصطف كل من حزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي في المعارضة. وبدأت بوادر التقارب بعد الاتهامات النارية المتبادلة طيلة سنوات بين حزب «البام» وحزب الاستقلال، إلى أن حصل التحالف في إطار أحزاب المعارضة. وكل ما تم التقارب بين الطرفين، كل ما كان ذلك على حساب «حرب الحدود»، مما جعل أغلبية المستشارين في جماعة أولاد الطيب تقرر مرة أخرى النزول من حزب «الجرار»، متهمة إياه بالتخلي عن قضية النزاع الترابي. ومن جهته، بدأ حزب العدالة والتنمية، الذي فك الارتباط بحزب الاستقلال وأمينه العام الجديد، حميد شباط، جراء خروجه من الحكومة إلى المعارضة وشنه حملة انتقادات ضد حكومة بنكيران، يثير الملف شيئا فشيئا إلى أن أصبح من أكثر القضايا المثارة في البرلمان ضد عمدة المدينة، الأمين العام لحزب الاستقلال. وقررت الأمانة العامة للحكومة، في ظل هذه الحرب، الإطاحة لمرتين بتصميم تهيئة مدينة فاس. وظل جل المتتبعين يعتبرون أن تبني رئيس الحكومة لهذا الملف سينهي «حرب الحدود»، وسيعيد الاعتبار للجماعة القروية، لكن تطورات مثيرة عرفتها الحرب، جعلتها تفتح على آفاق أخرى. فقد قرر وزير الداخلية، في مفاجأة غير متوقعة، إصدار قرار صدر في الجريدة الرسمية لصالح الجماعة الحضرية لفاس، مما جعل الجماعة القروية تطعن في القرار، وترفع دعوى قضائية في المجلس الدستوري والمحكمة الإدارية للمطالبة ب»إبطال مفعوله». وشيئا فشيئا، تخلى حزب العدالة والتنمية بدوره عن الملف، وأسدل الستار في مؤازرته تحت قبة البرلمان وفي تجمعاته، على مرافعاته التي ظلت تطالب بإنصاف الجماعة القروية التي وجدت نفسها شبه وحيدة تواجه المجلس الجماعي لفاس في حرب ضروس، بعدما سبق له أن أجهز على مساحات شاسعة من أراضيها، حيث تؤكد المعطيات التاريخية أن عددا من الأحياء في وسط المدينة، ظلت في وقت سابق تابعة لهذه الجماعة القروية، قبل أن يجهز عليها في مدينة فاس تحت يافطة ما يعرف ب»التوسع العمراني».
معركة «الرباط»
أثارت تصريحات رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية وتصريحات رئيس الحكومة، في إطار شد الحبل بين حزب «المصباح» وحزب «الميزان»، حول ملف «حرب الحدود»، الكثير من المتابعات الإعلامية على الصعيد الوطني، وفي ظل هذه التجاذبات، فاجأت وزارة الداخلية الجميع بقرار حسم النزاع لصالح الجماعة الحضرية لمدينة فاس. تراجعت حدة التجاذبات السياسية اعتمادا على ملف القضية، لكن الجماعة القروية أولاد الطيب لم تجد من خيار آخر أمامها سوى رفع دعوى قضائية في المحكمة الإدارية بالرباط ضد القرار للمطالبة بإبطال مفعوله. وقال المحامي أحمد حرمة، في دعوى الإلغاء، إن اقتطاع الأرض المتنازع عليها ضدا على إرادة الجماعة القروية لفائدة المجلس الحضري لفاس، قد أضرت بالمصالح الحيوية لجماعة أولاد الطيب. وتحدث على أن القانون ينص على أنه لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى، وأشار إلى أن الدستور المغربي يميز بشكل لا لبس فيه بين التقطيع الانتخابي والتقطيع الترابي، وأكد على أن الأساس الذي قرر بموجبه وزير الداخلية اقتطاع أجزاء من الجماعة القروية هو أساس انتخابي وسياسي محض. وزاد في التأكيد على أن من شأن هذا القرار أن يعيق تنمية الجماعة القروية وأن يخنق تطورها. ودافع المحامي حرمة عن مبدأ تراتبية القوانين، في إشارة إلى أن القرار الصادر عن وزير الداخلية لا يمكنه أن يلغي المرسوم، وبأن المرسوم يحتاج إلى مرسوم آخر لإلغائه.
لماذا تمسكت «أولاد الطيب» ب 500 هكتار من أراضي الحدود مع فاس؟
في رسالة إلى رئيس الحكومة، بتاريخ 16 أكتوبر 2014، تحدثت الجماعة القروية أولاد الطيب على أن مشكل الحدود بين الجماعتين اتخذ منحى تصعيديا في السنوات الأخيرة، متهمة المجلس الجماعي لمدينة فاس ب»محاولة الهجوم والاعتداء الممنهج» على أراض وعقارات تابعة للنفوذ الترابي للجماعة القروية. وقالت الجماعة وهي تطالب بالإبقاء على التقسيم الترابي القديم لسنة 1998، إن هذا الرصيد العقاري والذي يقدر بحوالي 500 هكتار، من شأنه أن يلعب دورا مهما في «إخراج وانتشال الجماعة القروية من ضعف وفقر مداخيلها الذاتية عبر استخلاص الرسوم والضرائب المتعلقة بعمليات البناء والتجزئات». وأكدت الجماعة على أن القضاء الإداري قد قال كلمته في هذا النزاع، حيث أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكما ابتدائيا يقر بحق الجماعة على هذه العقارات، قبل أن تضيف المراسلة أن الجماعة تستخلص حاليا نصيبها من الرسم المهني المفروض على المركز التجاري
«مرجان»، والذي كان من التفويتات التي فجرت الأزمة بين الطرفين. واشتكت الجماعة القروية رئيس المجلس الجماعي لفاس، حميد شباط، إلى رئيس الحكومة، وأوردت أنه يسلم التراخيص لمشاريع وتجزئات سكنية فوق هذه الأراضي، ويستخلص من أصحابها الرسوم والضرائب المتعلقة بعمليات البناء والتجزئات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.