سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التربية غير النظامية.. معركة حكومية بدون سلاح لإعادة الأطفال إلى فصول الدراسة أطفال حرفيين سرعان ما ينقطعون عن الدراسة وأبناء عالم قروي في مواعيد مع مواسم الفلاحة
لا يعرف «مراد» البالغ من العمر 12 سنة أي شيء عن اليوم الوطني للتربية غير النظامية، الذي تخصصه وزارة التربية الوطنية لعقد لقاءات مع الجمعيات التي أسندت إليها مهمة «القيام بالواجب» والنظر في حصيلتها والاستماع إلى جزء من مشاكلها مع آباء الأطفال المستهدفين ومدراء المؤسسات التعليمية التي يلجؤون إليها لتكوين هذه الفئة الخاصة من التلاميذ. كل ما يعرفه هذا الطفل هو أن والده «عبد العزيز» قرر سحبه من المدرسة وهو في الصف الرابع ابتدائي لكي يساعده في مهنة طرز «البلاغي» بإحدى غرف منزل العائلة الضيق وسط زقاقات فاس العتيقة. ولا يبالي الأب كثيرا بالقانون، الذي يمنع تشغيل الأطفال، كما أنه لا يعير أي اهتمام لخطاب يقول إن الموقع الطبيعي لابنه «مراد» هو حجرة الدراسة إلى أن يبلغ 15 سنة، وليس الجلوس بجانبه صباحا لمساعدته في صنع «البلاغي» والخروج معه في المساء إلى السوق لعرض ما أنتجه من هذه السلعة التقليدية. يقول «عبد العزيز» إن إمكانياته المادية لا تسمح له بتدريس ابنه الأكبر، ولذلك قرر سحبه من الدراسة لكي يمد له يد العون في ورشته، وسط منزل مهدد بالانهيار بغرف معدودة وضيقة، يتقاسم الضجيج فيه مع عدة عائلات. قلق لا يتوقف تؤرق ظاهرة تشغيل الأطفال في الحرف التقليدية بفاس العتيقة بال مسؤولي أكاديمية جهة فاس بولمان. فقد قال محمد ولد داداه، مدير الأكاديمية، في لقاء صحفي مصغر، على هامش لقاء مع الجمعيات الفاعلة في مجال التربية غير النظامية، مساء أول أمس الاثنين، إن إنجاح المشروع يقتضي التنسيق مع الحرفيين من أجل محاربة هذه الظاهرة. ويقر هذا المسؤول بصعوبة محاربة الظاهرة، فوزارة التربية الوطنية لا ترغب في اعتماد ما سماه مدير هذه الأكاديمية ب«المقاربة البوليسية»، لكنها، في السياق ذاته، تؤكد على إلزامية تمدرس كل الأطفال المغاربة إلى حدود 15 سنة، وفي الوقت نفسه لا تتوفر على إمكانيات مادية كبيرة من شأنها أن تشجع الآباء على إتاحة الفرصة لأبنائهم من العودة إلى سلك التعليم أو ولوجه لأول مرة. وتعتبر فاس من أهم المدن التي تعرف ظاهرة تشغيل الأطفال في الحرف التقليدية، بالنظر إلى كونها من أهم أقطاب الصناعة التقليدية بالمغرب. وإلى جانب هذه الظاهرة، فإن مسؤولي الوزارة بالجهة منشغلون بإدماج الأطفال المشردين في مشروع التربية غير النظامية. وبالرغم من هذا الانشغال، فإن أكاديمية فاس بولمان لا تتوفر على إحصائيات حول عدد الأطفال الذين يشتغلون في المهن التقليدية. ونفس الغموض في الأرقام ينطبق على أطفال الشوارع. ومع ذلك، فإنها تبرم كل سنة اتفاقية تعاون مع جمعيات المجتمع المدني في مدن الجهة وقراها للتكفل بهذا القطاع. وتشترط الوزارة في صرف منحة 24 ألف درهم كل سنة لكل جمعية من هذه الجمعيات إعداد قسم لا يقل عدد التلاميذ به عن 15 طفلا يتكفل بهم منشط برتبة مدرس. أوضاع مختلة «رشيد نوار»، البالغ من العمر 35 سنة، يترأس جمعية «الحجرة الشريفة للتنمية القروية» بضواحي إقليم مولاي يعقوب، ويعمل منشطا بها، حضر هذا اللقاء، وقال إنه يتولى تأطير 26 تلميذا مقابل منحة 24 ألف درهم تصرف للجمعية كل سنة بناء على اتفاقية بينها وبين الوزارة، تلزم الجمعية بأن تصرف المبلغ كله لأداء أتعاب المنشط، الذي يكون غالبا حاصلا على شهادة الإجازة ويعاني من العطالة قبل أن يلج هذا المجال دون أن يستفيد من أي تكوين قبلي في تقنيات التدريس. ويشير «رشيد» إلى أنه يعاني، بشكل أساسي، من الغيابات المتكررة لتلاميذه بسبب ارتباطهم بمواعيد أخرى فلاحية، كموسم جني الزيتون والحرث، يجب أن يكونوا فيها مع آبائهم لمساعدتهم. ومن أصل 24 تلميذا في السنة الفارطة لم يتمكن هذا المنشط، الذي يسدي خدماته لتلاميذه بفرعية سبع رواضي بإقليم مولاي يعقوب، من تنشيط سوى 9 تلاميذ. وأغلب هؤلاء سينقطعون عن الدراسة مرة أخرى بسبب بعد المدرسة عنهم أو لالتزامات العائلة بمواسم فلاحية أو لغياب الإمكانيات المادية الذي يعلل به الأب قرار سحب ابنه من حجرة الدراسة. ولا يتحدث «رشيد» عن أوضاع تلامذته فقط، بل يؤكد على أن وضعه كمنشط يستلزم بدوره إعادة النظر. فكل المنشطين يعيشون بطالة مقنعة يمكنها أن تنتهي بتوقف الاتفاقية المبرمة بين الجمعية وبين الأكاديمية. وهذا الوضع الاجتماعي الهش يؤثر على معنويات هؤلاء المنشطين الذين تراهن عليهم الدولة لإرجاع عدد كبير من الأطفال إلى قاعات الدراسة. ويتحدث «مراد بن الشيخ»، رئيس جمعية «المصباح للطفولة والشباب» بمنطقة «عين الشقف» بضواحي فاس، عن غيابات متكررة ل27 تلميذا، هو عدد الأطفال الذين يتابعون دراستهم لدى هذه الجمعية في حجرة للدراسة كانت قبل ذلك عبارة عن منزل عائلي اكترته الجمعية للغرض ذاته. وتتوفر الجمعية على 4 سنوات من التجربة. ويتحدث رئيسها عن أن الانقطاع يهدد باستمرار تلاميذ دواوير المنطقة، مهما نجحت الجمعية في إعادتهم إلى فصول الدراسة بالنظر إلى بعد المدارس عن الدواوير وغياب الطرق المعبدة ووسائل النقل والمؤسسات التي من شأنها احتضان هؤلاء الأطفال. المشروع الحكومي «تيسير»...«مانضات» لأولياء التلاميذ لإرسال أبنائهم إلى المدارس يراهن مدير أكاديمية فاس على مشروع «تيسير» الحكومي لدفع العائلات في المناطق الأكثر فقرا في الجهة إلى بعث أبنائها إلى المدارس الحكومية مقابل منحة مالية سيتوصل بها الآباء عبارة عن «مانضا» عبر «بريد المغرب» أو عبر «اتصالات المغرب» في حال كان دوار العائلة بعيدا. ويرتقب أن يشمل هذا البرنامج 8 جماعات فقيرة في مدينة بولمان و8 جماعات في إقليم مولاي يعقوب و7 جماعات في مدينة صفرو. واعتمدت وزارة التربية الوطنية في اختيار هذه الجماعات على إحصائيات وزارة الداخلية، التي تم الاعتماد عليها لتعميم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ويؤكد محمد ولد داده، مدير الأكاديمية، على أن برنامج «تيسير» سيحد من تشغيل الأطفال ومن تشردهم في مدينة فاس. وسيمكن هذا البرنامج ولي التلميذ الذي يدرس في السنتين الأولى والثانية ابتدائي من 60 درهما كل شهر، وسيتوصل عن كل ابن يدرس في السنتين الثالثة والرابعة ابتدائي ب80 درهما. وترتفع هذه «المانضا» إلى 100 درهم عن كل تلميذ يدرس في السنتين الخامسة والسادسة ابتدائي. وستؤدى هذه المنحة عن كل أطفال العائلة الواحدة الذين يتابعون دراستهم، شريطة أن لا يتعدى عددهم 6 أطفال. ولإنجاح المشروع، ولكي يتمكن الآباء من التوصل بهذه المنح وحتى لا يضطر بعضهم إلى سحب أطفالهم من الدراسة، لجأت الأكاديمية إلى مراسلة ولاية الأمن والقيادة الجهوية للدرك تطلب منها إصدار تعليماتها إلى مسؤولي دوائرها لتبسيط المساطر أمام هؤلاء الآباء للحصول على بطائق التعريف الوطنية لكي يتمكنوا من سحب حوالات الوزارة لدى أقرب وكالة لبريد المغرب. لكن قبل صرف هذه الحوالة، سيكون الأب ملزما بالتوقيع على سجل خاص تراقب فيه إدارة المؤسسة مدى حرص ولي الأمر على أن يواظب ابنه على حضور كل حصص التدريس. ويفضي كل تغيب للتلميذ لمدة خمسة أيام بدون مبرر إلى توقيف منح الحوالة.