فجر تقرير لشركة عالمية متخصصة في برامج الحماية عن فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكي على رؤساء دول وأشخاص عاديين من كل دول العالم، بما فيها المغرب، فيما ذهب خبراء وعملاء سابقون في الوكالة الأمريكية المثيرة للجدل إلى أن نشاط أمريكا التجسسي تغذيه نزعة للسيطرة على العالم والتحكم في جل المعلومات المتداولة فيه، حيث تظهر سجلات التجسس أن البرامج استهدفت أناسا عاديين، خبراء، كتابا، مبدعين، ونشطاء إسلاميين في كل مكان. جمعت ملايين المعلومات عن إسلاميين كشف باحثون بشركة «كاسبريسكي» الروسية، المتخصصة في برامج الحماية، أن أغلب الحواسيب الشخصية في العالم تخضع لتجسس مستمر من طرف وكالة الاستخبارات الأمريكية، مما مكن جواسيس الوكالة من جمع ملايين المعلومات الشخصية من كل بقاع العالم عن أشخاص عاديين أو مسؤولين مهمين، قبل أن تخضع كل تلك المعلومات المجمعة للغربلة عبر برمجيات متطورة، وتصنيفها حسب أهداف الوكالة الأمريكية، في إطار سعي أمريكا إلى الاستمرار في صدارة العالم والسيطرة عليه. الشركة الروسية «كاسبيرسكي» كشفت أن شركات أمريكية متعددة ورائدة في الصناعة متورطة في فضيحة التجسس، وسارعت بعض الشركات العالمية التي ذكر اسمها في التقرير إلى نفي علمها بما تقوم به وكالة الاستخبارات، في الوقت الذي امتنعت شركات أخرى ذكر أيضا اسمها في التقرير عن التعليق، حيث سارعت كل من «ويسترن ديجيتال» و«سيجيت» و«ميكرون» إلى الإعلان أنها لا علم لها باستعمال منتجاتها في التجسس في حين امتنعت شركات «توشيبا» و«سامسونغ» عن التعليق. التقرير المثير يشير إلى أن الوكالة الأمريكية تلجأ إلى إخفاء برمجيات تجسس في الأقراص الصلبة «هارد ديسك»، التي تنتجها شركات «وسترن ديجيتال» و»سيجيت» و»توشيبا» وغيرها، مما مكن الوكالة من التجسس على أغلب أجهزة الكمبيوتر في العالم. وبدأت حكاية الكشف عن التجسس الأمريكي عندما أعلنت شركة «كاسبريسكي» أن أجهزة حواسيب شخصية في أكثر من 30 دولة مصابة ببرنامج تجسس واحد. ورغم أن «كاسبريكسي» أعلنت أن أغلب الحالات سجلت في دول منها الجزائر، الصين، سوريا، مالي وروسيا، إلا أن ذلك لا يعني أن الوكالة استثنت الدول الأخرى، إذ شمل التجسس جميع دول العالم، ولم يقتصر على الحواسيب الشخصية فقط، بل وصل الأمر إلى التجسس على الحواسيب المستعملة في المنشآت والمؤسسات الحكومية، وبعض المؤسسات العسكرية، وشركات اتصالات وبنوك وشركات طاقة، وفي حالات أخرى باحثين في المجال النووي، إضافة إلى وسائل إعلام ونشطاء في مجالات متعددة، كما استهدفت برامج التجسس نشطاء إسلاميين. ورغم أن «كاسبريسكي لاب» لم تربط فضيحة التجسس بوكالة الاستخبارات الأمريكية بشكل مباشر، إلا أن خبراء في المعلومات أكدوا أن ما تم الكشف عنه مرتبط بسلاح إلكتروني يدعى «ستوكسنت»، الذي تتحكم فيه وكالة الأمن القومي الأمريكية، واستخدم من قبل في مهاجمة منشأة إيرانية لتخصيب اليورانيوم، وهو ما ذهب إليه موظف سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، حيث أشار إلى أن ما ذهبت إليه شركة «كاسبريسكي» من تورط للولايات المتحدةالأمريكية في فضيحة التجسس هو أمر صحيح، مشيرا إلى أن وكالة الاستخبارات الأمريكية لازالت تولي أهمية كبيرة لبرامج التجسس على الحواسيب المشابهة للبرنامج الذي اكتشف ستوكسنت».» وذهب خبراء إلى أنه تم استخدام عدة وسائط لزرع البرنامج التجسسي في الأجهزة التي لا تحويها مسبقا، مثل زرعها في المواقع «الجهادية»، بالإضافة إلى ما يعرف بالذاكرة الفلاشية والأقراص الليزرية. ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على فضيحة التجسس، وسارعت المتحدثة باسم الوزارة «جين بساكي» إلى القول إن الإدارة الأمريكية تعرف تقرير الشركة الروسية للأمن المعلوماتي حول تورط وكالة الأمن القومي الأمريكية في التجسس عبر محركات الأقراص الصلبة، وتضيف المتحدثة «لكننا لن نعقب علنا على الاتهامات التي يتضمنها ولن نناقش تفاصيله». بدورها سارعت وكالة الأمن القومي الأمريكية إلى إصدار بيان أشارت فيه إلى التزامها بما جاء في بيان سابق للرئيس باراك أوباما حول مذكرة رئاسية تقضي بفرض قيود على أنشطة الوكالة وحماية سلامة الحياة الخاصة للمواطنين الأمريكيين، وأشار بيان الوكالة إلى أنها مدعوة كمؤسسة أمريكية إلى حماية الولاياتالمتحدةالأمريكية ومواطنيها وحلفائها من عدد من المخاطر، من بينها نشاط المجموعات المتطرفة مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، إلى جانب تفشي أسلحة الدمار الشامل والعدوان الأجنبي. خبراء في الرياضيات، الترجمة والتاريخ المعلومات التي يتم تجميعها عبر البرامج المختلفة، التي تستعمل في التجسس، تتم غربلتها وتصنيفها، حيث يسهر على مهمة تفكيك شفراتها العشرات من المختصين في الرياضيات والترجمة والتاريخ. وأمام صعوبة ضبط كل المعلومات التي يتم تجميعها من مصادر التجسس المختلفة، يتم اللجوء إلى برامج التقاط آلي، حيث تقوم برامج بالتقاط المعلومات حسب الأهداف المحددة سلفا، ومن بين برامج الحفظ المستعمل، هناك برنامج يدعى في قاموس وكالة التجسس الأمريكية «نيمرود»، ويقوم باعتراض الاتصالات الصوتية، سواء عبر مكالمات عادية أو عبر أجهزة الكومبيوتر، ويستعمل خاصة للتجسس على الزعماء والسياسيين المعروفين، إذ بإمكانه التعرف على صوت أي زعيم أو سياسي أو رئيس دولة تخضعه أمريكا للتجسس. وعلى خلاف ما يشاع من تجسس واشنطن على العالم في إطار حربها الاستباقية على الإرهاب، فإن أنشطة التجسس لها أهداف شاملة، إذ تأتي من أجل السيطرة على المعلومة في العالم، ومن ثم تعزيز سيطرة الإدارة الأمريكية على المجريات السياسية والاقتصادية في العالم، فقد كشف خبراء أن واشنطن كانت تقدم ما يتم جمعه من معلومات عبر التجسس حول الصفقات الاقتصادية الكبرى إلى الشركات الأمريكية من أجل الظفر بالصفقات الكبرى، مما يدر على الاقتصاد الأمريكي ملايير الدولارات. يذكر أن وكالة الاستخبارات الأمريكية هي أحد مصادر قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ تجمع الوكالة التي تأسست إبان الحرب الباردة ملايين المعلومات القيمة، وتشتغل بميزانية تفوق 20 مليارا وبرأسمال بشري متخصص وبكفاءة علمية عالية. هكذا يرد المغرب على تجسس إسبانيا كشفت «إلموندو» الإسبانية أنه على مر سبع سنوات، تجسست إسبانيا على هواتف وحواسيب عدد كبير من المغاربة، منهم مسؤولين وشخصيات كبيرة، باستعمال شفرة خبيثة يطلق عليها «حصان طروادة»، وكشفت الصحيفة أن التجسس لم يقتصر على المغرب فقط، بل قامت الاستخبارات الإسبانية بالتجسس على دول مهمة لأمنها من بينها بريطانياوالبرازيل. وقامت شركة «كاسبريسكي» المتخصصة في إنتاج برامج مضادة للفيروسات المعلوماتية بفضح عمليات التجسس الإسبانية على عدد من الدول ومن بينها المغرب. وحسب تقرير الصحيفة، فقد تمكنت الاستخبارات الإسبانية من التغلغل في 383 حاسوبا ونسبة أخرى من الهواتف، بعد أن طلبت من أحد عملائها الذي قدمته الصحيفة على أنه يدعى «دفيد فيدال» الحصول على أكبر عدد من أرقام المسؤولين المغاربة وفي شتى المجالات لزرع الشفرة الخبيثة، ويشير العميل إلى أن الاستخبارات الإسبانية نجحت في زرع هذه الشفرة الخبيثة في هواتف وحواسيب متعددة ما بين سنتي 2007 إلى 2014، حيث استطاعت شركة «كاسبريسكي» رصد هذه الشفرة والإعلان عن ذلك في موقعها ونشر خريطة انتشار هذه الشفرة، وأقدمت إسبانيا مباشرة على تجميد الشفرة في جميع الحواسيب والهواتف تفاديا للمشاكل. وقد كلفت الاستخبارات الإسبانية العميل بالحصول على أكبر عدد من أرقام المسؤولين المغاربة، وهو ما نجح فيه؛ حسب كتاب صدر السنة الماضية يتناول الموضوع ذاته، ويكشف العميل سلسلة من التواصل بين المسؤولين الإسبان قبل زرع الشفرة الخبيثة في هواتف وحواسيب المسؤولين المغاربة. وحسب شهادة العميل، فقد كان تركيز الاستخبارات الإسبانية على ثلاث دول هي بريطانيا، البرازيل والمغرب، التركيز على بريطانيا بسبب الخلاف معها حول صخرة مضيق جبل طارق، بينما يأتي الاهتمام الاستخباراتي الإسباني بالبرازيل بسبب الاستثمارات الإسبانية الكبيرة هناك، أما المغرب الذي يبدو من خلال الشهادة أنه حظي باهتمام كبير، فيعود التجسس عليه إلى القرب الجغرافي وما يطرحه ذلك من علاقات بين البلدين، أمنية، اقتصادية وسياسية، إضافة إلى قضايا الحركات الإرهابية والمخدرات والهجرة السرية والنزاع حول سبتة ومليلية، والتنافس الاقتصادي في الكثير من الملفات والقطاعات. ويكشف الخبراء أن كشف الجهة التي صنعت الشفرة اعتمد على عوامل، منها أن الملفات التي تم العثور عليها كانت مكتوبة بلغة إنجليزية ضعيفة وركيكة، مما يبعد الشبهة عن الدول الناطقة بالإنجليزية، فيما اللغة الإسبانية المستعملة كانت قوية وراقية. وتعد حروب التجسس من الأمور المعمول بها بين الدول، ففرنسا تتجسس على إسبانيا، وإسبانيا تتجسس على فرنسا، وبريطانيا تتجسس على ألمانيا، وكانت إسبانيا قد كشفت أنها تعرضت للتجسس من طرف الاستخبارات الفرنسية، حيث نجح الجواسيس الفرنسيون في زراعة برامج تجسس في حواسيب تابعة للحكومة الإسبانية، وتمكنوا من جمع عشرات من المعلومات المهمة. كما أن المغرب سبق أن اتهمه تقرير أعده مجموعة من الباحثين في قسم محاربة الرقابة على الأنترنيت بجامعة «طورونطو» بأنه وظف برامج تجسس من صنع شركة إيطالية لجمع المعلومات من مواقع تابعة لأجانب، حيث كشفت الشركة الإيطالية عن لائحة زبنائها، وكان من ضمن القائمة المغرب، حيث تقوم برامجها بتسجيل كل ما يقوم به حاسوب معين. حتى رؤساء الدول لم يسلموا من تجسس أمريكا لا تعد هذه المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن تورط الحكومة الأمريكية في التجسس على جل مواطني العالم، فقد تفجرت السنة الماضية فضيحة مشابهة، عندما فجرت الصحيفة البريطانية «غارديان» فضيحة مدوية بكشفها في تحقيق مثير عن وجود برنامج سري للمخابرات الأمريكية يتم بموجبه اختراق جميع المكالمات و»الشات» والبريد الإلكتروني للأمريكيين وجميع المسجلين من باقي العالم في كبريات الشركات مثل «غوغل» و»ياهو» وميكروسوفت و»فايسبوك». وأشارت الصحيفة اعتمادا على مصادر موثوقة إلى أن وكالة التجسس الأمريكية تجسست على المواطنين الأمريكيين ومواطني عشرات من بلدان العالم عبر اختراق خوادم شركات المعلومات. كما تشير الصحيفة إلى أن التجسس الأمريكي لا يقتصر على أشخاص يتم تحديدهم مسبقا، أو مشكوك فيهم، بل يشمل جميع الناس، ولا يستثنى أحد، حيث تستعمل الوكالة برنامجا يسمى «بريزم» يجمع المعلومات عن كل الناس. وتأتي فضيحة التجسس الجديدة وقتا قليلا بعد فضيحة مماثلة تفجرت وألقت بظلالها على علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية مع دول كبرى كألمانيا، فقد كشفت «دير شبيغل» الألمانية أن وكالة التجسس الأمريكية قد تجسست على 120 زعيما من زعماء ورؤساء العالم، وكشفت الصحيفة أن من بين الضحايا كانت المستشارة الألمانية «ميركل»، وذهبت المجلة الألمانية إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية احتفظت في قواعد بياناتها بمعلومات حصلت عليها خلال برنامج مراقبة لأكثر من 120 سياسيا حول العالم، واعتمدت المجلة على وثيقة سرية صادرة عن وكالة الأمن القومي، وحسب الوثيقة فإن 120 شخصية سياسية خضعت للتجسس، ولم تكشف المجلة إلا عن أسماء قليلة وردت في الوثيقة، وفضلت الامتناع عن نشر أسماء آخرين، إلا أن مواقع أخرى سارعت إلى الكشف عن محتويات الوثيقة ونشرت أسماء كل الخاضعين لمراقبة جواسيس أمريكا.