«لن نكل، لن نتعب، لن ترهبنا مافيا العقار»، هكذا تردد المحامية نعيمة الرحماني الشعار المعدل ل»اليسار الراديكالي» في الجامعات، وهي التي ظلت منذ أكثر من 10 سنوات تتحرك في كل الاتجاهات، رفقة نشطاء الجماعة السلالية و«نواب التراب»، متأبطة ملفا ضخما حول قضية «أهل إكلي» للمطالبة ب«إنصاف» هذه الجماعة السلالية التي تتهم بدون تردد ما تسميه «مافيا العقار» بمدينة ميسور ب«الإجهاز» على عشرات الهكتارات من أراضيها. «لقد تعرضت الأراضي الجماعية التابعة للجماعة السلالية لأهل إكلي بميسور للنهب والسطو من طرف مافيا العقار بميسور، والتي تكونت بدعم من مسؤولين إداريين وقضائيين…»، و»لا زل مسلسل الفساد مستمرا لحد الآن»، هكذا تتحدث قبيلة أهل إكلي بدون مواربة في رسالة وجهها نواب للجماعة لوزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، أزالت فيها القبيلة «النقاب» عن أسماء وصفات من تسميهم ب»مافيا العقار» في المنطقة، وإلى جانب عدد من هؤلاء، ذكرت القبيلة أسماء وازنة في وزارة الداخلية، منهم عامل سابق، ومسؤول بمديرية الشؤون القروية بالرباط، ومحافظ سابق، وقاضيان، ورئيس محكمة، وعدد من العدول، ومكترون لعقارات تشير الجماعة إلى أنها تدخل ضمن «نفوذها الترابي». وقائع طبقا للوثائق الرسمية، فإن المدار الحضري لمدينة ميسور كان يتبع للجماعة السلالية لقبيلة «أهل إكلي». وتشير الوثائق إلى أن الجماعة فوتته لما يسمى بالدولة المخزنية بمقتضى التحديد الإداري لسنة 1931، وهو التحديد الذي نشر بالجريدة الرسمية لسنة 1933. وفوتت الجماعة السلالية عدة عقارات لفائدة الدولة لتقيم عليها منشآت عمومية ومرافق خاصة، لكن محنة الجماعة مع مسلسل السطو على أراضيها من قبل أحد الأشخاص بدأ في سنة 1989. القبيلة تقول إن هذا المسلسل ما كان ليبدأ وليستمر لولا وجود تواطؤ من قبل أطراف ومسؤولين في الإدارة. وفي سنة 1997 وقع نائب أراضي الجموع على وثيقة تنفي الصبغة الجماعية عن وعاء عقاري يشكل ما تبقى من مدينة ميسور باستثناء المجال الحضري. القبيلة التي تطعن في هذه الوثيقة تعتبر في أدبياتها بأن هذه الوثيقة «انتزعت» من نائب أراضي الجموع «تحت الضغط». وبموجب هذه الوثيقة لا زالت القبيلة تعاني مسلسل الإجهاز على جزء كبير من أراضيها، في حين تقدمت الجماعة السلالية بمجرد علمها بشهادة تنفي الصبغة الجماعية على أراضيها بشكاية لدى المحكمة تقرر حفظها من طرف نائب وكيل الملك آنذاك بتاريخ 19 أكتوبر 1998، بعلة تقادم الملف، وأسبقية البت في القضية من قبل مجلس الوصاية. وتسجل الجماعة السلالية أن هذه الشهادة لا تعنيها وتصفها بالقرار الانفرادي، وتضيف بأن وزارة الداخلية قررت عزل النائب بعد تمكينه ل»مافيا العقار» من الشهادة التي تنفي الصبغة الجماعية لأرضها بالمدينة. وتحدثت على أن وزارة الداخلية راسلت، في هذا الصدد، مجلس الوصاية تخبره بأن القرار الصادر عنه تم بناء على إفادات مغلوطة للنائب المعزول، واتهمت هذا الأخير ب»إتلاف الممتلكات الجماعية». وبناء على شهادة النائب، تمكن المتهم الرئيسي في الملف من الحصول على شهادة إدارية سلمت له من طرف عامل الإقليم آنذاك، تنفي الصبغة الجماعية عن أرض النزاع، واعتمادا على هذه الوثيقة تم تحرير رسم ملكية في اسم أربعة أشخاص. وبدون تردد تتهم الجماعة السلالية موظفين بتسهيل إجراءات لفائدة المتهمين في ملابسات تطالب بالتحقيق فيها، وابتدأ مسلسل «بيع الأراضي الجماعية للخواص»، وحصل المتهمون على تعويضات المؤسسات العمومية المبنية في المدار الحضري للمدينة، فيما تقدم نواب الجماعة بعدة شكايات، لكن مصيرها كان هو الحفظ. وفي خضم هذه المعركة من أجل استرجاع أراضيها، تفاجأت الجماعة السلالية بملف آخر في الطريق. فقد حصل شخص آخر في المنطقة تمت متابعته في حالة اعتقال لاحقا على خلفية ملفات عقارية بالإقليم، على قرار قضائي يؤكد امتلاكه لمساحة تقدر ب25708 من أراضي هذه الجماعة. ووصفت قبيلة «أهل إكلي» هذه المساحة ب»الخيالية». وطبقا لدفوعات الجماعة السلالية، فإن المتهمين تمكنوا بموجب تحديد «مزور» من الزحف على أراضي شاسعة، جزء منها تم تحويله إلى تجزئات سكنية لفائدة وداديات سكنية (أكثر من 13 ودادية). وقالت إن «بدعة» الوداديات تم ابتكارها بتواطؤ مع منتخبين راكموا بدورهم ثروات مهمة. واعتبرت بأن قضيتها «تكتسي طابعا جنائيا صرفا»، وبأن المتهمين يستغلون «نفوذهم» و»علاقاتهم المتجذرة» من أجل «الإفلات من العقاب»، و»إهدار حقوق الجماعة السلالية». متابعة «نأمر بالمتابعة» و»إحالة المتهمين ومستندات الملف على غرفة الجنايات بهذه المحكمة لمحاكمتهم طبقا للقانون»، شكلت هذه العبارات أبرز ما ورد في وثيقة قضائية توصلت «المساء» بنسخة منها، وهي تقرر متابعة بعض المتهمين بجناية التزوير في محرر رسمي باصطناع اتفاقات، والبعض الآخر من أجل المشاركة في الجناية المذكورة، وإضافة جناية استعمال وثيقة مزورة بالنسبة لهم، أما باقي المتابعين فقد تقررت متابعتهم من أجل الإدلاء أمام عدل بتصريحات مع العلم بكونها مخالفة للحقيقة. وفي دواعي الإحالة أشارت الوثيقة إلى تراجع الشهود عن الشهادة المضمنة بلسانهم والتي لا علاقة لها بشهادتهم الحقيقية، واستعانت بخبرة أكدت على أن الملكية لا تنطبق على القطع الأرضية، وهي مخالفة للحقيقة، وتحدثت عن شبهات تحوم حول التزوير في محرر رسمي، وقالت وهي تأمر ب»المتابعة والإحالة على غرفة الجنايات» بمحكمة الاستئناف بفاس، إن العقار يقع ضمن أراضي الجماعة السلالية. تفاصيل «حكمت غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بفاس علنيا ابتدائيا وحضوريا بعدم مؤاخذة كافة المتهمين من أجل المنسوب إليهم والتصريح ببراءتهم مع تحميل الخزينة العامة الصائر، وبعدم الاختصاص في الطلبات المدنية»، هكذا طوى حكم ابتدائي صادر عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 26 دجنبر 2013، يتضمن ما يقرب من 20 صفحة المرحلة الأولى من نزاع مفتوح بين الجماعة السلالية والمتهمين، في انتظار جولة أخرى في ملف يترافع فيه عدد من المحامين من قبيل طارق السباعي ولحبيب حاجي ومحمد مسعودي ومحمد بنسليمان وإبراهيم زعيمي ونعيمة الرحماني محمد الكداري، دفاعا عن القبيلة ضد 13 شخصا جلهم تمت متابعتهم في حالة سراح بتهمة التزوير في محرر رسمي باصطناع اتفاقات، والإدلاء بتصريحات أمام عدل، مع العلم كونها مخالفة للحقيقة. وجاء في شكاية القبيلة بأن أحد المتهمين الرئيسيين قد عمد إلى التزوير في محرر رسمي لتوثيق ملكية أرض تبلغ مساحتها حوالي 48 هكتارا زعموا أنها آلت إليهم عن طريق الأرث، مع العلم أن والده كان لا يزال حينها على قيد الحياة. وقدمت معطيات تشير إلى تراجع أربعة شهود عن الشهادة لصالح المتهمين بعدما تبين لهم أن شهادتهم دونت عليهم خلافا لما كانوا يعتقدون. ونفى أحد المتهمين التهم الموجهة إليه، وقال المتهمون الرئيسيون في القضية إن والدهم اشترى الأرض في سنة 1989، موردين بأن أصل التملك هو الإرث، وتحدث أحدهم على أنه حصل على وثيقة تفيد بأن الأرض البالغة مساحتها حوالي 48 هكتارا ليست لها صبغة جماعية. وعندما تم الاستماع إلى عدد من الشهود، أشار هؤلاء إلى أن ما تم تدوينه على لسانهم أمام عدلين لا أساس له من الصحة. وقررت النيابة العامة التي استعانت بخبير طوبوغرافي متابعة المتهمين، وإحالتهم على غرفة الجنايات في حالة سراح. وقالت المحكمة وهي تعلل قرارها إن الملكية المطعون فيها بالتزوير بنيت على شهادة إدارية من عامل الإقليم بصفته ممثلا لسلطة الوصاية على أراضي الجموع مؤرخة في 19 فبراير 1998، تفيد بأن أرض «خنيدكات ولاد عزوز» البالغة مساحتها 48.5 هكتارا تخرج عن دائرة الأراضي التابعة للجماعة السلالية «أهل إكلي». كما صدر قبل ذلك قرار عن المجلس النيابي في 29 أبريل 1997 يقضي بأن هذه الأرض لا تكتسي صبغة جماعية، وهو القرار الذي أصبح نهائيا بعد الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية. وجاء في تعليل الحكم الذي برأ المتهمين ابتدائيا في القضية، إن كل تلك الوثائق صادرة عن جهة تمثل جميع المنتمين للجماعة السلالية وتقوم مقامهم قانونا في تسيير وتدبير ورعاية وحماية أراضيهم. وقالت المحكمة إن صدور شهادة حديثة لعامل الإقليم بتاريخ 14 أكتوبر 2011 أي بعد إنجاز الملكية بسنوات، ومضمونها أن الوصاية سبق لها دائما أن اعتبرت أن العقار موضوع النزاع ملك جماعي لا يمكن أن تنزع القوة القانونية التي اكتسبها قرار مجلس الوصاية وشهادة العامل السابق الذي أنجزت الملكية على أساسهما. واعتبرت أن تراجع ثلاثة شهود عن شهادتهم أمام عدلين لا يمكن أن يؤثر في مجرى القضية. عامل الإقليم: «الأراضي جماعية غير قابلة للتقادم ولا للتفويت ولا الحجز» «من عامل إقليم بولمان إلى السيد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس. الغرفة الثالثة»، هكذا وجه عامل الإقليم، عبد النبي جوادا آنذاك بتاريخ 14 أكتوبر 2011، مراسلة «سرية» إلى غرفة الجنايات بفاس والتي بدأت تنظر في قضية «أهل إكلي ميسور» تحت رقم 114/ك ع/د، جوابا على مراسلة سبق للمحكمة أن وجهتها له لاستفساره حول ملابسات قضية الجماعة السلالية. في الرسالة التي اعتبرت بمثابة تحول مهم في القضية بعد الشهادة التي منحت للمتهمين في سنة 1998، أكد عامل الإقليم أن أرض «خنيدكات أولاد عزوز» تعتبر أصلا ملكا جماعيا. وقال وهو يقلب المعطيات رأسا على عقب إن المعاملات العقارية التي أجرتها مصالح الوصاية المركزية عند تفويتها لبعض القطع الأرضية إلى الجماعة القروية المنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 10 أبريل 1991 والتي تم كراؤها لبعض الخواص كانت على أساس أنها وصية على الأراضي الجماعية التابعة لجماعة «أهل إكلي». وأضاف بأن صفة الملك الجماعي لهذه القطعة الأرضية الثابتة منذ 1933 لا يمكن أن تفقد الصفة مهما طال الزمن، عملا بمقتضيات الفصل الرابع من الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919، والذي ينص على أن الأراضي الجماعية غير قابلة للتقادم ولا للتفويت ولا الحجز.