فى أكتوبر من عام 1994، تلقفت الصحف ووكالات الأنباء خبر طعن نجيب محفوظ فى عنقه فى محاولة فاشلة لاغتياله... وفي يوم الأربعاء 19 يوليو 2006، توفي الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ عن عمر يناهز 94 عاما، بعد رحلة مع الكتابة امتدت إلى أكثر من 70 عاما وأثمرت حوالي 50 رواية ومجموعة قصصية ومسرحية قصيرة، فضلا عن كتب أخرى ضمت مقالاته في الشؤون العامة. وظل محفوظ لأزيد من 60 عام يراهن على فن الرواية ليقفز بها الى صدارة فنون الكتابة، بعد أن كانت في النصف الأول من القرن العشرين في مرتبة متأخرة بعد الشعر وفن المقال. وتوجت رحلته مع الكتابة عام 1988 بالحصول على جائزة نوبل في الآداب ولا يزال العربي الوحيد الذي حصل عليها في هذا المجال. في الذكرى الثانية لرحيل محفوظ، وجه الأديب يوسف القعيد عتابا إلى كافة أجهزة الدولة وخصوصا مسؤولي الإعلام ووزارة الثقافة لنسيانهم ذكرى وفاة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، مؤكدا أن هذا النسيان الرسمي قاتل، فلم تمر إلا سنتان وهى فترة قصيرة لتنسى مصر نجيب محفوظ. مضيفا: «الكل نسي وفاة نجيب محفوظ يوم أن بكت مصر كلها، ووعد رجال الثقافة ومسؤولو الدولة بتخليده وإقامة تمثال ومتحف له مع إطلاق اسمه على بعض المباني الهامة. أين ذهبت كل هذه الوعود»؟ والآن نقرأ نفس التعاليق مع اختلاف في الصياغة، باستثناءات قليلة جدا، نذكر من بينها مجلة «الهلال» الشهرية التي تناولت في عددها لشهر شتنبر 2009، ملفا خاصاً عن الأديب في ذكرى مرور ثلاث أعوام على رحيله. نجيب محفوظ، مفرد بصيغة الجمع، يمكن أن نعطفه على كاتب عربي آخر سبقه أو لحق به في الرحيل، كما عطفهم الموت وإن اختلفوا في الأعمار، والموت بدوره معطوف على النسيان، وعليه، هل حين يحسم الموت مع كتابنا، نحسم معهم نحن أيضا هكذا..؟ الموت، النسيان، الاغتيال، يجمعها قارب واحد، تركيبة تصلح مادة روائية للسخرية من حياتنا الثقافية، للتأمل، لإعادة القراءة، فمن منا لم يخطئ القراءة؟ ولأن الرواية كتابة أخرى للحياة، فلا بأس أن نعاود قراءة جبرا، منيف، شكري، سعد الله، زفزاف، خير الدين، فلوبير، تولستوي.. . علها تعيد إلى حياتنا سؤالا قد نختلف فيه ونضيف إليه بدورنا. ما دلالة الوجود والمعنى؟ ما دلالة الاحتفاء بالقيم وتقدير الأحياء؟ وفي مطالعة أعمال هؤلاء الذين قد نعتبرهم أمواتا، سنجد بكل بداهة، أن كتاباتهم كانت تقدر الأحياء، وثقافتهم مهمومة بقضاياهم، وهنا يرتد السؤال إلى القارئ الحاذق، قبل العادي، والذي لم يعد معه هذا الزمن كريما، إن لم نقل أصبح معه قاسيا، بل ظالما، حيث لم يعد يسعه للهروب من الحياة ومن ضيقها، رغبة منه في معرفة الحياة، يستولد الصور من الأفكار، والأفكار من الصور ما دامت الصور جاهزة تنوب عنه في التفكير وفي الوهم. لم يعد يغالب النوم من أجل أن يترصد بطل الرواية حتى النهاية وهو يتقلب على جانبيه، على ظهره وبطنه، أو يفر من الدروس إلى الرواية لأنها لا تقول كلاما قاله معلم كرر ما قاله معلم آخر، بل تتيح له الحلم والتأمل والتأويل. بلغة فيصل دراج ما بين «التلقين والمتخيل غربة»، والتخيل يفضي إلى المعيش كما الحلم، ويأخذنا في تجوال طويل، ويسحبنا النص الروائي من العارض إلى الجوهري، ومن المتوقع المتبذل إلى اللامتوقع، وهذا الدرس تعلمناه خارج سلطة الطبشورة والسبورة، وبفضل متعة طليقة نستفز لكي نعيد القراءة، ومعها إعادة طرح أسئلة محتشدة بالحب والغناء والفناء، الرواية كنا نقرأها هروبا من ضيق الحياة، ورغبة في معرفة الحياة، لأنها كتابة أخرى للحياة، فكيف تضيق بنا الحياة إلى الحد الذي لم يعد فيه متسعا للرواية ولأحبابها ممن صنعوا بعضا من حياتنا، فهل نتنكر لحياتنا. سؤال لا يروم التلقين، لأن هذا الأخير ينتمي إلى الوعي العاجز الذي لا يعرف طبيعة الزمن الذي يعيش فيه، هو إذن مجرد سؤال.