لا يعلم كثيرون هل يسخرون من لجنة جائزة نوبل للسلام أم من الرئيس باراك أوباما، لأنه تفضل بقبول الجائزة. مع الهالة كلها التي لهذه الجائزة، فليس منحها محررا من الضغوط. فالجميع يعلمون أن أنصار شمعون بيرس قلبوا العوالم ليحصل على جائزة نوبل للسلام مع إسحاق رابين، عن اتفاق أوسلو. رأى ذوو النظرات الثاقبة البسمة العصابية المستخفة لرابين، عندما خلدته عدسة مصوري التلفاز وهو يتلقى النبأ عن الجائزة. قلب إيلي فيزل العالم لسنين، ليفوز بالجائزة. لكنه عندما منح الجائزة في 1986، قابل عدسة مصوري التلفزيون بوجه حزين وتساءل بتواضع: «لماذا أنا؟ لماذا أنا؟». زعم غير قليل من الناس في أمريكا أنه اتجر بالكارثة. في 1906 منحت جائزة نوبل للسلام للرئيس تيودور روزفلت، عن وساطته بين روسيا واليابان التي أفضت إلى إنهاء الحرب بينهما. كان ذلك نفس روزفلت الذي قال: «لا يستطيع أي انتصار بالسلام أن يكون أكبر من انتصار حاسم في الحرب». كان منح الجائزة خطوة سياسية من قبل النرويج، التي قامت منذ وقت قريب كدولة مستقلة وأرادت تأييدا أمريكيا. وزعمت وسائل الإعلام الإسكندنافية أن لجنة الجائزة جعلت نفسها أضحوكة. حقق أوباما تعبير «لدي حلم» لمارتن لوثر كينغ. وهو خطيب ممتاز، ووسيم جدا. بخلاف جوائز نوبل في العلوم، التي تعطى لإنجازات تامة، يختلف الأمر في جائزة نوبل للسلام –على نحو يشبه جائزة نوبل للأدب. حصل شاي عغنون، الذي لم يكن متواضعا كبيرا، على جائزة نوبل للأدب ودهش عندما تبيَّن أنه يتقاسمها مع شاعرة يهودية تسمى نيلي زكش. تساءل دهشا أو مهانا: «من زكش هذه؟ لم أسمع عنها قط!؟». شعر ونستون تشرشل، الذي قاد العالم الحر للانتصار على هتلر بالإهانة الشديدة عندما حصل على جائزة نوبل للأدب لا للسلام. بلغت بشرى الجائزة غرفة نوم الرئيس في الخامسة صباحا. لا يستطيع أحد أن يخمن أي نوع من الأفكار جالت في خاطره. هل قال لزوجته فرحا «عرفت، عرفت»، أم فوجىء حقا. أقامر على المفاجأة. فهو ليس شديد الرضى عن نفسه، بحيث يفترض أنه أهل لهذه الجائزة. إنه كخطيب، متفوق لكن أوباما في هذه الأثناء يتحدث عن حل النزاعات بطرق التحادث فقط. يذكر مع إطلالاته بمناحيم بيغن وأنور السادات، اللذين تحدثا عن عدم وجود حرب بعد أو سفك دماء. كيف مضى هذان العدوان، اللذان قتل بينهما آلاف الإسرائيليين والمصريين في حرب الأيام الستة وحرب يوم الغفران، إلى اتفاق سلام؟ لم يكونا ببساطة زعيمين خياليين. كان بيغن قاسيا مع نفسه ومع مبادئه، لكن كان يقدر المسؤولية وعلم أن الشعب محتاج إلى السلام. ومهد السادات الطريق لكنه دفع حياته ثمنا. لقد مات لكن السلام بقي، وبقيت مصر أكبر قوة في المنطقة. يقول أوباما هو أيضا بطريقته «لا حرب بعد اليوم» ويدعو إلى حل جميع النزاعات بالمفاوضات. هذا مطمح آني ما زال من الممكن أن يضطر إلى زيادة القوة العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وما زال لم يخرج من العراق حقا، وليس واضحا كيف سيقنع إيران بالكف عن إنتاج القنبلة الذرية. والأهم بالنسبة إلينا: كيف سينتهي مسعاه إلى تسوية سلمية بيننا وبين الفلسطينيين؟ يوجد في العالم اليوم مليار و350 مليون مسلم و13.5 مليون يهودي. عندما يتحدث عن السلام في منطقتنا، يطرح السؤال بمن سيتأثر ومن يريد إرضاءه أكثر. هو كخطيب ممتلئ وعودا ويحصر عنايته في غايات كثيرة. لكن أحدا منذ جانكيز خان لم يهزم المسلمين. لا يحصلون على جائزة نوبل عن خلق مناخ جديد في السياسة. أثار أوباما أملا كبيرا في خطبة القاهرة. وعندما يقول الآن بتواضع إنه سيبذل كل جهد لتسويغ الجائزة التي مُنِحَها، فإن هذا الجهد لا يبدو له مكان في منطقتنا في هذه الأثناء. استجابت إسرائيل لخطبة أوباما في القاهرة وأظهرت أنها مستعدة لمبدأ دولتين للشعبين. لكن حماس في غزة وأبا مازن غير مستعدين للتسوية. كلما كثرت علامات الاستفهام، احتيج إلى علامة قراءة من أوباما. أي إلى حل أمريكي. يمكن أن نقول على شاكلة مقالة معروفة إن جائزة نوبل للسلام هي الحمامة التي تظهر في المعركة الأولى. وسيقرر أوباما ما إذا كانت ستظهر في المعركة الأخيرة أيضا.