قررت أوسلو تغيير عادتها وتوزيع جوائزها بالدفع المؤجل: نلها اليوم، وادفع غدا. لا يوجد سبيل آخر لشرح القرار العجيب، إن لم يكن الغريب، في منح جائزة نوبل للسلام لباراك أوباما. بعض من أعضاء اللجنة النرويجية الباردين والمتظاهرين، ونحن هنا أيضا، المتصببين عرقا ودما، عجبنا لاختيار أوباما رئيسا. أسود، طليق اللسان، ساحر، متميز واعد. دموع ذرفها الكثيرون من القدس وحتى رفح بعد خطابه الانتخابي الذي لا ينسى. بعد «خطاب القاهرة»، تمسكنا بالكلمات الكبيرة والجميلة. نحن هنا في الشرق الأوسط لم يكن بوسعنا أيضا إلا أن نتأثر بالروح الجديدة التي بثها. مفاوضات مع إيران، مصافحة مع هوغو شافييز، الانفتاح على كوبا، التسامح تجاه كوريا الشمالية وإلغاء نصب الصواريخ في شرق أوربا. بعد سنوات الظلام إبان سلفه، جورج بوش، والتي حدها الأباتشي من كانت تتحدث أثناءها، مع تقسيم بدائي للعالم إلى أخيار وأشرار، مع غزو أخرق للعراق واحتلال عديم الجدوى لأفغانستان، انبلج فجر يوم جديد. أمريكا باتت أقل كرها. إذا كان النرويجيون قرروا منح الجائزة بناء على الوعد، فإن أوباما جدير بها؛ أما إذا أرادوا منح الجائزة على تغيير اللغة التي تتوجه بها إلى أمريكا إلى العالم، فإن الرئيس الأمريكي هو حائز على هذا الشرف؛ إذا أرادوا إعطاء الجائزة على النوايا، هذا أيضا على ما يرام من ناحيتنا، بل لعله جدير بالجائزة على سعيه إلى تعزيز عملية السلام في العالم، ولكن فقط تبعا للأحرف الصغيرة التي يقال فيها: «باستثناء هنا». ولعلم أعضاء لجنة نوبل: ليس كل شيء مشمولا لدى أوباما. في المنطقة التي تعرض السلام العالمي للخطر أكثر من أي مكان آخر، خان أوباما حتى الآن مهمته. لا تغيير ولا «نعم نستطيع»، فقط مراوحة المكان الذي سار فيه سلفه. ذات الأساليب، ذات «جر الأرجل»، ذات التخبط في بحر الدم، أما المطر، فلا يوجد. أن نرى في نهاية هذا الأسبوع جورج بوش، مرة أخرى، يتجول هنا دون مهمة بين شمعون بيرس وتصريحات محمود عباس، والتفكير في أن من أرسله نال جائزة نوبل للسلام؟ جزاء له على خطاباته قد يكون أوباما جديرا بنوبل في الآداب، مثل وينستون تشرشل؛ أما على أفعاله، على الأقل في هذا الجزء من العالم (الشرق الأوسط)، فهو ليس جديرا إلا بسَنَد دَيْن، بجائزة مشروطة. في هذه الأثناء لا يرسم عن نفسه صورة مشابهة لصورة حائز آخر على الجائزة الدلاي لاما. فهو يتجول في العالم ويوزع الابتسامات. لا داعي لأن يعتبر الأمر حسدا: فرئيس العالم الذي لم يفعل ما يكفي لتحقيق السلام عندنا لا يستحق التاج من أوسلو. فما الذي فعله هنا الفائز حديث العهد بالجائزة في العشرة أشهر من ولايته: ميتشل وأمثاله؟ صراع مرير وفشل في تجميد المستوطنات؟ صراع غريب أكثر ضد تقرير غولدستون، صمت مخجل في ضوء الحصار على غزة وتأكيد خالد مشعل على أن تحت شمس الشرق الأوسط لا يوجد أي شيء جديد: ليس أوباما من يستطيع فعل شيء، إسرائيل تستطيع فعلا ذلك. إسرائيل تستطيع لي ذراع كل رئيس. لا يريدون تجميد المستوطنات؟ حسنا، لا داعي إلى ذلك. لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية عن جرائم غزة؟ حسنا، لا داعي إلى ذلك. لا يريدون أن ينهوا الاحتلال؟ حسنا، لا داعي لذلك أيضا... ليس هكذا يتصرف رئيس وحاصل على جائزة نوبل. لعله يجعل جائزة نوبل محفزا، ساعة تدق في آخر لحظة كي «تنبّه» عريس من فرحته. عكس أفغانستان والعراق، لا حاجة هنا إلى جنود أمريكيين يسفكون دماءهم كي يضمنوا السلام العالمي. هنا يكفي التصميم السياسي، ممارسة الضغط، استغلال عزلة إسرائيل من أجل تحقيق السلام. إسرائيل في حاجة إلى صديق لها ينقذها من نفسها. الآن حان دور أوباما لكي يقرر ما إذا كان سينضم إلى سلسلة الحائزين على الجائزة عبثا–من هنري كيسينجر وحتى إسحاق رابين، شمعون بيرس وياسر عرفات أم يريد أن يقف في صف واحد مع العظماء ممن نالوها كمارتن لوثر كينغ، نلسون مانديلا، ميخائيل غورباتشوف، أونغ سان سو تشي والأم تريزا. صحيح، حتى اليوم لا أحد غير منظمة الصليب الأحمر الدولية نال الجائزة مرتين، ولكن لا أحدا أيضا نالها بالدفع المؤجل!.. إذا ما حقق أوباما السلام في الشرق الأوسط، لعل أوسلو تخرج عن عادتها وتمنح الجائزة مرتين، مرة بالدفع المؤجل ومرة بالاستحقاق. تهانئي القلبية، سيدي الرئيس، والآن، إلى تسديد الدين!..