في الحادي عشر من أكتوبر، عاد إلى سطح الأرض المكوك الفضائي الروسي «سويوز» وعلى متنه البهلوان الكندي، صاحب سيرك الشمس والملياردير المعروف، بعد جولة فضائية احتفالا بعامه الخمسين. وقد كلفته هذه الرحلة مبلغ 35 مليون دولار! وهو مبلغ تافه مقارنة بالثروة التي يراكمها والتي تناهز مبلغ2.5 مليار دولار! في شهر ديسمبر، تطرح في الأسواق، وضمن سلسلة محدودة من 500 نسخة، سيارة جديدة باسم «الصاروخ»، حلم بها وصممها العقيد معمر القذافي، وتتقدم على هيئة قرش بحري يشبه قرش فيلم سبيلبيرغ المشهور: «أسنان البحر»! والسيارة من إنتاج الشركة الإيطالية «تيسكو» التي يوجد مقرها في تورينو. ويبلغ ثمن القطعة الواحدة 75.000 فرنك سويسري! تأتينا الأخبار يوميا بمثل هذا النوع من التصرفات السريالية لأثرياء يشبعون نهمهم النرجسي بنثرهم ل»زبالة ديال لفلوس» في الهواء الطلق فيما تتلقف أغلبية بشرية في أكثر من منطقة من العالم قوتها من القمامات أو تموت من سوء التغذية أو الجوع. فحسب آخر الإحصائيات الواردة في تقرير صادر عن الأممالمتحدة، نشر يوم الأربعاء الماضي، بلغ عدد الجياع في العالم أكثر من مليار شخص، بزيادة 100 مليون شخص على العدد المسجل السنة الماضية. وتتوزع خارطة سوء التغذية في العالم على الشكل التالي: 642 مليون نسمة في آسيا والمحيط الهادي، 265 مليونا في إفريقيا وجنوب الصحراء، 53 مليونا في أمريكا اللاتينية ودول الكرايبي، 42 مليونا في الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية، 15 مليونا في الدول النامية. كما يموت جوعا طفل كل ست ثوان، بمعدل 5 ملايين طفل كل سنة. ويفتك الجوع بالبشر أكثر من داء السيدا. وتعتبر إفريقيا الشرقية إحدى بؤر هذا الوضع الكارثي. والأسباب عديدة: تراجع القطاع الفلاحي، تقلص المساعدات، غياب حملات التوعية، سطوة طغمة ديكتاتورية على الموارد، انخفاض الصادرات، انخفاض الاستثمارات الخارجية، تراجع تحويلات العمال المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.. وهي تفسر من بين عوامل أخرى أسباب تفاقم وضعية الجياع. عوامل أخرى يشدد عليها التقرير هي اختلال الطقس والارتفاع الحراري وزحف التصحر، وهي بعض أسباب نزول عواصف رعدية، رملية ومطرية جارفة تدفع بمواطني إفريقيا والمغرب العربي إلى ترك الفلاحة والتوجه إلى المدن. هذا من دون الحديث عن تفشي الفكر الخرافي وقد عرف المغرب مؤخرا و«بلا تغنجة» تجليات هذا الاختلال مع «ظاهرة عرس الذيب»، ( تزاوج المطر بالشمس، الحرارة بالبرد)، الذي يبقى أحد أسبابه الارتفاع الحراري للطقس، والمسؤولة عنه بالدرجة الأولى هي الدول الصناعية. كما دق البنك الدولي مؤخرا ناقوس الخطر بإعلانه أن دول الجنوب ستتأثر بنسبة 80 في المائة من انعكاسات الارتفاع الحراري. آفة أخرى هي غياب استراتيجية بعيدة المدى لمحاربة الجوع، إذ تتدخل الدول المانحة لما تبدأ العائلات في دفن الأطفال، الشيوخ والماشية! «وما حدها تقاقي»، دخلت فرنسا على الخط باسم محاربة الفقر والمجاعة وبحجة مساعدة الدول المنكوبة جمعيات منتحلة كدست وحولت لصالحها أموالا ومبالغ هائلة. وفي هذا الصدد، رفعت النيابة العامة دعوى قضائية في موضوع الاختلاس والشطط في استعمال السلطة في حق 17 جمعية خيرية، متهمة بتحويل ملايين الأوروهات إلى أبناك أمريكية. ولهذه الجمعيات تشعبات دولية، وقد «لعبت على» رموز دينية مثل الأم تيريزا (جمعية الأم تيريزا من أجل الأطفال)، أو على أمراض مثل داء السكري (الجمعية من أجل البحث في مرض السكري) أو مرض الألزايمر؛ وإلى اليوم لا يعرف أين تبخرت أموال هذه التبرعات. وهكذا، لم تبهت أطروحة «نمو التخلف» والتي يتأكد معها يوما بعد يوم مسلسل الإفقار والانتكاس.