للآمال والوعود والنوايا والتمنيات، أيضا، سُوقُها المزدهرة وبورصتها وأسهمها ومؤشراتها ما بين ارتفاع وانخفاض. إنها سوقٌ «قَدْ لَخْلاَ» لها سماسرتها ووسطاؤها والحْرايْفّية دْيالْهَا، يتحكم فيها «مْالِينْ الشّي» و«السياسيّون المحترفون»، أما زبناؤها (لَكْلِيّانْ) فهم جمهرة الشعب الذي عليه أن يبلع مستهلكا ترسانة لا تنفد بضاعتها أبدا من الآمال الجديدة والمتقادمة على حدّ سواء. لكنها سوبرمارشي، سوقٌ كبيرة لا تحكمها نفس القوانين التي تجري على المجالات الأخرى. وقد رأينا كيف تعمل السلطات على تجرجير الصحافة في المحاكم بتهمة نشر «أخبار زائفة»، لكن لم يحدث أن تمت متابعة مسؤولين، سلطويين، وسياسيين أصحاب نفوذ بتهمة ترويج آمال زائفة ووعود خادعة أو بيع أوهام يعرفون، قبل غيرهم، أنها لا تهدف سوى إلى تنويم الضمائر اليقظة أو تمرير مخططات رهيبة بعد تحويل الأنظار عنها رغبة في ربح المزيد من السنوات، حفاظا على السلطة وما يصاحبها من امتيازات ومصالح. أصحاب السلطة من السياسيين المحترفين يُحلّْلون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم لعلمهم بأن سلطة الكذب، رغم أن حبلها قصير، تُعَدّ من أخطر السّلط على الإطلاق.. تكره النقد والرأي الآخر، وتستعمل يد بطشها السلطوي لخنق حرية الصحافة والتعبير وكل من تجرأ على التشكيك في صحة الآمال والوعود الزائفة، وكأن الكذب سلطة «مُقدّسة».. منزهة عن النقد والتأويل والمساءلة. ومرّة، مرّة، وفي مواسم بعينها، يعترف السياسيون لحرايفية ضمنيا بأنهم يمارسون لعبة الكذب حين يَدْعون، في المواسم الانتخابية وبوجه أحمر، إلى «تخليق الحياة السياسية» و«الحكامة الجيدة» و«ترشيد النفقات».. فهم بذلك يعترفون هَمْسا بأن الحياة السياسية انتفت فيها الأخلاق، وأن الحكامة ماتت بالشطط والزبونية، وأن ميزانية الدولة امتدت إليها الأيادي بالنهب والتبذير العبثي. لكن ما إن تنطفئ أضواء المواسم الانتخابية ويتم اقتسام الكعكة السلطوية وتكتمل الوزيعة بتوزيع الحقائب وتفرق الجوقة، حتى ترتدي السلطة رداء الحزم وقناع الصرامة لكي تعلن، بنبرة الآمر الناهي، عن نهاية موسم «النقد» والأسئلة المحيرة، متهمة من يخالفونها الرأي ويعارضون تسلطها بأنهم يزعزعون «عقيدة الأمل» لدى الشعب ويعملون على نشر الإحباط والتيئيس والعدمية ويزرعون بذور التشكيك ويهددون السلم الاجتماعي. ولنفترض جدلا واعتباطا ونقول إن المواطنين صمتوا عن مسلسل الكذب لمْزَوّقْ بالأمل، وإن صحافة البلاد عملات عين مْيكة وتغاضت عن الاختلالات البنيوية والأخلاقية التي تعتري المسار السياسي الرسمي، فما الذي يستطيعه أصحاب سلطة الكذب أمام هذا السيل المنهمر من التقارير الدولية الصادرة عن مؤسسات ومنظمات مالية وحقوقية تطعن، بصريح العبارة، في «المنجزات الخارقة» ومستوى أداء المسؤولين في مجال الاقتصاد والتنمية والحقوق والحريات، وذلك بالأرقام التي لا غبار عليها وبالأحداث والوقائع الموثقة... إن المغرب لا يوجد ضمن الدول العشر الأوائل على صعيد القارة الإفريقية، من حيث اعتماد الإصلاحات.. وهذا يعني أن المغرب تْكركبْ إلى المراتب الأخيرة (ماشي غير فكرة القدم) حتى بين الدول الفقيرة. ويبقى أن للكذب أيضا ثمنا لا يؤديه سياسيو «الدول النامية»، ومنها المغرب، من جيوبهم التي لا تشبع وما عندها قاع، بل من جيوب المواطنين وعلى حساب اقتصاديات البلاد، (هاذ «المسؤولين» دياولنا لا يعملون إلا على تبذير الموارد الوطنية رغم محدوديتها). ويفيد تقرير دولي آخر، عن «مصائب ومخاطر الاستثمار»، بأن المستثمرين الأجانب اللي بَاغين يدخلو فلوسهم للمغرب ويضخوها في بوتقة الاقتصاد الوطني يتساءلون، أولا، ودائما عما إذا كان القضاء المغرب سينصفهم في حالة ما إذا التجؤوا إليه (الدنيا والزمان) إثر خلاف أو نزاع مع مالين الشي المحليين. وكان الجواب الذي أورده التقرير بالسلب لا بالإيجاب؛ إذ شخص أمراض العدالة المغربية التي تَختزلُ كلَّ مظاهر الفساد السياسي، لذلك يَفرُّ الرأسمال الأجنبي بعظَامُو صْحَاحْ بعيدا عن الضفاف المغربية إلى آفاق أرحب وأكثر أمنا وعدلا، فالرأسمال بطبعه يخاف من الآمال والوعود الكاذبة ولا يغامر بدخول أسواق تبيع السراب وتنشر الأمل الكاذبْ. إن الرأسمال الحقيقي للأوطان والشعوب هو القضاء المستقل والنزيه.