وحدها الحوادث ذات الدلالة الاستثنائية هي التي تلهب حماس المحلل السياسي حتى لو لم تحتل واجهة المشهد الإعلامي، وعندما تتجسس (إسرائيل) على أمريكا فمن الضروري أن نتوقف ونحاول فهم دلالات الموقف الذي يفترض ألا يحدث في ضوء المقولات السائدة في الخطاب السياسي العربي عن العلاقة بين أمريكا (وإسرائيل) والتي تتراوح بين الترويج الأعمى لمقولة أن (إسرائيل) تحكم أمريكا، والترديد الببغائي لخرافة أن العلاقة بينهما هي «العروة الأوثق» التي لا ثغرات فيها ولا مسافات ولا خلافات حيث «إسرائيل هي أمريكا» و«أمريكا هي إسرائيل»! بعد الهجمات على نيويوركوواشنطن، سئل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو عما قد تعنيه الهجمات الإرهابية بالنسبة للعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، فأجاب نتنياهو «إنها جيدة جداً» ثم صحح نفسه قائلاً «... حسناً إنها ليست جيدة لكنها سوف تولد تعاطفاً مباشراً مع الإسرائيليين من الأمريكيين، وعلى أقرب حلفاء (إسرائيل) أن يشعروا بالألم الجماعي للموت الجماعي للمدنيين على أيدي الإرهابيين، فعند ذلك سيكون (لإسرائيل) عقد لا يكسر مع القوة العالمية العظمى الوحيدة، والحرية المطلقة في التعامل مع الفلسطينيين الإرهابيين الذين كانوا يقتلون المدنيين الإسرائيليين الأبرياء فيما كانت الانتفاضة الثانية مستمرة طوال عام 2001». وفي (إسرائيل) أيضا ناقش عدد من المسؤولين ما حدث في برامج المقابلات التلفزيونية التي وثقت وربطت الموساد الإسرائيلي بأحداث الحادي عشر من شتنبر، وصدر عن أحدهم هذا التعليق المثير «.... إن حقيقة الأمر هو أننا من بلد يعاني من الإرهاب يوميا، كان هدفنا توثيق الحدث.. ولكن هل يمكنك توثيق حدث ما لم تكن تعرف أنه سيحدث... «. «إننا الآن في عمق منطقة نظرية المؤامرة، ولكن هناك ما هو أكثر من مجرد دلائل ظرفية لإثبات أن الموساد الذي شعاره هو «بالخداع سوف تقوم بالحرب»، كان يتجسس على المتطرفين العرب في الولاياتالمتحدة وربما كان يعرف أن أحداث 11 شتنبر كانت في طور الإعداد، ومع ذلك قرر الموساد كتمان معلومات مهمة جدا عن نظرائه الأمريكيين، الأمر الذي كان قد يمنع حدوث الهجمات» هذا ما أورده المتحدث باسم مكتب التحقيقات الفدرالي في نيويورك «جيم مارجولين» ردا على التصريحات الإسرائيلية هاته. والمضحك المبكي في الأحداث السياسية عموما وما جرى عقب تفجيرات نيويوركوواشنطن خاصة، النفي الأمريكي القاطع الجازم لضلوع الإسرائيليين بالتفجيرات وخروج كبار المسؤولين الأمريكيين في وسائل الإعلام يرددون كالببغاوات أن لا علاقة لإسرائيل بالإرهاب والإرهابيين. اختفاء الأكشاك الإسرائيلية من الأسواق الأمريكية بعد 11 سبتمبر المثير في الخداع والتناقض الأمريكي في محاولة تحييد الاسرائيلين عن القضية، انه وبعد أن أوردت كلا من صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز الأمريكيتين نبأ اعتقال أشخاص إسرائيليين بتهم تتعلق بالهجرة في فبراير من العام 2002، بدأت عربات الأكشاك الصغيرة لبيع الألعاب وأصحابها تختفي من مواقعها المعتادة داخل مراكز تجارية أمريكية. والواقع أن المحققين الأمريكيين هم من ألقى القبض على عشرات الإسرائيليين العاملين في هذه الأكشاك، بناء على اعتقاد وليس تأكيد كما جاء في التقرير، أن الأكشاك قد لا تكون سوى واجهة لممارسة النشاطات التجسسية. وفي تلميح مباشر للتورط الإسرائيلي في القيام بنشاطات تجسسية فوق الأراضي الأمريكية، أشار مكتب المحاسبة العام التابع للكونجرس الأمريكي، وطبقا لوكالة المخابرات الأمريكية إلى أن حكومة تل أبيب تقوم بأعنف حملة تجسس ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر من أية دولة حليفة لأمريكا. أما الاستخبارات العسكرية الأمريكية فتقول في تقرير لها، إن لدى الدولة العبرية شراهة كبيرة في جمع المعلومات، وان الإسرائيليين مدفوعون بغريزة قوية للبقاء تملي عليهم كل الجوانب السياسية والاقتصادية. وفي ما يخص ميادين التجسس الإسرائيلي فهي تتمثل أساسا، حسب التقرير ذاته، في جمع معلومات حول تقنية التصنيع العسكري والأهداف المهمة للغاية للولايات المتحدة، وان هذا الجمع يتم بشكل مسعور، وانتهى التقرير بالتأكيد على أن إسرائيل تمتلك مصادر القدرة التقنية لإنجاز جميع أهدافها الاستخبارية فوق الأراضي الأمريكية.