ما يزال في بداية عقده الثالث، لكنه رأى خلال هذا العمر القصير ما لم يره كهل أو عجوز. عاش جمال الدبوز بؤس الطفولة، وسلطة الأب وقتامة المستقبل وقسوة الطوارئ، لكنه عاش أيضا حنان الأم، وإيمانها به وتشبث بالأمل، الذي أنقذه، خلافا للكثير من أقرانه أبناء الأصول المهاجرة، من الضياع وغياهب السجون. استطاع جمال أن يتسلق أدراج المجد رغم كل الصعوبات ورغم العاهة إلى أن أصبح واحدا من أشهر الفكاهيين الموهوبين. هذه مقتطفات من حياة غير عادية لشخص غير عادي. بعد نهاية تصوير فيلم Astérix وعد جمال التقنيين المغاربة بأنه سيستثمر شخصيا في السينما المغربية. أما الفيلم، الذي خرج إلى القاعات في 30 يناير 2002 وعرض في 945 قاعة عرض سينمائية فرنسية فقد شوهد 577 488 14 مرة، ليكون بذلك هو ثاني فيلم يحقق هذا الرقم في تاريخ السينما الفرنسية بعد فيلم « La Grande Vadrouille»، الذي شوهد 17 مليون مرة. وتطبيقا للعقد الذي يجمعه بالمنتج، حصل الدبوز على 2.120 مليون أورو، وهو ما جعل منه الممثل الفرنسي الأكثر دخلا على الإطلاق في سنة 2002؛ ويعود الفضل في ذلك، خاصة، إلى البند الذي ينص على أن يدفع المنتج لجمال ما قيمته 000 274 أورو، فضلا عن 0,14 أورو عن كل مشاهدة إذا تعدى عدد مشاهدات الفيلم في قاعات العرض 8 ملايين مرة. لقد كان هذا البند مربحا بالنسبة لجمال على اعتبار أن المنتج كلود بيري والممثلين الرئيسيين، دبارديو وكريستيان كلافيي، لم يكونا يتوقعان كل هذا النجاح للفيلم، علما بأن دبارديو حصل على 1.4 مليون أورو، وكلافيي على 1.65 مليون أورو. هذه النتائج الاستثنائية التي حققها الفيلم جعلت جمال يتصدر غلاف الملحق الاقتصادي الأسبوعي لصحيفة «لوفيغارو». أصبح جمال يفرض المبلغ الذي يريد مقابل أدائه في كل عمل فكاهي أو سينمائي. لم يعد يقبل بأقل من مليون أورو عن كل فيلم. وعلى هامش العروض التي صارت تتقاطر عليه من كل جانب، استمرت مداخيل جمال غير منقطعة بفضل العقد الإشهاري الذي وقعه مع شركة أورانجينا، التي دشنت حملة إعلانية تريد أن تجدد بها صورتها التي تقادمت في عيون المستهلكين. لقد أصبح جمال الدبوز رجل أعمال حقيقي بفضل أربعة مصادر مالية حقيقية هي: الإعلانات الإشهارية التي أنجزها في المغرب (اتصالات المغرب) وفرنسا، ومبيعات تسجيلات ال «في آش إس» وال «دي في دي» ومداخيل فيلم Astérix et Obélix, Mission Cléopâtre» والدبلجة التي قام بها لاستوديوهات ديزني (فيلم الدينصور). أما المال، فلا يخجل من كسبه، ولا من عرضه ولا من صرفه ولو بشكل مبالغ فيه انتقاما من الزمن الذي كان فيه معدما، فقيرا. يقول جمال: «تمنيت كل حياتي أن أملك ما أملكه اليوم. هرولت طيلة حياتي لأفعل ما أفعله اليوم، لأصعد إلى الخشبة، ولتنجح أعمالي، ولأقود أجمل السيارات، ولأستقبل مثل الأمراء في العلب الليلية ولأصطحب معي إليها 15 صديقا، ولأرتاد المطاعم الراقية. اليوم يريدونني أن أختبئ؟ لا يمكن. أنا أنظر إلى الناس في عيونهم، وليس لي أي مشكل مع المال، الذي أحصل عليه، والذي أعيش به.». لا يكترث جمال لقيمة المال؛ حتى عندما كان لا يتقاضى إلا 700 2 فرنك في الشهر بكوليج غاغارين، كان يتجه رأسا لشراء فردتي حذاء «نايك» مقابل أكثر من 000 1 فرنك. اليوم يفخر الدبوز بما حققه من نجاح، وبما امتلكه من أشياء قيمة كان يحلم بها... «حلمت دائما بأن أركب سيارة فيراري. وعندما حققت حلمي، أخيرا، أجلست جدي إلى جانبي في السيارة من فرط فخري بما أنا فيه. وعندما رأى الحصان، رمز فيراري كما هو الأسد رمز طراز بوجو، قال لي: «أي سيارة بوجو هاته؟» قلت له: «إنها سيارة فيراري.» فأجابني: «هي فيراري، موديل بوجو، إذن !».» النجاح الذي حققه جمال أخل إلى حد ما بالتوازن القائم بالبيت والمبني على سلطة الأب. بل إن جمال نفسه شعر بنوع من الذنب تجاه كونه صادر من والديه، فجأة، الإيقاع الذي كانت تسير عليه حياتهما البسيطة. يستعيد جمال بعض تفاصيل هذا التحول حين يقول: «عندما تسلمت 5 ملايين فرنك عن دوري في فيلم Astérix، فكرت مباشرة في أبي الذي عمل في شركة كوماتيك بممرات الميترو مقابل 000 5 فرنك في الشهر...». أما الأم فاطمة، فهي سعيدة بنجاح ابنها، وإن كانت لم تستطع إخفاء تضايقها عندما دعاها ابنها إلى العشاء في أحد أفخر المطاعم أو عندما ملأ لها عربة التبضع بأرقى المنتوجات من أحد أكبر الأسواق الممتازة. لكن ما يقلقها هو أن ترى ابنها ينفق الكثير من الأموال في أشياء تافهة وسطحية. لكنها تصبح غاية في السرور عندما يقدم جمال بطاقات سفر للعائلة كلها لتسافر إلى المغرب حيث تلتقي بجذورها العائلية. وأما الوالد أحمد، فقد أقعده المرض على العودة إلى ممرات الميترو، فأوصى به أحد أكبر الأطباء المختصين في الأعصاب بالدار البيضاء. إلا أن شهرة جمال ونجاحه بدآ يغيران من طبيعة علاقة السلطة بالبيت؛ إذ لم يعد الأب احمد صاحب الحل والعقد كما في الماضي؛ بيد أن الأب صار يستفيد من حياة الترف التي يعيشها ابنه. الأخوان مومو وكريم كذلك حققا بعضا من أحلامهما حين اصطحبهما جمال، في رحلة العمر، إلى أمريكا؛ إلى كاليفورنيا حيث لوس أنجلس وهوليود واستوديوهات السينما وسيارات كادياك وشاطئ ماليبو... أي كل ما شكل حلمهما في الحياة. هناك في بلد الأحلام الكبيرة، التقى جمال بصديقه، سنوب دوغ، مغني الراب الأفروأمريكي؛ بينما تتابع مسلسل الأحلام باللقاء مع المخرج سبايك لي، الذي اقترح على جمال المشاركة في فيلمه القادم. لم يكن جمال ليرفض، لأن الفكرة ستفتح له، ربما، عوالم أخرى. فالمخرج ليس بالنكرة في عالم هوليود. غير أن ثمة عائقا حال دون جمال والفوز بدور مهم. فالفكاهي المغربي الفرنسي لا يتقن اللغة الإنجليزية؛ لذلك اكتفى في الأخير بدور ثانوي في فيلم «She hate me»، وهو دور حارس عمارة. اتفق المخرج الأمريكي وجمال أيضا على أن يوقع الأول «دي في دي» العمل الفكاهي، وان مان شو، الذي كان ينوي إنجازه رفقة صديقه قادر عون، إلا أن الاتفاق ظل كلاما ليس إلا.