في خطوة غير مسبوقة، قرر بضعة شبان مغاربة أطلقوا على أنفسهم «الحركة البديلة من أجل الدفاع عن الحريات الفردية»، المعروفة اختصارا ب«مالي»، الإفطار العلني في نهار رمضان احتجاجا على القانون الجنائي المغربي الذي يجرم الإفطار في نهار رمضان واجتجاجا أيضا على ما أسمته الحركة ب«الاعتقالات» التي طالت العديد من المفطرين المغاربة في مراكش والدار البيضاء والرباط خلال شهر رمضان الحالي، فيما ينفي مصدر أمني رفيع المستوى وجود أي اعتقالات لمفطري رمضان، مشيرا في هذا السياق، في اتصال مع «المساء»، إلى أن مصالح الأمن لم تعتقل، طيلة الأيام المنصرمة من رمضان الجاري، أي مواطن بتهمة الإفطار في نهار رمضان على امتداد التراب الوطني وأن كل ما راج بخصوص هذه القضية مجرد إشاعات وأنباء عارية من الصحة. واختار المنتسبون إلى هذه الحركة، التي تتزعمها الصحافية زينب الغزوي عن مجلة «لوجورنال» وطبيبة نفسية تدعى ابتسام لشكر وأسماء أخرى، أن يتناولوا وجبة غداء في نهار رمضان في جلسة جماعية كان منتظرا أن يحتضنها، أول أمس الأحد، فضاء غابوي بضواحي مدينة المحمدية بعد أن وجهوا نداء مفتوحا عبر «الفايس بوك»، قبل أسبوعين، إلى كل الراغبين في الانضمام إلى هذه الجلسة الجماعية من أجل الإفطار نهارا في رمضان. وشوهد، أول أمس الأحد في حدود الساعة الحادية عشر والنصف صباحا بمحطة القطار بالمحمدية، عدد من الشبان وبعض الأجانب الذين لبوا نداء الإفطار العلني، وهم يحملون حقائب ولوازم خاصة بهذه المناسبة ووجبات خفيفة ومأكولات شملت «الفقاص» والخبز والسكر والماء، غير أن عناصر الأمن، بمختلف أجهزتها السرية والعلنية وقوات التدخل السريع والقوات المساعدة وفرق أمنية بدراجات نارية وأخرى بخيول، طوقت منافذ القطار منذ الساعات الأولى من صباح أول أمس وحاصرت منتسبي الحركة ومنعتهم من تنفيذ إفطارهم العلني. وكادت الأمور تتطور إلى الأسوأ، خاصة بعد أن دخل على الخط بعض شباب المدينة الذين تناقلوا الخبر عبر هواتفهم النقالة وتوزعوا في شكل مجموعات حول محطة القطار بعد أن اعتبروا الإفطار في نهار رمضان من قبل مغاربة في جلسة جماعية وعلنية استفزازا لشعورهم الديني، قبل أن تتدخل الأجهزة الأمنية لتفريقهم والحيلولة دون وصولهم إلى المحطة. واضطر المنتسبون إلى حركة «مالي» إلى الانسحاب من محطة القطار والعدول عن تنفيذ الإفطار العلني بعد أن كان منتظرا أن يشارك فيه أكثر من 70 شخصا جاؤوا من عدة جهات في المغرب فيما يقول مصدر من عين المكان إن عدد هؤلاء المفطرين لم يكن يتجاوز ال10. وقالت الصحافية زينب الغزوي، في اتصال مع «المساء»، إنها فوجئت بحجم الاستنفار الأمني الذي شهدته محطة قطار المحمدية لمجرد أن مجموعة من المواطنين المغاربة قرروا أن يفطروا نهارا في رمضان احتجاجا منهم على ما أسمته ب«الاعتداءات» التي يتعرض لها المفطرون في رمضان، مشيرة في هذا السياق إلى حادث «اعتداء جماعي، حسب قولها، تعرض له مواطن مغربي من طرف مجموعة من الناس عندما شرب ماء في نهار رمضان خلال السنة المنصرمة لأسباب صحية باعتباره مصابا بداء السكري، غير أن الناس هاجموه وسلموه إلى الكوميسارية دون أن تبادر عناصر الشرطة إلى اعتقال المهاجمين بتهمة الاعتداء على مواطن». واعتبر مصطفى بنحمزة، عضو بالمجلس العلمي الأعلى، أن الخروج العلني لعينة من الناس المحسوبين في خانة الأقليات للإفطار في نهار رمضان هو بمثابة بوادر فتنة اجتماعية وبؤس حقيقي في فهم معنى الحريات وتحديا سافرا للضمير الجماعي للمغاربة، محذرا، من اللعب بالنار في القضايا التي تهم استقرار وأمن البلاد. وقال بنحمزة إنه حتى الأجانب، الذين لا يصومون رمضان عندما يزورون المجتمعات الإسلامية، فإنهم يحرصون على احترام تقاليد وعادات شعوبها، فيما تقول زينب الغزوي إنها شخصيا لا تصوم اقتناعا منها بأن الصيام شأن شخصي ويهمها لوحدها دون غيرها وليس من حق أي شخص أن يفرض عليها بقوة القانون أن تصوم، مشددة على أنها ضد اعتبار أن كل مغربي هو بالضرورة مسلم ومفروض عليه أن يصوم، وإذا لم يصم فينبغي أن يقاد إلى السجن. وحول ما إذا كانت هذه الدعوة إلى الإفطار العلني في نهار رمضان هي بمثابة استفزاز للشعور الديني للمغاربة قالت الغزوي إن حركتهم مغربية والمنتسبون إليها مغاربة ولا يقتصر عملها على هذه القضية المرتبطة برمضان، وإنما تمتد أنشطتها إلى كل القضايا المصنفة ضمن خانة «الطابوهات» التي تعيق تطور الحريات الفردية في المغرب كبلد صادق على اتفاقيات ومواثيق دولية تقضي باحترام الحقوق الفردية والجماعية للمواطنين بدون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق أو اللون.