يعرف المشهد السياسي المغربي سخونة غير عادية، خلال هذه الأيام، سببها التفاعلات الحادة داخل عدد من الأحزاب التي ينتظر أن تشهد تغييرات أساسية مع الدخول السياسي الحالي. ومن المنتظر أن تنعكس التفاعلات الحزبية على مستوى البرلمان الذي يستعد بدوره لمناقشة قانون للمالية يعد لمواجهة أزمة مالية دولية انعكست آثارها بحدة على قطاعات أساسية منها السياحة والاستثمارات الأجنبية والصادرات الوطنية. وزاد داء الخنازير» من حدة الضغوط المفروضة على الحكومة التي توجه لها انتقادات شديدة وتتهم بعدم نجاحها في الالتزام بما تعهدت به في التصريح الحكومي. وتحمل المركزيات النقابية لواء مناهضة حكومة عباس الفاسي، ويتطلع المراقبون إلى تتبع حلقات جديدة من مسلسل الحوار الاجتماعي الذي توقف عند الباب المسدود قبل شهر يونيو الأخير. جرت العادة في المغرب على الحديث عن الدخول السياسي والاجتماعي والثقافي، قياسا على الدخول المدرسي، وتقليدا للبلدان الديمقراطية التي يجري فيها الحديث عن الدخول السياسي، يتم فيه تقويم حصيلة العمل الحكومي للعام السابق، استنادا إلى تعهدات الحكومة في برنامجها الذي تتقدم به أمام البرلمان والرأي العام، وإقامة جرد بالملفات الباقية التي تنتظر واستشراف آفاق المستقبل، كما يشهد الدخول السياسي والثقافي إقامة ندوات ولقاءات للنقاش بين المسؤولين والإعلاميين في وسائل الإعلام العمومية لتنوير الرأي العام. وإذا افترضنا صحة الحديث عن دخول سياسي في المغرب، لأن التجارب الماضية علمتنا أن العطلة غالبا ما تكون مناسبة لإثارة أحداث معينة، فإن المغرب لم يعش صيفا فارغا هذا العام حتى نعتبر أن هناك دخولا سياسيا بالفعل. فمنذ شهر يونيو الماضي انطلق مسلسل الانتخابات الجماعية البلدية والقروية، وهو المسلسل الذي لن ينتهي إلا مع تجديد ثلث مجلس المستشارين في شهر أكتوبر المقبل، ومعنى ذلك أن النخبة السياسية في المغرب لم تأخذ عطلة بسبب الغليان الانتخابي. ويتوقع مراقبون من الآن أن يحقق حزب الأصالة والمعاصرة اكتساحا قويا في انتخابات تجديد ثلث الغرفة الثانية للبرلمان، لتقوية حضوره السياسي داخل القبة التشريعية لرفع سقفه التفاوضي مع الأحزاب السياسية في أفق استقطاب حلفاء سياسيين، مسنودا بنتائج قوية في الانتخابات المحلية التي أعطته موقعا معتبرا بين الأحزاب السياسية رغم حداثة ظهوره. وبينما يتجه حزبا العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نحو التحالف فيما بينهما وإنشاء «جبهة مشتركة»، حسب تصريحات مصطفى الرميد، البرلماني عن نفس الحزب، بعد التقارب الذي حصل بين خصمي الأمس في انتخابات 12 يونيو الماضي، ما يعني أن حزب الأصالة والمعاصرة سيكون هو المستهدف من ذلك التحالف، فإن هذا الأخير من المنتظر أن يلجأ إلى تجديد تحالفه مع حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي تحالف معه في العام الماضي على مستوى الفريق البرلماني المشترك، مترقبا ما ستسفر عنه الصراعات الطاحنة داخل حزب الحمامة ورغبة بعض الأطراف في إزاحة مصطفى المنصوري من رئاسة الحزب لحساب شخص آخر يكون أكثر تعاطفا مع حزب محمد الشيخ بيد الله، يقول الكثيرون إن المرشح ليحل محله هو وزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزوار، الذي جاء إلى حزب أحمد عصمان من باب الاستوزار. وقد أعرب حزب الأصالة والمعاصرة، منذ خروجه إلى المعارضة، عشية الانتخابات الجماعية، عن طموحه في رئاسة الغرفة الثانية، لذا من المتوقع أن يشهد الدخول البرلماني المقبل حراكا سياسيا قويا لإزاحة المعطي بنقدور، العضو في حزب الأحرار، من رئاسة الغرفة لصالح محمد الشيخ بيد الله الذي تقول مصادر مطلعة إن حزبه يريد تجريد حزب الحمامة من واحدة من غرفتي البرلمان، كون هذا الجمع بين غرفتين نادرا ما تحقق لحزب واحد، مما أعطى لحزب التجمع ورقة سياسية قوية للبرهنة على نفوذه الانتخابي. ومن الملفات التي سينظر فيها البرلمان في دورته الخريفية المقبلة مشروع مدونة السير على الطرقات، التي لا تزال معلقة بسبب غضب المهنيين وتعنت وزارة كريم غلاب في قبول مطالب العاملين في القطاع. ومن شأن إثارة هذا الملف مجددا أن يعيد أجواء الاحتقان بين النقابات المهنية وحكومة عباس الفاسي، بعد الإضراب الواسع الذي قام به المهنيون قبل أشهر وعطل الحركة في البلاد. وإلى جانب ذلك هناك ورش إصلاح القضاء الذي ستجد حكومة عباس الفاسي نفسها في مواجهته، بعد التعليمات الملكية بالإسراع في هذا الملف الذي بات يسيء إلى سمعة المغرب في الخارج ويثير استياء المواطنين والفاعلين في الداخل.